الفصل العاشر

ازمنة الحب المتصاعدة
الفصل العاشر والاخير
لمريم عبدالرحمن
***
يمكث بداخل نواياه الحمراء اثر جحيمها المشتعل، واثر افكاارة المتناوية، أعلم كم احرقتك ايها القارئ في كثير التفاصيل مع كثير من الشخصيات في حقبات كثيرة تدور بين الماضي والحاضر والمستقبل، ولكن هذا هو غرضي من البداية كما سُميت الرواية القصيرة، إنها ازمنه تتصاعد بفعل الحب، بفعل الامل، الشغف، الشجاعه، وايضًا الخوف عامل رئيسي ، شخصيات مختلفه تتقدم كتقدم التكنولوجيا تماما، تتباعد فكريا ويمكن جسديا، ثمه رابط اخر يجمعهم، رابط قوي… انها قلادة ديموزيد، قلاده لا تعمل لصالحك وانت تعمل لصالحها، كالكلب اذا اقتربت من احد ابناءة اخذ يعوي عليك دون ان يعلم ماهية ما تقدمه من خير او شر، انها الحياة.. اقصد هنا ان القلادة تلك تُمثل الحياه، ورغمًا عن خيال تلك القلاده، وتلك القصه، وتلك الشخصيات، إلا أن ذاك النموذج متشابه مع الحياه، يترأسها كثير من الفروع، فرع الحياه، فرع الموت، فرع النهاية وهي ما تسبق الموت، واخيرا فرع التعلم..وما اقصده هنا بالتعلم هو تعلم نماذج الحياه التي تُمهدنا لدروبنا فارعين الاعين وهم مغمضين، كيف بذلك ان يحدث! انه خيال يا صاح لا يمكنك النكران، يصبح الخيال افضل بكثير من الواقع، الخيال هو نموذج يصف الواقع بشكل ابسط من ما يدل عليه من آلام، كطفل ينحر في الصخر بيديه الضعيفتين يريد ان يحقق في المستحيل عنوةً عن الجميع ويأتي العاطفه تشرق عليه العتمه الذي كان بها ليتضح بأن ما خلفه هي الحريه كاملةً، العاطفه تشمل الحب، والحب لا يشمل بين جنسين مختلفين، يشمل عاطفة حب الاقارب وهي اقوى رابط، حب الاصدقاء وهي ثاني رابطة حب قوية، كمتلازمة الروابط الكيميائيه؛ يُكمل فقط المكونات بعضها البعض، يمكن لشخص ان يحب شئ من جماد، او فقط حيوان، كل هذا يجعل من نسبة بزوغك للنهار مؤكده.. كلما زادت المحبه من حولك كلما زاد تحقيق تخيلاتك، وزاد معها امنياتك.
***
في منزل "محمد عطوة" يتسائل عقلي كيف له بالمعيشه ثم اتذكر تلك الليله التي تعمّ بالغموض والسحر، وتلك الفترة الزمنية التي باتت قصيرة على الجميع، يكاد ان يضعه في مكانة صديق لكنه والده الحقيقي (حسن) هو ابن محمد عطوة الحقيقي، وعنوةً على ذلك فعو انجبه من قبل معرفته على زينب، انه محتال على اي حال وكاذب، الامر بأكمله سوا أن يعرف لماذا يجابه في اخذ القلاده؟
كان يجلس يحاول تهدئته حتى وقع على اعين (محمد) الدموع وتسلطها وسقطت على وجهه الاجعد اثر الشيب، يحاول فقك تغهم ما حدث ولماءا يحدق في الفراغ صدمةً عن مل يحدث، ليجاوبه بنبرة يترأسها الكسرة:
بابا… ارجوك رد عليا، انا اسف لو سألت اسئله مش من حقي بس ارجوك متخضنيش عليك.
بعد مرور دقائق على الحاحع في معرفة لماذا يبكي، يمكن ان يصف بأنها المرةِ الاولى الذي يرى والده في هذه الحالة المذريه، سببها قوي، وملفت، ومثير للاهتمام، حتى نطق اخيرا وهو مازال يحدث في الفراغ بنبرة تكاد تسمع:
-طول عمري يا حسن مفهوم غلط .
-ازاي؟ قولي.
اقترب منه يحاول ان يعطيه الاهتمام ليستمع منه في هذه اللحظة المؤلمه، واصرّ مرة اخرى على الصمت دقائق حتى اردف بهدوء:
-كانت فكراني مش بحبها، ده انا والله ما حبيت قدها يا حسن.
-هي مين؟
قالها بحيرة تملّكته مع سؤال الذي أثار معرفته ليؤكد مره اخرى قائلا:
-هي مين يا بابا!
-زينب.
قالها بنبرته المكسورة، ليكمل حديث بكل شغفٍ يسبقه الحزن:
-معوزتش يوم أأذيها، يمكن كنت زمان عاوز السلطه، بس والله كنت عاوز ابعدها عن كل حاجه، كنت خايف عليها، انا مازلت خايف عليها.
نظر له وعيناه تغرورق بالدموع ليشاهد والده لأول مره يبكي بكسرة:
-اياك يا حسن، انا عاوز السلسله دي، جيبهالي لانها مش هتنتهي غير اما تدفن مع حد من نسل العيلة اللي عملتها.
-مقولتليش يا بابا المعلومة دي قبل كده.
-انا آسف.
-زي ما برضو لسه متفاجئ انك كنت بتحب زينب عطوة مامة ليلى.
-في حاجات كنت لازم اخبيها عنك.
-يعني كده مسألة السلسله الفالصو دي مسأله عاطفيه! هو انا لما اخدها مش قولتلي هتخليهل ملكي؟
صمت قليلا ليحاول التبرير له لكن قاطعه بالصراخ:
-انت وعدتني ولازم توفي بوعدك، انا محتاجها اوي.
-السلسله دي لو فضلت هتدمر في كل بيت تدخله، ارجوك يا حسن.
خرج حسن من المنزل تاركًا والده في تلك الحالة، كيف بقلبه أن يطاوعه على تركه! هل جفاء أم صدمه!
***
تجلس تلك البلهاء بتعب معتذرة لصديقتهافي العاتف عن ما بدر منها ، لتمنعها من الاسف قائله بهمجيه:
-دخيلك ما تعتذري مني، انا وياكي صديقتك حبيبتك.
ابتسمت بحب لتكسو نبرتها الحنان قائله:
-انتي بتهوني عليا تعب يوم كامل يا ريمو، زي بالظبط اما برجع اقعد مع بابا وماما، انتوا عيلتي.
-حبيبتي ليلى، لو بتعتبريني اهل لإلك ارجعي الشغل، الشغل بدونك ما إلُه طعم.
ضحكت بمزاح لتجيبها بحماس:
-هرجع من بكره.
-ويلا كمان عشان بظبطلك حسن.
-اه صحيح! مكملناش كلام، هو قالك ازاي انه عاوز يرتبط بيا.
-يوميها خرج من مكتبه لاستاذ عابد وواصل السؤال عنك حتى ما سلم مت السؤال على القلادة اللي لبستيها، لاحظ مجوهراتك الجديده حتى.
ضحكت صديقتها بينما هي انكمشت ابتسامتها واعتدلت في جلستها متسائلة:
-قالك لي عن السلسلة.
-مو متذكرة منيح بس سأل عن من وين لقيتيها بعتقد.
-طب انل عاوز اطلب منك طلب يا ريمو.
-اطلبي، بقظر عليه فورا بنفذه.
-هو انا اه بنت مدير الشركه بس انتي اكتر واحده تعرفي تنزلي الارشيف ونجيبيي ملف حسن كامل.
-ليش!
-عاوزة اعرف عنه كل حاجه.
-يا الله اتعينت بسببك في الشركه و راح انطرد بسببك ما ف فرق.
***
صباح اليوم التالي ذهبت للعمل واتجهت نحو مكتبها مباشرة، وجدت ملف حسن من امامها حتى رأت اول ما توقعته، اسم عائلته عطوة، كيف لم يناوبها الحظ بمعرفته من قبل، او حتى جاء على خاطرها! ذهبت وعاد الملف كما كان، وبدأ الموظفين بالمجئ لعملهم لإنها جاءت في الصباح الباكر قبل دوام الجميع مغ صديقتها، ومع دخول حسن الشركه دلف مكتبها فور معرفته بوجودها ليبتسم لها قائلا:
-اتبسطت انا عرفت ان رجعتي، اتاخرتي اوي.
-يعني هو اسبوع مش كتير.
-هي ريمو موصلتلكيش اي كلام؟
-وصلتلي كله، بس اهم حاجه شغلتني و هو انك ليه سألت عن سلسلتي.
كانت واضحه كالشمس في رقبتها، فور نل قالته نظر لقلادتها ليسخر قائلا:
-وانا هسأل عن سلسلتك ليه!
-وانا هصدقك انت ولا صاحبتي؟
صمت قليلا ليفهم انها على علم بشئ ليوقعها بين طيات حديثها:
-وهو انتي خايفه على السلسه كده ليه! هي اه تبان غاليه بس متأفوريش كده يا ليلى، انا كنت عاوز ندي فرصه لبعض مش نحاكم لعض على حاجات تافهه من اولها.
-مش هتبقى ليها اول من اخر، في علاقه انا شكه فيها.
-وانتي شكه فيا! ليه؟
-انت عارف ليه.
-طب ما تفيديني معاكي يا انسة ليلى!
-مش هتاخد ديموزيد يا حسن عطوة.
ابتسم ابتسامه جانبيه يعلم بها ماهية ما تعرفه عنها تقريبا ليقترب منها هامسا:
-مكنتش اتوقع انك شاطره كده.
-شوفت لنك غبي.
-انتي اللي غبيه لو اسلسله فضلت معاكي انتي هتروحي فيها، مينفعش تبقا ملكك.
-انا كمان عارفه قوانينها، هي اصلا طلاما مبعدتش عن النسل يبقا عادي.
-انا في ايدي حل نخلص بيها منها.
-انا عارفاكم كلكم بتقولوا نفس الكلمه.
عقد حاجبيه في تعجب ليقترب هامسا بتساؤل:
-قصدك ايه! حد غيري قالك كده ؟
-لاء، بس ماما زمان واحد قالها كده وضحك عليها و سمعت كلامه ومات بسبب نيته.
ضحك بسخريه وهو يحاول كتم ضحكته كي يتحدث اليها، لتقاطعه بصراخ قائله:
-بتضحك على ايه يا حيوان.
-بضحك على خيبتك، محمد عطوة مماتش.
اندهشت من رده لتجيبه بغضب:
-وانت ايه عرفك؟
-عشان انا اسمي حسن محمد احمد سالم عطوة.
عقد حاجبيها قد تفكك ولكن ليلجم لسانها من الاساس، لم تريد افتعال المشاكل ولكنها حتمًا يجب ان تخبر والدتها بهذه اللحظه، تركت جميع افكارها الغريبه لتتناولها برفق قائله بنبره مندهشه:
-يعني انتوا عاوزينها تاني عشان تدمرونا زي ما كنتم عاوزين!
-بابا عمره ما كان عاوز يدمر مامتك، بابا عمل كده عشان ينقذها يا ليلى، انتي اللي مش فاهمه وامك كمان مش فاهمه.
تركت المكتب و ذهبت لسيارتها بعد ان فقدت اعصابها تماما:
-يارب، انا مبقتش فاهمه حاجه خالص.
اغمضت جفنيها من التعب الذي حلّ عليها وسقطت في سيارتها لتغوص في نومٍ عميق، متردده كأفكارها المنتصبه بماذا ستفعل! هل تذهب لوالدتها وتخبرها! تخيلت والدتها وهي تقتل نفسها ويُدفن معها قلادة ديموزيد، لتدخل معها القبر وترى من الخارج ما يكمن بداخل تلك القلادة ليتحول حلمها الى ليل كاحل في قصرٍ ملئ بالشموع ويبدو انه عصر مختلف تماما، تجلس الجاريات ليتنقلون تلك القلادة بسخريه هاتفين انها رديئه، قد اهداها السلطان لجاريه على انها افخم القلادات ولكنها رديئه وفالصو! جلست تلك الجارية بعيونها المعتمه اثر حرجها والجميع يسخر منها حتى نهضت واشعلت في المكان بأجمعه نار يمكن ان تصف بأنها نار الحقد.
استيقظت مفزوعه واحدهم يطرق زجاج سيارتها ، انها صديقتها البلهاء بعد ان كشرت عن انيابها بغضب وفتحت لها الباب:
-كنتي تسيبيني نايمه، كنت بحلم حلم لطيف.
-شو! حلم لطيف والشركه فوق خربت من النار.
-قصدك ايه؟
-الشركه ولعت والمكافي إچيت وطفتها.
***
لم تلحق بالصدمه حتى ذهبت الى المنزل خصوصا لوالدتها لتقص عليها كل ما حدث من مصائب، ايعقل ان حلمها يتحقق! شاهدت فتاة تشعل النار فاشتعلت في مقر عملهم!
فور وصولها للمنزل شاهدت تلك العربه التي تأخذ والدتها لتعلن وفاتها.. هكذا هي ايقنت ان حلمها بات حقيقيًا، انهارت وهي لا تفكر سوى بشئ واحد، تلك القلادة هي جالبة السوء فكيف لنا ان نتخلص منها! لا تعلم لماذا ارادت ان تحقق النصف الاخر من الحلم وهي ان تضع القللدة في قبر والدتها، خوفًا ايضا من ان يسمها شئ في القبر، اشتعلت غيظًا وهي ترى الجميع يبكي عدا هي، لماذل هي لا تبكي! هي مستتبه فقك على جثه والداها الذي قتلت نفسها عنوةً تاركه لها جواب
" اتمنى ان تسامحيني" هكذا فقط كتبت بعرض الورقه لا غير، شعرت بالإهانه وانها بداية مشابهه لبداية والدتها، لكنها لن تخضع الى حسن او غيره.
وضعت تلك القلاده على صدر والدتها بعد الكفن ليدفنوها امام عينيها المستتبتين، وانهت من الامهل لعل كان ذلك الصحيح، نظرت خلفها بعد ان سمعت صوت رجل كبير وقعيد يدور به حسن ويبكي، ليجلس على ترابها ودموعه لا تفارقه:
-موتي ليه قبل ما اقولك اني اسف يا زينب! كان نفسي اسمع منك انك سامحتيني، كان نفسي اقولك اني بحبك ولو اني عارف ان مشاعرك اتغيرت، مكتتش عاوزك حتى في موتك تبقى السلسلة معاكي.
مسح بكفيه دموعها ليودعها وهو يفرك بتراب قبرها:
-مع السلامه يا حبيبتي.
***
بعد انهاء الجميع من مهمته في مساء اليوم نفسه، ذلك الكاهل القعيد كان يمشي بكل فخر ليفتح قبرها وينزع منه القلادة قائلا بضيق:
-انا اسف يا زينب، بس دي عاده فيا مش بقدر استغنى عنها.

يتبع..في الجزءي الثاني
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي