الفصل الواحد والعشرون تغار

بالفعل خرج كلًا من بدر وبيلا، كانت تسير بجواره وهي تشعر بالقلق كلما نظر أحد تجاههم، نظر بدر لها بتعجب وهو يراها تسير كما لو كانت على وشك الالتصاق به:

-ما المشكلة يا بيلا؟ هل هناك شيء يضايقكِ؟!

ابتلعت بيلا ما بحلقها وهي تشعر بالكثير من الارتباك:

-لا يوجد شيء، أشعر بالقلق لا أعلم لماذا ينظرون تجاهنا؟!

أمسك بيدها وهو يحاول جعلها تهدأ، لا يعلم لماذا تغيير وجهها هكذا وكأن شيء ما يُطاردها:

-اهدئي يا بيلا لا يوجد شيء، ينظرون تجاهنا فقط لأنكِ تسيرين بجواري، هذا الأمر طبيعي للغاية، فتاة جميلة مثلكِ تسير بجواري بالتأكيد هذا الأمر ملفت.

ابتسمت بيلا وهي تنظر له، بينما هو شعر بالراحة أنه نجح في تهدئتها قليلًا، نظرت له وهي تتذكر حديثه إلى أنس وكيف كان يتحدث بصدق، هو لا يكذب عليها، لم يتحدث معها في هذا الأمر في الأصل حتى يكذب عليها، قاطع شرودها حديثه:

-ما الأمر يا بيلا؟ لماذا تنظرين لي بتلك الطريقة يا ترى؟!

ابتلعت ما بحلقها وهي تبتسم وتحرك رأسها بنفي:

-لا يوجد شيء، الأسود يليق بك يا بدر، هذا ما أردت قوله.

ابتسم لها ومن ثم سار معها وهي تتابع كل شيء في هذه القرية، لم يكن الأمر سيء بالنسبة لها، علمت أن الكثير من الأشخاص هنا يحترموا بدر، لقد كان يتم الترحيب بهم كلما وصلوا إلى جمع من الناس وكان بدر يرد بكلمات مختصرة ويتابعوا سيرهم، وصلوا إلى مطعم أنيق الهيئة وهي نظرت له بحيرة:

-لم تقل أننا سوف نأكل بالخارج.

ابتسم وهو يشير لها لتتقدم:

-رأيت أن هذا أفضل، التغيير مطلوب يا بيلا ألست محق؟

اومأت له وهي تبتسم:

-بالطبع محق.

جلسوا معًا وكان بدر صامت، حاولت فتح حديث معه لتقول:

-لماذا أنت هادئ اليوم هكذا؟ هل يوجد مشكلة يا ترى؟

حرك بدر رأسه بنفي وهو يجيبها دون النظر لها:

-لا يوجد شيء، توقفي عن اشغال بالكِ يا فتاة.

حركت بيلا رأسها باستنكار:

-أنا لا أشغل بالي بشخص غيرك يا بدر، نحن الآن نتشارك كل شيء ألم يكن هذا حديثك؟!

أومأ لها ومن ثم نظر لها:

-في الحقيقة أفكر في الشيء الذي سوف يحدث في الفترة القادمة، قلق المستقبل أظن أنكِ تعرفيه جيدًا.

اجابته بتحفز والابتسامة تزين وجهها:

-هناك شخص علمني أنه من الضروري التوقف عن القلق فورًا، لا يمكننا أن نترك القلق ليؤثر على حياتنا، أنا أثق به ولهذا السبب أحاول أن أفعلها يا بدر.

نظر بدر لها بتعجب وهو يسألها بحيرة:

-من يكون هذا؟

ضحكت بيلا وهي تشير تجاهه:

-أنت يا بدر ألم تعرف حقًا؟

ابتسم وهو يراها تتحدث إليه بتلك الطريقة، لا ينكر أنه يشعر بشيء غريب كلما التقت عينيه بعسليتها، يشعر أن هناك ود بينه وبينها، لا يعلم سبب هذا الشيء وهو يعلم أنه لم يحبها، لكن هذا الشعور يحتار في أمره كثيرًا!

تناولوا الطعام بعد أن أتى النادم وأخذ طلبهم ليقوم بتحضيره، أما في منزل بدر تفاجأت كلًا من أسماء وبيري بعودة أمل المفاجأة عكس العادي، رأت أمل كيف تبدلت وجوههم لتبتسم باصطناع:

-يبدو أنكم شعرتما بالافتقاد لي كثيرًا، أظن أن بدر سوف يتفاجأ مثلكم تمامًا، لهذا السبب أنا أتيت؛ فأنا أحضر له مفاجأة سوف تنال اعجابه.

ابتسم أنس الذي كان يتابع كل شيء على بعد منهم ولا يصدق أنه استطاع أن يؤثر عليها ويجعلها تأتي بهذه السرعة، اقترب ليرحب بها:

-كيف حالكِ يا زوجة أخي؟ لقد شعرت بالكثير من الحزن عندما أتيت إلى هنا ولم تكوني موجودة، لكن من الجيد أنكِ هنا الآن.

ابتسمت أمل بصعوبة وهي تكمل في تمثيلها:

-لقد انتشر خبر حياتك يا أنس، من الجيد أنك بخير، أتمنى أن تكون على ما يرام دائمًا.

نظرت حولها ومن ثم نظرت تجاه أسماء وعي تسألها بحيرة:

-أين بدر يا أمي؟

اجابتها بيري وهي تشعر بالكثير من الارتباك وتتساءل هل علمت بأمر زواج بدر وبيلا أم ما زالت لا تعلم، بالتأكيد لا تعرف وإلا لن تكون بهذا الهدوء، عليها أن تنتظر بالخارج وعندما يعودوا لا تدخلهم سويًا حتى يستطيع بدر التحدث معها في الأمر:

-بدر خرج ليمر على الأراضي كما تعرفين، سوف أخرج وأرى هل أتى أم ما زال في الخارج.

اومأت أمل لها ومن ثم اقتربت من أسماء بحيرة:

-هل بيلا ما زالت هنا؟ أم أنها ذهبت قبل عودة أنس؟

نظرت أسماء لها وهي تحاول السيطرة على أعصابها، لم تكن تريد منها المجيء الآن، لا تنكر أنها كانت ترغب في استمرار سعادة ابنها التي كانت تظهر على وجهه بوجوده مع بيلا، لقد كانت تسمع ضحكاتهم وتحدياتهم ولم تصدق أبدًا أن هذا الشخص هو نفسه ابنها!

اعادت أمل سؤالها وهي تبتسم حتى تداري الغضب التي شعرت به:

-ما الأمر يا أمي؟ هل هذا السؤال صعب الإجابة عليه؟! لا تفكري في مشاعري أنا لن أغضب من وجودها، على كل حال أنس هنا ويمكنه أن يصلح كل شيء معها أنا كنت مجرد فتاة تحاول المحافظة على بيتها وزوجها.

اوشكت على الصعود من بعدها وهي تريد الابتعاد عن الجميع وترك الحرية إلى مشاعرها في التعبير عن كل ما يغضبها، لكن اوقفها حديث أسماء التي جعلتها تشعر أنها على وشك الانفجار:

-الشخص الذي يحاول المحافظة على منزله ويخاف عليه يا أمل لا يتركه ويذهب كلما شعر أن هناك شيء لا يسير على مزاجه.

ابتسمت أمل وهي تتظاهر بالبرود عكس النيران المشتعلة في داخلها:

-جميعنا نخطأ يا أمي، لكن المهم أن نتعلم من هذا الخطأ.

صعدت إلى غرفتها بينما أنس كان يبتسم وهو يفكر ما الذي سوف يحدث عندما يأتي بدر برفقة بيلا، يتساءل هل سيقول الحقيقة مباشرة إلى أمل أم سيحترم مشاعرها؟!

لم يمر الكثير من الوقت وأتى بدر برفقة بيلا لتقابله بيري أمام المنزل قبل أن يدخل ولم يكن أحد يعلم بأن أمل تقف في نافذة غرفتها وتشاهدهم، تحدثت بيري إلى بدر وهي تشعر بالكثير من القلق:

-لقد عادت أمل يا بدر، هي لا تعرف بأمر زواجك من بيلا، لا أعلم ما الذي من الممكن أن يحدث إن علمت بهذا الأمر.

نظرت بيلا إلى بدر وهي تشعر بالكثير من القلق، تبادل الآخر النظرات معها وهو يحرك رأسه بنفي:

-لا تحملي هم شيء يا بيلا، كل شيء سوف يكون على ما يرام.

دلف إلى المنزل وهو يبتسم ويتساءل ما الذي جعلها تأتي إلى هنا لو لم يخبرها عز بأمر زواجه من بيلا؟ صعد إلى غرفته معها وقام بطرق الباب والدخول راها قد انتهت للتو من تبديل ثيابها:

-لم أصدق عندما اخبرتني بيري أنكِ هنا يا أمل، أليس غريب هذا الأمر؟

نظرت له للحظات قبل أن تسأله بحيرة:

-لا أفهمك ما الذي تراه غريب في وجودي هنا يا بدر؟

اجابها بدر وهو يغلق الباب ويتجه إلى السرير ليجلس عليه:

-أقصد وجودكِ في المنزل الذي خرجتِ منه بكامل ارادتكِ.

اومأت له وهي تجيبه بثبات:

-كما قولت أنت، خرجت عندما أردت هذا وعودت عندما رأيت أن هذا الحل الأنسب، بالأخص عندما تجاهلني زوجي لأيام وأيام ولم يفكر في السؤال عني حتى!

نظر لها وهو يشعر بالضيق الشديد ليقرر التحدث بحرية أمامها:

-بالتأكيد لن أفعل الشيء الذي أفعله كل مرة ولم يجدي نفعًا يا أمل، إن كنتِ تتذكرين في كل مرة أحاول الوصول إليكِ، أتصل بكِ وتغلقين الخط وأحاول مرارًا وأذهب لكِ وترفضين العودة مباشرة، انظري ما الذي حدث هذه المرة؟ لم أجهد نفسي وعدتِ أنتِ.

نظرت له وهي تشعر بالكثير من الغضب، تتساءل هل من الممكن أن يصارحها الآن بأمر زواجه من بيلا يا ترى؟ وكيف سيتجرأ ويتحدث معها في هذا الأمر؟! لاحظ نظراتها إليه ليسألها بحيرة:

-لماذا تنظرين لي بتلك الطريقة يا ترى؟ هل ترغبين في شيء؟

اقتربت وهي تومأ له ومن ثم جلست بجواره وقامت بإمساك يده:

-في الحقيقة نعم يا بدر، أنا أرغب في السفر معك إلى مكان ما واثقة من أنه سينال اعجابك.

تعجب بدر وهو ينظر لها لتتابع حديثها:

-سوف نسافر إلى المالديف، المكان هناك رائع، يمكننا أن نخرج من هذه الأجواء الكئيبة بالأخص أن أنس شقيقك بخير ويجلس بينكم الآن.

شعر بدر بالحيرة وهو يتعجب من طريقتها معه، هي من عادت باختيارها وتطلب منه الآن السفر، ما الذي يجب عليه قوله يا ترى وهو يراها تتعامل بتلك الطريقة التي توقع عكسها تمامًا؟ ابتلع ما بحلقه والضيق يسيطر عليه، سألته أمل وهي تتصنع التعجب:

-ما الأمر يا بدر؟ أراك ليس سعيد وهذا الأمر غريب جدًا، ظننت أنك سوف تطير من فرط سعادتك!

ابتسم بدر لها وتحدث محاولًا الهدوء:

-بالطبع يا أمل، لكن تعلمين أمي هنا وشقيقتي وأنس، لم يمر الكثير على مجيئه هنا و..

قاطعته أمل وهي تحرك رأسها باستنكار:

-يا رجل لا تعقد الأمر، اجراءات السفر سوف تأخذ الكثير من الوقت وسوف نقول للجميع حتى يدبروا أمورهم، سوف أذهب الآن للتحدث مع بيلا فمنذ عودتي لم أعد أراها.

تعجب بدر وهو ينظر لها وقد شعر بعدم الرضا:

-لماذا تريدي أن تتحدثِ معها لا أفهم؟

اجابته أمل وهي تلمس وجنته وتنظر إليه بعشق:

-حبيبي لقد اخطأت ثم أنني لا يمكنني أن أعصي لك أمرًا، سوف أتحدث معها واخبرها أنني لم أكن على صواب، لقد اخطأت بحقها وحقك ولم يكن هذا جيد.

تركته وخرجت من الغرفة بينما هو أخذ نفس عميق بضيق شديد، لا يعلم ما الذي من الممكن أن يحدث، لقد كان يشعر بالراحة طوال الفترة الماضية وهو يرى بيلا تتحسن وتتجاوز قلقها المستمر، يتمنى أن لا تسوء حالتها من جديد.

كانت بيلا تجلس داخل غرفتها وهي تمسح عينيها رافضة للبكاء، لا تعلم لماذا تشعر بهذا الضيق وهي تتخيل أنه الآن معها وربما يرحب بها، حركت رأسها باستنكار وهي تخبر نفسها أن هذه زوجته وليست مثلها، هو تزوج أمل لأنه يحبها وليس من أجل شفقته كما تزوج بها.

سمعت طرقات على الباب لتقف على الفور وهي تخمن أن هذا بدر:

-تفضل يمكنك الدخول.

دلفت أمل إليها وهي ترسم ابتسامة مزيفة على وجهها:

-أعتذر لم أكن أعلم أنكِ تنتظرين أحد، بالأخص عندما رأيت أنس على وشك الخروج لماذا لم تخرجي معه يا ترى؟!

لا تعلم بيلا ما الذي يجب عليها قوله، لكنها علمت أن أمل لا تعرف شيء عن زواجها هي وبدر، اغلقت الباب واقتربت منها وهي تبتسم:

-أعتذر منكِ يا بيلا على كل شيء قولته في لقاءنا الأخير، لقد كنت أشعر بالغيرة كأي زوجة تغار على زوجها، لقد كنت مخطئة وعلمت هذا عندما فكرت في الأمر جيدًا، لقد كنت سعيدة عندما عرفت بحياة أنس، أظن أن أمور الجميع سوف تكون بخير بالأخص أنتِ وأنس.

نظرت بيلا لها وهي لا تعلم ما الذي يجب عليها أن تقوله، نظرت إلى الباب لتقاطعها أمل:

-كنت أريد جعلكِ أنتِ وأنس تسافرين معنا، لكن لا أظن أنكم جاهزون لهذا الشيء يا بيلا.

نظرت الأخرى لها بانتباه وهي تسألها بحيرة:

-لا أفهم معكم أين؟ من الذي سيسافر؟!

اجابتها أمل وهي تبتسم باصطناع وتمثل الحماس:

-أنا وبدر، لم يصدق بدر عودتي وعلى الفور عرض السفر عليّ، سوف نذهب إلى المالديف، لقد قولت له أن هذا الأمر رائع من أجل تغيير جو لنا، حتى أنني فكرت في اصطحاب الجميع ولكنه اخبرني أنه لا يفضل هذا وبدى غير مرحب، تعلمين بدر هو لا يستمتع في التجمعات.

كانت بيلا تشعر بنيران بداخلها، لا تعلم ما الذي يجب عليها أن تقوله وكيف تتعامل أمام أمل التي استطاعت أن تحطم كل شيء شعرت به تجاهه، كانت تستمر في توبيخ نفسها فقط لأنها فكرت في رجل متزوج، لا تعلم كيف اخطأت بتلك الطريقة ولماذا جعلها تشعر بهذه المشاعر لو لم يكن سيكمل معها؟

حركت رأسها بعدم استيعاب وهي تتساءل هل كان يرغب أن يستمر زواجهم ولكن في السر بعيدًا عن أمل؟ استفاقت على صوت أمل:

-ما الأمر يا بيلا؟ يبدو وجهكِ شاحب، هل أنتِ مريضة أو شيء كهذا؟ لقد توقعت أن تكوني سعيدة بعودتي والشيء الذي قولته، لكن يبدو أنني كنت على خطأ!

حركت بيلا رأسها بنفي وهي تخبرها بارتباك:

-أنا بخير يا أمل، لا تشغلي بالكِ، لا يمكنني أن أنتبه إلى كل شيء قولتيه بسبب الصداع الذي انتابني بشكل مفاجئ، لكنه ليس أمر خطير لا داعي للقلق.

سمعوا طرقات على الباب وتحدثت أمل وهي تسبق توقعاتها:

-ربما يكون هذا بدر لقد اخبرته أنني سوف أتحدث معكِ ومن المؤكد أنه أتى ليعلم هل اعتذرت أم أتشاجر معكِ، قامت بفتح الباب وبالفعل كان بدر الطارق، التقت عينيه بعسلية بيلا التي حاوطتها غيمة من الدموع:

-ما الأمر يا بدر لماذا أتيت الآن؟ لم أكمل الكلام مع بيلا بعد، هذه الفتاة حقًا متفهمة، لقد سامحتني قبل أن أكمل حديثي، أليس كذلك يا بيلا؟

نظرت بيلا إلى بدر وبداخلها الكثير من الكلمات ولكنها التزمت الصمت، اومأت لها لتراها تضم بدر من بعدها وتقترب لتقبل وجنته:

-أعدك يا حبيبي منذ اليوم لن تشعر بالضيق مني، سوف أعمل جاهدًا على سعادتك، لا يجب أن يكون لديك شك تجاه هذا.

كانت بيلا تشاهد كل شيء وهي تشعر أن الألم يعتصر قلبها، اقتربت حتى تغلق الباب وهي تحسم علاقتها ببدر داخل عقلها:

-سوف أرتاح قليلًا، ربما أذهب للنوم لا تؤاخذوني.

اغلقت الباب من بعدها لتبتسم أمل بخبث شديد وهي تستعد للأيام القادمة، وتفكر كيف ستتعامل مع الجميع؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي