الفصل الرابع

خرجت ليلى من المدرسة والابتسامة تنير وجهها، تشعر بالسعادة تغمرها؛ لأنها استطاعت أن تجيب على جميع الأسئلة المطروحه دون ترك سؤال، شاكره ربها على لطفه معها وجبره.

فَـ مجهودها لم يضيع هباءًا، استبشرت خير بالأيام القادمة، لتقرر الذهاب إلى العمل؛ لكي تشاهد ما تفعله شقيقتها متمنية بداخلها ألَّا تكون قد أفسدت شيئًا

"بعد فتره ليست بقصيرة"

وصلت ليلى إلى المتجر، لتوجه انظارها بكل مكان على هذا الازدحام الشديد مبتسمة بسعادة مفرطه.

اخذت تصافح هذا وذاك وهي تسير، ملقيه التحيات على الجميع بإبتسامة عريضة مع نبرتها المرحه المعتاده.

قررت الذهاب اولًا إلى رفيقها أرغد لكي تراه ثم بعدها تذهب لشقيقتها.


وهي تسير متجه إليه التقطت اذنيها تلك الكلمات التي خرجت من فوه "أرغد"، الذي كان يحدث صديقه يشكو له همه بحزن ظهر من نبرة صوته.

وأيضًا عن أمر ذلك الفندق، على أنه لا يشعر بالراحة فيه، وأنه لم يعتاد أن يمكث في فندق، فَـ لا يستطع تقبل الوضع أكثر.

توقفت ليلى عن السير قليلًا، تنظر حولها ثم من سريعًا ذهبت خلف إحدى العربات؛ لتستطيع السمع بوضوح اكثر دون أن يراها أرغد.

-طوال هذا الأسبوع وأنا اجلس بأحد الفنادق القريبة من المتجر، أريد منزلًا صغير أقيم به بدلًا من ذاك الفندق، بحثت كثيرًا ولم أجد شيء يناسبني.

قال أرغد تلك الكلمات وهو يتنهد بضيق واضح.

رسم صديقه ابتسامة خفيفه على ثغره ليربت على كتفه قائلًا بحب:

-تعال واجلس معي يا أرغد، لماذا تبحث عن منزل ومنزلي موجود؟ منزلي مفتوح لك دائمًا يا صديقي، تعال فَـ كمَ تعلم اجلس أنا ووالدتي بمفردنا ما رائيك؟

بادله أرغد الابتسامة بأخرى ممتنة مجيبًا إياه:

-جزاك الله خير يا رفيقي، ولكن لا يصح أن أذهب معك، إذا بحثت لي عن منزل صغير امكث فيه سأكون مشكورا لك.

اومأ له صديقه بتأكيد وكان على وشك أن يجيبه، ولكن قاطعه صوت ليلى التي خرجت من العدم قائلة بصوت مرتفع متحمس:

-مرحبًا يا رفاق، كيف حالكم اليوم؟
قالت آخر كلماتها وهي تتوجه نحوهم مصافحه إياهم.

ابتسم أرغد وصديقه مبادلين إياها التحيه، ليقول أرغد بتساؤل:

-اخبريني كيف قدمتي اختبارك يا عنايات؟

نظرت له بشراسة قائلة:

-لا تنعتني ب بِـ عنايات يارجل، وما دخلك أنت؟

ضحك صديق أرغد بيأس من تصرفاتهما الغير عقلانيه المعتاده، ليهتف وهو يضحك :

-اكملا شجاركما وأنا سأستأذن؛ لأرى عملي ينتظرني.

أنهى كلماته راكضًا ليهتف كلًا من أرغد وليلى في نفس ذات الوقت :

-غبي.

تحمحمت ليلى بحرج لتنظر نحو أرغد بتهرب لتقول:

-احم، أولا اعتذر منك.

قوس حاجبيه بعدم فهم قائلًا:

-لِمَ الإعتذار؟

هتفت بضيق:

-أنا استمعت لحديثك وأنت تتحدث مع "هادي"

هتف بهدوء مصطنع:

-لا تذكريني بهذا الهم الثقيل يا ليلي.

ابتلعت لعابها قبل أن تقول بجدية وهي ترى تعابيره الحزينه، وأيضًا هو لا يهتف بأسمها الحقيقي إلا وإذا كان الأمر شديد الجديه:

-لِمَ لم تخبرني أرغد؟

ابتسم لها بلطف وهو يقول بحنان وكأنه يحدث طفلته الصغيره:

-كنت لا أود ازعاجك بأموري ليلى ف أنتِ لديكِ ما يكفي ايضًا.

ربتت على يديه وهي تقول بجدية:

-لا تتحدث هكذا أرغد، مشاكلك هي مشاكلي ألم تخبرني من قبل أننا واحد؟

وقبل أن تستمع لأجابته صاحت بحماس:

-ماذا تفعل لِـ من يزيل عنك هذا الثقل؟

ضحك بمرح مجيبًا إياها بثقه:

-سأعطي له ما يشاء.

هتفت بغيظ مضحك:

-هذا الحديث لا ينفع بشيء، حدد ماذا ستقدره بالضبط.. آآ

قاطعها بتعجب وهو يقول:

-هذه الثقة التي في حديثك، تشعرني وكأنكِ تملكين قصر وتريدي استأجاره لعابر سبيل.

ضحكت بصوتها كله وهي تقول:

-لن تتغير ابدًا، أريد اعلامك بأنها اجمل من القصر بكثير، فقط لو تسمح لي امي بأن امكث فيها، ولكن لا تسمح لي للأسف، ما رائيك أنت تـ.. آآ

قاطعت كلماتها بعدما لاحظت تلك النظرات المزعجة التي ترمقها بها شقيقتها، التي من الواضح عليها إنها عائده إلى المنزل، لم تفهم تلك النظرات ولكن استئذنت من أرغد سريعا لتذهب اليها

جلست أعلى الاريكة المقابلة للأخري التي يجلس عليها والديها، بتعجب من طلبهما بحضرها، وزعت انظارها بين والدها يدعى "رأفت"ووالدتها "نجلاء".

تحمحمت "نجلاء" قبل أن تقول بإبتسامة هادئه ترمق بها ابنتها:

-عزيزتي ابنتي، أنا ووالدكِ نريد أن نتحدث معكِ في أمر مهم.

قطبت جبينها بنفس ذات التعجب، لتقول بعدها داعية بداخلها أن لا يكون نفس الحديث السابق:

-تفضلوا، اي أمر مهم؟

اعتدل رأفت في جلسته، رامقًا ابنته بنظراتٍ قوية مصطحبة مع نبره الجاده:

-قد حددت موعد زفافك انتِ وأرغد إبن عمكِ أمير.

اكملت نجلاء عن زوجها قائلة بخفوت:

-سوف نكتب كتابكما اول بداية الشهر الجديد القادم، أي بعد سبعة عشر يومًا.

توسعت حدقتي نورسين بصدمة شلتها عن النطق، ناظره لوالديها بأعين تلمع بالدموع رافضه ما يهتفون به، كيف يحددون شيء كهذا دون أن يعودون لها؟

فَـ في المرة السابقة عندنا تحدثوا معها في ذاك الحوار، أخبرتهم برفضها الشديد بتلك الفكرة، قائلة لهم بأنها تعتبر أرغد ابن عمها ليس إلا شقيقها لا أكثر، ثار عليها والدها معنفًا إياها ولكن هي لم تهتم بذلك.

فاقت من صدمتها وشرودها على صوت والدها مؤكدًا حديث والدتها:

-نعم هذا صحيح نورسين.

-ماذا تهتفون انتم؟
قالت تلك الجملة بصدمة كبيره.

صمتت لعدة ثواني معدوده تحاول فيهم كبت دموعها المهدده بالهطول، ثم من زفرت بقوة وقالت:

-ولكن أنا في المرة الماضيه اخبرتكم برفضي.
قالتها بضيق واضح وهي تنظر لوالدتها بحزن.

بادلتها نجلاء النظرات بأخرى حنونه مع ابتسامة على صغرها مجيبة إياها:

-ولكن يا حبيبتي نحن نرى أن أرغد أنسب شخص اليكِ، فَـ مهما نبحث لن نجد أحدًا في خلقه وتربيته، والدك رأى أنه اكثر شخص سيشعر بالراحة والاطمئنان عليكِ معه.

حركت رأسها برفض قاطع هاتفه:

-أمي أنا لم أرى أرغد سوى أخ لي، كيف تفكرون بتلك الطريقة؟

قالت والدتها بإبتسامة متوتر خوفًا على ابنتها من بطش والدها الذي يتابع هذا الحوار بصمت تام:

-حبيبتي، نحن نرى أنه الأنسب اليكِ.

نهضت عن مقعدها بانفعال حاولت كبته كثيرًا ولكن هذه المره فضلت، فَـ صاحت بانزعاج من اصرارهم:

-امـــــي، أنا أرى عكس ذلك، نحن اخوه كيف تفكرون انتم، أرغد وأنا وزواج؟

ضحكت بستهزاء مكملة:

-انتم تمزحون بالتأكيد.

نهض رأفت عن مقعده بغضب أضعاف غضبها، ليرمقها بنظراتٍ قاسية وهو يقول بحزم:

-أنا لا أأخذ رائيك نورسين، بل اخبركِ الذي سيحدث لذلك كوني دائمًا على استعداد، انتهى الحديث.

وبعدما أنتهى من إلقاء كلماته تركهم وذهب ببردو كالثلج.

ركضت نورسين إلى غرفتها بعدما رمقت والدتها بنظرات حزينه غير مهتمه بندائها.

وضعت هاتفها على اذنها منتظره اجابته على أحر من الجمر، تسير ذهابا وإيابا بغضب والدموع تغرق وجنتيها.

استمعت لصوته عبر الهاتف وهو يقول:

-حبيبتي أين انتِ، أحاول الإتصال بكِ منذ الصباح ولم تجيبي!

-ارتفع صوت شهقاتها بحزن ليزداذ قلق الآخر هاتفًا بلهفة من أن يكون قد اصابها اي مكروه:

-نوري، حبيبتي اهدأي اهدأي لِمَ البكاء يا حبيبتي؟

ازدادت شهقاتها ارتفاعًا ولم تجيبه، ليهتف هو بنبرة يغلفها الضيق والانزعاج من استماعه لصوت بكاؤها:

-نوري حبيبة قلبي أنا لا أحبكِ تبكين، اخبريني ما بكِ عزيزتي؟

مسحت دموعها التي اغرقت وجهها الملائكي مجيبه عليه بنبرة باكية:

-أبي.

ابتلع تلك الغصه التي تشكلت بحلقه قبل أن يقرل بقلق من أن يكون قد أصيب عمه بمكروه:

-ما به عمي نورسين؟ أأصابه مكروه؟

حركت رأسها بِـ بمعنى "بلى" وكأنه امام ناظريها، لتقول بعدها بحزن كبير:

-أبي يريد تزويجي لأرغد يا أوس يـ.. آآ

قاطعها صائحًا بصراح مصدوم غير معطيًا إياها فرصة للأكمال:

-كُفّي عن اللهو نورسين، تعلمين أنني لا أحب هذه الأفعال الظفولية.

وضعت يدها الحره على وجهها تبكي بحراره وهي تقول بنبرة جاده جعلته يدرك بأن الأمر جاد بالفعل:

-اقسم لك بأنني لا أمزح أوس، أنا اتحدث بجدية، قد حدد ابي موعد عقد قرأني أنا وأرغد.

قبض أوس علي ذالك الكأس الممتلئ بالماء كان على وشك ان يتجرعه، لِـ يُلقيه ارضًا بغضب أسود جعل نورسين تنتفض من خلف الهاتف، بعدما استمعت لصوت تهشم الزجاج.

ازداد بكاؤها قلقًا عليه لتقول بنبرة يغلفها الرجاء:

-أوس اهدأ لأجلي، أنا لن اسمح لهذه الهراءات بان تحدث، أعدك أوس سنكون سويًا كما تخبرني، أخبرني أنت متى ستعود؟

زفر بغضب لم يستطع التحكم به، ليقول بهدوء جاهد لأصطناعه:

-أغلقي الآن نورسين، سأتحدث معكِ في وقت لاحق، إلى اللقاء.

اغلق الهاتف دون ان يستمع لأجابتها ضاغطًا عليه بقوة تعبر عن مدى غضبه.

على الجهة الأخرى، دفنت نورسين وجهها بالوساده كاتمه شهقاتها التي ازدادت عن زي قبل، اخذت تفكر بعقل شارد في ماذا يخبىء لها غدًا، متمنيه عودة حبيبها أوس بأسرع وقت كان، ليقف معها.

عادوا للمنزل لتسرع ليليانا الي الداخل كي ترى والدتها، وذهبت خلفها ليلى في الفور.

رأوا والدتهم في المطبخ تنظف الصحون لتقترب منها ليليانا بانزعاج قائلة:

-أمي ماذا تفعلين؟ ألم اخبركِ بأن لا تنهضي وتفعلي شيء، ثم أني قبل أن أذهب فعلت كل شيء ونظفت كل الصحون، من أين أتيتِ بهذه الصحون؟

قالت آخر كلماتها وهي تنتشل الصحن من بين يديها لتقوم هي بأكمال تنظيفه بغيظ.

ضحكت ناريمان بيأس قائلة:

-اهدأي حبيبتي، أنا لم أفعل شيء فقط اكلت في هذا الصحن فَـ أردت أن انظف مكاني، يوجد مشكلة؟

هتفت ليلى بحنان:

-أمي أنتِ مريضة، لِمَ تحب دائمًا أن تتعبي نفسكِ؟ اجلسي فقط ونحن سنفعل لكِ كل ما تريدين، حسنًا أمي؟

أشارت لهم ناريمان ليقتربوا منها وبعدما فعلوا ما طلبت، عانقتهم بقوة تقبَّل رأسهما بحب كبير هاتفه:

-لا داعي لقلقكم أحبائي، أنا لما أفعل شيء فقط كنت اقوم بتنظيف الصحن خاصتي، لا اريد اتعابك ليّليّ حبيبتي.

ابتعدت عنها ليليانا قليلًا مبتسمه لها بلطف وهي تقول :

-أمي انا لا أحبك تفعلين اي شيء بوجودي، ها اذن اخبريني ماذا أفعل انا؟ انتِ فقط عليكِ أن تريحي نفسكِ، ولا تشغلي ذهنك بأي شيء آخر حبيبتي.

ربتت ناريمان على وجنتيها بحنان لتقول ليلى في تلك الاثناء وهي تنظر لوالدتها:

-أمي.

انتبهت لها كلا من ناريمان وليليانا باهتمام لتكمل الأخرى بهدوء:

-لنخرج اولًا من المطبخ ثم اخبركم بما اريد قوله.

اومأوا لها بموافقة ليخرجوا بعدها حيث غرفة الجلوس.

تنهدت ليلى قبل أن تقول بهدوء يشوبه الجدية:

-وجدت مستأجر لتلك الغرفة التي في الأعلى.

قوست ليليانا حاجبيها بتعجب قائلة:

-من هو؟ ومن أين تعرفيه؟

ابتسمت بخفوت مجيبه إياها بنفس جديتها:

-صديق لي في العمل، انه يمر بأحوال سيئة في تلك الفتره ويبحث عن منزل أو غرفة ليمكث فيها بعض الوقت، أنا اعرفه حيذًا وأثق فيه أكثر مما تتخيلي أمي، أنه رجل نبيل ومهذب.

هتفت ليليانا بحيره وهي ترفع قدميها لأعلى الاريكة مربعه اياهم:

-انا لا اعرف حقًا، ما رائيك أمي؟

حركت ناريمان كتفيها بجهل وهي تقول:

-العلم علمكم، أنا لا أعرفه وأيضًا انتِ ليّليّ من استنبطي تلك الفكرة.

اعتدل ليلي بحماس وهي تقول بصدق غلفه الرجاء:

-اقسم أنه رجل لم أرى منه  يومًا شيء سيء يعيبه من حين عرفته لهذه اللحظه، هو أقرب شخص لي هناك في المتجر وكل اشيائنا نفعلها سويًا.

أمي تتذكرين ذاك الفتى الذي اخبركِ عنه دائمًا مالك المتجر، وانتِ دائمًا ما تشكرين في أخلاقه وتربيته انه هو.

نظرت لها ليليانا بترقبٍ هاتفه:

-لحظة واحده، نفسه هو ذاك الفتى الذي ساعدك في تلك المره الماضية في دراسة مادة الفيزياء ليلى كما اخبرتيني؟

حركت رأسها بتأكيد قائلة وهي تصفق بيديها من شدة حماسها:

نعم أنه هو نفسه، ها اخبراني ما رائيكما؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي