الفصل التامن

الفصل الثامن
رقصة مع غريب
لمريم عبدالرحمن

"يعيش الإنسان مره واحدة" مقولة خاطئة يجب تصحيحها لعقولنا، الإنسان يعيش حياة جديدة بكل يوم يستيقظ فيه على شعاع الشمس يخترق نافذته، انه شعاع الامل، القوة، الادراك، وأخيراً الرهبة من القادم، لتستعيد ببداية حياة جديدة على صوت نغمة الرنين لتمسكه و هي تنظر له في تعجب ثم أجابت بنبرتها الناعسه والرقيقه:
- صباح الخير، مين معايا؟
- لساتك على فراشك؟ مخبوله يلا قومي ورانا شغل.
بلهجتها اللبنانيه جعلتها تبتسم وبادلتها نبرة الاستعجال و هي تنهض من فراشها قائلة:
- طب الساعه كام؟
- الساعه ٨ يلا عچلي شويّ.
- تمام متقلقيش ساعه و هبقا في الشركة.
اغلقت الهاتف و توجهت لارتداء زيها الرسمي لتخرج اخيرا قلادة ديموزيد من اسفل قميصها لتظهرها ك زينه في منتصف قميصها وتبتسم ابتسامه خفيفه حتى جاءت من خلفها امرأه خمسينيه تبدو في صحتها و جمالها و رشاقتها بزيها المناسب وتبدو وكأنها امرأه ثلاثينيه بجمالها و اهتمامها بجسدها، لتصع يدها على كتفيها بابتسامه:
- وراكي شغل؟
- الصراحه كده اه.
- مش اتفقنا يا ليلى انك هتاخدي احازة النهاردة؟
نظرت لها بخجل و هي تؤردف:
- انا اسفه بجد انتي عارفه هما بيحتاجوني قد اي، و النهاردة في اجتماع مهم و وعد هرجع بدري يا زوزو.
قبلتها من جبهتها و هي تأخذ حقيبتها و تخرج من غرفتها و قبل ان تدلف من باب المنزل اوقفتها صوتها مره اخرى:
- ليلى، ابقي سلميلي على باباكي.
ضحكت ليلى ثم اقتربت منها قائله:
- تنكري انه وحشك؟
تذمرت شفتاها ثم قالت:
- مبكلمهوش، خليه قاعد و بايت في الشركة بتاعته.
ضحكت بصوت صاخب و هي تمسك وججه والدتها قائله:
- طب عيني في عينك كده و هشوف فيها حب العالم كله و قد اي هو وحشك، الحب مبيتداراش يا زوزو، وبعدين انا هقوله انك قولتيلي يرجع و انك عملاله غدا حلو النهاردة و مستنياه على العشا.
نظرت لها بابتسامه خجوله قليلاً ثم قالت:
- انا معرفتش معنى الحب غير مع ابوكي يا ليلى، هو الشخص اللي انتشلني من كل حاجه وحشه في حياتي.
اجابتها ليلى بصدق نظراتها:
- عارفه، انتي و بابا قدوتي في الحب، ان محبتش واحد بيحبني زي ما بابا بيحبك مش هقبل بالجوازة.
اربتت على يديها و هي مبتسمه ثم اجابتها:
- و انتي كمان حبيه، الراجل عاوز حب، مش شغل.
- ممم مش عاوز شغل؟ لا ده قانون ماما زينب عطوة.
ضحكت والدتها زينب بصدق لتنظر لها بحب قائلة:
- من يوم معين في حياتي و انا اسست نفسي ابني عيلة ليا جديدة و نضيفه.
و هاودت خديها بابتسامه قائلة:
- انتي و ابوكي رزقي في الدنيا.
- طول عمري نفسي اعرف اي قصة حياتك القديمه ااخبيثه دي.
- ممكن لو قعدتي يوم من اادلشغل اقولك.
تذمرت قائله:
- زوزو انتي على طول بتقولي كده و بعدين باخد و بتهربي مني و مش بتقوليلي حاجه.
- وعد هقولك.
- و انا عارفه انك قد وعودك.
خرجت من المنزل و ظلت زينب تتأمل صورتها و هي صغيرة على الحائط التي تجمعها بعابد زوجها الأن، كم هي تشبه نور والدتها؟ هذا يجعلها تبتشم اكثر و اكثر، لتسترجع ذكريات لم تريد يوماً ان تسترجعها، حينما كانت في محطة القطار بشعرها المبعثر و ملابسها الذائبه و رجليها المرتعشتان اثر برودة الشتاء المتهورة، دموعها الصامته فقط ما هي الا تدفئه لوجهها المعدم من قلة ااطعام، اصلحت بلا مأوى وبلا منزل هي فقط تائهه على أرصفة القطارات، لتنظر لمن يمد يده لها بجنيهات مبتسماً:
- اتفضلي
تمعنت قليلاً و هي تنظر للمال حتى قالت بهدوء مرتعشه:
- انا مبشحتش.
تنهد و هو يجلس بجانبها مجيبا:
- بس انا بمر من هنا كل يوم و بشوفك، اعتقد انتي متسولة.
نظرت له بحدة و هي تقول :
- مش متسولة.
- طب يا ستي، فين بيتك؟
- في.. في لبنان مش هنا.
صمت قليلاً ليؤكد بهدوء:
- فين بيتك؟
- والله في لبنان مش هنا.
قالتها بدموع حتى هو اعطاها منديل ورقي صغير و مسحت به خديها الورديتان بكل هدوء لتؤردف:
- انا مش مجنونة بس انا فعلا بيتي مش هنا.
- طب، انا هساعدك بس قومي معايا.
- مينفعش.
قالتها بكسرة حتر أجابها هو:
- ليه؟
- مينفع ش اثق في واحد زيك انت عاوز تستغلني.
تحاهل جملتها بل كان عينه منصبة على القلادة التي تبدو غالية الثمن في رقبتها ليجيبها:
- يا ستي خلاص بلاش اساعدك بيعي السلسلة دي تحبلك شوية الوفات ..
قاطعته بسخرية:
- دي فالصو، محرد سلسله فالصو ذكرى من العيلة.
- انا طبيب بيطري بالفعل، لكن شكل السلسلة غالي اوي يا مدام مش هتضحكي عليا.
نظرت له بشكل مخيف نوعاً ما ثم قالت:
- بقولك اي ياض غور من وشي انا مش نقصاك، قولتلك مش عايزة مساعدتك يبقا تهرس و تمشي.
ابتسم بسخريه ثم قال:
- عامة هساعدك.
- و انا قولت مش عاوزة، اظن كلامي واضح.
تركها دون إجابة حتى بعد ساعات كان معه والدته و شقيقته ليقنعوها بالقدوم معهم ومساعدتها في الرجوع الى لبنان، و من هنا تعلقت نظرات عابد بزينب، لتتعلم ااعشق في آوانه و وقته، و تعلم انها لم تقابل عشقاً قد سواه، سافر معها للبنان بعد عدة إجراءات و هناك بدأوا سوياً مشروع ناجح و هي شركة استيراد ليتزوجوا بعد معرفتهم ببعضهم البعض بثلاثة سنوات، لبناء اسرة و منزل و خياة جديدة و لتتعلم هي الحب و الثقه و الحياة والاما كما يجب ان يكون، فقط هي علمت أنها لن ترى مثله أبد الدهر، هو اول من صدق تراهاتها الذي قصّتها عليه و عن القلادة الملعونه ليصمم على توريثها لأول مولود لهم و تظل في حقبة الورث حتى يأتي من ينهي عقبات القلادة تلك، و لكن ليست هي، ربما اولادهم و ربما احفادهم و ربما احفاد احفادهم، بل تعهدوا على ان يبقوا بسلام فقط محبين فوق المحبين دوماً، بناء جيد لأسرة جيدة ليس كما خذلتها عائلتها من قبل.

****
في شركة والدها تحديداً ذهبت لتلتقي في اول نظرة بصديقتها التي اقتربت منها بغضب قائلة:
- شو ؟ كان لساتك على السرير اذا ما اتصلت؟
- ريمو استهدي بالله اديني جيت اسكت بقا احسن لهجتك دي بتضحكني و انتي متعصبه.
غضبت اكثر لتجيبها:
- اي معصبه، لشو عم تتمسخري عليّ؟
ضحكت ليلى و هي تضع بعضض الارواق في ملف:
- اسف يا ريمو والله مش بقدر مضحكش.
- كيف لهجتك مصرية و انيت مولوده بلبنان؟
- لان ماما و بابا مصريين  و هما اللي اتكلمت و اتعلمت منهم اتكلم ازاي.
تذكرت ريمو لتوّها ذكرى تريد ان تخبرها بها في استنكار:
- صح! انا بعرف عيلة عطوة.. صديق لي مصري و اسم عيلته عطوة.
- اخنا عندنا كمصريين اسماء العائلات ممكن تكون واحدة بس ميعرفوش بعض لان نسلهم مختلف عادي مش زي عندكم في لبنان.
- بس بتذكر قبل شوي خبرتيني عن تاريخ عائلة امك وان لها مجد عظيم.
- أيوة بس زي ما قولت ملهاش علاقة.
استعجبت قليلاً ثم قالت :
- يمكن انتي صح، المهم استاذ عادي منتظرك في مكتبه، و لمعلوماتك هو غضبان كتير.
- عارفه انه غضبان ياختي انا هخليه ينبسط دلوقت.
دلفت لمكتب والدها و هي مبتسمة الشفتين و تضع امامه اوراق قائلة:
- في رسالة جيالك من زينب عطوة.
نظر بطرف عينه يعلن الحنين رغم حاجبية الغاضبين و الملتويين بعنف:
- رسالة اي؟ اخلصي.
- ممم بتقولك ترجع عشان مش هتتعشا من غيرك.
- و متكلمنيش هي ليه؟
- كبرياء زينب، المهم روّح انا كمان مش هتعشا من غيرك و بعدين يا بابا اكيد ضهرك تعبك من المكتب هنا.
- للدرجاتي انا مش هاين عليها؟ ترفع عليا سماعة التليفون تقولي تعالى ؟
- بابا يلا بقا متزعلش هي هتراضيك بس روّح، دي حتى لسه قيلالي كلام حلو عنك، كلام حلو اوي.
قالته بابتسامه لتكمل حديثها:
- زي مثلا انها مشافتش الحب غير على ايدك و انك منتشل و منقذ ليها من اىظلام و ان انا و انت الخي اللي ربنا عوضها بيه.
ابتسم بهدوء ليسير لها بسبابته:
- هروّح معاكي.
قبلته ثم خرجت من مكتبها لتقع بعيناها على ذلك الأبله الذي لم يأخذ بباله ابداً من نظراتها العاشقه، يعاملها بجفاء و بضيق وبخفه يضغط على اناملها الصغيره الان كي تستوعب لجملته:
- ليلى ؟
افاقت من شرودها لتؤردف:
- انا اسفه يا حسن مش واخدة بالي.
ابتسم بهدوء مجيباً لها:
- مش مهم هستحملك لانك المصرية الوخيده هنا و انا بستجدع مع ولاد بلدي.
ضاقت حاجبيها ثم قالت:
- غير كده؟ هتطردني مثلا؟
- لا للاسف انتي بنت مدير الشركه.
ثم نظر لقلادتها ثم قال:
- بس انتي مبتقلعيش السلسه دي ليه؟ شكلها غاليه عليكي.
ابتسمت و عي تملّس عليها قائله:
- هي غاليه عندي فعلا.
- انا حاسس اني شوفتها قبل كده.
- لا استحالة تبقا شوفتها دي ورث عائلي.
- من عائلة استاذ عابد؟
- لاء عائلة ماما، زينب عطوة.
تعجّب قليلاً ثم قال:
- كويس، هدخل انا لاستاذ عابد و نتكلم بعدين.

يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي