الفصل التاسع عشر يلتقي بها

نظر بدر إلى أنس وهو ينتظر منه أن يكمل الحديث الذي أتى من أجله، ابتسم أنس وهو يحاول أن يبقى ثابتًا أمام بدر:

-أعتذر عن ازعاجكم يا أخي ولكن أمي تصر على قدومكم على الغداء.

لم تتحرك بيلا بل ظلت ثابتة في مكانها وهي تشعر بالضيق الشديد، لم تكن تتخيل أن يتسبب صوته في مضايقتها إلى هذا الحد، شعرت بالتعجب وهي تتساءل كيف كانت تحبه دون تفكير؟ سمعت صوت بدر يتحدث إليه:

-تناولوا الطعام أنتم، لا تنتظروا وأجعل بيري تأتي بالطعام إلى هنا.

نظر أنس له للحظات ومن ثم أومأ وهبط من بعدها، أغلق بدر الباب وهو يحرك رأسه بفقدان أمل:

-لن يتغير هذا الشخص.

اقتربت بيلا بأعين مرتقبة:

-لماذا اخبرته أن يأتي بالطعام إلى هنا؟ ألا تنوي أن تتناول الطعام معهم في الأسفل؟!

حرك بدر رأسه بنفي وهو ينظر إلى الأوراق بيده، اوشكت على التحدث من جديد ولكنه قاطعها باقترابه هذه المرة وقد لمعت عينيه بتحدي:

-هل غيرتِ رأيكِ يا ترى؟ يمكنكِ أن تنسحبي فضلًا عن مواجهتي.

سحبت الأوراق منه وهي تحرك رأسها بنفي والثقة تظهر على وجهها:

-لا تشعر بالغرور يا بدر أنت لا تعرفني، أنا أحسن جميع الألعاب سوف تشعر بالانبهار أنا أعدك.

ضحك بدر وهو يرى كيف تتحدث وهي تنظر تجاهه:

-أظن أنكِ تنظرين لي وكأنني من الأعداء الآن أليس كذلك؟

حركت بيلا رأسها بنفي وهي تتحدث ببراءة مصطنعة:

-لا تقل هذا يا بدر، زوجتك فتاة بريئة ولا تعرف معنى العداوة.

اختفت ضحكاته بعد كلماتها، لا يعلم لماذا شعر بالغرابة تجاه هذا الأمر؟ يتساءل بجدية داخله لماذا من الغريب أن يعتبرها زوجة له يا ترى؟! لاحظت بيلا تبدل ملامحه، اقتربت منه بتعجب:

-ما الأمر يا بدر هل ازعجتك؟

حرك بدر رأسه بنفي وهو يبتسم لها باصطناع، شعرت بيلا بالارتباك وهي تفكر في حديثها، سمعوا طرقات الباب من جديد وفتحت بيلا وهي تظن أن بيري من تقوم بطرقه، لكنها تفاجأت بوقوف أنس حاملًا الحامل المعدني ومن فوقه الصحون الممتلئة بالطعام:

-من الجيد أنني رأيتكِ تفضلي طعامكم.

تعجبت من طريقته وهي لا تصدق أنه يتحدث معها بهذا اللطف، ابتلعت ما بحلقها وقامت بأخذ الطعام منه، التقت عينيها به بينما هو ابتسم بمكر تعرفه جيدًا، سمع صوت بدر في هذا الوقت وهو يقترب:

-هيا يا بيلا ادخلي وضعي الطعام على الطاولة الصغيرة، شكرًا يا أنس.

أوشك الآخر على الإجابة ولكنه تفاجأ بالباب الذي قام بدر بصفعه في وجهه، عض على شفته السفلى بغيظ وهو يبتسم ساخرًا:

-يظن أنني من الممكن أن أغازلها، لا يعلم أنني في حياتي لم أفكر فيها كزوجة حتى! لقد كانت مجرد فتاة جميلة حاولت أن استميلها ولم تساعدني مبادئها.

نظرت بيلا إلى بدر وتحدثت بحذر إليه:

-هيا لتتناول الطعام.

أومأ لها ومن ثم جلس على الكرسي وجلست هي في مواجهته، بدأت في تناول الطعام ولاحظ أنها كانت جائعة، حرك رأسه باستنكار:

-إن كنتِ تشعرين بالجوع لماذا لم تخبريني بهذا يا بيلا؟ الآن أنتِ زوجتي ولستِ غريبة عن هذا المنزل، هو منزلكِ يا فتاة، لا تنسي أن هذا الزواج اكتمل فقط لتكوني حرة ولا تشعرين بأي قيود، لم تعودي ضيفة هنا، عليكِ أن تدركِ هذا.

اومأت له وهي تهمس بانزعاج:

-أكون زوجتك عندما تحب هذا وتنفر من الكلمة عندما أتفوه أنا بها.

سمعها ولكنه حاول أن يتجاهل هذا، لم ينجح في منع ابتسامته ليضطر إلى الحديث إليها:

-لا تنزعجي، الوضع جديد ومن الصعب الاعتياد عليه، لا تغضبي يا جميلة.

نظرت له لتلتقي عينيهم ويرى وجنتيها قد اصطبغت بالحمرة، تحدثت بارتباك:

-أنا لم أنزعج، فقط تعجبت من أمرك.

تابعت تناول الطعام بينما هو كان يشرد بطريقتها، يتساءل كيف استطاع أنس أن يفعل كل هذا بها، هو لا يراها فتاة سيئة أبدًا، رغم تجاوز عمرها للثالثة وعشرون عامًا إلا أنها تبدو كطفلة بريئة.

لاحظت بيلا نظراته لها وهذا جعلها ترتبك ولا تعلم ما الذي يجعله ينظر لها هكذا:

-لماذا تنظر لي بتلك الطريقة؟ هل هناك شيء خاطئ بي؟

حرك رأسه بنفي وهو يخبرها بعفوية:

-أنتِ جميلة جدًا يا بيلا.

امسكت بزجاجة المياه لتقوم بسكب القليل في الكأس الموضوع أمامها وبدأت في الشرب، شعرت أن وجهها قد ارتفعت حرارته وعينيه لا تفعل شيء سوى جعلها تتوتر، وقفت عندما ازداد خجلها وهي تخبره بارتباك:

-سوف أهبط إلى الحمام.

لم تنتظر إجابته وعلى الفور خرجت من الغرفة، ابتسم بدر وهو يلاحظ كم تشعر بالخجل منه، نظر إلى خاتم الزواج الذي وضعته أمل في يده، اختفت ابتسامته وهو يتحدث بضيق شديد:

-لا أعلم متى سوف تعودي إلى رشدكِ يا أمل، لقد جعلتني أفعل شيء لم أكن لأفكر فيه حتى، أتساءل هل اخبركِ عز بالأمر؟ لم يعد هذا الأمر سر وبدأ كل من في القرية يعرفوا هذا، سوف تعرفين بالتأكيد، ربما بعد مرور القليل من الوقت.

يفكر ما الذي سوف يحدث حينها، ربما سوف تطلب الطلاق، من الممكن أن ترسل والدها إليه حتى يحاول فض هذا الزواج، لا يستبعد أي شيء عنها.

أخفض رأسه وهو يغمض عينيه بانزعاج شديد:

-لم تعد الحياة تحتمل، لم يعد قلبي مستعد للقادم، أنا حقًا أشفق على حالتي.

خرجت بيلا من الحمام في هذا الوقت ورأت أنس قادم، يبدو أنه قد انتهى من تناول الطعام مع عائلته، لم يترك الفرصة تذهب من بين يديه وبدأ في التحدث إليها:

-اخبريني ما الذي جعلكِ تهبطي من الغرفة بهذه السرعة؟ هل حدث شيء ضايقكِ بينكِ أنتِ وبدر أم ماذا؟!

حركت بيلا رأسها بنفي وهي تجيبه باقتضاب:

-لم يحدث شيء، كل شيء على ما يرام، لقد انتهيت من تناول الطعام وأتيت لغسل يدي، أظن أن هذا الحمام هو الوحيد هنا.

اوشكت على الذهاب ليسألها أنس على الفور وهو يستغل وجودها أمامه:

-ما الذي قولتيه إلى بدر يا ترى؟

نظرت له لترى القلق على وجهه، حاولت أن تستمع إلى نصائح بدر طوال اليوم، اقتربت لتقف أمامه وهي تتحدى خوفها:

-هل تشعر بالقلق مني؟ يظهر هذا الشيء على وجهك يا أنس ولكن إن كنت تقصد بهذا السؤال الشيء الذي فعلته معي عندما خرجنا في نزهة معًا نعم لقد اخبرته، قولت كل شيء إلى بدر، هو ليس مثلك ولهذا السبب يرى كم أنت شخص حقير.

اوشكت على الذهاب من بعدها ولكنه قام بسحبها ليصدمها بالحائط ويديه تعتصر ذراعها:

-هل فقدتِ عقلكِ أيتها الغبية؟ كيف تتواقحين وتفعلي شيء كهذا؟ تريدي أن تتحديني! حسنًا جربي إذًا.

شعرت بيلا بالقلق الشديد، حاولت أن تدفع يده الموضوعة على ذراعها ولكن دون جدوى، اوشكت على البكاء وهي تشعر بالرعب منه:

-ابتعد عني يا أنس، أنا أكرهك كثيرًا، لقد عانيت بسببك وكنت أصمت، لكن هذه المرة لن أفعل وإن لم تبتعد سوف أصرخ وأجعل الجميع يرى حقيقتك البشعة.

ابتسم أنس ساخرًا وهو يومأ لها:

-افعلي هذا يا بيلا، هل تظني أنني أشعر بالخوف؟ سوف أخبر بدر ببساطة أنني أقوم بالتحدث معكِ على أمل أن نصل إلى حل.

تعجبت وهي تنظر له ليتابع حديثه بخبث شديد:

-ببساطة سوف أقول أن بدر انخدع بكِ يا بيلا، تزوج بكِ دون أن يعلم أننا كنّا في علاقة.

اتسعت أعين بيلا بصدمة وهي تحرك رأسها بنفي:

-أنت شخص كاذب، لم يكن هناك شيء بيننا، من حسن الحظ أنني لم أرتاح لك وقتها يا أنس، بل كنت كالغبية أنتظر زفافنا في أقرب وقت.

قام أنس بتمرير يده على وجنتها بخبث:

-من أين سوف يعرف بدر أنني كاذب وهو لم يقترب منكِ حتى يا بيلا؟

انفعلت بيلا وهي تقوم بدفع يده بقوة شديدة:

-هو يثق بي وليس مثلك، لن يصدقك.

سألها بمكر وقد عثر على الإجابة الذي يريدها:

-هذا يعني أن بدر لم يقترب منكِ أليس كذلك؟

وقفت في مكانها للحظات قبل أن تقوم بدفعه والركض إلى الأعلى حيث غرفتها، استند أنس على الحائط في هذا الوقت وهو يومأ بتوعد:

-سوف أريكِ يا بيلا كيف سأقوم بإلقائكِ خارج هذا المنزل دون أن يرمش لي جفن، سنرى من الفائز في النهاية، بسببكِ خسرت علاقتي مع بدر والجميع أصبح يراني شخص لا يمكن الوثوق به، حتى أمي برغم محبتها لي لم تعد تصدقني!

دلفت بيلا إلى الغرفة وأنفاسها كانت تعالى، تعجب بدر من هيئتها وسألها بحيرة:

-ما الأمر ما الذي حدث لكِ؟!

نظرت له للحظات وقد امتلأت عينيها بالدموع، لم تنتظر واقتربت لتلقي بنفسها بين يديه وهي تقوم بضمه:

-أنت لن تصدق أي شيء سيء يُقال عني أليس كذلك؟

تعجب بدر من حديثها وهو ينظر لها بحيرة:

-من الذي قال شيء سيء عنكِ يا بيلا لا أفهمكِ؟!

ابتلعت بيلا ما بحلقها وهي تبتعد عنه بارتباك لاحظه:

-لا شيء فقط كان سؤال عادي.

حرك بدر رأسه بنفي وهو لا يصدق حديثها:

-ليس مجرد سؤال عادي يا بيلا، سؤالكِ هذا ناتج عن شيء حدث وأنا واثق أن هناك شيء خلفه.

ابتلعت بيلا ما بحلقها وهي تشعر بالكثير من التردد:

-سوف تصدق كل شيء سأقوله أليس كذلك؟

أومأ بدر وهو ينتظر منها أن تكمل لتبدأ في سرد كل شيء حدث بينها وبين أنس دون زيادة أو نقصان:

-هذا كل شيء حدث يا بدر، أنا لا أشعر بالراحة ولكن..

قاطعها بدر والضيق يعتلي وجهه:

-لقد لعب بكِ أنس يا بيلا، أنا كنت أعرف أنه لن يستسلم ولن يصمت هذا الحقير، لقد تأكد عن طريقكِ أن لا شيء بيننا، تأكد أنني لم أفكر في الاقتراب منكِ حتى!

ابتلعت بيلا ما بحلقها والدموع داخل عينيها، فهمت ما كان يرمي إليه وكرهت سذاجتها إلى أبعد حد، لاحظ تبدل ملامحها ولم يعجبه هذه الحالة، حرك رأسه بنفي واقترب ليقوم بضمها:

-لا داعي للحزن أبدًا، انظري لي يا بيلا، هو لا يهمنا أليس كذلك؟ لا يهم إن فكر بشكل جيد أم سيء، نحن لن نهتم إلى أمره مهما حدث.

تساقطت دموعها وهي تبتعد لتنظر له:

-أنا لم أفهم الشيء الذي يريد أن يصل إليه يا بدر، كل ما كان يشغل عقلي قلقي من أن تصدق أنني أقمت علاقة معه وتفقد أنت الثقة بي.

ابتسم بدر لها بحنان وهو يحرك رأسه باستنكار شديد:

-بالتأكيد لن يحدث هذا يا بيلا، لن أفقد الثقة بكِ مهما حدث، أنا أعلم أنكِ لن تتعمدي فعل شيء خاطئ ألست محق؟

ابتسمت وهي تومأ له بتأكيد، شعر أنها استطاعت أن تتنفس براحة أخيرًا، ربما سيستغل أنس علاقتهم ليستميلها ويجعلها تترك هذا المنزل، لا يعرف إلى متى سيظلم هذه الفتاة؟

بعد ثلاثة ساعات كان أنس يقوم بطرق الباب على منزل والد أمل، فتح له عز وتعجب من رؤيته:

-أنس! ما الذي تفعله هنا في هذا الوقت؟

اجابه أنس وهو يبتسم:

-أتيت للتحدث مع أمل في أمر خاص، يمكنك أن تخبرها أنني موجود هنا وأرغب في رؤيتها.

تبدلت ملامح عز وظهر القلق بوضوح على وجهه:

-ما الذي سوف تقوله لها؟ أمل لم تعرف بأمر زواجه يا أنس إن علمت سوف تحزن وربما ستتأثر كثيرًا، لا أريدها أن تعرف الآن.

حرك أنس رأسه بنفي وهو آخر من يهتم بمشاعر الآخرين:

-لا تقلق يا عز، في الحقيقة أمل سوف تعرف اليوم ولكن لن تكون النتيجة بهذا السوء أبدًا، اجعلني أتحدث معها فقط ولا تفكر في شيء آخر.

لم يرتاح عز ولم يكن يومًا ماكرًا على عكس أنس، سأله من جديد وقلبه لم يطمئن للشيء الذي يريد أنس أن يفعله:

-اخبرني أولًا، ما الذي سوف تقوله لها يا أنس؟ الأمور لا تحتمل المزيد من التوتر صدقني.

زفر أنس بضيق شديد وهو يتحدث إليه بانفعال:

-ماذا بك يا عز؟ توقف عن هذا الخوف قليلًا ووقتها لن تسوء الأمور، اخبرها أنني أرغب في رؤيتها في أمر ضروري وانتهى الأمر، يمكنها أن تقرر إن كانت ترغب في رؤيتي أم لا.

اجابه عز باقتضاب:

-سوف أخبرها يا أنس، لكن لا تأخذ الكثير من الوقت حتى لا يلاحظ أبي ووقتها سوف يتشاجر معها.

أومأ أنس له وما إن دلف إلى الداخل حتى حرك رأسه بنفاذ صبر:

-لا أعلم لماذا يبدو الجميع مثل بيلا ولا يفهموا الأمور بشكل مباشر؟ أتمنى أن يزداد صبري حتى لا أترك كل شيء خلفي وأذهب إلى مكان بعيد، وقتها سأكون الخاسر الوحيد هنا حقًا!

حرك رأسه بنفي وهو يخبر نفسه أن عليه أن يطول باله معهم، أتى عز ولم يتأخر ليخبره باقتضاب:

-تفضل يا أنس، هي تنتظر في الصالون، لقد علمت بأمر حياتك للتو، لم أخبرها أنك لم تمت بل قولت أنك نجوت من الحادث وكنت في المستشفى.

أومأ أنس له وهو يزيف الابتسامة:

-جيد يا عز شكرًا لك، أتذكر حديثك ولم أجلس معها للكثير من الوقت.

دلف إلى الصالون وحمد الله كثيرًا أن عز لم يتبعه، وقفت أمل وهي تبتسم وتحرك رأسها بعدم استيعاب:

-أنا حقًا لا أصدق أنني أراك أمامي يا أنس، لقد كبرت خلال السنة التي لم أراك فيها، لا تصدق سعادتي، مؤكد الجميع في المنزل الآن سعداء، ربما لهذا السبب لم يأتي بدر لي!

حرك أنس رأسه بنفي وقد تصنع الأسف:

-ليس لهذا السبب يا أمل، عليكِ أن تعرفي لماذا لم يأتي بدر، هل تستطيعي التخمين؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي