الفصل الحادي عشر قررت المغادرة

وقف بدر والضيق يظهر على وجهه:

-ما الذي حدث يا بيلا؟ أنا لم أقل شيء كهذا، توقفي عن اساءة الظن بي إذا سمحتِ.

تركهم وغادر بينما بيلا التزمت الصمت وقد كانت ملامحها جامدة عكس العادي، تبادلت بيري النظرات مع والدتها للحظات قبل أن تعيد النظر إلى بيلا بملامح ارهقها البكاء:

-يمكنكي أن تخبريني بالوقت المناسب لكِ للخروج يا بيلا.

وقفت أسماء في هذا الوقت واتجهت إلى مكتب بدر لتجده يتابع بعد الأوراق الخاصة بالأراضي والخاصة بهم والميزانية الخاصة بالتوريدات الذي كان يقوم بها، تحدثت إليه فور اغلاقها الباب عليهم:

-يجب أن نتحدث في كل شيء يحدث يا بدر، اخبرني هل أنت راضي عن كل هذا؟!

نظر بدر لها وقد خيم الاحباط على عينيه:

-ما الذي تريدي مني أن أقوم به يا أمي؟ بسبب أنس رأيت كم كنت شخص سيء وتسببت في أذى لهذه الفتاة، أنا حقًا أشعر بالاحباط والخذي أمام كل ما يحدث، الفتاة ظُلمت ونحن لم نكن نرى هذا، لقد بت أشعر بالخجل من فكرة أن أنس يكون أخي، هل أنتِ مدركة لهذا الشيء يا أمي؟!

اجتمعت الدموع داخل عينيها وهي تومأ له، تعلم أن الحق معه، لم يعد هناك ما يمكنها أن تقوله لتدافع عن ابنها الذي مات تاركًا من خلفه أخطاء لا تعد ولا تحصى، حاولت أن تتجاهل كل شيء وتحدثت إلى بدر بهدوء:

-جلوس بيلا معنا هنا ليس صحيح يا بدر، الأمس تحدثت أمل وانتقدت ما يحدث ولكنها لن تكون آخر من يتحدث، سوف تزداد الأمور سوءً وينتشر حديث لا نريده إن استمر الوضع على هذا الحال.

نظر بدر لها وهو يحرك رأسه باستنكار شديد:

-تريدينا أن نقوم بطردها وهي في هذه الحالة يا أمي! نحن نعلم أنها يتيمة ولا يوجد مكان لتذهب إليه، لا أعلم ما الذي جعل أنس يجلبها إلى هنا وعلى وشك أن أفقد عقلي بدون مبالغة.

ترددت أسماء في التحدث وهي تعلم أن ابنها سوف يغضب ولن يتقبل هذا الأمر مثلما تريد هي:

-لا أرى شيء مناسب في هذا الوقت يمكنه أن يصلح الأمر سوى زواجك بها يا بدر.

ابتسم بدر ساخرًا وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:

-من الأكيد أنكِ تمزحين معي يا أمي، هذا لا يمكنه أن يكون شيء سوى مُزاح.

حركت أسماء رأسها بنفي وهي تتحدث إليه بثبات من جديد:

-أنا أعني الشيء الذي أقوله يا بدر، زواجك من بيلا سوف يحل كل شيء، هي ليست زوجة شقيقك بل هي الفتاة التي ظُلمت في هذه الحكاية، لا يمكنك أن تتردد في هذا القرار.

وقف بدر مبتعدًا عن مكتبه ليجلس على الكرسي المواجه للكرسي التي تجلس عليه:

-أمي هل أنتِ مدركة للشيء الذي تقوليه؟!

اجابته أسماء وهي تومأ له:

-لقد فكرت جيدًا يا بدر، هي لم تتزوج بشقيقك كما كنّا نفكر وهذا يعني أن لا مشكلة بزواجك منها، صدقني أنا أفكر في الجميع.

أشار بدر على نفسه وقت اشتعل الغضب داخل عينيه:

-أمي انا شخص متزوج هل أنتِ مدركة لهذا الشيء؟ هل لديكِ فكرة عن الشيء الذي ستفعله أمل والحالة السيئة التي ستمر بها يا ترى؟!

اجابته أسماء بثباتها المعهود وهي تتحدث بجدية:

-هي لم تراعيك يومًا حتى تراعيها الآن يا بدر، هي كل ما يهمها في هذه العلاقة استغلالك واستغلال منصبك كعمدة في قرية دمنهور، بيلا فتاة تحتاج للمساعدة ولا يصح أن تبقى وهي غريبة عنك، كما أنها فتاة طيبة القلب وربما بسببها سوف تصبح أب و..

قاطعها بدر بوقوفه وانفعاله الشديد:

-أمي أرجوكِ أنا لا أريد التحدث في هذا الأمر، قولتها من قبل وسوف أقولها من جديد، الانجاب لا يفرق معي وهذا الشيء لا ذنب لأمل به، هي زوجتي وأنا أقدرها.

سألته أسماء باستنكار:

-اخبرني يا بدر هل تقدرك زوجتك كما تقدرها أنت؟ لقد اخبرتها أن لا تذهب إلى الزفاف الخاص باقاربها التي لا تعرف عنهم شيء والجميع يعرف سمعتهم السيئة، مع ذلك أصرت على الذهاب وتحاملت أنت على نفسك، هل تظنني لا أعرف لماذا ارسلت معها بيري؟

مسح بدر على وجهه بارهاق شديد وهو يتحدث إلى والدته بحزم:

-هل يمكنكي أن تتوقفي عن هذا يا أمي؟ أمل قد تغيرت ولم تعد تلك الفتاة الشقية التي ستقوم بعمل الكوارث، ارسلت معها بيري حتى أطمئن عليها وليس من أجل مراقبتها، توقفي عن فتح هذا الأمر.

وقفت أسماء في هذا الوقت أمامه وهي تنظر إلى عينيه مباشرة:

-بيلا تم ظلمها والقاها القدر في طريقنا، ألا تظن أنها موجودة هنا لعلة ما؟ ربما تكون نصيبك في النهاية من يعلم يا بدر؟ فكر جيدًا في الأمر، فكر في كل كلمة قولتها إليك يا بدر.

تركته وهي تشعر بالكثير من الضيق، لا تعلم إلى متى سيبقى بدر صامتًا على أفعال زوجته، هدأت وهي تعلم أن ابنها ذات قلب طيب ولا يريد أن يجرح أي شخص بالأخص إن كان يخصه.

في مكان آخر كانت صرخات أمل تتعالى في المكان ولا يوجد من يستطيع مساعدتها، تحدثت بألم من بين دموعها:

-أرجوك يا أبي توقف عن ضربي، أنا لم أخطأ في شيء وبدر هو من اضطرني لمغادرة المنزل أقسم لك.

لم يتوقف والدها عن ضربها وهو يتحدث إليها بغضب شديد:

-أنا لم أصدق وقومت بتزويجكِ إلى شخص جيد ومن عائلة الدمنهوري، بينما أنتِ لا تتوقفي عن مغادرة منزلكِ لأسباب تافهة، عزمتي على ترك زوجكِ من أجل حازم ابن خالتكِ أليس كذلك؟ ألم تكوني تحبيه في السابق؟!

كانت أمل منهارة في البكاء وهي تشعر بالألم من ضربات والدها والإهانة التي تتجرعها بنفس مكسورة:

-لقد كان هذا في الماضي يا أبي ولم توافق وأنا وافقت على كل شيء قولته وتزوجت ببدر، أنا لا يمكنني أن أفعل أكثر من هذا صدقني.

قام بركلها أثناء سقوطها على الأرض والغضب يملأه وعاد ليحذرها من جديد وهو يستمع لطرقات ابنه وزوجته على الباب الذي كاد أن يتهشم:

-أنا أحذركِ يا أمل، سوف يأتي زوجكِ ويراضيكِ وإن عدتِ لي من جديد أنا سوف أقضي عليكِ صدقيني.

خرج من الغرفة ليقوم بدفع زوجته والرحيل، لم تهتم هي وعلى الفور ذهبت إلى ابنتها وقد تساقطت دموعها حزنًا على حالها:

-أنا أسفة يا حبيبتي، أتمنى من الله أن ينتقم من كل ظالم، أتمنى من الله أن ينتقم من هذا الشخص ومن كل ظالم عديم للضمير والعقل مثله.

قام عز بمساعدة أمل لتجلس على السرير ومن ثم أتى بالقطن والمطهر ليقوم بتطهير جروحها:

-اخبرتكِ أن تتوقفي عن مضايقة والدكِ يا أختي، لقد كنت أخشى عليكِ من غضبه هذه المرة وها قد تسبب لكِ في الكثير من الجروح ويظن أن هناك شيء بينكِ وبين حازم لهذا السبب سافرتي إلى الزفاف الخاص بأقاربنا وبقيتِ أيام في منزلهم.

انهارت أمل في البكاء وهي تحرك رأسها بنفي وعدم استيعاب:

-كيف يفكر بتلك الطريقة؟ أنا فتاة متزوجة ومن المستحيل أن أقوم بخيانة بدر مهما حدث، حتى لو لم أكن أحبه، لكنني أحترمه وأحترم أنني زوجته يا عز، صدقيني يا أمي أنا وحازم لم نتحدث معًا حتى لعشر دقائق، كانت بيري معي طوال الوقت ويمكنكم أن تسألوها.

قامت والدتها بضمها وهي تربت على ظهرها:

-أنا لا أعلم كيف يفكر والدكِ إن كان لا يثق في مشاعركِ لماذا اجبركِ على الزواج ببدر؟!

انهارت أمل في البكاء أكثر ومن ثم تحدثت من بين دموعها وهي لا تستطيع أن تواكب كل شيء يحدث:

-لقد سئمت يا أمي صدقيني، لقد تعبت من كل شيء، أنا أشعر بالألم ولا أحد يفهمني، لقد ازدادت معاملة أبي سوءً بعد أن علم أنني لا أستطيع أن أنجب وأنا ألاحظ هذا الشيء يا أمي، لقد جعلني أكره كل شيء حتى أنني اوشكت على كره نفسي.

في منزل بدر في تمام الساعة الثالثة مساءً كانت بيلا في غرفة بيري وهي تشعر بالحيرة:

-هذه الفساتين كيف ترتديها فوق بنطال لا أفهمكِ.

حركت بيري رأسها بنفي وهي تشير تجاهها:

-أولًا هذا ليس بنطال يا بيلا وانظري إلى هيئتكِ تبدين جميلة حقًا.

حركت بيلا رأسها بضيق وهي تتأمل هيئتها وتمسح جبينها بانفعال شديد:

-أنا أشعر بالحر سوف أبدل هذا الفستان ذات الأكمام الطويلة وارتدي شيء أخف.

خرجت من الغرفة بينما بيري ضربت جبينها بانزعاج شديد وهي تحرك رأسها بفقدان أمل:

-سوف يتشاجر معنا بدر بسببكِ يا بيلا أنا أعلم هذا وأنتِ لا تتوقفين عن التصرف بتلك الطريقة أيتها المتمردة.

انتهت من ارتداء فستانها ذات الأكمام الرفيعة وخرجت من الغرفة وهي تقوم بضبط شعرها، التقت ببدر الذي خرج من غرفته وهو ينظر لها بضيق شديد، مرت من أمامه دون اهتمام بينما هو ناداها بحزم:

-خروجكِ بتلك الهيئة غير مقبول يا بيلا أظن أننا تحدثنا في هذا الأمر من قبل!

نظرت بيلا له وقد بدت نظراتها غريبة عكس العادي، تحدثت بغطرسة وهي تحرك رأسها بتهكم شديد:

-أنت من تحدثت يا بدر ولست أنا، أنا لا أهتم لهذا الحديث الفارغ، لم أعد أهتم بشيء سوى الذي أريده أنا، أظن أن هذا من حقي، أم أنك تنتظر دورك لتعرف كيف تكسرني؟

حرك بدر رأسه بعدم استيعاب:

-هل تسمعين نفسكِ ماذا تقولين؟ أنا لا يوجد لدي نية للتسبب في أي أذى لكِ يا بيلا، أنا لا أريد لكل شيء حدث أن يؤثر عليكِ وعلى عقلكِ، لقد مات أنس يا بيلا افهمي هذا الشيء.

حاولت أن تسيطر على نفسها وهي تشعر أن أنفاسها على وشك أن تتلاشى، لا تعلم ما الذي عليها أن تقوله له ولكنها في الحقيقة ترتعب خوفًا من كل شيء حدث ومن كل شيء تفكر في حدوثه:

-لا تهتم لأمري يا بدر، لا تحمل همي أيضًا أنا سوف أستعد لمغادرة المنزل، لقد تحسنت حتى يمكنك أن تنظر إلى ذراعي هو على وشك أن يُشفى، لا تتحمل الذنب.

تركته وذهبت إلى غرفة بيري التي ما إن رأتها حتى اتسعت عينيها وهي تحرك رأسها بعدم استيعاب:

-هل تريدي الخروج من هنا بتلك الهيئة يا بيلا؟ لن يكون الوضع جيد بالأخص في القرية صدقيني هناك بعض الرجال سيئيين للغاية لن تشعري بالراحة من نظراتهم.

نظرت بيلا لها وهي تجيبها بهدوء:

-اعتبري أن هذا اليوم الأخير لي في هذه القرية يا بيري، لستِ مضطرة لتحمل مسؤوليتي بعد الآن.

تعجبت بيري وهي تنظر لها:

-إلى أين سوف تذهبين؟

اجابتها بيلا وكأنها فقدت مشاعرها بالكامل:

-سوف أذهب من حيث أتيت، لا تشغلي بالكِ، لست طفلة صغيرة سوف تستمروا بالقلق عليها.

امسكت بيري يدها وهي تحرك رأسها بنفي:

-بيلا أنتِ لستِ حمل علينا، صدقيني لا أحد يتمنى لكِ الأذى، أرجوكِ لا تفكري بتلك الطريقة.

سحبت بيلا يدها من بيري وهي تحرك رأسها بعدم استيعاب:

-كيف لم يعلم أحد بالشيء الذي كان يخطط له أنس، أنا أتذكر حديثه هو كان يحبكم كثيرًا، كان يقول أن سره فقط مع والدتكِ، كيف فعل شيء كهذا؟ لقد أتى بي هنا حتى يستغلني ومن ثم يقوم بطردي ولا أحد يمكنه الوقوف معي ومساندتي هل تظنين أنه لم يكن واثق برد فعلكم جميعًا؟

ابتلعت بيري ما بحلقها وهي تشعر بالحزن على بيلا واصابها الضيق من طريقتها في الحديث واتهامها الصريح إليهم:

-بيلا لا تقولي هذا أرجوكِ من المستحيل أن نسمح بهذا الشيء، نحن لسنا سيئيين ونعرف أن مهما طال الظلم سوف يكون له نهاية وسوف تتم معاقبة صاحبه، أنا لا انكر صدمتي بالشيء الذي فعله أنس، لكن صدقي أننا لم نكن نعرف أي شيء.

قاطعهم بدر في هذا الوقت وهو يتحدث إلى بيلا بحزم:

-أظن أن عليكِ زيارة طبيب نفسي حتى تستطيعي أن تتجاوزي كل شيء حدث، لقد بدأتي التمرد بالطريقة الخاطئة يا بيلا.

نظرت له لتواجهه بنظرات مشتعلة:

-أنت لا يوجد لك شأن بي، دعني أقوم بتذكيرك كيف عاملتني من قبل وقومت بسحب شعري في بداية وجودي في هذا المنزل، قولت الكثير من الكلام المهين لي وتحملته من أجل أنس! لأنني لم أكن أريد خسارة زوجي، هل تصدق هذا يا بدر؟!

اجابها بدر وهو يحرك كتفه بعدم اكتراث وتحدث بما تسبب في استفزازها أكثر:

-هذا الشيء لا يخصني يا بيلا، لا يخصني أنكِ كنتِ تتنازلي عن كرامتكِ من قبل حتى تنولي رضى الشخص الخاطئ يا بيلا.

نظرت له بغضب واتجهت إلى الأسفل بانفعال شديد:

-سوف ينتقم الله منكم جميعًا، أنا لن أسامح أحد.

رأتها أسماء تخرج بانفعال من المنزل وتبعتها بيري ومن بعدهم بدر لتوقفه:

-ما الأمر يا بدر؟ هل تحدثت مع الفتاة في شيء ما؟!

حرك بدر رأسه بنفي والضيق يسيطر عليه، اجابها بهدوء راجيًا أن يتوقف عن الغضب ولو ليوم واحد:

-عن أي شيء سوف نتحدث يا أمي! هذا الأمر أنا لا أفكر فيه، الأمر منهي.

أوشك على الذهاب لتمسك أسماء بيده وهي تحرك رأسها بنفي:

-انتظر يا بدر إذا سمحت، لا يمكننا أن نتركها بعد كل شيء حدث، هذه الفتاة لا تستحق يا بُني.

أوشك على التحدث ولكن قاطعهم صوت شاب يدخل إليهم وبجواره فتاة للمرة الأولى يروهم، سأله الآخر باسمًا:

-هل بيلا تعيش هنا؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي