الفصل السابع

الفصل السابع من رقصة مع غريب
لمريم عبدالرحمن
***
بعنوان الرحلة الاخيرة، ولكننا في بداية الرواية، بعض الناس يفصحون على أن النهايه لها بداية دوماً، هذه هي بدايتنا بعد انتهاء الرحلات الذي اطبقوها لعل احدهم سيبقى معنا للنهاية الحاسمة لقصتنا و من الممكن ان يكون الجميع مخطئ و أن لعض النهايات مهما اجرينا ما بعدها لن تغير مصيرنا المكتوب، يكفي سيرك بما بعد ذلك ولندرك دوماً أن الحياة ليست لها نهاية سوى بالموت، لذلك لن تكون لقصتنا نهاية سوى موت أصحابها!! غير منطقي.
***
بدأت في النظر على ما حولها من نظام جديد، لكل بلد رونقها الخاص و رائحتها الذكيه الذي تتمتع بها، فتحت جفنيها بابتسامه و هي تقول:
- مقلتليش! هنروح فين دلوقت؟
- واحد صاحب بابا راجل في التمانينات حالياً و هو اكتر واحد هيفيدنا.
اصدرت هي بمرح احدى مداعبتها:
- ممممم طب و تنا لازمتي اي؟
وقف و هو يحدقها لعضب قائلاً:
- مش قولتلك تروحي يا بت؟
زمت شفتيها مداعبه له بنبرة ساخره:
- انا؟ انا مقولتش.
ثم اكملت بضحك:
- امشي وقفت ليه اتأخرنا.
نفث ضيقه و هو يسحبها من خلفه مع ضحكاتها الخفيفه المتتاليه ليبتسم قليلاً و هو يمزج تقل ابتسامته مع نبرته الهادئه:
- عاوزة اي يا زينب على الصبح؟
- والله ما عاوزة.. انا بس عاوزاك تعرفني ...
قاطعها بسخرية:
- اديكي عايزه حاجه اهو ليه بقا الحوارات الكتير؟
- يا حيوان، انا عاوزة اعرف ليه مذ بتعرفني خطواتنا.
اجابها بتنهيده و هو يهرب بعيناه بعيداً:
- يعني انا مخبي عليكي طريقنا عامل ازاي! فتقومي عوزاني اقولك انا ليه مخبي عليكي؟ يا بنتي بطلي تخلف مره واحده و اسمعي الكلام بدون نقاش بجد هترتاحي نفسياً.
مقتت حاجبيها بدهشه من حديثه الصريح و المؤلم لتصرخ كعادته و تضربه في صدره بخفه كمثل هو يرى ليتمثل ذلك في ابتسامته مع غضبها المباشر:
- انت حيوان، ومتربتش بجد مش عارفه اي مهليني مكمله معاك لحد دلوقت يا محمد.. كان جاي عليا ب ايه المصيبة دي؟
- انتي شايفه ان انا مصيبه؟ مش شايفه اننا في مصيبه اكبر و لازم نستحملها؟
أياً كان ما يفعلونه فهم يصعون بصمتهم في اي بلد بالعراك سويا امام محطة القطار ليكونوا حديث الناس اليوم في اي بلد يذهبوها، لم تجيبه هي في الحقيقة بعد ان امسكها من معصمها بشده و جعلها تلحقه بشكل يليق بهما دون غضب، ليكف عن النعامل معها بسوء فالمرأه لن و لم تأتي يوماً بالغضب و العناد.. حتماً مع الحقيقه لا الرجال أيضاً.
كيف لها أن تثف في شخص لم يدق بابها الا من فترة قصيرة! تذهب معه اينما يسحبها من خلفه و كأنها زوجته المدلله التي ييحبها من خلفه في جميع الاماكن، لل بعرف هو حتى اين عشق تلك الصغيرة الماكرة و الغاضبه و السياسيه و المنطقيه نوعاً ما من عملها ليلتقوا اخيرا بمنزل منعزل في تحدى المدن و  قديم الشكل و الطراز يمتاز من الخارج بالهدوء و الظلام و لا يمتاز ابداً من مظهره بأن داخله ساكنٍ واحد، مهئ لأن يكون منزل مخرّب قديم و هذا ما لفتها مع ضم حاجبيها في تعجب:
- هو ةنت متأكد ان ده البيت؟
- ايوة طبعا متأكد يا زينب انا جيته كذا مره و تنا في ثانوية عامه اساسا درست هنا سنه في تانيه ثانوي عمري ما انسى حاجه من المكان.
- البيت كان بالشكل ده؟
- فعلا كان بالشكل ده و متغيرش، عارف انه ممكن يبان مخيف و غامص لكن جواه نور و صوت متقدريش تسمعيه غير بقلبك و صوت عمي ثروت.
فُتح الباب من قبل سيدة قعيدة فتحت لهم بصعوبه و نظرت لهم بدهشه عارمه ثم قالت:
- انت محمد عطوة؟
ضحك ثم قال:
- ايوة انا.
دقوا ابواب الكثير و لكنها اول من رحبت به بشكل صادم و فرح به.. ليلتقي بصديق والدة ثروت و يىحب لهم اعز ترحيب ثم قال لهم و عو يرتشف القهوة:
- دي مراتك؟
- دي زينب سليمان عطوة.
وضع كوب القهوة على المنضدة و هو فارع العينان ليقابل النظر اايها في تمعن تحت توترها و هي تبتلغ الغصه التي في حلقها و اقترب منها يملّس على خصلاتها:
- مكنتش متخيل ان سليمان يخلف بنت جميلة كده، ما شاء الله عليكي.
ابتسمت خجلاً و هي تنظر الى محمد لتقابل عيناه بخجل و يجاوبه هو عونةً عنها:
- و هنتج و قريب بس محتاجين مساعده.
صرخ بسعادة و هلل:
- يا سلااااااام ده انا منايا تطلبوا مني مساعدة عنيا ليكم اتفضلوا.
خلع من داخل قميصه تلك القلادة الملفته للانظار و الءي جعلته يتراجع خطوة للوراء لتؤردف زوجته القعيدة بملل:
- هي الحكاية دي مش هتخلص؟
اجابها ثروت بضيق:
- انا افتكرت انكم خلصتوا منها يا محمد ازاي رجعت؟
- هي مرجعتش يا عم ثروت انا عمي سليمان ضحك على العيله مش اكتر.
اتنهد و هو يرفع يده الى السماء داعياً بالتخلص منها:
- يارب تخلصوا منها.
- ما احنا يا عمي جاينلك عشان نخلص منها اكبد مش جايين نلعب.
رمقه نظره غاضبه قبل ان يجيبه بصدمه:
- بقولك اي اللي في بالك مينفعشش يا ابني، انا خلاص خلصت شغلي في السحر و الكلام الوسخ ده استأذنك يعني.
اقترب كنه ممسكاً بيديه لسكلب بنظراته العطف و النجدة بتوسله:
- ارجوك يا عم ثروت، انا و زينب بس اللي متضررين منها و احنا ذنبنا اي؟ انا مش عاوز حاجه غير اننا نعيش حياة طبيعية.
مسح على يديه و هو ينظر له بقلق و ضيق:
- ارجوك يا محمد متعملش فيا كده، مينفعش ساحر بعد ما يتوب توبة كاملة يرجع لسحره.
- طب ممكن يا عمي نتكلم لوحدنا؟
همّ بالموافقه و اخذه من يده و صعدوا الى سطح منزلهم لتجلس زينب مع زوجته يمرحان بالاحاديث عن حياة كل منهما في بيئته المختلفه... لتصيق شفتي زينب بعد ان اردفت:
- عمري ما شوفت سليمان ابويا.
ربتت على كفيها بصيق ثم قالت:
- معلش يا بنتي ربنا هيعوضك صدقيني، وبعدين الواد محمد ده زين ما اختارتي من الشباب و كمان في ضهرك و فاهمك من رأيي مفوتيهوش من ايدك و اوعدك انا زي امك هحطلك الطرحه بإيدي في فرحكم.
خجلت من ما اخبرته بها تلك السيدة الجميلة لتضحك و هي تقول:
- متتكسفيش يا بت، انتي بنت ومن حقك تتخيلي نفسك بتتجوزي الشخص اللي بتحبيه انا مثلاً.. كنت هموت على عمك ثروت بس تقلت، ايوة تقلت عليه انتي اتقلي عليه شوية.
اشارت لها موافقةً بخجل و هي تحاو لان تتملص من نظراتها القاتلة بحنين.
أما في سطح المنزل كان يجلس محمد بجانب ثروت و هو يحاول إقناعه:
- طب ليه انت يا محمد متمارسش السحر بنفسك؟
- انا معنديش خبرة كافيه.
- بتلعكس انت اكتر واحد هتعرف تخلص من الموضوع ده.
- وانت عارف اضراره كويس يا عم ثروت و انا لسه شاب لكن حضرتك...
قاطعه بغضب:
- بص يا محمد انا مش هرجع تاني للسحر مهما حصل و انا عارف كويس ان في شر جواك لاني راجل فاهم و عارف.
- انت مش قولت بطلت سحر؟ حسيت ليه ب ان اسه جوايا سر؟
- احساسي عمره ما كدب.
ابتسم بسخريه ثم قال:
- انا اسف يا عم ثروت.. هضطر اقولك على سر.
- انا عارفه.
- و اي هو؟
- انت مبطلتش سحر.
ضحك بسخريه ثم انهى حديثه بمكر:
- مظبوط.. و اكن اافكرة هنا مش في دي، اافكره هنا هو ليه انا مش عاوز اقوم بالمهمه دي؟
- هتقوم بيها و انا هحميك، حتى لو كان جواك شر، المهم موضوع السلسله يخلص عشان البنت زينب الغلبانه و اتفضل انزل هنخلص الموضوع ده الليله عشان تمشوا ف اقرب وقت.
ابتسم ابتسامه جانبيه و هو يضع القلادة في جيبة و خرج من الغرفه متجهاً الى غرفة المعيشه ليستقبل عيون زينب الهادئة و شفتيها المبتسمه معتقدًا بأنه سيقدم معروف تجاهها بانهاء القلادة! و تركها وحدها في النهاية افضل من المنتصف او يظن هو ذلك! اقترب بعد ان نظرت له بابتسامه قائله:
- في حاجه؟
دلف ثروت من خلفه ليصدر  ضجيج بنبرته الصاعقة:
- بصي يا زينب يا بنتي تنا هخدمكم زي ما عاوزين بس توعديني تمشي من هنا على لبنان تقعدي هناك بيت امك بقا بيتك ، واياكي تخرجي من هناك فاهمه؟
قطبت حاجبيها و هي تقترب بحذر مؤكده ان بحديثه لغز يجب ان تفكه:
- ليه يا عم ثروت مجيش مصر؟
اضاف بسبابته تأكيد على ما يريد قائلا:
- مش عاوز ادخلك في حوارات تانيه اسمعي كلامي و مش هتندمي.
نظرت لعيونه الجائشه الذي ترى ما بها من حنين لتعمر بينهم الحياة من بعد انعاء قوانين ااقلادى التي تستعمر سعادتهم وفط في اللحظه الذي امسكت بيده ترك هو انامله مقتضب نظراته بيأس ليتركها و يخرج مع ثروت من المنزل و ترك لها حيرة التفكير في الحركه الذي فعلها خصوصا بعد ان ذهبت لتستريح في غرفتها و تظن ان ما فعله ما هو الا نتيجة يأس  يجب ان تتلاشاها تماماً وتبسمت حينما فكرت فيه وهو آتٍ ممسكاً بيدها من جديد ليدعون العالم سويا لأن يمرح معهم وكما قال سيذهبون الى لبنان لتقضية حياتهم مع بقايا اسرتهم و تاريخهم السبب في حبهم و قتل من يحبون، فليستمر تلك العائله تقتل من تحب.
و في مخزن قديم قد افتتحه ثروت للتو بخذر يملؤة عشش الععنكبوت المتراكمه ترك العنان لبؤبؤتيه يتجولان في منطقته الصغيرة والقديمه، حيث بدأ ثروت بااحديث قائلا:
- كنت بمارس السحر هنا زمان، وكانت الناس بتجيلي هنا.
- المكان جميل و بعيد و مهئ فعلاً اننا نستعمله للسحر.
اقترب ثروت منه و هو يحذره قائلا:
- انا بحذرك..
قاطعه بسخريه و هو يتجول بالمكان:
- متقلقش نصايحك مش مهمه، انا مش عاوز اتعبك بس في كلام فاضي، خلينا نشغل و نشوف الاهم بدل وقفتنا دي.
تنهد و هو يقترب من احدى الطاولات المغلقه ليخرج ما بها من ادوات لطقوس و بديهيات لتلك المور اللعينه ليرتسم محمد حول دائرة مثلثيه خولها الشموع و عصفور قُتل بوحشية يُقطر منه الدماء في طبق من زجاج موضوع به القلادة الملعونة لتتحوار قطرات الدماء حول السلسه بشكل مستقيم و اعجوبي نوعا ما مبتسما هو على شفتيه ابتشامة النصر ليقطع صوت ثروت الصاخب قائلا:
- اقطر من دمك يا  محمد.
نظر له بغضب قائلا:
- اشمعنا دمي؟
- اسمع الكلام و بس، انت حاي تسنعين بيا ولا تستهزء بيا؟

في الغرفة التي كانت تجلس بها زينب لم تشعر بنفسها الا و هي ترتدي معطف و اخبرتها زوحى ثروة بمكانهم الذي يتواجدون فيه حتما و مع اقترابها من المكان بدأت تسمع صوت محدد و هو يرسم الترانيم السحرية على شفتيه و جالس على ركبتيه يشعر بالطاقة و الأمل من حوله ، لتظل هي مختبئه خلف النافذه اامكسورة نوعا ما عيونها كادت ان تنفجر من الدموع.. اهذا هو الرجل الذي وعدها بالسلام ؟ هذا لم يكن السلام قد، هو الان يعلن حرب جديده، و قد ازداد بكائها بعد ان رأته ساقط على الارض يخرج من فمه الدماء و يصارع الموت لتحدث الحركه بشكل بطئ و دون استيعاب و هي تجري تجاهه و تمسك بكفيه صارخه:
- محمد!!
هز ثروت رأسه نفيا ثم قال:
- كنت حاسس.
نظرت له بنظرة ثاقبه رغم ضعفها بالدموع:
- تقصد اي؟
- كنت عارف ان شرّه هيوديه لكده، هو مات عشان السلسله مازالت مهلصه ليكي يا زينب.
- لا لا.. هو مماتش.
قالتها بهستيريه لتصرخ مره اخرى:
- اطلب الاسعاف ارجوك، ارجوك اطلبه هو عايش .
- زينب، السلسه مخلصه ليكي هي قتلته عشان كان عاوز يإذيكي.
- هي مكنتش ملكي عشان تشتغل احسابي.
- مش ملكك بس هي تعؤف كل حاجه عنك لانها كانت ملكك في يوم من الايام، عارفه نواياكِ، السلسله دي بتنطبع على الشخص، ديموزيد عمرها ما كانت شريرة كل الاساطير فقط قالوا عنها كده.
ثم اكمل ساخراً:
- قانون ديموزيد عمرها ما تإذي  حد او تقتله بدون سبب، كل اللي ماتوا يا زينب  و اولهم ابوكي، بسبب نيته الوحشه تجاه استخدامها، عامليها برفق كأنها صديقه صعبة اافهم بس هتتهاون معاها عشان تقدموا الاحسن سوا، و هي هتفضل تقدملك كل الافضل ليكي و هتنعملك بحياة متتهيليهاش يا زينب.
نهضت و هي تنظر له بعضب عارم لم تقابلها النظرة تلك من قبل لتمسك الفاس الذي موجود بجانبنم و توجهه ناحيته :
- انت قتتله وانا هقتلك.
كاىمجنونة صفعته به صفعات عديدة حتى نزف ثروت من أجل كثرة الدماء ، و اقتربت من محمد لتمسح دماؤه  و تبكي بحرقة حتى ادركت وفاته بالفعل وودعته يكلمات خفيفة هامسه:
- عمري ما هنساك، هاخد حقنا يا محمد.
امسكت القلادة و ارتدتها و هي تمسح بدموعها و تهرب من جريمة قتل و الفرار الى لبنان وكأن التاريخ و الموقف يعيد ذاته مره اخرى، انها البداية لقصة اخرى تماما ستكون بقاع المحيط لا يعلم عنها احد، وااسؤال هو كسف لزينب ان تخضع احياتها بقلادى ترعتليها قوانين تجعل منها جسد هامد، لبنان بالتأكيد سيوجد بها وحدة جديده و أُلفه اجتماعيه جديده تكون هي حكايتنا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي