الفصل السادس

يقول الحب هوادةً بأن تقعي اسيرة لبعض من نظراته، فماذا ان وقعت اسيرة تحت حنانه البالغ؟
مريم عبدالرحمن
***
الفصل السادس من رقصة مع غريب
مريم عبدالرحمن

يقطع الحب اميال ولا يغفو في الطريق الينا، انه عابر كالرياح يجب ان نتصدى له او نستقبله بصدر رحب، رغم عن وجود تسونامي في بعض العلاقات الا انها رياح قاتله، ومن الحب ما قتل على رأي الكثيرون.. ايمكن للحب ان سكون رمز للقتل؟ ان احببت شخصاً يصل بك مدى الحب هو قتله! اجابة لن يجاوبها احد ولا حتى دراسات المنطق و النفس له إجابة مشروعه تجاه القتل في الحب، من الممكن ان يكون لموضوعنا اساس من ذلك و لكن سنتجاهله الان.
وبعد ان أفصح عن حبه لها اشتاق ب ان يمسك كفيها و يشعرها بالحنان الذي فقدته البارحه:
- بجد يا زينب انا مش شخص وحش انا بس محتاج فرصه.
- انا عمري ما قولت عليك شخص وحش، انا دايما كنت عاوزة اديك فرصه و مش بترضى عشان كنت مقتنع ان ده غلط، مع أنه كان افضل صح بالنسبة لينا احنا الاتنين.
تنهد و هو يحاول ان يتلاشى كلماته المؤلمه او الحقيقه الساخره الذي انطبقت عليه:
- يا زينب، ده مش فرصة لينا اننا نرتبط أساساً بسبب المشكلة اللي احنا فيها، هنلاحق منين ولا منين على رحلتنا مع ديموزيد، لو كنا جابهنا بعاطفتنا في رحلتنا مكناش هننجح لحد دلوقت.
- يعني هو احنا نجحنا بالخناق؟
جز على شفتيه بسخرية ثم قال بنبرة حذره قليلاً :
- اه يا روح امك ما انتي مجيتش غير بالعين الحمرا في القطر.
وغزته في كتفه قائله:
- يا حيوان يا هباب البرك انا بش سكت عاشان الفضايح؟
وغزها بعيناه مؤردفاً:
- والله؟
هزت رأسها موافقةً لتستقبل مجئ نجلاء تجاههم بكل رحب و سعه مقدمه لهم الشاي ثم قالت:
- كده بقا الهمّ خف عليكم..
- مخفش علينا ولا حاجه يا ماما نجلاء احنل يادوب نطلع من هنا على البحيرة.
تعجبت زينب و اعتظلت من جلستها و هي ترمقه بدهشه:
- اي هيودينا البحيرة؟
- دلوقت يا زينب السلسله ملكي و بعدين انتي دايبه في دباديبي و انا مش عاوز اموت في عز شبابي فهضطر اجري ورا حد يفك شحرها الاسود.
هدأت من بين دهشتها لتتحول مشاعرها لتوتر و خوف وادرك توترها ممسكاً بيديها الناعمتين قائلاً:
- بصي يا زينب لو مش حابه تكملي الرحله معاسا٦ و..
صرخت بوجهه قائله:
- اياك تقول كده يا محمد، انا معاك.
نظرت له باطمئنان كيفما يطمئنها هو الاخر اضبح في تبادل عاطفي منجذب في محاورهم، لم تعتاد ايها القارئ بأن في اولى فصول الروايات يعترف البطل و البطله و ان يكون عشقاً سلس الطبيعه، في الحقيقه لا يوجد حب سريع او سلس بينما هو سحر في طرفيهم اعتقد؟ لم يكن الطريق سهلاً ابداً بين ايدي العاشقين فتنتظرهم خرافات عديدة ننبهر بقا مراراً و تكراراً ينبغي ان نتفاوتها، تسارعت الاحداث في لملمة حقائبهم للمغادرة في تلك الليله، لسلة صافيه تغمرها النجوم بكثره ليت فوق نافذتها مثل تلك النجوم و لكن الأبنيه الطويله تغطيها دائماً، تنهدت و هي تنهض من مقعدها لتلتقي من خلفها بمحمد الذي فزعت بأنه خلفها بشكل هادئ منذ دقائق و يظهر على جسده الارتياح على الحائط، ضحكت بهدوء ثم قالت:
- انت دخلت اوضتي امتا انا مخدتش بالي خالص.
اقترب مبتسماً واردف:
- ما بيت ساحره بقا فتلاقيه غامض في نفسه.
عدلت من خصلاتها برقه و هي تنظر لعيناه بدقه:
- تفتكر يا محمد لو سحر ديموزيد انتهى ... حينا هينتهي؟
- مش عارف.
- يعني انت مقتنع بإن حبنا ده من السلسه؟
- مش عارف.
- هو انت كله مش عارف؟
- لان اللي اعرفه فعلا اننا مينفعش نفكر في الوحش و احنا في احلى أوقاتنا، منبقاش تايهين و بنحب ضيق التنفس يا زينب
- عندك حق، اتفضل اطلع برا عشان مينفعش تبقا في اوضتي لوحدنا كده.
اقترب منها هوادةً بابتسامه جانبيه ثم قال:
- طب و اي يعني؟
رفعت احدى حاجبيها لتلص بوجهه صفعه جعلته يرجع للخلف عشرة اقدام تقريباً من الصدمه و لبست من قوة يديها، لتحسم الامر بتوتر و خوف:
- قلتلك تحترم نفسك مسمعتش الكلام.
رمقها بنظرة ساحقه واجتمع من شمل غضبه في ثوانٍ ليهتدي بها في نبراته:
- ماشي يا زينب.
خرج من الغرفه و هي تبتسم بابتسامه شيطانيه، لن تتنازل عن كرامتها لأجل حب مسحور سيمحى عاجلاً ام آجلا تستمتع به فقط بهدوء و هي تعلم كيف سيختفي، ستولد لها حياة جديدة ان نهت علاقتها به و بديموزيد و بقوانينها.
اما في غرفته هو خلع عقد ديموزيد لينظر له بتمعن و هو يلتقي برسمة الزهرة المسحورة، وما لم يراه من قبل ان دائرته تُفتح ليخرج من داخلها زهره وكأنها في طينتها يسقيها صاحبها كل يوم بماءاً يرويها و يعتني بها، ظل يتلاعب بالعقد لعدة مرات حتى وقع منه ودهس الوردة كاملةً و اشار للعقد بسبابته محذراً:
- هييجي عليكي الدور صدقيني، بس افهم انتي اي؟!
اغلق نافذته التي هبت منها الرياح بقوة  ومن بعدها اُغلق المصباح و اضبحت الغرفه كاحلة تماما:
- مين هنا؟
من اين علم ان احدهم هنا؟ وليس فقط التيار و المصباح المنقطع اثرت لوجود احد بشكل طبيعي، و انما قوة خارقه و قوية، تحسس بيديه كي يطمأن على العقد الذي خلعه و لكن لم يجدها في محلّها، تفهّم الأمر من جذورة و نهض بهدوء و حلس على اريكته و اغمض عيناه بشجاعه و ظل بشفتيه هامساً ببعض الكلمات ليعود المصباح و تسقط القلادة امامه من جديد و يفتح الباب على مصرحيه و تدلف نجلاء بغضب قائله:
- انت مش قولت انك بطلت سحر؟
- ايوة.
- انت مفكرني هبله؟ اللس حصل دلوقت ده ليه؟
- لوسمحتي وطي صوتك.
- انت بتضيع نفسك يا محمد قاطع السحر اوعى ترجعله.
- انا مقطعتو ش عشان ارجعله، السحر ده بيجري في دمي يا ماما نحلاء و بيجري في عيلتنا و هفضل ادافع عنه طول حياتي.
- والبنت الغلبانه اللي بتحبك؟ هتجرها معاك ليه في مشاكل.
- حاولت افهمها اشتخالة٥ علاقتنا و هي مفهمتشش.
- ابعد عنها يا محمد شخص زيك مش مناسب ليها ابدا اتمنى تعيد افكارك.
- انا عارف افكاري اي كويس و مش عاوز اعيش في موقف وحش.
اشارت إليه بسبابتها تخترق به عقله تماما:
- انت بتلعب لعبه محدش قدها و انا فهماك كويس، وعارف انك شراني زي بقيت عيلتك و الغضب والصرع و السحر بيجري في عيلتكم وعمركم ما هتبطلوا نجاسه.
اقترب و يحمل شرارة نظرته لم يحمل مثلها من قبل ليمسك رقبتيها و يرتكز عل عينيها و في دقائق كانت مغشية على الارض و يبتسم هو بهدوء وينظر ليديه و هو ينفخ فيها قائلاً:
- ايدي هتفضل نضيفه طول عمرها.

في صباح يوم جديد التقت به الشمس بأيامهم اللعينه انتشر سيرة وفاة نجلاء بين الجيران بعد هروب الضيفين الذين طلوا عليهم منذ ايام، اما عند  زينب و محمد كانت تنظر من جانبه على النافذه وما تطل عليه بشوشة الوجه لتنطق أخيراً مراعيةً لشروده:
- ليه مودعناش ماما نجلاء؟
- اكيد نايمه، و بعدين انا مش بحب الوداع.
- عندك حق و لا انا بحبه.. هو احنا هنروح لمين في البحيرة؟
- لساحر كبير عشان السلسله.
يا لها من قلادة متعبه، تجعل المرء في حالة من الدوران بسبب التخلص منها، لن تعرف التخلص منه بسهوله و في كل حال انت هالك.. ادركت هي ما هو عليه من شرود و غضب و تعب لتمسك يديه مبتسمه:
- ما نوقف رحلتنا و نرجع القاهره ملاحظه اننا محتاجين نستريح.
صرخ في وجهها بشكل مفاجئ قائلاً:
- قلتلك لو عاوزة ترجعي انتي ارجعي يا زينب متقرفنيش.
صرخت هي الاخرى هاتفه:
- و انت بتصرخ في وشي ليه حالياً؟
هدأ من روعته ثم هتف بضيق:
- انا اسف يا زينب بجد تعبان نفسياً مش جسدياً.
- قولتلك نرجع.
- صدقيني رجوعي هيبقا تعب نفسي اكبر، انا عاوز اخلص من السلسه.
- طب ما احنا محتاجين نعرف القانون الاخير عشان ميفلتش مننا مشكلة و نقع فيها.
- انا مش عاوزك تقعي في مشكله يا زينب، و ده اللي مخليني مخاطر بيا و متقلقيش انا فاهم انا بعمل اي.
وقت ااصراحه هي عندما تخبر من تحب انك لم ترتاح معه قط:
- بصراحه يا محمد انا مش مرتاحه معاك.
رمقها بغضب و هو يغلي دماؤه من جملة صغيرة هتفت بها منتظر منها ان تُكمل ما بدأته ولكنها اصرت على الصمت ليؤردف هو:
- مش مرتاحه ازاي؟
تنهدت و إجابته في ضيق:
- حساك مخبي حاجه و حس ان بانتهاء السلسله هينتهي كل حاجه بينا وانا مفيش حاجه حبيتها الفترة دي قدك.
- وانا يا زينب مفيش حاجه حبيتها قدك افترة دي و رافض عدم وجودك حواليا بس في حاجات بتبقا مش بإيدنا، يعني مثلا لازم نبقا مع بعض ونموت يأما مش مع بعض و عايشين من رأيك هنختار اي؟
- ابقا معاك و نموت.
ابتسم بخفه و هو يربت على كفيها بحب:
- واثق من ان كل حاجه هتتحل.
***
بعد مرور ايام كانوا قد وصلوا للبحيرة و في تساؤل مستمر للساحر الكبير "ليوند كافكا" ساحر الماني كبير يمكث في البحيرة، يتناوبون النظر لبعضهم البعض امام إحدى مطاعم البحيرة ليضيق بعينيه قائلاً:
- لو دخلنا كلنا في المطعم الغالي ده مش هنعرف ناكل لحد ما نرجع القاهره تاني.
مقتته بشده و ارتمت يدها على صدره بقوة غاضبه:
- مش معاك الفيزا تسحب فلوس؟
- انتي ليه محسساني اني قاعد على كنز؟ ما انا عاطل طبيعي فلوسي تخلص يا هانم.
ابتسمت بسخريه و هي تنظر له بضيق:
- بنجري ورا شوية سحر و كلام فاضي.
ثم اكملت بضحك:
- تعرف عمري ما تخيلت ابداً اتحط في موقف قذر زي ده، ابقا جعانه و معرفش اكل.
- مين قالك انك مش هتاكلي ده انا هأكلك احلى اكله في التاريخ.
انتهى بهم الحال امام عربه صغيرة تدوفي يديهم سندوتشات صغيرة يلتهمها محمد بشراهه انما هي تتحير كيف تمسكه و اين تبدأ، و هل هو نظيف ام لا! نظرت له باشمئزاز لتترك أخيراً السندوتش بضيق ثم هتفت بصراخ:
- انت بتاكل سندوتشات كبدة الكلاب دي ازاي؟
- بت انتي هتقرفيني ولا اي؟ دي مش كبدة كلاب دي عظمه بجد و بتشبع اكتر من مليون وجبة من المحل الغالي اللي وقفتي عليه اطفحي بقا.
بدى حديثه مقنع لها بعد ان طفأت خيباتها و بدأت في التهامه و فرعت عيناها بعد ابداء اعجابها به، لا بد من التجربه كي تعتني بتذوقك الشخصي، لاحظ هو اعجابها به ليميل عليها قائلاً:
- اخر مره كلتي من عربية كبدة كان امتا؟
- لاء هو انا مكلتش من عربية كبده في حياتي.
- يبقا معشتيش  ربع اللي البني اادم عاشه في مصر.

هذا ما قصد به تماماً، التسمم و حالة من القئ و التعب اكثر من تعب القلادة الساحرة، هي الان تحاول التمسك ببططنها و عدم افراغ ما فيها بعد ان حل المساء عليهم في محافظة البحيرة، ينتظرها هو امام غرفتها بالفندق كي يطمأن عليها و يستمع لتأوهها من معدتها التي تؤلمها:
- يا زينب انتي كويسه؟
صرخت من الداخل قائله:
- منك لله يا محمد ابن عسلة عطوة منك لله، بمووووووت.
حاول كتم ضحكاته و هو يشاور تليها تلك اافكره:
- جبتلك برشام بطن، و بعدين انا فضلت انصحك متاكليش من عربية الكبدة متاكليش و انتي اصريتي يا زينب.
فتحت الباب له بغضب و قابلت ضحكاته المريبه و المكتومه لتصرخ في وجهه قائله:
- انت اللي اصريت اني اكل، انا مش مسامحاك على اللي عملته فيا يا حيوان.
- يا زينب تهاودي بس، ده انا كشبتك مناعه.
- مناعة اي ؟ ده الله اعلم انا طفحت كبدة انهي حيوان، انت جايبنا هنا تمرمطنا و لا نشتغل على السلسله دي.
لم يعد يكتم ضحكاته بعد ان رأى نبرتها الضاحكه الذي اثارت فضةله في طرح سؤال:
- واضح انك متضايقه من وجودك هنا ما ترجعي القاهره.
حدت من طرفي عيناها مقابل عيناه و قالت:
- انا بقا ملاحظه ان انت متضايق من وجودي معاك، يا ترى عاوزني اسيبك و تلعب بديلك؟
رفع حاجبيه بدهشه ثم قال:
- عيب يا زينب دي مش اخلاق محمد عطوة على فكرة يا ظالمه، طلاما مش واثقه فيا حبيتيني ليه.
- ما امت عارف ياخويا اني مجبوره احبك، مكنش بإيدي احبك.
ثم اكملت بغضب:
- تعرف ان دي اكتر قصة حب غريبه و مثيرة للجدل و متمنتش اشوف زيها ابداً؟ يعني البنت الطبيعيه عايزة قصة حب طبيعيه انما احنا لاء لازم يبقا في توحد في النص.
استند لكتفه على باب غرفتها و نظر لها بحب قائلاً:
- اوعدك اما كل حاجه تنتهي هعيشك احلى قصة حب.
- مش متفائله ان في حاجه هتنتهي.
- بطلي تبقي بومه.
وقبل ان يذهب استوقفه نظاء منها قائله:
- محمد هو انت مينفعش تمارس السحر و تنهي مشكلتنا؟
نظؤ لها بضيق ثم قال:
- مينفعش حد يبقا وقف سحر و يرجعله، عامل بالظبط للس بيرجع للمخدرات بعد علاج حالة الادمان، بيموت لا محال.
- في كل الحالات و الزوايا في موت.. بس..
ثم اكمل هو حديثها بضيق:
- بس في فرصه اقل اننا نجري ورا ساحر كبيرة.
- هو للدرجايت مكنش فيه سحره اقور من عيلة عطوة؟
- على الاقل انا مش عارف، و اساسا محدش متبقي من العيله غيرنا.
اندهشت و اقتربت بصدمه:
- اومال فيم الباقي؟ ازاي الكلام ده صح.
- ببساطه علة عطوة انقرضت.
- ممكن تفهمني اكتر.
- احنا اتلعنّا بعد موت ابوكي سليمان، والعيله اتاخدت زاحد ورا التاني لان مكنتش السلسله في ايدنا، عشان كده انا جتلك اخدها و متنسيش ان كان ممنوع تفضل ملك لست من العيله.
- و انت و انا الوحيب اللي متبقيين؟
- بالظبط... احنا أمل العيله الوحيد و بكره نتجوز و نخلف و هنبتي عيله نضيفه من غير كل ده.

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي