الفصل الخامس

"أُنيرت عيني المُظلمه لتراك نوراً يؤلمها؛ لكن مازالت ترفرف لترى الضوء طيباً من حولك.."
مريم عبدالرحمن

الفصل الخامس من أزمنة الحب متصاعدة
لمريم عبدالرحمن

صُدمت لكونه يمتلك اثنان منهم، بدل العقبه اصبحوا اثنان، بدل الموت اصبحوا موت اثنان! رمقته في صدمه و شلل اخذ لسانها الجمه بلجامٍ من النار، وبعد فرصه طويله من التحدث نطقت في هدوء:
- ازاي؟
ابتسم بسخريه و هو يرتدي واحدة و يجعلها هي ترتدي الاخرى قائلاً في نبرته الذي طالما علمت بطمأنيتها فيها:
- هنحارب سوا وهحكيلك كل حاجه.
ثم اكمل مقترباً منها:
- هنلبسها سوا، وهننهيها سوا.
- بس واضح انك مشيت خطوه من غيري.
- كانت خطوه غير مؤكده من حقي اتأكد بدل ما اهلكك معايا.
- بس انا اللي اهلكتك الاول.
- وانا هلكت نفسي معاكي بكل اراده و حب.
يتحاربون فالجمل دون توقف، حتى في كلماتهم صراعٌ و عِند ليس مثله عند احد، يُقسم القدر ان يجعلهم مرتبطان دائماً، ولكن ان فعل ما اخافها دائماً تكون انتهت و هلكت بالفعل لا محاله، اصبح ديموزيد او احد الديموزيد ملكاً لها، أما عنه لم يصبح حتى الأم ملكاً لها.
تنهدت في تساؤل:
- وانت جبتها منين؟
ضحك في احراج متمتماً في اقتراب منها اكثر:
- روحت لواجد زينهم الكداب، كنت حاسس انه كداب اوووي، بعد تهديدات طويله اداني السلسله و قالي إنها انتحرت بسبب انه جرحها و سابها وشايل ذنبها لحد دلوقت، قالها انه هيسيبها تكمل قوانين السلسله الملعونه و تخضع ليها لوحدها و هي مقدرتش، من ساعتها شايل ذنبها و شال الديموزيد و خطرها كله عنده.
صمتت قليلاً لتتذكر انها بالفعل ستُهلك دونه، هو فقط من يدير الامور للتخلص من تلك المأساه أسيتركها كما فعل واجد مع حبيبته المنتحرة!
فقدت حلقة وصل لا تعلم ما هي الصلة و الوصل بينها، في ثنايا روحها اشتد بها الضيق وكأن الحياه تلونت بالأسود لينقذ هو الموقف بابتسامه جاده:
- زينب! ثقي فيا.
خرجت رنا بكوبِ القهوة ووضعته امامه في خفوت ونظرت الى زينب مرةً اخرى لتقرأ نظراتها المطمئنه بأن تتركهم بضع الوقت، وظل هو نظراته مستتبه على رنا حتى دلفت غرفتها و قال هو:
- صاحبتك قمورة.
وغزته في صدرة بقوة صارخه بغضب:
- انا فين وانت فين؟ عجايب بجد.
ابتسم في جدية و هو ينهي كوب القهوة الساخنه في رشفةٍ واحده من ثم الماء في رشفتين ليؤردف في ثبات:
- مش نبدأ الرحلة بتاعتنا؟
- هنروح فين ؟
- تفتكري ممكن نروح فين؟ اي رأيك نروح مول مصر نتفسح؟
جزت على اسنانها مؤردفه:
- دمك يلطش مبتضحكش.
- مضطهداني اوي يا بت انتي.. وعصبتيني.

من الصعب ان ترحل الأحلام من بين يديك، تهرب و كأن ملجأها في يد اخرى، تتكون على هيئة تمثال حجري لا يمكنك مقته من جذورة وربما يصبح الهروب افضل من ان تكون في يدك ما هو شر لك، وييصلح ان يصبح اابعض معتقد بأن ما بين يديه هو اسوأ ما حل به ولكن دوماً يكون الخير.. فهل نستبشر بديموزيد خيراً عن شرها المنبوذ و الماكث بداخلها!
ومع مرور الايام تستيقظ هي لتلحق بقطار الاقصر تحت انظارها المتواردة على الساعه في يدها و ما خولها من اشخاص متشبثةً بمن كانت تنتظرة لتبتسم ابتسامة خفيف تصلح ب أن تكون هادئه و مختلفة ليبتسم لها هو الاخر في هوادةٍ و اخذ من يدها الشنطة التي تحملها وسط زحتم المارة لم تكن تشعر بمن خولها فقط تشبثت بنظراته قائله:
- مكنتش تقيله على فكرة اقدر اشيلها.
قاطع هدوءها زمجرته  وسخريته من الحقيبه:
- جرا ايه يا زينب ده انا قولتلك هنقعد يومين جايبه اي في الشنطة دي؟ صحيح انتم الستات ناس غريبة.
قطبت حاجبيها بغضب و اخذتها منه بعنفوانيه ثم اردفت:
- انا هركب..
هرولت على القطار دون ان تنظر لوجهه التي بات قبيح في موقفها، لما يصرّ على أن يوجهه لها ضربات قاسية متتاليه ويمقت شعوره تجاهها، جلسوا بجانب بعضهم اابعض و هي خاشعه لاتجاه الخارج من النافذه دون ان تمحي غضب حاجبيها و فك عقدة يدها المربوططه على صدرها بغضب جامح، تحاول السيطه على هزة ارجلها المستمره توتراً بها، ودون ان يدرك ما يفعل قد وضع يده على فخذها بغضب قائلاً:
- ما تبطلي هز عصبتيني.
ضربه لم يتوقع توقيتها على وجنته و لم يتوقع كم احتملت هي من شرور و غضب لتستأنف هي صدمتها بما اكتمل عليها من لوم و اردفت بنبرة مهزوزة:
- انت بردو مكنش ينفع تحط ايدك على رجلي.
تركها دون ان ينظر لها و ترك المقعد بالكامل وشغرت بغضه في حلقها ف ابتلعتها فور خوفها من ان يجتاز ما سيحدث وحده دون الاشتراك لها خصوصاً بعد ان صمم على عدم معرفتها بخطواتهم من اليوم لتكون له يد عون دون اذى تماماً.
ظلت مستتبه لدقائق وتجعل قلبها يهدأ من فزعه و من مخاولته على النهوض بالبحث عنه في القطار والاعتراف له بالحب، انه حب اسود في حال انتهاء السحر الاسود بالتأكيد سينتهي، ستصبح كما كانت و سيصبح هو في لا مبالاته تجاهها.. يعد دقائق جلس بجانبها واردف بحرج:
- تمام.. انا اسف بجد مكنتش اقصد اني احط ايدي على رجلك، انا اه ابان وقح من برا بس مش للدرجاتي يا زينب.
نظرت له بنظره جانبيه وقحه لتداري به غرورها الذي يجتاحها في كل مره ثم قالت له بضيق:
- انت بتعتذر على ده بس؟
- اه ده بس.
- وقح.
قالتها بتنهيدة ثم القت بوجهها عكس الاتجاه لتتلاشى الحرج و الحزن الذي بينهما، المحبين في الطريق متخاصمين كالسماء دون مجوم تهتدي بها في الليل.. عذراً هم ليسوا محبين هم قدر اجمعهم مثل الشمس و القمر لا يمكن ان يجتمعوا في حانب واحد لكن ميزة واحدة تميزهم عند الخلق اجمعين، في دربهم سواد لن يقابلهم الأن، ولعل ما في دربهم ما هو الا خير تملأه الايام... بعد صمت طال دقائق اعتدل من جلسته في مقدمتها مواجها لها بغضب:
- ممكن افهم اعتذر عن اي تاني؟
- عن سخريتك مني دايما.
قالتها في غضب و صراخ في وسط عربة القطار لينظر الجميع لهم بينما هو قال لها بهدوء:
- وطي صوتك هتفضحينا.
- انت بجد مبتحسش! انتي ليه مصمم تبقا وحش في نظري!
- زينب انا بهزر معاكي مش بسخر منك.
- طالما مش فاهم شعوري متتكلمش، شعوري مش لعبه طالما انا حسيت بالسخرية وشوفتني اتضايقت متروحش تسخر و تتريق من مضايقتي! انت مريض.
- بجد انتي اللي مريضة، سيبينا نكمل ام الطريق ده على خير عشان بجد مش طايقك.
- و لا انا طيقاك يا حيوان، ده انا اموت و لا اني اقعد معاك في رحلة زي دي.
امسكها من معصمها قبل ان تنهض بغرورها ليصفعها بجانبه بغضب ثم قال:
- بت انتي نلكيش كبير ولا اي؟ لو شايفه ان نلكيش كبير ف لاء يا ماما كبيرك هنا.
صرخ بأقوى ما تخيلت مسامعها حتى ادمعت عيناها بقوة وهي نصدومة من كلماته القصيرة التي نحتت قلبها، هدأت ثم بطأت من دموعها لتصمت قبل ان بكمل حديثه هو:
- فاهمه با زينب؟ هأذيكي لو مسمعتيش كلامي، انا مش عيل تافهه زيك و اناني.
كان جريح على قلبها الدامي، لماذا يصر العالم ان يكون اشد قسوة عن ما حدث لها في ما مضى من الايام!
رحبت بها ارض الاقصر بمناخها الحار و النسم في الوقت ذاته تعلق عليها طموحات و امال لم تختبرها من قبل... دخلوا في اسواق و متاهات بعيدة في ارضنا سائحون يساراً و على اليمين بائعون بوجههم السامي، يا لها من ارض ساميه كمن اعتاد وجودها بتاريخها العظيم، ابتسمت لوهله الى طفل صغير بعينان منكسرتان قبل دلوفها احدى المنازل الذي جذبها اليه محمد من معصمها بغضب وكأنها طفلة من اكفاله مذنبه و سيعاقبها، وطرق على الباب فأحدهم فتح، فتاة سمراء ابتسامتها البيضاء تطل على وجنتها ببشارةٍ وولاء، ان كان يومك منغلق ستسمح لك بالابتسامه دون قيود:
- مين انتم؟
- انا محمد عطوة جاي لنجلاء هانم.
- محمد عطوة! يا الف مرحبا دي الست نجلاء هترحب بيكم اوي، دي بقا اكيد مرتك؟
- ايوة، مراتي.
ليس وقت لقلبها ان ينبض، انه وغد لم يفهم يوما الشعور الذي تجتاحه من اجله، من الممكن تن يكون شعور سريع و قرار مؤذي و لكنه لم يقل اذية عن سخريته و غضبه المتداول.
دلفوا وهم صامتين لذلك المنزل ذو الطابقبن بألوان مريحه، جلسوا بجانب بعضهم على اريكه مريحه بنية و كأنهم بمفردهم في المنزل بعد ان انسحبت الفتاة الى الطابق العلوي، ومازالت هي عيناها منكسرتين و تريد البوح عن الدموع الذي اغلقتها منذ ساعات كاد ان يتحدث وأخيراً كي يعتذر لها ولكن اتت سيدة اربعينيه لطيفه و هي ما دعى بها نجلاء هانم، قبّل يداها بحب ثم قال:
- بحد كان ليكي وحشه يا ماما نجلاء.
- انتوا اللي وحشين ومبقتوش تسألوا، ابوك اخؤ مره نزل مصر جابلي معاك غويشه فالصو.
ضحك محمد ثم قال:
- مانا نحلاء احنا من امتا و قيمتنا في فلوسنا؟ ما معانا حاجات فالصو تهد اجيال.
قالت باقتناع:
- عندك حق.
ثم حولت مقلتيها نحو زينب وقالت:
- الله! و ني مين رضيت تتجوزك.
- ماما نحلاء انا الف من يتمناني، دي بقا يا ستي زينب عطوة بنت سليمان.
فرعت مقلتيها بصدمه و نهضت و اقتربت منها مملسه على شعراتها بهدوء:
- يا ما شاء الله، هو سليمان اتجوز لبنانيه؟
- لاء اتجوز مصريه والجودة مصريه يا ماما نجلاء.
- ما شاء الله عليكي يا بنتي.. ده انتي بدر منور.
يمكن لبعض الكلمات احيانا ان تغوي ابتسامتها في البزوغ، ضحكة طارئه واجبة التنفيذ.
- صحيح انتوا معروفين عندكم بتتحوزوا قرايبكم كان سليمان هو العاق الوحيد.
ثم اكملت باهتمام:
- صحيح اي هلاك تفتكرني فجأه؟
ابتسم على هوادةٍو هو يقول بخبث:
- انتي عارفه ان انا بطلت سحر من زمان، انا جبت السلسلتين اللي من ديموزيد و كنت حابب انتي تمارسي السحر و تنهيلنا الموضوع ده ونعيش انا ومراتي بسلام، ننهي عهد الظلم.
ابتسمت بخفه ثم شاورت له بأخذ العقد فضحك ساخراً و هو يقول:
- انتي عوزانا نموت و لا اي؟
تنهدت ثم قالت:
- بص يا عاصم انت جيت هنا عن ثقه، و احب اقولك ان دي مش مراتك اصلا انت جاي تضحك عليا؟
- اسف يا ماما نجلاء انيت عارفه دي مش اهلاقي و ...
قاطعت حديثه ثم قالت:
- انا عارفه انت بتمر ب اي و عاوز ا، كل اللي عليك دلوقت تديني السلسلتين وسيب الباقي عليا.

اقترب منها و انفاسه تقترب من انفاسها و هي تحاول الا تأخذ أنفاسها من التوتر، ليبتسم لها بخفه و امتزع عقد الرقبه و نزع اخريته و اعطاها اليها، ساعدتها تلك الشابع مساعدتها على احضار بعض الكتب و غلق النوافذ جيدا والجلوس على فراش اسود بالأرض وبدأت في تلاوة ما لم تفهمه تلك الصغيرة زينب مسكت كفيه بخوف وهامسه:
- مش هقدر اشوف حاجه زي كده انا بخاف اوي.
كالعادة نظراته تطمئنها وتبث ما فيها من فيض و حنان لتستقر بعيناه وغاصت في كتفيه كي لا ترى او تسمع، ولم تسمع بالفعل شوى انفاسه و لم تشعر بشئ قط حتى انها غفت على كتفه دون تن تشعر بما ينتابها وهذا ما حعله يضعها على اريكة بداخل غرفه اخرى و يجلس بجانب تلك المشعوذه في تعجب، حتى هي اردفت بسخرية:
- البت دي بتحبك.
- عارف.
اردفها بتنهيدة يائسه لتميل له ثم قالت:
- وانت ليه زعلان أنها بتحبك.
- انا زعلان ان احنا بنحب بعض.
رمقها من على يعد خطوات بعيناه اليائسه التي تحفر كل انش بوجهها حفاظا عليه، ابتسم نجلاء و قالت:
- الحب عمره ما عيب، انا فاهمه اي مشكلتك، انتوا حاليا مبقاش معاكم غير سلسله واحدة دافع عن حبكم بيها حتى لو بيعت الدنيا كلها عشانها.
- اي ممكن يخليني ابيع الدنيا عشانه يا ماما نجلاء! الحب! صدقيني مش ميولي.
- ده ااحب ميول كل شاب و امنية كل بنت، امت اللي واخد الحياة مهزلة و لعب و سخرية، راضي البنت اللي بتحبها و بتحبك و اياك تكسر قلبها.
رفعت سبابتها تجاهه ثم قالت:
- و الا والله يا محمد الكلب انت هعملك سحر يربطك في شجره مدى ااحياه.
قهقه بشدة و هو يقول:
- يا ماما نحلتء شوفي للغلبانه دي اوضة و شوفيلي اوضه عشان ننام بقا كده تعزبي ضيوفك؟
- ده انتوا لسه متعتشتوش.
- انا عن نفسي تعبان اوي وكمان هي باين عليها تعبانه خايها نايمه.
- اللي يريحكوا.
-----------
صباح اليوم التالي استيقظت بهدوء و هي تنقل بعينها يسارا ويمينا بحاجبيها المنتضبان بدهشه لتلتقي بتلك الصبيه العشرينيه الجميلة في مقابلتها تسرح شعرها بالمرآه، لاخظت استيقاظها فنظرت لها بحب قائله:
- يا الف نهار ابيض على وشك الجميل، مستنيننا تحت عشان الفطار، نومتك صباحي.
- هو اي اللي حضل امبارح؟
- خلي سي محمد يحكيلك بقا المهم يلا البسي العباية دي و تعالي ازينك.
ارتدت الحلباب الاسمر المخلي بالنقوش على الصدر رغما عن بشاطته وضعت لها زينه في وجهها رقيقه غيرت الكثير من شحوب بشرتها وانسدل شعرها بضفيرة ناعمه لتنزل الدرج و ينبهر بجمالها، وحتى تضع الصبية الطعام اخذها من معصمها و دلف بها لغرفه أخرى والتفت اليها بحيرة ثم قال:
- انا اسف.
- متتأسفش.
- لازم اتأسف.
- ممكن تحكيلي حصل اي امبارح؟
تنهد ثم قال:
- السلسله اللي كانت مع واحد زينهم سحر بسيط مش اسود و قدرت تفكه و رميناه لكن التانيه قوية و عتيقه جدا و انا اللي خدتها.
- اشمعنا انت؟
- مش عاوزك تتاذي.
- دلوقت همّك ااذايا يا محمد يا ابن عيلة عطوة؟
- ايوة..
ثم تكمل بإصرار:
- يمكن عشان بحبك و بحاول اخبي، العشم وحش اوي وانا عمري ما اتعودت اعشّم بنت.

يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي