الفصل الرابع

الفصل الرابع
أزمنة الحب متصاعدة
لمريم عبدالرحمن

"سيبتك يومين ترتاحي مش كفاية؟"
في فراشها جاءتها رسالةٌ من الوغد او هكذا نتعته على هاتفها و في رأسها، إنه وغدٌ لا اكثر ولا أقل، مع رمشة عيناها الاولى تجاه الرسالة قد بعث الاخرى:
"انزلي انا تحت بدل ما اطلع"
"استنى بقولك نازلة"
بعد ساعة او اكثر ها هي هبطت من عمارتها تركب سيارته و هو يتأفف و يضرب المقود بغضب:
- انتي بجد اللي بتعمليه ده؟ ساعتين يا زينب بتقوليلي بلبس!
رمقته نظره حارقه منتزعه حقيبتها بغضب:
- بقولك اي انا مستحملاك بالعافيه.
ثم اكملت بهدوء:
- يلا على واجد زينهم.
دون أن يلفظ كلمات اخرى قد افلت زمام سيارته بعنف اثراً على غضبه وكأن حادثٌ حالك سيحدث الأن، لا يستطيع أن يوبخها كي يكون طريقهم اليوم سهلاً و متوافقاً؛ لكن بنهاية رحلاتهم السوداء متوعد لها بالقتل حتماً.
وصلا الأن و بعد اربعة ساعات بل اكثر امام منزل عريق في محافظة الاسكندريه في منطقة "المعمورة" تحديداً التي تعتمر بالجمال و الثقافة و الروح و الهواء النقي، و على ذكر النقاء اشتنشقت زينب شهيقاً و ازفرته عندما خرجت من السيارة ، مقاطعاً هو استمتاعها:
- ده البيت.
اقتربوا منهُ واوقفهم حارس العمارة بحدة:
- مين انتم يا بهوات؟
- عاوزين واجد زينهم.
قالها محمد بينما ذلك الحارس اخفض حاجبيه المنتصبين بهدوء قائلاً:
- هو انتوا الضيوف اللي مستنيهم؟
أوشكت زينب على مصارحته بأنهم ليسوا الضيوف المنتظرين بل قطعها الوغد في ثقه:
- ايوة يا سيدي احنا يلا اتفضل قولنا الدور بتاعه انهي؟
- اتفضلوا ورايا، هو الدور الرابع بس هطلعكم بالاسانسير ولازم اعملكم الكود اللي فالمفتاح معايا.

دلفوا للدور المنشود ملحقين النظر به يميناً و يساراً حتى دق الحارس الباب و دقت معهم القلوب، وها هو صاحب الرحلة:
- استاذ واجد ضيوف حضرتك وصلوا.
ارتسم على وجهه ابتسامه من الكاد انها اخافت زينب قليلاً و لكن محمد كان اكثر ثباتاً:
- اتفضلوا.
قالها في همس ثم دلفوا و تركهم حارس العمارة في سرور، دخلوا بمنزل غامق الحوائط و ذات اضواء صفراء باهته تنبعث منه رائحة السجائر ونوافذ مغلقة و الهواء منعدم رغم رطوبة المنزل امام البحر، حلشوا هم بصالون المنزل و ذهب واجد الرجل العجوز ذو الخمسون عاماً تجاه احدى طرق منزله، وكانت تلك هي فرصتها للتحدث بهمس لرفيقها الوغد:
- محمد.
اقترب من فمها ليسمعها جيداً ثم اكملت:
- انا خايفه اوي.
ابتسم محدقاً بعيناها و كأنه يطمأن قلبها عن جد و ليس بالقول فقط كما يفعل الجميع دائماً:
- متقلقيش.
همساته طربت اذنيها بأعصاب قلبها مشيرةٌ له بالموافقه، ثم اعتدلوا بدخول العجوز واجد واضعاً لهم كوبين من القهوة و بجانبهم سكريه:
- معلش يا شباب بقا معرفش سكركم اي، قولولي و احطلكم.
- احنا مش جايين نشرب قهوة، هنسأل سؤالين و نمشي.

من جلب المصائب و العواقب حتى قدميه لا يركلها؛ فهي من ستركله لمجرةٍ اخرة، كما فعلوا و هم على يقين بخطأ اكبر و هم يصلحون اخطاء اصغر، سيتسببوا بكثير من الحوادث تنير لهم الطرقات من شدة النيران، و على ذلك الرجل ان يجيبهم على اسألتهم الغريبه فتقبل بكل هدوء:
- اتفضلوا.
تنهد محمد على سؤاله الاول:
- كنت تعرف بنت زمان اسمها هناء بنت سنيه؟
صمت قليلاً يسترجع ذاكرته و يا لها من احداث دمرت حيوات الكثير، رأوا رعشة يديه و توتره قائلاً:
- انتوا مش جايين عشان الشقه هبيعها!
- للاسف مش الضيوف المنتظرين يا عمو واجد.
قالتها في صوتها الرقيق لينظر لها الوغد او كما تدعوه في بعض الاوقات، هامساً:
- ياريت متتكلميش.
شعرت بالخجل و الحيرة و هربت عيونها لاركان المنزل الرقيقه و المغلقه، ليردد الرجل من خلفهم:
- ياريت انتم متتكلموش، انتم عرفتوا هناء منين؟
- احنا اللي جايين نسأل يا استاذ واجد.
خفق قلبه و لسانه، يستعد بهما ان يقول ما وقع عليه من الامر مستهدفاً انهم سيكونوا اول من يعلموا قصة حبهم، أسيكتبون في التاريخ عنهما؟ أيعلمون بأمر ديموزيد ام ما؟
تساؤلات عدة جالت بخاطره و لم يستطع كتمها حتى باح بها غاضباً:
- قولولي احكي ليه و انا احكي.
في بادئ الامر اعتقدوا بأنه رجل غريب الاطوار و مخيف، الأن ظهر ما بداخله من جريح اثراً لفراق الماضي، يعبث بمستقبلهم ويضعه على اسهمٍ من نار، يداوي جروحهم من الاسطح اما عن الاعماق فيغفلهم ذلك و يردد بفميه السامين:
- قوانين ديموزيد مش لعبه للاطفال اللي زيكم.
ارتشف غضبه كالمتعطش في رشفته لكوب الماء قائلاً:
- ما هي كانت لعبه للعشاق اللي زيكم.
صمت الرجل ليجيبه في هدوء:
- انتم بتحبوا بعض؟
دون فواصل في الحديث قد قالها هو:
- عان كدة جايين لحضرتك تساعدنا مش اكتر.
قد لان قلبه و عن قلبها هي فتوقف هيهةً غير مصدقاً لما اردفه، ايعشقها؟ ام خدعه على الرجل؟
- فيوم من الايام هناء طلبت مني اجبلها هديه مختلفه و متكونش غاليه، دورت كتير اوي لحد ما لقيت السلسله في احدى محلات شارع المعز و اشتريتها بمبلغ بسيط اوي و ادتهالها و اعلنت ملكيتها للسلسله و بعد اسبوع عرفت حقيقتها و قررنا ندمرها سوا و نعيش حياة سعيدة و نخلص منها، وكانت المصيبه اننا منعرفش قوانينها فانتحرت و بعدها خدها المحقق اللبناني اللي اهداها لابنه عزيز عطوة كان شاب كبير و ده اخر اخباري عنها.
تنهد هو قائلاً:
- انا محمد عطوة، من عيلة عطوة يعني و هي بردو اسمها زينب عطوة من العيلة.
صمتوا هيهةً ثم قطع محمد الصمت بسؤال:
- عاوزينك تفيدنا.
حرك رأسه بالنفي يائساً من نبرته:
- لو كنا استفادنا احنا مكنتش هناء راحت مني.
يبدو و كأن دموعه قد حاربت على النزول و هو مازال يحاربها بضعفه، قلبه كالسكين البارد يقال اضحيته في عذابٍ وملل في جحيم، يبدو ايضاً بأنه سيقدم نصيحةٍ لهم:
- روحوا لساحر او حد يفهم يفهمكم، حد يكون واعر و فاهم بدل ما تمشوا في الغلط و يوقعكم.
صمت كلاهما في حيرة، فهو على اتم الحق، لا يجب ان يمشوا في طريقٍ مجهول يعلمون بالاشواك في جانبيه وستصيبهم في اي وقت، صدر نبرة ترحاب و شكرٍ منه قائلا:
- شكرا يا استاذ واجد، عندك حق اوي مش لازم نمشي في الطريق ده بشكل مجهول.
***
بعد دلوفهم بوابة القاهره عيون زينب تغلق تلقائياً من شدة التعب الذي تلقيته من بداية اليوم حتى نهايته، يكفر هو ان ينظر لها بعينان الساحرتان ببنيتها الواسعه و كأنه يرمق الزهره تتفتح ببطءٍ، اراد اخافتها قليلاً قائلاً:
- زينب.
صوته الصاخب جعل عيناها تنتصبان و تعتدل من جلستها قائلة:
- في اي! في اي!
كتم ضحكاته ذلك الوغد يتلاعب بمشاعرها و اوتارها و ايضاً يعتزل اوقات نومها و راحتها!
- انت يا حيواان...
- بس اهدي اهدي كنت هقولك ننزل نستريح على جمب؟
- ياريت، عاوزة اتكلم معاك.
***
في هدوءٍ تام بجانب سيارتهم يرتشفون الصودا لتبدأ هي بحديثها:
- قولت للراجل ان انت بتحبني!
قال في سخرية:
- عاوزاني اقول اي؟
- متقولش.
هزت كتفيها بلا مبالاه محدقه بمكانٍ اخر تكتفي بأن لا تتظر في طريقه او تتلاقى عيونهما بشكلٍ ما، يعلم هو بابتسامته الخبيثه أنه يقتلها ببطءٍ، ليقطع شرودها قائلاً:
- بصي، انتي لازم تعلني ملكيتي للسلسه.
- اشمعنا؟ عشان تاخدها وتهرب؟ انسى.
ملأت اذنيها صفعة صفيحة السودا بالارضية غاضباً:
- زينب انا مش بعمل كدة عان اهرب انا بعمل كدة عشان احميكي، بطلي تفكري بالمنطق ده.

إن كان على حق فلا بأس، ستعلن ملكيته للسلسله فالخطر يضيق بمن يمتلكها خاصةً بعد حديث واجد زينهم عنها و عن ما يستقبلهم من خطر مجهول، اخرجت تلك اللعينه من جمعت بينهم و من قتلت بين الاخرين لتنظر في عيناه الذي تلاشتها منذ قليل بكل حرية و دون خوفٍ و لكن ظهر في طيات نبراتها رعشةٍ اصابت قلبه:
- بس انا خايفه.
في وسطهم العقد كالقنبلة، مسك كفها و حاوط يدها بيديه في اطمئنان ظهر ايضاً بين جملته:
- متخافيش محدش هيتأذي.
- ولا انت هتتأذي، اوعدني.
قالتها في لهفةٍ و شوق وكأنه مساقر سيغادر للأبد، سحب العُقد من يدها معلناً ملكيته بنظراته لتعلن هي الاخرى:
- ديموزيد مِلك ليك.
***
الرحله التالته: الحقيقة.

بعد مرور ايام قد اخذها كلٍ منهما للراحه و التمعن في التفكير، و اختارتها هي ان تكون بجانب رفيقتها ووالدتها الثانيه التي اخذتها كوالدتها دائماً و ترترعت معها وكانت صديقةً لنور المرحومة، فمنزلهما دافئ وعناقهما دافئ:
- رنا انا مش عارفه اي اللي حصل ده كله؟ انا كنت عايشه حياة ابسط من كدة.
ربتت رنا على شعرها بكل حب قائله:
- ده اختبار من ربنا يا زينب اياكي تقولي كدة.
اعتدلت من جلستها في غضب:
- عاوزاني اقول اي؟ انا واحدة بتحب واحد قابلته في يومين عشان خضعت لقوانين السلسله المتخلفه دي؟
خضعت لعشقه في سبيل قائلها بأنها تريد ان تعشق ذلك المجنون ذات ليله! وبعد مرور تلك الجمله بسلام فهي لا تطمئن الّا بجانبه هو فقط و تريد تقضية وقتها معه هو فقط، تريده هو فقط، تخضع لكلامه هو فقط، لعنةً قد حلّت على من طلب الحب في ليلةٍ دون رضاه!
واستها رنا بهدوء:
- انا لحد دلوقت مش مستوعبه اللي بيحصل، لو مكنتش زي اختك و متربيه معاكي كنت قولت عليكي بتكدبي.
ثم اكملت:
- تفسير المنطقي و العلمي الوحيد ان السلسله دي سحر او عمل اتعمل.

لم تستطيع ان تمنع نفسها من البكاء، كما وان تكون السماء اثجمت على احدى البلاد الفقيرة، كما فعل والدها تماماً طلب العشق من نور فعشقته، وطلبت هي عشقها من محمد فعشقها! إن ديموزيد لعنه، إنه طلب دون رضاها وسخريةً ليس اكثر.
جلست بجانب صديقتها تعتصرها لتشعرها بالحنان والأمان الذي فقدته، الإنسان دوماً يمكن أن يشعر بالأمان من حروف نطقها احدهم في صدق:
- هنفضل جمبك، اوعدك.
- انا سلمته السلسله تفتكري هيطلب يحبني؟
رمقتها بحدة وغضب و صرخت بوجهها:
- انتي بتقولي مش بتحبيه و هو حبك؟ بتفكري فيه ليه يا زيييينب.
عمّ الهدوء لثوانٍ وقاطعته دخول والدة رنا السيدة إيناس لتضع طبق من الفاكهه المتنوعه، قالتها بحنان و هي تجلس:
- انتي بنت الغاليه يعني بنتي، كل اللي شوفناه من نور الله يرحمها خير، اول ما دخلت حياتنا كل الخير والبهجه نورت.
ارتكاب الاخطاء دون قصد، كمن يشعل الحطب للدفء فيصيبه البرد!!
ارتعشت هي من ذكر والدتها، الصمت اصابها وكأنه مرض اثاره الذكريات على ترانيمه بكت و ابكت صديقتها، انه وقت الصياح و البكاء فلنتخطاه دون ملل.
***
صباح اليوم التالي تنتظر هي رسالةً منه تهتز بكاملها توتراً فهي الانثى لا يمكن أن تبعث له رساله هكذا تتحدث عن كرامتها عادةً، قاطعتها رنا بجلوسها امامها ململمه لكلماتها بخفه لتجعلها خفيفه على قلب سامعها اليائس:
- ماما جهزت الفطار و حلفت ما نفطر غير بيكي.
تنهدت ووضعت الهاتف بجانبها وقبل ان تخطو من باب العرفه دخل لمسامعها صوت ارسال رسالة، وكانت وضيعه نوعاً ما تجاه صديقتها لتتركها و تسحب الهاتف و تلتقي برساله من احدى شركات الخطوط المعتادة، لما لم يكون هو؟ لما تنتظره هو؟
سرعان ما اخبرتها رنا بالحقيقه:
- هو خد السلسله و مشي يا زينب.
ثم اكملت مقتربه منها:
- من رأيي كملي حياتك من غيره و طلعي الديموزيد اللي بتقولي عليها دي من دماغك خالص، انا بحاول افهمك ان هو مشي و مش معبرك و انتي مش مصدقاني.
اشتد غضبها دون رد على ما قالته رنا في حقيقة الامر، من الممكن ان لا يقع في غرامها وهي وقعت كالبلهاء في غرامه دون رضاها! ابتلعت الغصه التي في حلقها وانتهت كل التوقعات لتترك الامر و ما فيه للواقع المؤلم.
مساء اليوم كان هو يطرق باب منزل صديقتها، فاق توقعات الجميع وهوى بهم من أعلى احلامهم لتسقط هي الوحيدة في قلبه الداكن، فتحت إيناس والدة رنا لتتفاجئ بشاب غريب الاطوار على باب منزلها قائلة:
- انت مين؟
- محمد ابن عم عم زينب، هي فين؟
رمقته بحدة قائله:
- تعالي يا زينب شوفي بلاويكي.
- شكراً يا مدام.
انه وغد كما وصفته تماماً عندما دلف دون استئذان و جلس على الاريكه بإستمتاع ينفث سيجارته في ثباتٍ عميق، و ها هي تصتدم به في جلسته العميقه، لا تعرف كيف ان تبتسم و كيف ان تغضب، تتجمد هي شعورها بجانب ملامحه و رونقه امامها تصبح البلهاء امامه، وفي بعض الاحيان تصبح الخرصاء، ظلت هكذا ثواني و ادركت موقفها بعد ان صاحت رنا:
- مين ده؟
- محمد...
وقبل و ان تكمل من جملتها كان هو كالصاعقه في امطاراً غزيره:
- محمد عطوة.
اعتدل من جلسته في اهتمام ثم مقت السيجار في طبقٍ ما امامه ببلاهه و اقترب يقبل يد رنا في هدوء:
- ابن عم عمها بعني قرابة بعيد شوية ، حكتلي عنك كتير.
بدأ شعورها المتجمد في اشتعال:
- على فكره مكلمتكش عنها ولا مره.
رفع احدى حاجبيه استنكاراً مؤردفاً في بلاهه كاذبه:
- جايز، حسيت بس اني سمعت عنها قبل كده.
- ممكن تخلص!
اعتدل بوقار ليملّس على خصلاته بإحراج:
- تعالي نقعد متبقيش نبيهه اوي.
ثم اكمل بعد ثوانٍ ناظراً الى رنا محدقاً في اعجاب:
- قهوة مالحه يا رنا من ايديكي الحلوين.
قبل ان تدلف لغرفة الطعام نظرت لزينب ممقته حاجبيها تشير بعيناها فقط "أنه وغد كما ذكرتي"
- معلقتين سكر يا رنا.
صمتوا كصمت المحبين لترانيم انفاس بعضهم، كالبوق الملكي عندما يطرب اذان شعبه هو نطق في جدٍ:
- احنا اغبيا يا زينب لدرجة مش عارف اتوقعها.
ضمت حاجبيها في تساؤل، ليكمل هو:
- امتا بنت سنيه هارون خدت السلسله و هي معانا بقالها سنين طويله ومع عيلة عطوه!
يا لها من غفله اغفلتهم جميعاً في ثوانٍ، لهذه الدرجه هم طائشون! اعتدلت من جلستها في دهشة قائلة في صراخ:
- قصدك اي يخربيت عقلك!
- اهلاً بيكي في السلسله التانيه من ديموزيد.
اخرج من سترته اثنتين من ذات القطعه لا يختلف عنهم شئ سوا ان احدهم بالكف الايسر و احدهم بالايمن.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي