الفصل الرابع

تختلف الدروب وكلٌ مِنَّا في دربه حائر، وعثرات الحياة تقذفنا إلى الهاوية دون رحمة، ليتلقفنا القدر بيدٍ حانية وكأنها ربتة مواسية تمسح عنا عناء ما قابلناه يومًا.

في طريقه إلى المصنع وقد بدا شاردًا قليلًا بعد أن إحتل التفكير رأسه مرة أخرى حول إمكانية تنفيذ وصية الجد، ولكن في كل مرة يقف عند نفس النقطة وهي الإستحالة.

على مقربة من مكان عمله، صفَّ سيارته وجلس بها قليلًا يُدلك جبينه لعل ذلك الصداع الذي يطرق رأسه يهدأ قليلًا.
إلتقط هاتفه الذي يضعه على المقعد المجاور له بجوار المفاتيح، ثم فتح الباب وخرج ماضيًا في طريقه.

كان سيكمل طريقه لولا أن إستوقفه شيئًا جعله يعيد أدراجه مرة أخرى.

"كلب" صغير يجلس منكمشًا على نفسه وأنَّات ضعيفة تصدر منه؛ فإخترقت قلبه قبل أذنيه.

إتجه نحوه وجثى بقربه يُمسد على رأسه بحنو بالغ، والتفكير عاد مرة أخرى يخترق رأسه لكن هذه المرة كان هذا "الكلب" هو محور التفكير.

كان من السلالات غالية الثمن ويبدو عليه البؤس الروحي، وليس مجرد ألم من جرح في أحد أنحاء جسده.

أخذ يتفحصه جيدًا بعينيه وكفه مستمر في التمْسيد عليه بحنان وكأنه يشعر بما يعانيه.

لكن ما أوقفه صوت أنثوي قوي يقول:
-هيا إبتعد.

رفع عينيه ببطء إلى الأعلى وعقله يستنكر ذلك الصوت الذي تعرف عليه سريعًا.

لكن ذلك الجسد الصغير الذي يغوص بتلك الملابس الرجولية والذي يتنافى مع ذلك الصوت الذي إخترق أذنه أكد له أنها هي.

إستقام فاردًا جزعه لأعلى وتمتم قائلا وكأنه لا يزال لا يصدق كونها هي:
-أنتِ؟!

قبل نصف ساعة:


خرجت كارما مع والدها متجهان إلى عملهما الذي لا يبعد كثيرًا عن منزلهما؛ فيأخذا الطريق سيرًا على الأقدام، طريق كُتِب لهما أن يمشياه وحدهما دون معارف ولا أهل ولا سند.

نصف ساعة يقضيانها يوميًا مع نسمات عليلة تزيح هَمَّ النفوس وتُطَيِّب جُرح القلوب وتبعث بالروح أملًا حتى لو كان ضئيلًا.


نصف ساعة لا تخلو من مناقاشاتهم الدائمة الحادة منها والهادئة ولكن بالنهاية النتيجة واحدة أنها تُهَوِن عليهم الطريق.

مزاجها عكر كعادة كل صباح وخاصة بعد ذلك الكابوس الذي يراودها باستمرار، لكن لفت إنتباهها "كلب" يتوسط الطريق ويبدو عليه علامات الألم، إقتربت منه بحذر وأخذت تتفحصه تحت سكونه التام فهو غير قادر على المقاومة.

أحيانا نسمح بالاقتراب، نتلهف لربتة حانية ونتوق لتَمْسِيدًة هادئة لعلها تمنحنا بعض الدفء الذي نتمناه، نسمح بذلك ونتجاهل تحذيرات العقل الدائمة باقتراب الخطر، وبأن الإقتراب أكبر خطر.

انتبهت أخيرًا لجروح متفرقة بذراعيه الأماميتين ويبدو أن بسبب الإهمال تضرروا كثيرًا، قالت لأبيها الذي وقف على مقربة يتابع ما يحدث:
-إذهب أنت يا أبي وأنا سأتولى أمره.

سألها بإستفهام :
-ماذا ستفعلين؟
أجابت وهي تنظر إلى"الكلب" بحزن:
-سأتصرف لا تقلق، إذهب أنت حتى لا تتأخر وأنا سألحق بك بعد أن أنتهي.

أومأ لها كامل وتابع طريقه، بينما أخذت تبحث هي على أحد "الصيدليات" حتى تأتي ببعض الأدوية لتطهر تلك الجروح.

عادت كارما وبيدها حقيبة بلاستيكية فوجدت شخص يجلس بالقرب من "الكلب" فقالت:
-هيا إبتعد.

ربما لم تنتبه لشخصه وربما أيضا لا تهتم، لم تنتظر منه رد بل جلست على ركبتيها وفتحت "الكيس البلاستيكي" وأخرجت منه مطهر للجروح وقطن وبدأت تطهر الجروح واحدًا تلو الآخر تحت نظرات عدي المتفاجيء من تصرفها.


رغبة في المشاكسة داعبت قلبه عند رؤيتها، فدث يديه بجيبي بنطاله وسألها:
-هذا الكلب لكِ؟

تعرفت عليه هي الأخرى لكنها لم تهتم، فردت ببرود:
-ليس من شأنك.
رغم غيظه منها لكنه لم يستطع منع تلك الضحكة التي إخترقت السكون حولهم.
فإستمر في مشاكستها حين سألها مرة أخرى:
-ولما أنتِ مهتمة به هكذا مادام لا يخصك؟

زفرت بحنق وهتفت وهي تتابع ما تفعل:
-يبدو أنك أحببت عبارة "ليس من شأنك" لهذا تتدخل كثيرًا فيما لا يعنيك حتى تسمعها.

مسد على شعره وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارا برفض والإبتسامة المشاكسة تتردد على شفتيه:
-في الحقيقة لا أحبها لأن ليس من عادتي التدخل فيما لا يخصني، لكن الأمر مغري بالنسبة لي.


نجح في لفت إنتباهها فتوقفت عما تفعل ورفعت نظرها إليه تسأله:
-وما المغري في الأمر؟!

ثبت عيناه على وجهها ذو الملامح الجميلة وقال بنبرة هادئة أثارت شيئًا بنفسها:
-الفتاة الحانقة التي تتخفى بملابس رجولية واسعة وتتعارك بالطريق دون أن تخشى شيئا، والتي أمسكت في خناق خطيبها السابق وكادت تضربه بقوتها كاملة، تجثو الآن بجانب كلب صغير لا حول له ولا قوة تضمد جرحه، وهو يتألم في صمت، أليس الأمر حقًا مغري؟

تلاقت أنظارهما لتخطف لُبَه بعينيها الكحيلتين ذات الأهداب الكثيفة، فلمح شرودها ونظرة تائهة غارقة بمقلتيها السوداويتين، وأخيرًا توقف حديث العيون وتحركت شفاها بنغمة دافئة سرقت قلبه وجعلته يضطرب في مكانه حين قالت وهي تلقي نظرة متألمة على الساكن بجانبها يتألم بصمت:
-ربما أكون مكانه يومًا، أعاني وحدي ولا أجد من يضمد جُرُحي.


نبرتها كانت تحمل من الألم ما جعل الفضول يسيطر عليه، لكنها لم تمنح له المزيد من الوقت بل حملت "الكلب" وتحركت به تحت نظرات عدي الغائمة.

***

جلس عبدالله في شرفة منزله يستنشق نسمات النهار الهادئة حامدًا ربه أن لازال هناك يومًا جديد، ربما يستطيع أن يحقق أمله ويُريح قلبه.

دخلت عليه راضية بإبتسامتها البشوشة، تحمل بيدها صينية وضعتها على سور الشرفة بحرص وناولته كوب القهوة خاصته، أخذه منها قائلا:
-سَلِمَت يداكِ.
-سَلِمْت روحك من كل شر.
رفع الكوب إلى فمه يرتشف منه ثم تنهد قائلًا وهو ينظر للفراغ أمامه:
-مر شهرين على وفاة أبي، هل تصدقين؟! لقد مضت الأيام سريعًا.

ربتت على كتفه وردت مواسية:
-رحمه الله وأنار قبره ورزقه الجنة ونعيمها.

أمن على دعائها ثم أردف:
-إفتقدته كثيرًا، أفتقد جلساتنا سويًا ومناقشاتنا حول ما يدور حولنا، أفتقد الأمان الذي كان يحيطني بوجوده، هناك شعور بالخوف بات يطاردني بشكل مزعج.

صمتت تاركة له المجال للحديث فأكمل:
-أعلم أن عمري لا يسمح لي بهذا الكلام وأني لم أعد صغيرًا يتلمس كف أبيه كي يواجه الحياة، لكن هذا حقًا ما أشعر به، وكأن كل شيء صار ينقصه شيء.

ثم رفع عينيه ينظر إلى زوجته وأردف:
-أنتِ تفهمين ما أقصد أليس كذلك؟

نظرت له بحب جارف وقالت:
-ومن يفهمك أو يشعر بك سواي يا أبا قاسم، عمي رحمه الله كان ونعم الأب والسند لنا جميعًا حتى لأحفاده، من كان يتمنى أن يتركنا ويرحل عنا؟! لكنه القدر ولكل منا ميعاد، فما بيدنا سوى أن نسأل الله حسن الخاتمة وأن يجمعنا به في الجنة.

أومأ برأسه وإرتشف من الكوب مرة أخرى ثم وضعه على الطاولة وقال:
-أتعلمين ما يسيطر على تفكيري هذه الأيام؟

رمقته بإستفهام فأكمل:
-أن يتزوج قاسم وعمار وينجبان لي الكثير من الأطفال، ربما يمتليء ذلك الخواء بداخلي ويعوضوني عن فقدان أبي.

عدلت راضية من حجابها على رأسها ثم قالت:
-أتمنى ذلك، وأخبرتك مرارًا أن نتحدث معهم بالأمر، لكنك دومًا كنت ترفض وتقول لي إتركيهم وشأنهم.

رد عبدالله مؤكدا:
-نعم، أردت أن يستمتعا بحياتهم، يقضون أيامهم بالطريقة التي يفضلونها، يبحثان ويتعبان حتى يصلا إلى الإكتفاء، فعندما يحين أمر الزواج لا يختلقون أعذار لأنهم بالفعل اكتفيا ويستطيعان اختيار زوجة صالحة وبناء أسرة متزنة.

تنهدت راضية وقالت بقلة حيلة:
-أنا أنتظر أن يحدثني أحدهم بالأمر، لكن أنت تعلم، قاسم غارق بالعمل فأنت لم تعد تذهب كثيرًا، وعمار مهووس بالآثار والسياحة ويغيب بالأيام لا أعلم عنه شيئًا، حتى أنه خرج في الصباح الباكر ولا أدري أين ذهب.

زفرة حزينة خرجت منه دون أن يدري حين قال:
-سأتحدث معهم، فأنا حقًا أحتاج أن اطمئن عليهما، أريد أن يسترح قلبي وأفرح بأولادهما، ولا أعلم هل في العمر بقية لأستمتع بكل هذا؟!

ضاق صدرها من حديثه وإنقبض قلبها فهتفت به لائمة:
-لا تَقُل هذا، سَتُزَوجهم وستفرح بأحفادهم وستربيهم أيضًا، لا حرمنا الله منك وأطال لنا بعمرك.

قطع حديثهم صوت هاتفه معلنًا عن مكالمة واردة من أخيه محمود، فرفعه إلى أذنه وبعد أن تبادلا السلام قال محمود:
-ما رأيك أن نذهب سويًا إلى المقهى، فأنت تعلم من يوم وفاة المرحوم ولم يذهب أحد منا إليه، وليس هناك من يتولى أمره.
أومأ له عبدالله بتفهم وقال:
-نعم، فكرت في الأمر لكن قُلت أن الشباب سيتولون المهمة ويقسمون إدارته فيما بينهم.

رد محمود:
-أعانهم الله على حالهم وأعمالهم، فكل منهم لديه ما يشغله الآن خاصة بعد أن صرنا أنا وأنت غير قادرين على متابعة سير العمل مثل سابق، لكن المقهى قريب من المنزل وإدارته ليست مرهقة، وسنتناوب الإدارة فيما بيننا.

سأل عبدالله:
-حسنا، متى ستذهب إلى هناك؟

قال محمود بضيق:
-الآن، أنا أشعر بالملل، أريد أن أخرج.

أومأ عبدالله قائلا:
-حسنًا سأنتهي من قهوتي وأنتظرك في حديقة المنزل.

أغلق عبدالله الهاتف فقالت راضية:
-سأدخل لأبدل ملابسي حتى أنزل معك لشقة العائلة فمنذ الأسبوع الماضي وهي مغلقة ولم يدخلها أحد.
أومأ لها وتناول كوبه قائلا:
-وأنا سأنهي قهوتي حتى تبدلين ثيابك ونهبط سويا.
كادت تذهب ولكنها إلتفتت إليه تسأله:
-ما رأيك بعزيمة يوم الجمعة، كانت عادة عمي رحمه الله أن يجمعنا سويا في شقته يوم الجمعة، فما رأيك أن تفعل ذلك أيضًا وتعزم أخوتك يوم الجمعة لكن بشقة العائلة أسوة بعمي رحمه الله؟

إبتسم لها عبدالله بحب زاد في قلبه ببركة الأيام التي قضاها سويًا فوافق قائلا:
-بالطبع موافق، لا حرمني الله منك يا أم قاسم.
بادلته إبتسامته بأخرى من وجهها البشوش، ثم ذهبت من أمامه حتى تبدل ثيابها.

***

في الحديقة الصغيرة التي تحيط بالمنزل إنتبه عبدالله لوجود أخته، تجلس يتآكلها القلق، فرمق زوجته بإستغراب ثم إتجها إليها وألقيا عليها تحية الصباح، فإلتفتت إليهم قائلة:
-صباح الخير، كيف حالكما؟
سحب عبدالله المقعد المجاور لها وجلس عليه، وفعلت راضيه مثله فقال:
-نحن بخير نحمد الله، لكن لما كل هذا التوتر؟
قالها وهو يشير بعينيه لكفيها التي تفركهما ببعض بتوتر شديد فقالت:
-اليوم هو الأول في إختبارات سيليا، لذلك أشعر بالقلق الشديد.

نظر لها أخيها بضيق من تلك العادة التي لا تفارقها:
-ألم تكفي عن تلك العادة يا جميلة؟! توترك الزائد وقلقك المبالغ فيما يخص سيليا سيضرها بالتأكيد.

إزدادت حركة يديها توترًا وردت:
-وهل إنتهت الدراسة حتى أتوقف عن القلق بشأنها؟!
وعلى كلٍ لن يضرها الأمر بشيء، فهي مثلي تمامًا تخشى ألا تجتاز المركز الأول، لديها هوس بذلك،
لم ترَ حالتها في الصباح كان التوتر يأكلها حتى صار وجهها شاحب.

جادلها قائلا
-وهل هذا طبيعي يا جميلة؟! القلق مطلوب لكن ليس بذلك الشكل المَرَضي.

التقطت هاتفها من على الطاولة قائلة:
-سأتصل بها كي اطمئن عليها.
نظرت به قليلًا ثم أعادته مرة أخرى إلى مكانه وتمتمت:
-الوقت مازال مبكرًا، فلم يَحن وقت إنتهاء الإختبار بعد.
حرك عبدالله رأسه يمينًا ويسارًا بتعجب لحالة أخته التي تحمل لكل شيء هما أكثر مما ينبغي، حاولت راضية تهدئتها فقالت:
-لا تقلقي عليها، إن شاء الله ستجتاز الإختبارات بجدارة.

كأنها في عالمٍ آخر لا تسمع منهم شيئًا، تذكرت أمرًا فإلتقطت هاتفها مرة أخرى وأردفت:
-عمار، سأتصل بعمار فهو الذي أوصلها إلى الجامعة وهو من سيطمئنني عليها.

رفع حاجبه بإستنكار وسألها:
-كيف سيطمئنك وهي لم تنتهي من إختبارها بعد؟!
نظرت له بتوهان فأردف:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، إهدئي يا جميلة من فضلك وإنتظري حتى تنتهي من إختبارها كي لا تشتتي تفكيرها.

زفرت بقوة فتدخلت راضية قائلة:
-ما رأيك أن تدخلي معي شقة العائلة؟ سأنظفها اليوم حتى تكون جاهزة لعزيمة يوم الجمعة.

إبتسمت جميلة بأسى:
-راحت العزيمة وصاحبها وصرت وحيدة.

وبختها راضية حين قالت:
-لا تقولي هذا يا جميلة، سامحك الله، وأين ذهبنا نحن حتى تقولي ذلك؟! عمي رحمه الله ترك لك من يسند ظهرك في هذه الحياة ولم يترككِ وحيدة أبدًا

شعرت جميلة أنها إقترفت خطأ في حق أخويها بما قالت، فنظرت لعبدالله ببسمة باهتة ومسدت على يده قائلة:
-لا حرمني الله منهما، فهم حقًا سندي.
ربت على يده الموضوعة على ساعده، فأردفت راضية سريعًا:
-لذلك قرر عبدالله أن يسير على خطى عمي رحمه الله وأن يقيم عزيمة كل جمعة ونجتمع عليها جميعًا كما كنا نفعل دومًا.

نظر لها عبدالله بفخر وحبها يزداد بقلبه يومًا بعد يوم.
أومأت لها جميلة بموافقة، فإستقامت راضية من جلستها وقالت وهي تشير لجميلة:
-هيا بنا نحن حتى ننهي مهمتنا باكرًا.
ثم مالت على زوجها وهمست:
-لا تنسى أن تخبر أخيك وعدي، وأنا سأقول لكريمة.


تابعهم بعيناه وهما يدخلان إلى الشقة التي تقع في الطابق الأرض.
وما هي سوى لحظات حتى ظهر محمود، فإستقبله عبدالله ببشاشة وإنطلقا سويا إلى المقهى الذي لا يبعد سوى خطوات من المنزل.

***

إتخذ الأخوان طريقهم إلى المقهى وأخذا يلقوا التحيات على كل من قابلهم، وصلا أخيرًا إلى المقهى الكبير المزدحم بالناس والذي يتم العمل فيه على قدم وساق.

لمحهم"عوض" فهلل لوجودهم ورحب بهم ثم أشار لهم للتوجه إلى المكتب الصغير الموجود بالصالة الداخلية للمقهى.

قال محمود:
-كيف حالك يا عوض، وما أخبار المقهى؟

رفع عوض كفه إلى فمه يقبل باطنه وظاهره قائلا:
-فضل ونعمة من الله.

فأردف محمود:
-هذا جيد، أحضر لي حسابات الشهرين الماضيين حتى أراجعهم.

رد عوض بتلقائية:
-لكنها ليست معي.
نظر محمود لعبدالله الذي بدا عليه الإستغراب هو الآخر وبادر سائلا:
-كيف ليس معك؟! مع من إذا؟

-مع الأستاذ راضي المحامي، فهو يأخذ مني الحسابات والإيرادات في نهاية كل أسبوع.

إزداد الإستغراب على وجههما ثم أشار له عبدالله بالإنصراف، فقال محمود لأخيه:
-ما معنى هذا الكلام؟ ولمَ لم يخبرنا راضي بالأمر؟!

حرك عبدالله رأسه بالنفي فهم محمود يكمل:
-سأتصل به لأرى ما يحدث دون علمنا بالضبط.
ثم أخرج هاتفه وظل يبحث عن رقم راضي المحامي حتى وجده فقام بالإتصال به.

جاءه صوت راضي الوقور فتبادلا التحيات ثم سأله محمود:
-ذهبنا أنا وعبدالله إلى المقهى لإدارتها، فأنت تعلم لم يأتِ أحدٍ منا إليها منذ وفاة الحاج رحمه الله، لكن عندما طلبت منه الحسابات قال أنها معك ويسلمك إياها والإيرادات كل أسبوع، هل هذا صحيح؟

أجاب راضي بإختصار:
-نعم صحيح.
سأل محمود:
-ولما لم تخبرنا بالأمر؟! حتى في إعلان الوراثة لم يذكر المقهى، بل المنزل فقط.

رد راضي بهدوءه المعتاد:
-لأن الحاج رحمة الله عليه، وزع كل ما يملك عليكم قبل وفاته، أنت أخذت معرض الموبيليا وعبدالله أخذ مصنع الأخشاب والسيدة جميلة أرادت نصيبها مالًا فأخذت حقها كاملًا، ولم يكن هناك سوى البيت الذي تقطنون به.

رد محمود بنفاذ صبر:
-أعلم كل هذا، لكن أنا أسأل بشأن المقهى، لم يوزعه أبي كباقي أملاكه ولا ظهر في إعلان الوراثة.

ولكن حين جاء الرد من السيد الراضي لم يكن شافيا كافيًا لهم بل زاد الأمر سوءًا حين قال:
-الأمر ليس بيدي إنها الوصية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي