البارت ٩

الفصل التاسع

كانت تسير حافية القدمين بمكان مظلم لا تعلم اين هي، تتلفت حولها
كالتائهه التي ضلت طريقها ،وفجاة ظهر من خلفها كلب أسود كبير ينبح
بصوته القوي ، يريد النهش بها ، ركضت بكل ما أوتيت من قوة وهو يركض
خلفها، ظلت تصرخ تستنجد بأحد لكي يخلصها من ذلك الكلب ولكن صوتها لم يكن مسموع .
صرخت بكل قوتها وفتحت عيناها بفزع ثم انتابها نوبة من البكاء
يبدو بأنها كانت داخل كابوس مزعج.

فتحت سناء عينيها عندما استمعت لصوت صراخ حياة، نهضت من فراشها
وسارت بخطواتها المتبطئه متوجهه إلى غرفة حياة للاطمئنان عليها .
دلفت الغرفة وشهقت بصدمة عندما وجدت ج.سدها ينتفض أعلى الفراش وتبكي بنحيب ، اقتربت منها بحنو وجلست جانبها اعلي الفراش وحذبتها
لاحضانها وظلت تهدهد عليها برفق وهمست بصوتها الحاني ما تيسر من
القران الكريم ، وضعت كفها اعلي جبين حياة وهمست قائلة المعوذتين
وسوره الاخلاص والفاتحة وختمت بأيه الكرسي ، ظلت ترددهم ثلاث مرات
متتاليه ثم ربتت على ظهرها وقالت:
- ماتخفيش يا بنتي، شكلك كنتي بتحلمي عشان مغيرة مكان نومتك
همست حياة من بين دموعها وهي متشبثه باحضان سناء :
- كابوس فظيع يا عمتو
ضمتها برفق واراحت ج.سدها بجانبها وهتفت بطمئنينه:
- انتي بخير يا حبيبتي ماتقلقيش وانا هنام جنبك وماتحكيش اللي شوفتيه في منامك
هدا ج.سدها من الرجفة وظلت متشبثه باحضان سناء إلى أن غلبها النعاس ،
أما عن سناء فظلت تردد بعض الآيات القرآنية إلى أن غفلت هي الأخري
وكل منهما يحتضن الآخر بتشبث..
❈-❈-❈

في الصباح ..

أستيقظ سليم وجد نفسه بغرفة والدته ولكن لم يجدها ، سحب المقعد
المتحرك خاصته ليجذبه إليه ثم رفع ج.سده بذراعيه وجلس أعلى المقعد
وضبط وضع اقدامه عليه ، ثم ضغط زره ليسير به مغادرة الغرفة ليذهب
إلى غرفته ، لكي يبدل ثيابه ويتوجه إلى عمله .
وبعد أن أنتهى من استحمامه وارتداء ملابسه ، تطلع لهيئته داخل المرآة
ومشط شعره ثم نثر عطره ونظر للمرآة ثانيا وجد عينان باكية تتطلع له ،
اغمض عيناه وعاد فتحها ليتأكد منما راءه ولكن لم يجد شئ ، ظن بأنه
يتخيل ذلك ، غادر غرفته واستقل بالمصعد ليهبط به إلي الأسفل ومن ثم وجد والدته تنتظر قدومه اعلي مائده الطعام ، طبع قبله اعلي وحنتها وقال مبتسما:
- صباح الخير يا ست الكل
ابتسمت له بحب وقالت :
- صباح الورد والفل والسعادة عليك يا حبيبي ، افطر الاول قبل ما تروح الشركة
- حاضر يا قلبي
اعطته قطعة خبز توست دهنتها بعسل النحل:
- بالهنا يا حبيبي
التقطها من يدها :
- تسلم ايدك
ثم هتف متسألا:
- أسر ما أتصلش بحضرتك؟
هزت راسها نافيه وخيم الحزن وجهها
ربت علي كفها بهدوء وقال:
- ماتقلقيش هو بخير ، سراج اتصل بيه، بس عشان فرق التوقيت بينا أسر عارف إن حضرتك بتنامي بدري، بس هو كويس محتاج لدعواتك وبس
- ربنا معاه ويرجع بالسلامة يا رب
- يارب .
ابتعد عن المائدة ثم قال وهو يحرك مقعده :
-محتاجه مني حاجه يا ست الكل، أنا هتأخر في الشركة ، اليوم هيكون طويل في تعين شباب جداد وهكون مشرف على تدريبهم بنفسي ، عشان سراج مش موجود
- ربنا معاك ويوفقك يا حبيبي
عندما غادر الفيلا التقى بسائقه الخاص، ألقى عليه الأخير تحيه الصباح ثم
فتح له باب السيارة الخلفيه وساعده في الدلوف لداخل ، ثم حمل المقعد
المتحرك ووضعه بحقيبه السيارة وعاد الي مقعده يجلس خلف المقود ثم
انطلق في طريقه إلى شركة السعدني..
❈-❈-❈

عندما استيقظت من نومها انتابتها نوبة من الاختناق عندما تذكرت الكابوس الذي راودها ليله أمس ، حاولت ان تزفر أنفاسها بهدوء ، ثم استجمعت
شتاتها ودلفت المرحاض لتنعش ج.سدها بالماء لعلها تفوق وتنتهي من نوبه
الاختناق والقلق اللذين يهاجمان تفكيرها الان ..
بعد أن انتهت وارتدت ملابسها المكونه من بنطال أسود يعلوه بلوزه ورديه
وكنزه طويله شتويه باللون الاسود ثم ارتدت حجابها الوردي الهادئ وحملت
حقيبتها السوداء وغادرت الغرفه لتجد عمتها تنتظرها أمام الطعام .
هتفت حياة بهدوء :
- صباح الخير يا عمتو
- صباح الهنا يا حبيبتي ، تعالي اقعدي جنبي لازم تفطري الاول
هزت راسها نافيه وقالت:
- بالهنا والشفا علي قلبك يا عمتو ، معلش انا ما بفطرش
- لا طبعا لازم تفطري قبل ما تخرجي، اقعدي واسمعي الكلام
جلست على مضض لا تريد أن تغضبها
شعرت سناء بعبوس وجهها وعلمت بأن سبب حزنها هو ذاك الكابوس الذي أفزع منامها ، ربتت علي كفها بحنان وقالت:
- مش معقول الوش الجميل ده يكشر كده علي الصبح بسبب حلم ، يا حبيبتي ماتفكريش في اللي حصل أرمي ورا ضهرك وابدئي يومك بسعاده وتفائل ، ده حتي انهارده اول يوم شغل ليكِ ، افردي وشك كده ووريني ضحكتك الحلوه
ابتسمت بهدوء ثم نهضت تعانقها بحب ، بادلتها سناء الابتسامه وقالت:
- ربنا يوفقك وينور طريقك يا حبيبتي
خلي بالك من نفسك واوعي تنسي العنوان هنا ،ومعاكي تليفوني لو احتاجتي لحاجه كلميني فورا
هزت راسها بالايجاب وغادرت المنزل واستقلت سياره أجري تقلها الي
الشركه ولكن مازال القلق يعكر صفوها فبعد أن كانت سعيده بذلك العمل ، لا
تعلم اين تبخرت سعادتها بين ليله وضحاها.
عندما وصلت إلى وجهتها كانت الساعه التاسعه وخمس دقائق ، بعدما ترجلت من السياره واعطت السائق نقوده ، ركضت لتلحق بأول اجتماع لديها داخل الشركه الذي تاخرت عنه لعدة دقائق ولكن أكملت ركضها وهي تصعد الدرج وتلهث انفاسها بتسارع الي ان وقفت أمام مكتب السكرتيره مها
ابتسمت لها مها وقالت : حياه لازم مواعيدك تكون منضبطه ماينفعش تتاخري
عبث وجهها بطفوله ثم قالت:
- والله غصب عني،ده انا واخده السلم كله جري
جحظت عيناها بصدمه ثم قالت :
- جري ليه هو الاسانسير مشغول
هزت راسها نافيه وقالت وهي تسترد أنفاسها:
- لا انا عندي فوبيا
هزت راسها بتفهم ثم قالت :
- الاجتماع بدء مع مستر سليم من عشر دقايق
هتفت بصدمه:
- وأنا
- انتي اصلا مالكيش دور في الاجتماع عشان مستر سليم مجتمع مع مدير المبيعات والتسويق والشباب اللي في الاجتماع تخصص اداره مبيعات
لاحت ابتسامتها الرقيقه وتنفست الصعداء ثم جلست أمامها وقالت بمرح:
- حيث كده بقا اشرب معاكي الكابتشينو
هتفت مها بود قائلة:
- يا سلام عيوني
رفعت سماعه هاتف مكتبها وتحدثت مع الشخص الخاص بالبوفيه وطلبت منه إحضار اثنان من مج الكابتشينو بمكتبها ثم أغلقت الهاتف.
وعندما همت بالتحدث وجدت سليم يناديها عبر زر الاستدعاء
- مها تعالي عايزك
نهضت علي الفور قائله:
- حالا يا افندم
تركت حياه ودلفت الي مكتبه أخبرها بأن تصطحب الشباب الي مكاتبهم الخاصه بالشركه وأخبرته هي عن قدوم حياه الفتاه الوحيده التي تم قبولها بالعمل
هز رأسه بعدما تذكرها واذن لها بالدخول:
- خليها تدخل انا منتظرها
أخبرت مها حياه بدخولها لمكتب سليم ، ولكن تفاجئت بتوتر حياه
- ماتقلقيش مستر سليم غير مستر سراج خالص
نظرت لها حياه بعدم فهم ثم قالت بتسأل:
- وهو مستر سراج فين؟
هتفت مها وهي تسير برفقه الشباب الثلاث وقالت وهي تتطلع لحياه:
- بعدين نتكلم لم تخلصي مقابلتك مع مستر سليم
طرقت حياه باب مكتبه ثم دلفت بهدوء بعد أن استمعت لصوته الرخيم يأذن لها بالدخول .
رفع سليم أنظاره عن الاوراق التي أمامه وظل محدقا بها ينتظر سماع صوتها ولكن حياة كانت صامته متسمره مكانها .
عندما طال صمتها أشار إليها بالجلوس :
- اتفضلي
ثم صوب أنظاره للملف الذي أمامه وهو الملف خاصتها ،انتهي من قراءته واغلقه ثم عاد يتطلع إليها ليجدها مازالت واقفه
هتف بصوت عالٍ:
- اتفضلي يا انسه حياة اقعدي عشان نتكلم عن طبيعه شغلك هنا
أسرعت في خطواتها وجلست أمامه
بدء سليم في التحدث وانظاره متعلقة بانظارها أما هي فقد شعرت بالخجل عندما تطلعت لحدقتيه البنيه ، اخفضت بصرها ولكن هذا ما ازعجه وجعله يهتف بحده:
- يا آنسة من فضلك بصيلي عشان كلامي موجه ليكِ مااحبش حد يتجاهلني لم اتكلم ، ركزي معايا
توردت وجنتيها بحمرة الخجل ورفعت مقلتيها الخضراء رغما عنها تطلع
لملامح وجهه الجادة ثم تعلقت بمقلتيه الغامضة
استرسل سليم حديثه قائلا:
- محتاجك تكوني دقيقة جدا في شغلك وعاوز تقرير أسبوعياً
قاطعته بتسأل:
- تقرير عن إيه؟
- انتي بتعرفي تعملي هكر
هزت راسها بالايجاب
تنهد سليم بضيق ثم قال:
- محتاج كل المعلومات الموجودة على السيستم الخاص بالشركة
هتفت بصدمة:
- يعني أنا هشتغل جاسوسة على موظفين الشركة
ضحك سليم علي ما توصل إليه تفكيرها منما جعلها تنظر له بغضب
بعدما استرد انفاسه قال بجديه:
- جاسوسة أيه يا أنسة، اولا دي شركتي وأنا عاوز أامن الحسابات و
المعلومات الخاصه بالشركه ، عاوز افهم هتقدري تخترقي سستم الحماية ولا
لا ولو حصل محتاج اعرف في معلومات مهمة لاي كمبيوتر هنا وهل
المعلومات الموجودة عليه تم تسريبها قبل كده ولا لأ ، بعد كده تعملي نظام حمايه جديد
واعتقد ده دورك كمهندسة كمبيوتر ولا مش هتقدري تنفذي المهمة المطلوبة منك؟
لعنت نفسها علي تسرعها وهتفت بجديه:
- لا هقدر انفذ المهمه طبعا ،ثم قالت بثقه:
- دي مهمه بسيطه جدا
رفع أحدي حاجبيه وأعجب بثقتها ثم قال:
- ورينا شاطرتك، اتفضلي عند مها توصلك لمكتبك
لمعت عيناها بفرحة وغادرت مكتبه بكل ثقة وشموخ منما جعل سليم يردد بدهشة:
- غريبة فعلا ، لم اشوف هتنجح في أول اختبار لها ولا لأ

جلست حياة بمكتبها القابع بجانب غرفة الاجتماعات، نظرت حولها بانبهار فقد كان مكتب ضخم ويوجد به اثاث عريق باللون البني الغامق، وجدت حاسوب اعلي المكتب فتحته بحماس وبدأت تدق باناملها الرقيقة عليه وهي تشعر بسعادة أنها تعمل الشئ التي تفضله ولم تجد نفسها إلا به.
ولا تعلم بأنها مراقبة عبر الكاميرات المنتشرة بمكتبها ومرفقة بمكتب "سليم" الذي أتاه الفضول بأن يعرف ماذا فعلت تلك الفتاة عندما دلفت لذلك المكتب.
وجدها حقا مفعمة بالحيوية والنشاط ولديها حماس وجادة منذ أن جلست علي مكتبها وهي تتابع ما أمرها به
اخرجت حياة نضارتها الطبيبة وبعد أن ارتدتها دققت النظر أمام شاشة الحاسوب وتابعت من خلال ايميل الشركة الأجهزة الموجودة بكل ركن داخلها وفعلت الهكر وظلت منكبة عليه عدة ساعات دون أن تشعر بمرور الوقت.


❈-❈-❈
بمدينة نيويورك
كان يشعر بالضيق بسبب حديث الطبيب ولذلك ترك سراج داخل الفندق وقرر أن يتفتل وحده بالمكان.
ارتدى المعطف الجلدي أعلى تيشرته الابيض وبنطاله الأسود ودس كفيه داخل جيب المعطف وسار بخطوات مبتعدة عن الفندق، لا يعلم إلى أين هو ذاهب، شاردًا بحياته مع زوجته أيام خطبتهم والسعادة التي كانُ يعيشونها سويا، وبعد زواجهم وما هالت إليه الأمور لتجعلها تنفر منه الآن ولن تتحمله ولا تتقبل مرضه ولا تريد أنجاب الأطفال منه، ظل يتسأل داخله ماذا حدث وماذا فعل من أجل تبديل حياتهم لذلك الوضع.
زفر أنفاسه بضيق وجلس بإحدى الحدائق على الأريكة الموضوعة وعاد بظهره للخلف ثم أغمض عيناه بشدة فقد انتابه نوبة صداع شديد وضغط بقوة على أسنانه يخشى أن تاتية نوبة الصرع بذلك المكان الذي لا يعرفه به أحد، حاول السيطرة على ج.سده ولكن ارتجفت مفاصله وقبض قبضة يده بقوة ولكن لم يتحمل الصمود خرج صوته بصرخة مكلومة وفتح مقلتيه يتطلع للسماء يهتف وينادي
-يارب تعبت ريحني بقا
انسابت دمعة عالقة باهدابه وأسرعت فتاة جميلة تركض إليه عندما علمت من لكنته بأنه عربي وعندما أقتربت منه بلهفة وجدته يتألم ويتطلع للسماء
وقفت أمامه قائلة بكلنتها السورية:
-شو فيك؟ أنت عربي؟
عاد بمقلتيه يتطلع لصاحبة الصوت ولاحت شبه إبتسامة بجانب ثغره ثم أؤمى برأسه قائلا:
-أنا مصري وأنتي
جلست بجواره أعلى الأريكة ثم مدت يدها تصافحة قائلة:
-ميلانا من سوريا
صافحها هو الآخر وهمس قائلا:
-أسر من مصر
بادلته الإبتسامة برقة وقالت:
-اهلين بيك هون، ثم استرسلت حديثها قائلة:
-هون لأجل الدراسة ولا العمل
ضحك بخفة وقال:
-لا ده ولا ده ، أنا هنا لأجل العلاج
اختفت ابتسامتها وقالت معتذرة:
-لا تواخذني الله يعطيك العافية
-وأنتي هنا ليه؟
أخرجت تنهيدة عميقة ثم قالت بأسى:
-أنا هون من أجل العمل والدراسة، بعمل لأجل مصاري الدراسة
أعجب بكفاحها وظل يسترسل معها بالحديث ونسى الالم الذي كان يشعر به وقرر أصحابها لتناول وجبة الإفطار معًا ولكن رفضت بسبب جذهابها للجامعة الآن ، وتبادلون أرقام الهواتف وطلب منها أن تهاتفة إذا احتاجة لأي شيء، وعدته أن تلتقى به ثانيا ريثما ينتهى دوام عملها، ثم ودعته وركضت مغادرة الحديقة لتستقل بسيارة أجرة تقلها إلى جامعتها..
أما عنه فودعها بابتسامة عذبة فقد شعر بالالفة بالحديث معها وقرر أن يعود إلى سراج لتناول الإفطار معه بغرفة الفندق.
❈-❈-❈
عودة إلى القاهرة، حيث شركة السعدني.
انتهى دوام عملها ونهضت تهندم ملابسها ثم التقطت حقيبتها وغادرت مكتبها.
في ذلك الوقت كان يغادر سليم مكتبه أيضاً
تسمرت حياة مكانها وظلت تحدق به بصدمة فقد تفاجئت بوجوده جالس على مقعد متحرك
أشار إليها لتسير أمامه وهتف بتسأل عن أول يوم عمل لها:
-أخبار الشغل إية ؟
قالت بصوت خافت:
-كله تمام
استوقفها أمام المصعد الكهربائي وطلب منها أن تستقله ولكن عادت بخطواتها للخلف وهزت راسها بتوتر وقالت:
-لا لا شكراً
ظن بأنها مازالت تحت تأثير صدمتها عندما علمت بأنه قعيد ولكن هي ركضت إلى حيث الدرج لتهبط دراجاته ببطئ لا تريد أن تلتقى به ثانيا.
❈-❈-❈
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي