أزمنة الحب المتصاعدة

mariemabdo`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-02-13ضع على الرف
  • 20K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

الفصل الاول
من : أزمنة الحب متصاعدة

أنت السماء وأنا الأرض كلانا نكمّل بعضنا البعض، لكن لا يمكن أن نجتمع، كالماء العذب انت و الماء المالح انا؛ مجتمعين لا يمكننا أن نكون معاً، نحن مجتمعان بطرق مختلفه، نحن سوياً بشتى الطرق والعدل يقول أن لا نستسلم.
***
٢٠٢١ ميلادياً في يونيو

سماء صافية يمتلأها الغيوم، يتتاليه خروج فتاه من احدى مطارات "لبنان" اكملت عامها العشرون منذ فترة قريبه، بجوارها والدتها التي يمتلأ عيونها الدموع في حيرة ولتتخذ يميناً و يساراً مجال لؤلؤتيها في خوف، لا تدرك ابنتها شئ سوا ان تمسك يديها و تبتسم لها في خفة منها قائلة مازحة معها:
- مش كنتي وعدتيني انك هتجمدي؟
نظرت لها بضعف مع رعشة يديها و نبراتها قائلة:
- وأنا قد وعدي، خلينا نوصل البيت.
- و لو إني عارفه ان البيت ده بالنسبالك كارثه..كان نفسي نشوف مكان تاني.
قالتها في يأس منتظرة رد والدتها التي اكتفت بإطمئنان ابنتها بإبتسامه رقيقة يائسه كوجهها و اتجاهات عيونها، وكلما تقدموا في حواري منطقتهم بعربة الاجرة كلما ازداد يأسها و دموع عيونها وتظل ابنتها في مواساتها و مداعبتها في مرح.
دلفوا لمنزل كبير يبدو و كأنه كان ملئ بذكريات مرحه و لطيفه و يُعد الهدوء هو الاكثر إيلاماً مع الوقت المتأخر من الليل، ليقبض قلبها عندما رأت مرآه في طُرقات المنزل فوقفت أمامها تبتسم بعيونها البنيه اللامعه تتذكر من عامها الاربعون الان ما قبل ثلاثة وعشرون عاماً تقريبا فكانت فتاة في مقتبل العمر تتم الأن عامها الثامن عشر تحت تزيين المنزل بجميع ما كُتب لاعياد الميلاد و ترتدي هي فستانها الابيض القصير المتلألأ بورود حمراء كان حينها عام الفان وواحد، الجميع تحت بند الرقص على موسيقى الطراز اللبناني يمرحون قائلين أنه مولد الحسناء "نور الدين صفوت" و على مُسمى هي نور وهبه الله للجميع، وكذلك هي نور وجهها المشع بإبتسامتها، تنظر في ذات المرأه الذي قابلتها في ممر ذات المنزل لكن تختلف تجاعيد وجهها و ابتسامتها و كسرة عيونها، حيث التقت خلفها بشاب عشرينيّ يظلل بعيناه على فستانها الابيض الملئ بالورود الحمراء، وقدم لها وردة حمراء لكنها كانت الاجمل بينهم مع طلب يدها للرقص و بادرته بالموافقه، كانت تلك ذكريات لعينة.
سُرعان ما تذكرت أن ما خلفها فالمرآه هي إبنتها و ليس الشاب الذي طورته لها ذهنها الآن.
طردت من ذاكرتها الذكريات مؤقتاً، تنظر لإبنتها و اتجهت لها تربت على كتفيها قائلة بحنو:
- انا جيت هنا عشان مش عاوزة يحصلك اللي حصلي.
- وإي اللي حصلك؟
عاودت النظر لإحدى أركان المنزل الكبير، خاصة ركن مشروبات الكحول وتتجه تجاهه و تفتحه لتلتقي بورقة قديمة و صغيرة تبتسم لها لتؤردف للورقه بهمس:
- قد فات السنوات عليكي، لكن يدق قلبي كلما قرأتك، هكذا كان حبي لك كلما رأيتك.
ثم نظرت لإبنتها قائلة بحماس:
- هحكيلك.
***
٢٠٠١ ميلادياً من ٣ مايو
لبنان
في المنزل العائلي الكبير و في ليلة ميلاد "نور الدين" التي رقصت مع شاب مجهول مصري الجنسية و ذو شعرٍ كثيف يغطي عيناه، هكذا هم وصفوه الأهالي، ظلوا يرقصون كمن هم يجيدون الرقص اللبناني ولكنهم مصريون، وانتهت الرقصة بعدما صفق لهم الجميع خاصة هي "نور" الحسناء الذي صفقت له بحرارة قائلة له:
- انت غريب عن هنا، اسمك اي؟
- سليمان عطوة، من مصر.
- قرايب يعني
قالتها مداعبة له في مرح و كأنه شقيق جاء من البلد الغالية على قلبها، طالت زيارتها للبنان اكثر من اربع سنوات و قد اشتاقت لمصر الحبيبة، قاطع هو شرودها قائلاً:
- اه، قرايب او يعتبر قرايب.
- واشمعنا يعتبر؟
اخذ سؤالها و جعلها تجلس بجانب النافورة التي تتبع ملحق البيت و صافية الماء هي كصفاء السماء و نور القمر و نور الدين، لييجيبها في حماس و تنهيدة زُفِرت عن صبر:
- انتي بقا اللي شكلك غريبة عن اخبار البلد
- ليه بتقول كدة؟
قطبت حاجبيها عندما سألته ليجيبها:
- متسمعيش عن عيلة عطوة؟
- لا في الحقيقة مسمعتش.
حرك رأسه في إيجاب لينتظر إستيعاب ما يقوله:
- عيلة عطوة السحرة.
اتسعت عيناها و هي تبتعد قليلاً عنه لتجيبه في توتر:
- مينفعش اسيب حفلة عيدميلادي كدة، عن اذنك.
امسك بكفيها في هدوء لكنه سخر من فعلتها :
- طلعتي خوافه اوي.
ثم أكمل:
- مسألتنيش سبب وجودي هنا.
- و اي هو؟
- انتي.
- ليه؟
- اختارتك من وسط مليون بنت حواليا وآمرت قانون ديموزيد بده.
قالها و عيناه تشتد حدة و تشتد كفيه في الضغط على يديها وصرخت هي في هيامٍ و خوف و كما أنها لو ارادت الهرب الأن قبل الموت.
و بعد أن جاءوا الجميع على صوت صراخها كانت هي على ارضية المنزل بجانب النافورة وحيدة ليأخذوها الجميع لغرفتها.
و ظلّت تقاتل قانون الديموزيد.
ما هو الديموزيد؟
**
٢٠٠١ ميلاديا من ٤ مايو
لبنان
تستيقظ "نور" على انوار الشمس حولها في غرفتها و طرازها الحديث في عصرهم، وبادرت هي بالنهوض و نظرت لذاتها في المرآه لتجد السواد يقتحم اسفل عيناها في رعشة يداها من ثم سر يجب التأقلم عليه، أصبحت شاحبه في ساعات منذ لقائها بذلك الوحش وهي لا تتذكر مااذا حدث بعدما نطق اخر كلماته... اسيزوجها لاجل قانون ديموزيد؟ ماذا يكون ذلك؟
نزلت للاسفل و هي تتحسس سور الادراج في ذعرٍ و تنظر خلفها كأن احدهم خلفها، تنظر بجانبها تشعر باحدهم يمسك يداها فأصبح ذلك التشويش هو مصدرها ولا تعلم من اين اتى لها، فقط جلست على احدى الارائك تنظر لشقيقتها الصغرى الذي تلعب بإحدى العرائس من ثم همست لها بفحيح كالافعى:
- انتي عامله اي؟
نظرت لها ثم قالت في ابتسامه:
- المهم انتي اللي كويسة، قالولي انك تعبانه و مدخلش ارخم عليكي.
- شاطرة.
ثم اكملت:
- تيجي ننزل نشتري حاجه حلوة.
- بس انتي تعبانه.
- لا بقيت كويسه يا حبيبتي.
- تمام يلا، قولي لماما الاول.
- مش لازم نقول لماما.
استعجبت شقيقتها مما قالت الان، لكنها ضمت يدااها بيد شقيقتها و اخذتها و خرجت بملابس ليلة البارحه، شعرت شقيقتها الصغري بذعر قائلة بيأس:
- نور احنا رايحين فين ؟
بعد قطع مسافة من طريقها دخلت احدى المحلات الذي يُكتب عليها "عطوة لتجارة قطع السيارات" ليباردها احدهم قائلاً:
- اهلين يا صغيرة، شو بتعوزي؟
- فين سليمان!
- بالطابق العلوي، نورتي.
صعدت مع شقيقتها شديدة الخطوات المتسارعه و كأنها تصعد لوحش يجب مهاجمته، تصتدم به عند فتح الباب مباشرة و تطالعه بنظرات حادة لكنه الأطول فكانت حادة للسماء مع سوداوية اسفلها جعلت منه يبتسم قائلاً مداعباً لها:
- كنت مستنيكي.
- انت ..انت..عملت ايه.
- سحرتك.
قالها مقترباً لها وهو يملّس شعراتها الغجريه وراء اذنيها، يرقد بعيناه البنيه داخل عيناها البنيتان كاللؤلؤ، يمسك هو بيداه الحرير وكأنه يمتلك العالم، لم تبالي به سوا ان دفعته للحائط بقوة قائلة بغضب:
- هشتكيك لأهل لحارة و ساعتها هتندم.
تصاعدت ضحكاته قائلاً :
- وهو حد هيفكر يقربلي؟ احنا كبار الحارة يا هبلة.
- اي هو قانون ديموزيد؟
قالتها في حيرة ليجيبها بغرور:
- اسئلتك كترت.
- مجاوبتش ولا على سؤال.
- لو اتجوزتيني هرد.
صرخت بوجهه قائلة:
- مكنتش مجبر تعمل كل دة عشان تقولي اتجوزيني، انت مريض نفسي.
اصدر الضحكات مؤردفاً:
- عارف، واوعدك لو اتجوزتيني هخليكي تمشي على قوانين ديموزيد زيي.
تركته و هي في حيرة من امرها، لا تعلم أكان ذلك القانون سحر أم مجرد قانون ديمقراطي او قانون وهمي، لكن شحوب وجهها يكفي أن يُسرع من معرفتها بقانونه المزيف، أهو رُعب؟ أهو خيال؟ أم مجرد تراهات! بالطبع أنه كاذبا
قليلٍ من الوقت و قد ذهبت للمنزل تجر بيديها شقيقتها الصغرى التي تبكي بِحرقه قائلة:
- ضحكتي عليا و مجبتليش حاجه حلوة.
وكأنها لا تُنادي، جعلتها تجلس حيثما كانت و تصاعدت لغرفتها تتلفت يمينها و يسارها، تقاطع صوت والدتها من خلفها في لهفة:
- نور انتي كويسه؟
- اه..كويسه.
- اختك بتعيط ليه.
توترت لتؤردف:
- ده كل اهتمامك؟ بتعيط ليه؟ مش همّك حصلي اي امبارح؟
صمتت والدتها مقتربه منها تملّس على كفها:
- عشان واثقه انك كويسه وان اكيد اغمى عليكي غصب عنك.
تعوّجت شفتيها بسخرية مجيبه لها:
- ماما هو اي اللي اغمى عليا غضب عني!
- انا مش فاهماكي يا نور.
- انا اللي مش فاهماكي.
قالتها في غضبٍ مبالغ اوشك على سماع جميع المنطقه وكأن جنونها قد ازداد، كالنيران المشتعله بينهم كأي أم و ابنه لكن نيرانهم لم ولن تخمد يوماً، بعد أن وصل العم الأكبر للغرفه بصريخ نور، نظر لها بحقد و كراهيه و اقترب منها قائلاً بحدة:
- انتي زودتيها اوي، بتعلي صوتك على امك؟ والله اللي حايشني عن اني اجوزك و نخلص منك ان ابوكي مدلعك بس الموضوع ده ليه نهاية.
تصارعت دقات قلبها لتجيبه في حدة:
- جايين بلد مش بلدكم ليه؟ و ازاي واخدينها ليكم بالشكل ده؟ دي البلد كلها هتركع تحت رجليكم انتم و عيلة عطوة.
صفعها بقوة ارتطمت منها على الحائط، دموعها تساقطت على يدها و هي تتخذ القرار قائلة:
- جوزني ابن عطوة.
- اجوزك سليمان؟ انتي عرفتي الناس دول منين اصلاً؟
- اه..مصري زينا، وهخلص منكم و تخلصوا مني.
- عرفتيه منين؟
صمتت قليلاً تتذكر ما يجب قوله:
- يا عمي، لقيته في الحفلة امبارح و قالي كلام غريب وانه عاوز يتجوزني.
نظر لوالدتها قائلاً:
- سيبينا لوحدنا.
- بس...
صرخ لها :
- سيبينا لوحدنا.
خرجت و هي تضع بكفها على قلبها خوفاً من ان يقتل ابنتها الكبرى و فلذة كبدها، من الممكن أن تكون غير باليه بها لكنها تظل ابنتها.
***
بعد أن ناقشها اخ والدها، كانت يجب تناول العشاء في التاسعة من الوقت، لكن قاطع العشاء صوت والدها الصاخب من احدة مكاتبه في إسم ابنته:
- نووور، نور تعالي فوراً.
اخذت جُرعة من الشجاعة في همساتٍ من ذاتها و دقت بابه كإحترام قبل الدخول له، وحين سمح لها بالجلوس ابتسمت قليلاً و هدأت، ستظل هي مدللته و ابنته الاولى و صاحبة قلبه، بعشق هو الفتيات و يفضلهن عن الاولاد، يشببهن بأنهم قلب العالم و دونه لن تحيا، و اثبت لها بحديثه ذلك عن ابتسامته الراضيه قائلاً بهدوء:
- مكنتش اعرف ان سليمان جه امبارح.
- صدقني يا بابا انا...
خجلت وأحنت رأسها للاسفل لكنه قاطعها قائلاً:
- نور، انا عارف انك متعرفيهوش بس هما اشخاص مش كويسين في السوق و التعاملات.
رفعت رأسا في وجهه لتؤردف:
- بس هو غيرهم
- هو العن منهم كلهم.
انكمشت للخلف مع دقات عيونها بالدموع، تصحوا بضميرة قائلة في تلألأ نبراتها:
- مش مستحمله منك انت كمان زعيق يا بابا.
هدأ قليلاً مقترباً منها يربت على كتفيها بحنان، ملأ صدره بتنهيده زفرها بقوله:
- انتي عارفه اني بحبك اكتر من اي حاجه في حياتي يا نور، انتي فعلا نور حياتي و مش عايز اذى ليكي.. بس لو فعلا عاوزة تتجوزيه مش هقول لاء يمكن يكون خير و انا هبقا في ضهرك على طول.
ثم اكمل:
- مش هسمحله يزعلك، يمكن يكون سبب جوازكم صُلح بينا في السوق، يمكن جوازكم خير فعلا يا بنتي.
رفعت من رأسها المنكسرة تنظر لعيناه بحب :
- انت احن اب في الدنيا، ومبسوطه انك بتحترم قراراتي.
- هحترمهم طول ما انا عايش، مش هسمحلك تتإذي بردو طول ما انا عايش.
نفسٌ عميق لم تُزفره إلا و هي نجلس مع جارتها في احدى الحدائق امام المنزل مباشرةً، تطالع جارتها "دالي" في حيرة حين قالت لها:
- كالمجنونة، ستتزوجيه لفضولك عن معرفة قانون؟
- لا يا دالي، هتجوزه عشان اترحم من ماما و من عمي و من اختي ومن المسؤولية، شايفاه بيحبني، هيعرفني و هيعلمني بدل ما هما قعدوني من التعليم، ده هيخليني نور البلد كلها يا دالي.
ثم اكملت بمرح:
- هبقا ست الهوانم.
- صاير عقلك طاير، لساتك صغيرة ما بينفع زواجك الوقت.
قطبت حاجبيها مجيبه:
- شوفي يا بت اكل عيش بعيد، انا في قمة سعادتي دلوقت.
تلك العصفورة الصغيرة الذي وقفت امامها تطالعها شعرت بنبضٍ قريب و كأنه نبض العصفور، دقت قلوبها هي الاخرى في ذعر، أي كان ما يحدث ليس طبيعياً و مسرته بقولها في هزه:
- دالي انا هروح البيت حالا اريح.
هزت رأسها بالموافقه بينما نور صعدت كسرعة الصاروخ لغرفتها و اغلقتها جيدا لتبدأ في تكسير اشيائها بهيستيريه.
***
٢٠٠٢ ميلادياً ٢٩ مايو
يعلو الزغاريط اصوات المنطقه بأكملها، زواج نور القلوب بهدى السلام لعله السلام للجميع ومن الممكن ان يكون حرباً، السماء مزينه بألوان الالعاب النارية و الاراضي يملؤها الورود و وجوه الجميع يملؤها قمة السعادة، لكنها الوحيدة التي تشعر بالندم و الوخز في قلبها بتلك الفعله، لا تعلم هل هي الصحيحه ام الضعيفه ام التي تكون على حق،ولم تشعر بشرودها قد نفذ الا بخروج الجميع من غرفة تحضيرها بأمر من زوجها المستقبلي بعد دقائق، يُطالعها في سعادة مقترباً منها:
- مبروك علينا.
- هتديني اي مقابل الجوازه دي.
تنهد بابتسامه:
- المقابل هو اني احبك و تحبيني.
- وعدتني بمعرفتي لقانون ديموزيد.
- وانا قد وعدي، قربت اشك انك متجوزاني عشان تعرفي القانون ده بس.
- الصراحه هو يجيب فضول.
غمز لها بعيناه مؤردفا:
- عنيا.
و عندما طلّت بفستانها الابيض صفق الجميع لها بحراره تشعر و كأنها فخورة بذاتها، وفخور.ة بقراراتها الخاطئة التي تُهلك الى جهنم.
إنها فقط البداية فقط.
يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي