الفصل الخامس

لم يكن الحب يوماً يكفيني، أو يساعدني على الاستمرار، أو يعرّض حياتي للخطر برحيله، كنت أكتفي بي دائماً
أنّ الحبّ نقيض الحريّة، و أنّي امرأة بجناحين ولا قلب لي
  ****مقتبس****

اغلقت نوافذ الحنين بغُرف قلبها فأعتمته، واحرقت رغباتها في مهدها؛ ها هيّ ليلتها الطويلة تمُر بالرغم من كُلّ شيء، باردةً ككُلّ لياليها السابقة ولكن لا بأس فشمس اليوم تحمِلُ بين طيّاتها حصّة جديدة من الأمل، وصفحة جديدة تُفتحُ من حياتها، تُمسِكُ يداها بقلم الثقة؛ وحدها تكتُب احداث حياتها، دون توجيه من ايّ احد، تكتُب فقط ما تُريد، ما يجعلها تُحافظ على سكون قلبها وراحة روحها، وفضّلت ان تكون بعيدةً عن طارق لتُحقق هذه الأُمنيات فوحدهُ من يُقلق راحتها.

ببُطءٍ شديد مرّت الأيام، بدأت بالعمل وغرقت في دوامة الروتين المُتعِب، وبين الاهتمام بسراج والعمل تناستهُ تمامًا، تراهُ من حينٍ لآخر، ولكنها لا تُعطيه ادنى اهتمام، رُبما هذا الأفضل لكليهما.
انهت ترتيب خزانة سراج المليئة بالثياب الطفوليّة الملونة، راقبتهُ مُبتسمةً بحنان، ينام كملاكٍ بريئ بعد ان ارهقها وهي تركُض خلفهُ هنا وهناك فهو اكثر طفل مشاغب رأتهُ بحياتها.

جلست على السجاد الريشيّ الازرق امام الخيمة التي هي المكان المُفضّل لسراج، اخذت تُرتب العابه وبداخلها سرور عظيم؛ فالطفولة الرائعة التي طالما رسمتها بخيالها ولم تعِشها قط، اعطى القدر ابنها فُرصةً ليحياها بكُلّ تفاصيلها، وهذا جزاء عادل لكلّ ما عانتهُ بحياتها سابقًا، ولكن لازالت هنالك بعض الجوع بقلبها لتعويض تلك الفترة، ماذا سيحدُث اذا لعبت قليلًا بألعاب ابنها؟! ليس هنالك مانع بالتأكيد!
فكّرت بذلك وهي تعود لنثر الألعاب والجلوس القرفصاء لأستكشاف تلك الادوات الصغيرة التي تمنح الصغار مُتعةً لا تُضاهى.

لم تنتبه للوقت واستغلّت كُلّ ثانية اعادتها طفلةً كما كانت، فأوّل درس تعلمتهُ من طبيبتها، ان تفعل كُلّ ما قد يجعلها تبتسم حتى وإن بدى مجنونًا للآخرين، توجّب عليها ان تتعرى من زيف العقل وتُظهِر حقيقة احتياجها لكُلّ ما لم تعِشهُ من قبل، ولا تخجل من هذا الأمر لأنّ الوقت الآن يخوّلها فعل كُلّ تلك الأشياء التي افتقدتها سابقًا، وفكّرت بجدّية ان تبتاع لُعبة احلامها، دُمية باربي التي احتضنتها طويلًا بأحلام الماضي.

لم تنتبه لوجوده ولن تفعل؛ فيبدوا انها مُندمجة للغاية في مُراقبة السيارة التي تعمل عن بُعد، سارت السيارة الحمراء وهي تهمِسُ بحماس:
- رائع! رائع، دقائق لا تبتعدي! دعيني أُغير وجهتكِ!
- رائع! انها بالفعل تُحادث سيارة!
فكّر طارق رافِعًا احد حاجبيه، اتسعت عيناهُ ضاحكةً وراقب كيف تسيرُ على رُكبتيها ويديها كطفلةٍ لتصل الى السيارة التي طرقت حذائه، رفعت حينها عيناها اليه ليقفِز قلبه بدهشةٍ وكأنّما يراها للمرّة الأولى.

- يا إله السماوات احفظ قلبي من سهام عينيها!
كيف تبدوا امرأةً عاديّة ككُلّ نساء العالمين بهذه الفتنة؟! بل كيف تختلطُ الدهشة بالخجل والشوق والإحراج بنظرةٍ واحدة!
- انا، انا فقط اردتُ ان أُجربها؛ لكي اعرف كيف تعمل عندما يستيقظ سراج!
كانت كلماتها مُتقطّعة، متلعثِمة تحاولُ فيها اخفاء دموعها للموقف المُحرِج الذي وضعت نفسها فيه، نهضت بغية الخروج من هذا المكان بأسرع وقت لكي لا تنتحب امامه؛ فبعد لقائهما الأخير زاد حنقها عليه.

لقد اخبرتهُ يومها انها لا تريده وهربت على الفور ولم يهتم كعادته، بل لم يحاول ان يُعيد التحدُّث معها حول الأمر؛ ربما لأنّ لديه البديل.
والحقيقة التي لا تدركها انّ كلماتها ذلك اليوم خدشت رجولته؛ فلا يمكن لأيّ رجُل بالكون ان يحتمل الرفض الصريح من زوجته! ولكنّهُ بطريقةٍ ما عذرها على كُلّ ما يجول بداخلها من حنقٍ وكُرهٍ تجاهه، وتفهّم انّ جُرحهُ لها لن يطيب بين ليلةٍ وضُحاها.

- بيداء!
قالها وهي تمرّ بجانبه ورُغمًا عنها التقطت نبرته الحنونة وخبأتها بداخل قلبها المُتألّم لتشفي ولو قليلًا من حُرقتها، اكمل دون ان يلتفت اليها:
- لم أكُن اعلم انّ نهال صديقتكِ.
لم تُعلّق فزفر مُكملًا بتردُد:
- سأُخبركِ بكُلّ شيء، فقط عندما تكونين جاهزة لسماعي.
ودلف لغُرفة ابنه تاركًا اياها تُفكّر بعذاب، هل يا تُرى هي جاهزة لمعرفة اسبابه؟! هل سترتاح عندما تعرف حقيقة الأمر ام ستتألم اكثر؟ وكُلّ سؤال يجُرُّ معهُ الكثير من الأسئلة، ولم تستطِع ان تُقرر، على الأقل ليس الآن.

***

استلقت بيداء على الاريكة بإسترخاء واغمضت عينيها لتزفِر الهواء من فمها لعدّة مرات لتصفية ذهنها بينما جلست منال على كُرسيّها وبيدها مُفكّرة صغيرة، ارتدت نظارتها الطبيّة وقالت بعد صمتٍ قصير:
- لماذا لا تُريدين الكتابة عن علاقتكِ بوليد؟
ّ- لأنّهُ لم تكُن بيننا علاقة بالمعنى الحرفي، والسبب الثاني انّ ما فعلتهُ والدتهُ آلمني للغاية؛ ولا اشعُر ان بإمكاني كتابة تلك الأحداث.
اجابت بيداء بصدق وهي تشعُر بحُرقة اقصى قلبها لمُجرد مرور الذكرى ببالها.

- حسنا لا بأس؛ أُريدكِ ان تحكي لي ما حدث بالتفصيل، لا تحاولي كتم ايّ شعور او كلمات، انا هنا لأسمعكِ الى النهاية.
اومأت بهدوء وعادت بذاكرتها ولغرابة الموقف بدت وكأنّما تُشاهد فيلمًا قديمًا؛ تقِفُ هناك تلمح حياتها من كُلّ الجوانب؛ كيف كانت مُجرد فتاة بريئة ساذجة!
- لقد شعرت ببعض السعادة؛ لن اكذب، الكثير من السعادة، انا وهو وبيتنا الصغير، طفلان والكثير من الحُب، تحوّل طريقي ذلك اليوم الى ساحة منزلي الخيالي برفقة الرجُل الذي لم اتخيّل للحظة ان يلتفت لي.

عُدت الى المنزل واخبرت والدتي التي فرحت للغاية بالأمر ولكنها نصحتني بأن أُفكّر مليًا الى ان تمُر الإجازة، ومرّت بسُرعة البرق وقلبي يرقُص على ايقاع الفرح؛ فبأكثر احلامي تطلُّعًا لم اتخيّل ان ارتبط برجُل كوليد، لن أُنكِر انّني انجذبت اليه بعض الشيء منذُ ان رأيته وكان هذا حال مُعظم الفتيات بالجامعة فهو شخص وسيم ولبِق إضافة لكونه مُقرّب من كُلّ طُلابه.
- متى اخبرته بموافقتك.
قالت امل عقِب تدوينها لبعض الملاحظات فأجابت بيداء ببعض الأسى:
- التقيته بيوم ظهور النتائج، كنتُ يومها قد احرزت نتيجة مُبهِرة بالمقارنة مع الصعوبات التي واجهتني في ذلك العام، وما ان عاد لسؤالي عن رأيي بفكرة الارتباط به حتى منحتهُ موافقتي.

ضحِكت بشدّة الى ان ادمعت عيناها عندما تذكّرت ما حدث فأكملت:
- كنت خجولة للغاية امامه، انعقد لسالني وانفلت لجام قلبي ليخفِق الادرنالين بصورةٍ مُفزعة، ووجدتُ نفسي أُمسِكُ بقلمي بارتجاف وادون رقم هاتف والدي مُرفقًا بعبارة "هذا رقم والدي، يُمكنك مُحادثته بالأمر" دسست الورقة بين يديه وغادرت على عجالة وكُلّ نبضة بقلبي تُخبرني انني اتخذت القرار الصحيح.
مسحت الدمعة التي سقطت سهوا على خدّها واضافت:
- لم اطلُب الكثير، فقط اردت ان يستمر ذلك الشعور اللذيذ الذي غزى روحي منذُ طلبه، اردتُ ان احظى بحبيب كبقية الفتيات ولكن يبدوا انّ الحُب رفاهية لا يمكنني نيلها.

لم تسمح لها منال بالاسترسال بتلك العبارات السالبة التي تؤثر عليها نفسيًّا لذا قاطعتها بالقول:
- ماذا حدث بعد ذلك؟! كيف كان لقائكِ بوالدته.
كان هذا هو الجزء الأصعب على الإطلاق، ولم تكُن واثقة انّها قد تستطيع ذات يومٍ البوح به؛ فلا احد يعلم بالأمر ولا حتى والديها.
كانت ستبدأ بالحديث عندما وجدت هاتفها يرِنّ بالنغمة المُخصصة له، ارتبكت بشدّة وظهر الاهتمامُ على وجهها، ردّت على الفور وعينا منال تدرُسُ ذلك التغيُّر الغريب بمزاجها.

- مرحبًا.
قالتها بهدوء ليأتيها صوته مُكتسيًا بالقلق الواضح:
- مرحبا بيداء، اين انتِ حتى الآن؟ لقد انتهى موعد دوامك منذ ساعتين.
- انا برفقة صديقةٍ لي، آسفة كان يجب ان أخبرك ولكنني  نسيت، سأعود بعد ساعة الى المنزل.
- لا بأس المهم انّكِ بخير، اخبريني وسآتي لأُقلّكِ ما ان تنهي لقائكِ.
كادت ان ترفض ولكنهُ اردف بصرامة:
- ارسلي لي العنوان.
- حسنٌ.

لم يُغلق الهاتف وهي ايضًا لا تُريد ان تفعل، ظلّت تسمعُ صوت انفاسه الشبيهة بصوت امواج البحر "ششش .. ششش ... ششش"
- طارق!
- نعم يا عُمري!
خرجت الكلمات من اعماق قلبه واجابت هي بخفوت:
- لا شيء! لا شيء!
اغلقت الخط وبعثت لهُ العنوان وعضّت على لسانها بحسرة، لقد كادت ان تضعف وتُفلِت ما حزمت من حنين.

- لماذا ام تُخبريه بأنّكِ تُحبيه؟ لقد كانت على حافّة عيناكِ.
تسائل منال واجابتها بيداء بتشتُت
- لنُكمل حديثنا عن وليد.
التقت عيناهما فأردفت بضحكةٍ خافتة:
- سنتحدّث عن وليد، ولن اقول ايّ حرف عن طارق.

لقد قابل والدي وايمن في مساء احد الأيام؛ فقد كان حسن مسافرًا للتنقيب عن الذهب، اتى وحدهُ يومها واخذ موعِدًا من والدي لزيارتنا هو واهله وبالفعل لم يمُرّ اسبوعان حتى اتى الجميع لزيارتنا، بعريشتنا البسيطة جلست والدتهُ وأُختاه وعلى ملامحهُما ترفُّعًا اخافني للغاية، جلستُ بجانب والدتي التي عرفتهُنّ عليّ ولاحظتُ حينها تفاجؤهُنّ ومن نظرات الفتاتين ادركتُ انّهُن ظننّ ماريا هي العروس، ابتلعتُ مشاعر الحُزن بداخلي بقوّةٍ لم اعهدها، ولم أعلم لماذا فعلت ذلك، رُبما لإدراكي انّ وليد فُرصة لا تُعوّض لفتاةٍ مثلي لذلك دُستُ على كرامتي وتجاهلت الرفض المُطلّ من اعيُنهُنّ، اردت فقط ان انال شرف الزواج برجُل يُحبّني وعلى ما اظُن انهُ اعترف لي بحُبه.

اصرّ ابي ان لا يكون هنالك ايّ خطوة رسمية قبل مجيئ حسن فاستمرّت علاقتنا بحدود الجامعة، ولكن في احد الأيام تفاجأتُ من اخباره لي بأنّ والدته تريد مقابلتي، كانت امرأةً ارستقراطيّة بإمتياز، تتصرّفُ وكأنّها خارجة من فيلم اسطوريّ، انيقة المظهر، لديها ابتسامة دبلوماسيّة صفراء، وبذات الوقت تبدوا كأيّ أُم تُحبُّ ابنائها وربما لذلك اثّرت بي كلماتها.

- انتِ لستِ مُناسبة لإبني يا بيداء.
قالتها بكُلّ بساطة واردفت ويدها تُربّتُ على كفّي بمواساة:
- لا احد يعرفُ المرء اكثر من أُمّه، ستعلمي هذا ما ان تتزوّجي ويكون لديكِ ابناء؛ وليد تربّى على التواضُع الشديد ولكن بذات الوقت لهُ افكار ومُعتقدات ومبادئ لا تتناسب معكِ، فهو يحتاج لفتاة متماشية معهُ فكريًّا واجتماعيًّا.
ابتسمت بحرج ويبدوا انّها ارادت ان تتأكّد من ان ذكائي المحدود فهِم ما ترمي اليه فقالت:
- انتِ تفهمين ما أقصد أليس كذلك.

لا ادري ما شعرتُ به حينها الّا انّ كُلّ شيء منذُ تلك اللحظة توقّف، كُلّ الأُمنيات الورديّة غدت اشباحًا مُخيفة تخنقني.
اومأت بصمت وشعرت بتنهيدة الراحة التي غمرتها ولم تكتفي بذلك الحد بل اصرّت على ان تُبعدني بالكامل بقولها:
- هو الآن مُندفِعٌ اليكِ بعاطفة الحُب ولكن سُرعان ما يتبدد ذلك الشعور الجميل وعندها ستواجِهان ازمة كبيرة؛ ستجدين انّكِ لا تستطيعين التأقلُم مع اهله واخوته وبقيّة عائلته؛ لأنهم مع الأسف سيعتبرونكِ لستِ بمستواهم وهذا ما لا أُريدكِ ان تشعُرين به.
وكانت آخر كلماتها:
- انتِ فتاة رائعة وبالطبع ستجدين رجُلًا يناسبكِ.

اخرجت من حقيبتها رُزمة اوراق ماليّة مدّتها لي قائلة:
- انها هدية بسيطة مني.
ونظرتها كانت تقول:
- إنهُ ثمن ابتعادكِ عن ابني.
حينها فقط نهضتُ لأُغادر بإباء دون ان يرفّ قلبي ولو للحظة، وما اعقب هذا اللقاء هو فقط مُجرّد هدوء شديد على كُلّ تصرُّفاتي بعدها، رفضي له، وامتناعي عن تبرير هذا الرفض، مواجهة الجميع بذات الجُملة:
- كُلّ شيء قسمة ونصيب.
وانتهت حكايتي مع وليد قبل ان تبدأ.

- كيف كانت ردّة فعله؟
- تصرّف بجنون بالطبع واراد ان يعرف سبب رفضي المُفاجئ ولكن مع امتناعي عن البوح ابتعد، وعرفتُ بعد نهاية العام الثاني انهُ سافر للعمل بالخارج.
قالتها وهي تشعُر بالراحة وقد ازاحت حِملًا ثقيلًا عن كاهلها وادركت منال ان السبب الرئيسي لعدم شعور بيداء بالأمان وقلّة ثقتها بنفسها ناتج من تلك الحادثة؛ فحتى وإن ام تُظهر هذا فهي خائفة من ان تنال من طارق نفس الخيبة التي واجتها في بدء علاقتها بوليد، رُبما سيأتي يوم ويخبرها انّها لا تناسبه وبالطبع هذا الشك وحده كفيلًا بطمس كُلّ مشاعرها.
- هل كُنتِ تُحبينه؟!

تسائلت منال لتُجيبها:
- بعد معرفتي بطارق وزواجنا ادركت ان وليد لم يكُن سوى رجُل انبهرت بحضوره فحسب، أُعجِبت به في فترة جوع عاطفي واحتياج لوجود عنصر ذكوري بحياتي ككُلّ مُراهِقة بسنّي ولكن الحُب شيء اعمق لم أُجربه بعد.
- ماذا إن ظهر الآن في حياتك وانتِ بهذه الظروف الصعبة ومنحكِ الحُبّ، هل ستترُكين طارق؟!
اتت اجابتها سريعةً وصادقة:
- بالطبع لا! لن اترُك طارق وسراج لأجل ايّ شيء، حتى إن لم يكونا بحياتي لن اعود الى وليد.

- لاحظت انّّكِ تذكُرين اسم سراج ابنكِ دائمًا عندما نتحدث عن طارق؛ هل تتعاملين معه على اساس انّهُ والد طفلكِ فحسب؟ هل سيكون الأمر مختلفًا إن لم يكُن سراج بينكُما؟!
كان سؤال منال صعب الأجابة؛ فهي نفسها لم تُفكّر بكيف لتكون حالها لو لم يربطها بطارق طفل، ربما حينها سيسهُل عليه تركها.
- لا بأس، لستِ مُضطرّة للإجابة ولكن فكّري بهذا الأمر، حاولي اكتشاف ما يعنيه وجود رجُل كطارق في حياتك.
إنتهت جلسة هذا الأسبوع وبداخل بيداء الكثير من السكينة لوجود من يسمع كُلّ خبايا قلبها وافكارها دون ان يُحاسبها على ايّ شيء.

مال رأسها على ظهر المقعد ناظِرةً بعينان شارِدتان للأشجار المرصوصة بجانب الطريق الأسفلتيّ، البنايات مُختلِفة الطول والأشخاص المُتعبين السائرين في الطُرُقات المُزدحِمة، شعرت بحنينٍ غريب للسير مثلهُم ليلفح الهواء الرطِب وجهها المُتعب؛ فمنذُ زمنٍ طويلٍ لم تسر دون هدف، انزلت زُجاج السيّارة لتملأ رئتيها برائحة النيل الذكيّة المُختلِطة بعبق الأشجار الرطِبة، فتحت عيناها لتلمح ذلك المُركب الوحيد العالِق وسط الماء، رأت ذلك الضباب الشبيه بدُخانٍ رماديّ داكن يبتلِعُ مظهر البنايات العالِية، ابتسمت بنعاس والهواءُ يعبثُ بخمارها الابيض الناعم، والتفتت اليه، تتأمّلُ ملامحهُ الهادئة، صمتهُ المُزعِج لقلبها ودون ان تشعُر سقط رأسها على كتفه نائمةً بعُمق، حينها فقط ابتسم طارق هامسًا:
- ستعذُرينني يا بيداء، ستُسامحينني ما ان تعرفي الحقيقة.

تمنت ان تكون مكان بيداء دائمًا، وفي هذه اللحظة بالذات وهي تراقب نظرة طارق اليها وهو يُمسِكُ بيدها تعترف انّ صديقتها القديمة تفوز دائمًا، وان الأمر ليس لهُ علاقة بالجمال؛ فهي الأجمل والاكثر جاذبيّة الّا ان بيداء الأكثر حنانًا وعاطفة، هي العشيقة وبيداء الزوجة، هي الظلّ وبيداء الجسد، هي لا شيء بقلب طارق وبيداء هي كُلّ شيء.
- طارق اريد التحدُّث اليك.
قالتها نهال ويداها معقودتان بعدائية وسُرعان ما ابتعدت بيداء مُتجهةً الى غُرفتها وعلى ملامحها قهرًا عظيم.
- نعم يا نهال! ما الأمر؟
- انا اجهضت الطفل! قتلته

~~~~~~~~~~~~~~~

ماذا ستكون ردّة فعل بيداء عندما تعلم بوجود وليد في مكان عملها؟
هل ستطلب من طارق معرفة الحقيقة؟
وهل سيبوح طارق بالسر الذي يخفيه؟
لماذا اجهضت نهال جنينها؟
وملذا ستكون ردة فعل طارق على الامر
هذا واكثر في الفصول القادمة.

بالمناسبة الفصول قصيرة والرواية ايضًا لذا سنشهد عودة للوراء اكثر في الفصول القادمة.

مع حُبي ❤❤❤

فايا
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي