الفصل الثاني عشر رفضت الزواج

اقترب كارم ليقوم بفرد يده أمام بدر حتى يصافحه:

-مرحبًا أنا كارم، أنا شقيق منار صديقة بيلا.

صافحه بدر ومن ثم نظر إلى منار التي ابتسمت له بود:

-أنت بدر شقيق أنس أليس كذلك؟!

أومأ لها ومن ثم أشار لهم إلى الصالون:

-يمكنكم أن تجلسوا هنا تفضلوا.

تحدثت منار على الفور وهي تقترب لتقف أمامه:

-إذا سمحت يا بدر أنا أريد أن أرى بيلا، لقد اشتقت لها كثيرًا ولا أصدق متى سوف أقوم بضمها.

اجابتها أسماء باقتضاب وهي تشعر بالقلق من ذهاب بيلا معهم:

-بيلا خرجت وسوف تعود بعد قليل، يمكنكم أن تجلسوا وتنتظروها.

أومأ كارم لها ومن ثم وضع يده على ظهر منار:

-دعينا نجلس حتى تعود ونقنعها بالمجيء معنا.

شهقت أسماء بصدمة واقتربت منهم بشكل عفوي:

-ماذا قولت، هل تريدوا أصطحاب بيلا معكم؟ ولكن إلى أين؟!

تحدث كارم ضاحكًا وهو يحيط بكتف شقيقته:

-نحن نريد عودتها معنا إلى منزلنا كما كانت، لكن إن كان لبيلا رأي آخر يمكننا التحدث معها، في كلتا الحالتين لن نستسلم، أظن وجودها هنا لم يعد ضروري.

نظرت أسماء إلى بدر لتجد وجهه جامدًا لا يظهر عليه أي شيء، توجهوا إلى الصالون ولم يكن بدر يشعر بالراحة لهم ولاحظت أسماء هذا، لكنها اخبرت نفسها أن هذا الأمر ليس غريب عليه، لطالما كان بدر لا يرتاح للغرباء ولا يمكنها أن تتجاهل نظراته إليهم.

في مكان آخر في قرية دمنهور كانت بيلا تسير بجوار بيري وهي تتأمل كل شيء حولها بصمت، بدأت بيري بالحديث معها في محاولة منها لكسب ودها:

-بيلا أنا اريد أن أتحدث معكِ في أمر أظن أنه مهم.

نظرت بيلا لها وما زالت تلتزم الصمت لتتابع بيري حديثها:

-أنا لا أريدكِ أن تفهمينا بشكل خاطئ، أنا وأمي وبدر لسنا كما تفكرين، نحن لا نوافق على حدوث شيء سيء كالذي حدث معكِ، أقصد أن الظلم الذي تعرضتي له لا يرضينا بل اصابنا الخجل بسبب فعلة أخي، أنا شقيقته التوأم ولكنني لم أعيش معه كثيرًا بسبب دراسته في الخارج كما أراد وكما أراد أبي.

حركت بيلا رأسها بنفي وهي تريدها أن تتوقف عن الحديث:

-لا داعي لهذا الحديث يا بيري، أنا حتى لا يوجد لدي طاقة للخوض في أي نقاش، الشيء الذي فعله أنس لا يمكننا أن نصلحه.

نظرت لها بأعين منتبهة وهي تبعد شعرها عن وجهها:

-لقد كسر قلبي يا بيري، أندم من أجل كل لحظة شعرت فيها بالحب تجاه هذا الشخص.

أحتل الحزن أعين بيري وهي تتساءل كيف فعل شقيقها هذا، كيف استطاع أن يقوم بكسرها بتلك الطريقة دون أن يهتم لمشاعرها ودون الاهتمام بعقاب خالقه له؟ اوشكت على البكاء لتجد أنها تتمنى من كل قلبها أن يغفر الله له ويجبر بخاطر هذه الفتاة.

ساروا حتى شعرت بيلا بالارهاق ولم تتحدث إليها بيري من جديد بل تعمدت أن تتركها على راحتها تمامًا:

-لقد ارهقني السير دعينا نعود إلى المنزل لأرى ماذا يمكنني أن أفعل، لا أريد لزوجة شقيقكِ أن تعود وأنا ما زلت في المنزل.

تحدثت بيري إليها على الفور:

-لن تفعل شيء لكِ صدقيني، بدر لن يسمح بهذا.

تعجبت بيلا من سرعة بيري في الحديث، لقد ظنت أنها تخشى أمل ولهذا السبب تحاول أن تجعلها تطمئن! حركت رأسها بنفي ومن ثم بدأت في التحدث حتى تثبت عدم اهتمامها:

-أنا لا أخشاها ولكن كرامتي لا تسمح لي بالبقاء في وجودها بعد كل شيء قالته، هذا كل ما في الأمر يا بيري.

حركت بيري رأسها باستسلام:

-في العادة هي لا تأتي بمفردها، على أخي أن يذهب ككل مرة ويراضيها.

نظرت بيلا لها بانتباه لتتحدث الأخرى باستياء:

-تريد لأخي أن يبتعد عنّا ويأتي لها بمنزل آخر خاص بها، بالفعل فعل بدر هذا ولكنه لم يقبل أن ينتقل به ويتركنا أنا وأمي بمفردنا من بعد وفاة أبي وعندما عاد للجلوس معنا بدأت المشاكل تزداد بينهم من جديد، رغم أن والدتي تعاملها بشكل جيد وأبي من كان يبغضها.

اندمجت بيلا في الحديث معها وهي لا تعلم ما الذي يجعل الأثنين مضطرين لتقبل هذه الحياة المليئة بالمتاعب:

-لماذا لم ينفصلوا إن كان بينهم الكثير من المشاكل؟

اجابتها بيري وهي تحرك رأسها باستنكار:

-الأمر ليس كذلك يا بيلا، ليس سهل أبدًا أن ينفصلوا، في الحقيقة لم يفكر أي شخص منهم في هذا الأمر.

اومأت بيلا لها بتفهم ومن ثم تحدثت وهي تسير معها ليعودوا إلى المنزل من جديد:

-أظن أن خوفنا من قرار ما كافي لتدمير حياتنا أكثر دون أن نشعر بهذا.

اومأت بيري وهي توافقها الرأي، عضت على شفتيها السفلى وهي تنظر لها ببعض القلق:

-في الحقيقة أريد ان أخبركِ بشيء ما لم أقوله لأي شخص هل تعديني أن هذا سيكون سر بيننا يا ترى؟!

اومأت بيلا لها وقد بدأ فضولها في التحكم بها لتتحدث الأخرى من بعدها:

-لقد تقدم عز لي، هو يكون شقيق أمل ولكنني لم أعطيه الرد بالقبول، لهذا السبب لم يتحدث مع بدر أخي في الأمر.

تعجبت بيلا واجابتها بعفوية:

-لماذا؟ أظن أنه شاب لطيف!

ظهر القلق على وجه بيري ومن ثم اجابتها:

-في الحقيقة لا أرتاح لبعض الأفعال له، كما أنني أرى تعامله مع والده ووالدته، هو شخص سلبي يا بيلا، لا يمكنكِ أن تصدقي كيف يتعامل والدهم معهم، إنه شخص نرجسي للغاية وقد أخذ عز بعض الصفات منه.

حركت بيلا رأسها باستنكار وهي تفكر في عز، تتساءل لماذا عليه أن يُعاقب بأفعال والده؟ ربما تكون بيري محقة ولكنها لا تريد أن تسيء الحكم بشأنه على كل حال لقد تعلمت أن تحكم عقلها دون الانصات لشيء آخر.

عادت إلى المنزل برفقة بيري وما إن دلفوا حتى اقتربت منهم أسماء على الفور:

-أخيرًا عدتم، بيلا تعالي معي علينا أن نتحدث في أمر هام للغاية.

تحدثت بيري إلى والدتها بحيرة وهي تشير إلى الصالون:

-وجدنا الباب الخاص بالمنزل مفتوح والآن الصالون مغلق هل لدينا ضيوف يا أمي؟

اومأت لها أسماء ومن ثم امسكت بذراع بيلا لتقوم بسحبها إلى الغرفة قبل أن تلتقي بصديقتها ومن معها:

-اسمعيني يا بيلا هناك شيء ضروري يجب أن أخبركِ به، أنا أعلم أنه أمر غريب، ربما لن يعجبكِ ولكنني أرى أن هذا هو أسلم حل.

تعجبت بيلا وهي تنظر لها ولكنها أومأت وهي تسألها ببعض القلق:

-هل هناك شيء سيء قد حدث يا ترى؟

تحدثت أسماء بعد أن قامت بأخذ نفس عميق وهي تحاول الهدوء والاسترخاء:

-أتت صديقتكِ وشقيقها إلى هنا منذ قليل يا بيلا، أنا لا أريدكِ أن تذهبي من هنا، ربما تتعجبين ولكن أظن أن أفضل شيء من الممكن أن يحدث هو زواجكِ ببدر.

انتفض جسد بيلا وصاحت بها دون شعور:

-ماذا؟!

بقيت أسماء صامتة وهي تتركها تأخذ أنفاسها ولكن لم تبقى بيلا صامتة وعادت لتتحدث من بعدها مباشرة:

-ما الذي تقوليه يا أمي بحق السماء؟ عن أي زواج تتحدثين؟ أنا لم أفكر في شيء كهذا وبدر بالنسبة لي أخي وحتى أن هذا الشعور لم يتغير منذ أن أتيت مع أنس.

حاولت أسماء أن تتمالك أعصابها وتحدثت إليها بهدوء:

-حبيبتي هذا الأمر من أجلكِ صدقيني هذا أفضل حل لكِ.

حركت بيلا رأسها بعدم استيعاب وقد ارتبك وجهها:

-بدر متزوج وهو لا يفكر بي بتلك الطريقة، لا يمكنني أن أفعلها يا أمي، ماذا سوف يقول وقتها وما الذي سوف أقوله أنا، ماذا عن زوجته؟ هي أيضًا سوف تتأذي.

امسكت أسماء بيدها وهي تحرك رأسها بنفي:

-لا تفكري في أي شيء، أنتِ لم تتزوجي بأنس ولا يوجد مشكلة بزواجكِ من بدر؛ فهو يحق له الزواج مرة أخرى، كما تعلمين زوجته لا تنجب يا بيلا، مع ذلك أنا أقول لكِ إن اردتي لهذا الزواج أن يبقى فقط شكلي يمكنكِ أن تتحدثي مع بدر في هذا الأمر ولكن الأهم من هذا أن توافقي.

اجتمعت الدموع في أعين بيلا وهي تحرك رأسها بنفي وتجيب أسماء بصدق:

-لا يمكنني أن أفعل هذا، أرجوكِ لا تكرري هذا الأمر مجددًا يا أمي.

تركتها وعلى الفور هبطت بيلا لتدخل إلى الصالون ليبتسم كارم فور رؤيتها وبدر يجلس ويلاحظ كل شيء يفعله، وقف ليمد يده لها:

-مرحبًا يا بيلا لقد اشتقنا لكِ كثيرًا.

صافحته بيلا باقتضاب:

-شكرًا لك يا كارم.

لم يترك كارم يدها وتابع حديثه إليها:

-كيف حالكِ من بعد موت أنس؟ أراكِ أفضل حتى أنكِ بدلتي اللون الأسود!

اقتربت منار بانزعاج شديد:

-توقف عن أسئلتك تلك يا كارم ودعها حتى أتمكن من ضمها.

ابتسم كارم وما زالت عينيه موجهة تجاه بيلا:

-لا تقلقي يا منار؛ فهي سوف تأتي معنا وسوف تشبعين من البقاء معها.

كانت بيلا تحاول سحب يدها منه وهي تلاحظ نظراته لها، لم ترتاح له ورغم شعوره بيدها التي تحاول سحبها لم يتركها وبقي واقفًا في مكانه، رمقته بيلا بغضب وظهر الضيق على وجه منار من أفعال شقيقها وقبل أن تتحدث بيلا قاطعها غضب بدر مما يحدث ومن ثم قام بدفع كارم بقوة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي