الفصل العاشر

توجهت جميع الأنظار إلى ليليانا التي تقف محلها عاقده يديها، قوست ليلى حاجبيها بتعجبٍ قائلة لها:
-كيف لا؟ لم أفهم.

ظهر شبح ابتسامة على ثغر ليليانا لتقول موجه حديثُها لشقيقتها ليلى:
-أقصد لا تذهبين انتِ ليلى، اجلسي مع هند وأنا سأعطيه له وأهبط سريعًا.

حركت ليلى رأسها بموافقة قائلة:
-حسنًا، سنبدأ بتجهيز اللعبة لريثما تعودي انتِ، اتفقنا؟

وافقت ليليانا على كلماتها لتتوجه ناحية المطبخ؛ كي تجلب كوب من مشروب الليمون بالنعنع الطازج.

خرجت من باب الشقة خاصتهم بعدما أحضرت الصينية الموضوع عليها كأس المشروب، لتصعد بعدها الدرج وهي توجه انظارها في كل مكان وكأنها تستكشفه لأول مرة.

توجهت ناحية غرفته لتطرق عليها عدة طرقات متتالية منتظره اجابته.

وبعد عدة ثواني ليست بطويلة، فتح أرغد الباب بإبتسامة متسعة ظنًا منه أن الطارق ليلى لا غيرها، ولكن سريعًا ما تلاشت ابتسامته عندما وجد ليليانا أمام ناظريها تبتسم له باصفرار.

بادلها الابتسام بنفس خاصتها قائلًا ببرود:
-خير، تفضلي.

رفعت الصينية أمام نظره قائلة بغيظ:
-تفضل امي قد ارسلتني لك لأعطيك مشروب الليمون بالنعنع الطازج.

تبدلت ابتسامته لأخرى ممتنه، ليقول وهو يتناول من بين يديها الصينية:
-قولي لِـ أُمي شكرًا لكِ ولإهتمامكِ.

قوست ليليانا حاجبيها بتعجبٍ قائلة بتساؤل:
-أشكر من لم أفهم؟

ارتشف القليل من المشروب مستمتعًا بمذاقة الجميل ليقول:
-خالتي ناريمان هي أمي، الديكِ اعتراض؟

نظرت له بنظراتٍ غير راضية بما يتفوه قائلة بشراسة:
-من أي جهة صارت والدتك فهمني؟ هي والدتي أنا وليلى فقط.

ابتسم لها باستقزاز قائلًا بعدما ارتشف المتبقي من المشروب دفعة واحده:
-وأنا منذ امس اعتبرتها مثل أمي الراحلة، لِمَ انتِ منزعجة؟

اجابته ليليانا بنفس نبرتها لم تختلف بل ازدادت شراسة:
-هي ليست والدتك يا سيد ولا تنعتُها بِـ أُمي، فهمت؟

رمقها بإبتسامة باردة وهو يقول ببرود:
-لا شأن لكِ، هي من تُقرر.

ضربت بقدميها الأرض بتعصبٍ ممتزج بالغيرة الشديدة على والدتها لتقول بندم:
-أنا المُخطئة الحق عليّ؛ لأنني أحضرت لكَ كأس المشروب، تصدق إنك لا تستحقه؟

حرك كتفيه باللامُبالاة قائلًا بمرح:
-لم أطلب منكِ تحضرين ليّ شيء، وأيضًا لستِ انتِ من فعلتيها بالتأكيد، فَـ هذا المذاق الرائع لا يخرج إلا من يدي أُمي ناريمان.

اخذت الكأس الفارغ من بين يدية بقوة وهي تضعة على الصينية قائلة بغضبٍ:
-أخبرتك أن لا تنعُها بِـ أمي ألا تفهم؟ وأنت مخطىء فَـ ليست أمي من قامت بفعل المشروب، أنا من فعلته أيها المُغفل.

ارتسمت علامات الانتعاش على وجهه بمهارة ليقول بنبرة مشمئزة مضحكة:
-لذلك مذاقة سيء جدًا، أنا كنت أقول ايضًا أن هذه الأشياء السيئة لا تخرج أبدًا من أمي ناريمان.

هتفت بسخرية لاذعة:
-مذاقة سيء فعلًا بدليل أنك تجرعته بالكامل، لا تكون شخص متناقض، سأهبط أحسن لي بدلًا من أن أقف وأتعب رأسي مع شخص مثلك مستفز وغبي.

رمقته بنظراتٍ غاضبة وكانت على وشك الذهاب ولكن استدارت له وهي تقول بتهديد:
-ويكون أحسن لكَ اذا توقفت عن نعتُها بِـ أمي.
لتنهي كلماتها وتسير نحو الدرج بعدما ألقت عليه نظراتٍ مشتعلة بالغضب، استقبلها هو بأخرى مبتسمة مستفزة.

دخل إلى الغُرفة وكان على وشك إغلاق الباب، ولكن لفتت نظره تلك الحقيبة البلاستيكية الموضوعة أعلى الفراش، ضرب أعلى جبينه بتذكر ليسمك الحقيبة قائلًا:
-نسيت أن اعطي النعنع لِـ ليلى.

قرر الهبوط إلى الاسفل ليعطية لهم ثم يصعد ثانية.

"اما في الأسفل"

دخلت ليليانا الشقة والشرر يتطاير من عينيها، لترى هند وليلى الذين خرجوا من الغرفة بنفس توقيت دخولها الشقة، توجهت ناحية الطاولة لتضع عليها الصينية، ثم توجهت ناحيته.

هتفت هند مسائلة بتعجب:
-لِمَ كل هذا التأخير ليّليّ.

رسمت الهدوء على وجهها لتقول:
-تأخر لِمَ فتح لي، هيَّا سنلعب لماذا خرجتم من الغرفة؟

هتفت ليلى بحماس:
-غيرنا رأيُنا، نريد أن نذهب ونتجول قليلًا ما رائيكم؟ اشتقت لأيامُنا القديمة.

صفقت ليليانا بيديها بحماس لا يقل عن حماس ليلى لتقول:
-نعم ما رائيكم نفعل مثلما كنا نفعل، نكتب عبارات عن التفاؤل ونقوم بتوزيعها إلى الناس في الشارع؟

ابتسمت هند بترحاب شديد بهذه الفكرة التي كانوا يفعلونها كثيرًا قديمًا لتقول:
-فكرة أكثر من جيدة، انتظروني أنا سأذهب سريعًا؛ لأحضر الأوراق الملونة التي كُنا نكتب فيها قديمًا.

حركت ليليانا رأسها بنفي لتقول:
-لا لا، أنا معي منها ايضًا انتظروني سأذهب وأحضرها.

استمعوا لصوت طرقات على باب الشقة المفتوحة، لتتوجه الأنظار جميعها إلى باب المنزل.

رأت ليلى أرغد يقف على الباب لتتوجه ناحيته قائلة بإبتسامة مرحبه:
-أرغد! تفضل تفضل.

صاحت بصوت مرتفع لوالدتها:
-أمي أرغد صديقي أتى.

استمعت ليليانا لكلمات ليلى، لتخرج بسرعة من الغرفة تتأكد من صحة كلامها.

وسريعًا أيضًا ما ظهر الغيظ على ملامحها لتنظر له بقوة وهي تتوعد له بداخلها، فَـ ماذا يفعل هو هنا يا تُرى، أيعقل بأنه قد أتى ليشكو لوالدتها عليها؟

نهضت ناريمان لترحب به بحب كبير ثم عرفته على صديقتها وجارتها ميمونه قائلة:
-أهلا بني أرغد، تفضل.

ناولها أرغد الحقيبة البلاستيكية قائلًا بحرج:
-أحضرت لكم نعنع طازج أمي ونسيت أن اعطية لِـ ليليانا عندما صعدت، فَـ تفضلي.

ابتسمت ناريمان بامتنان وحب كبير لهذا الشخص الخلوق لتقول له:
-لِمَ كل هذا بُني؟ لم يكن لديه داعي صدقني.

ربت أرغد على يديها برفق وكان على وشك أن يجيبها ولكن تدخلت ليلى في الحديث قائلة:
-أرغد جيد أنك أحضرت نعنع فَـ ليليانا تعشقة، تعلم اليوم قد اشترت رزمتين اكلت رزمة لا أعرف كيف، وفعلت بالرزمة الثانية مشروب الليمون وأنا اثق بأنها اكلت المتبقي منها.

ضحك الجميع على حديث ليلى ما عدا ليليانا التي أمسكت بيد ليلى ضاغطه عليها بقوة وغيظ وهي تهمس لها:
-اصمتِ يا غبية، سأريكِ يا ليلي.

قال أرغد بإبتسامة:
-وأنا قد أحضرت لكم بدلًا منهم، بالهناء على قلبكِ يا ليليانا.

رمقته بنظراتٍ بارده ولم تجيبه، ليستأذن هو منهم مقررًا الصعود إلى الأعلى.

هتفت ميمونه باعجاب:
-يظهر أنه رجل محترم ناريمان.

حركت ناريمان رأسها بتأكيد قائلة:
-كثيرًا يا ميمونه، تعرفين هو دائمًا ما كان يقف بجانب ليلى في كل شيء، حتى في دراستها يُساعدها.

ضربت ليليانا كتف شقيقتها ليلى بغضب قائلة:
-فمك لا يصمت ابدًا ليلى؟ من هو لتتحدثين معه هكذا وعني، وكأنه يقربُنا رأيتي كيف يقول لوالدتنا أمي؟

هتفت ليلى بتعجب:
-وما فيها لا أفهم؟ لِمَ انتِ غاضبة بهذا الشكل ليليانا؟

اجابتها ليليانا بانزعاج شديد:
-نعم غاضبة، من هو ليقول لوالدتنا أمي مثلنا؟ هو ليس أخانا.

هتفت هند هذه المرة بتساؤل متعجب:
-وما فيها حبيبتي ليليانا؟ أنا لا أفهم انتِ لماذا غاضبة الآن؛ لأنه يقول لخالتي ناريمان أمي!

هتفت ليليانا بضيقٍ:
-نعم، من هو ليقول لها أمي؟ هي ليست والدته.

ابتسمت هند بهدوء قائلة لها:
-ولِمَ لم تنزعجي مني عندما أقول لها أنا أمي في بعض الأحيان؟

تلعثمت ليليانا قليلًا لتنظر أمامها بتهرب من نظراتهم، بالفعل محقة هي لا تنزعج عندما تقول لها أمي مثلهم! بل تعرف بماذا تجيبها فَـ صمتت ولم تجيب.

قالت ليلى بتعجب:
-ليليانا ليست هذه طريقتك أبدًا أنا متأكدة بإن يوجد شيء آخر يزعجكِ، أخبرنا ماهو؟

حركت ليليانا رأسها بنفي لتقول:
-انسوا الأمر، هيَّا أنا أحضرت الأوراق سنكتب عليها ونذهب حسنًا؟

وافقوا على الفكرة ليتجهوا إلى غرفة ليليانا وليلى ويبدأون بتجهيز الفكرة.


-تعال أوس أنت وتوليب أريد رؤيتكم، أنا اشتقت لك كثيرًا يا أخي واشتقت لتوليب ايضًا، ولا تنسوا أن تجلبوا معكم عصافيري حبايبي.
قال أرغد تلك الكلمات  لشقيقه عبر الهاتف.

اجابه أوس بموافقة:
-حسنًا والدك الآن ليس بالمنزل، فَـ لم يعود من عمله حتى الآن، سأذهب وأبلغ توليب لتتجهز وتأتي انتظرنا.

هتف أرغد بتفكير:
-أوس اذا استطعت أيضًا أن تجلب معك نورسين يكون أفضل، لا نريد أن نتأخر اكثر من ذلك، يجب علينا أن نفكر في حلٍ في أسرع وقت كان.

اومأ أوس برأسه بموافقة قائلًا:
-حسنًا يا أخي سأحاول، سأغلق الآن لإخبو توليب واتحدث مع نورسين، إلى اللقاء.

هتف أرغد متنهدًا:
-إلى اللقاء.

أغلق معه أرغد ليضع هاتفه أعلى فراشة، مستندًا بظهره على جدار الفراش.

شرد قليلًا بتلك الليليانا المتعصبة، لتظهر ابتسامة جذابة على ثغره زادته جاذبيه فوق جاذبيته.

تذكر في الصباح عندما أخبرته انها تكون شقيقة ليلى صديقته.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي