الفصل السادس الشيخ زرقا

الفصل السادس الشيخ زرقا.

بعد إختفاء نيّرة وسلمى وشوقي داخل معبد هابو في مدينة الأقصر، ولم يجدوا لهم أثر وكأنهم تبخروا في الهواء قد بحث جاسر وأدهم عن نيّرة كثيراً وطرقوا كل الأبواب لم يجدوا لها أثر، أغلقت القضية ضمن قضايا كثيرة حدث من هذا النوع، لكن حالة أمل تدهورت كل يوم تسوء عن ذي قبل، أصبحت غريبة الأطوار.

وقف ادهم عاجزً أمام حالتها لايعرف ماذا يفعل، لقد عجز الأطباء في علاجها، فهي دائماً شاردة الذهن تستيقظ من نومها تصرخ وكأن هناك من يطاردها طوال الوقت حتي في منامُها تستيقظ منزعجه تصيح وتصرخ في القصر وتستغيث قائله بأن هناك من يركض ورائها يريد قتلها، بعد ان يأس أدهم معها قرر ان يصطحبها ويغادرون إلى خارج البلاد، في رحلة علاج.
    *****
يجلس جاسر مع أدهم في مكتبه داخل القصر يجهز ادهم أوراقه، يقترب منه جاسر بنبرة حزن، قائلا.

:سوف أفتقدك كثيراً يا ابن العم، ساشتاق الي مغامراتك وأحداثك الخارقة المليئة بالمخاطر.
ينظر أدهم إليه وهو يبتسم، ومازال يجمع أوراقه، بسخريه، قائلا..

-لم تكتفي من المغامرات، لقد هرمنا يا رجل، بعد كل تلك الأحداث فأنا قررت ان أسير بجانب الحائط ولكي اطمن السلام سأسير داخل الحائط.

يضحكون، ادار ادهم راْسه له، قائلا.

-أتمني ان تفكر مرة اخري في السفر وتأتي معنا، صدقني أحتاجك معي هناك، انت تعلم جيداً أنني لا أستطيع ان أظل وحيداً في بلاد الفرنجة احبُ ان يكون بجواري رجل مغامر ذو قوة مثلك.
يبتسم له، قائلا.

:معذرة يا ادهم، لا أستطيع ان أتي معكم الان، لدي عمل كثير يجب ان انجزه، لكن ما أخشاه ان لأتجد هناك علاج ل أمل، وحالتها تسوء اكثر.

ينهض من مكتبه سار بخطوات بطيئة، ويشعل سيجارته، ويفكر في كلامه، بنبرة يأس، قائلا.

-تري؟! ماذا افعل؟ هذا اخر باب اطرقه بعد ان احتار الأطباء معها، أتدري! في احد المرات نصحني الطبيب المعالج وقال لي، ان اذهب بها إلى احد المشايخ لكي يكشف عليها ويعالجها، لانه ضَل سبيله معها.

يحملق في وجهه مندهش، قائلا.
:نعم، ماهذا الهراء، انه دَجَل، واذا أقحمنا أنفسنا في هذه الدوامة من الخرف والدجل الله اعلم كيف سنخرج منها بعد ذلك، ارجوك، لاتفكر في هذا الامر مطلقاً.

يدخل عليهم عّم عتمان في هذه اللحظة وهو يضع القهوة ويقطع حديثهم، قائلا.
:أستاذ أدهم، عذراً، أريد أن أخبرك بان هناك رجل صالح اعرفه جيداً يستطيع ان يعالج الانسه أمل، فقد شفا أبن أخي من قبل بعد ان تعرض للمس من جن تحت الأرض، وكان يقوم بفعل نفس الأفعال التي تقوم بها الانسه أمل، وفي احد الايام كان سيحرق نفسه وأهله، نحمد الله الان اصبح معاف.

ينظرون إلى بعضهم البعض، لا يرغب جاسر في مناقشة مثل هذه الأفكار، قاطعه بحزم، قائلا.
:شكراً، يا عتمان هم سيسافرون إلى الخارج لاستكمال علاجها، وإن شاء الله ستعود في احسن حال.

يسمعون صوت ارتطام قوي وكأن حائط القصر سقط، مع صوت تكسير، يخرجون مسرعين من المكتب إلى مصدر الصوت، في ردهة القصر.

يقفون وهم في حالة من الذهول، عندما يشاهدون أمل تقف في منتصف بهو القصر، تمسك مرآة كبيرة في يدها كانت موجودة على الحائط تحملق في وجههم مندهشه وكانها لاتعرفهم، تقذف

المرآة بقوة في وجه جاسر، انتفض ادهم من مكانه، وقام جاسر بخفض راْسه سرعياً حتي يفتدي المرآة، وهو يلتقط أنفاسه المتصارعة داخل صدره، لايصدق ماحدث، قائلا.

:يا اللهي، ماذا تفعلين؟!، كانت المرآة ستقتلع رأسي.

التقطت أمل مزهرية كبيرة من الخزف كانت علي المنضدة، قامت بقذفها في وجهه عتمان انحني بجسده اصطدمت في الحائط وكسرت، وهي تصرخ بصوت أجش يهتز له المكان، تلتقط اكبر قطعه من الزجاج كانت موجودة علي الأرض، تأن أدهم وهو يقترب منها، تمهل، حتي لا تقوم بإيذاء نفسها، اقترب منها ببطء تكلم بكل تؤدة وروية، قائلا، بخفوت.

:أمل أهدئ، واتركي هذه الزجاجة فقد تؤذين نفسك يا صغيرتي، ارجوكي يا حبيبتي دعيها.

قد ران صمت رهيب علي المكان، وهو يسير اليها بخطوات بطيئة، وهي تتجول بنظرها في المكان وكانها تبحث عن شيءً ما، يحملق ادهم في وجهها حزين علي ما أصابها، ملامح وجهها

الجميل قد تغيرت، الهلالات السوداء ازادت أسفل عينها، مازالت علامات الحرق في ساعدها لم تشفي بعد، وجسدها اصبح هزيل ضعيف، بسبب عدم تناولها الطعام لفترات طويلة، أصبحت تشبه المومياء، وأدهم يقترب منها ببطء شديد يحدثها بصوت متهدج، قائلا.

:أمل، أعدك بإن سيكون كل شيء علي ما يرام ولن أتركك ابداً، لكن دعي ما في يدك يا حبيبة القلب.

تيبَّست أمل كالصنم مكانها، فهي في هذه اللحظة لا تستمع له قد صُم آذانها، تمسك أمل طرف الزجاجه وتضع حرفها المسنون على رقبتها وينغمس داخلها وتبدء الدماء تتساقط ببطء، وهي

تتجول بنظرها في المكان وكانها تودعه، أسجمت العين الدمع، حملق أدهم في وجهها، وأطبق فمه وهو يراقبها، قد كانت دقات قلبه تتواثب في اسفل عنقه، ران عليهم صمت رهيب في المكان،

الي ان نظرت في عيناه، وقد ارتعشت أناملها، بخفوت قائله.
-سامحني يا أغلي البشر، لم أستطيع إيذاءك.

وقبل ان تقوم بقطع رقبتها، أنقض عليها جاسر وأمسك الزجاجه من يداها بعنف، مع سماع صوت جاسر وهو يستغيث ب ادهم لمساعدته، استيقظ ادهم من كابوس كان داخله أوقف قلبه وجعله

لايستطيع ان يتحرك من مكانه، هجم عليها هو الاخر، ساعده في اخذ الزجاج منها وتضغط علي جرح رقبتها، وجُرح جاسر في يده هو الاخر، احتضن أدهم أمل وأخذها بين ذراعيه، وهي

تترنح بين يديه من أثر الجرح الذي أصابها بسبب احتكاك الزجاج برقبتها، تألمت بشدة فقدت الوعي، وحملها أدهم الى غرفتها، وهو يطلب من جاسر استدعاء الطبيب.
      *****
احضر عّم عتمان دواء وقطن طبي، لكي يضمد جرح جاسر وهو يحدثه عن "الشيخ زرقا".

:صدقني، ياسيدي، الشيخ زرقا سيقوم بإخراج السحر منها، فهي لاتدري ماذا تفعل، قد تغيب عقلها لاتدرك ماذا تفعل، أخاف ان تقوم بإيذاء نفسها، ونحن نائمون.

يرفض جاسر التفكير في ذلك الموضوع، يقاطع حديث عتمان، قائلا.

:انت رجل طيب القلب ياعم عتمان، لايوجد في هذا العصر ما يسمي بالسحر والعفاريت، فهم الان لو ظهروا في عالمنا هذا يرتعبون منا، ولو أردنا مقابلتهم الان، فالامر بسيط يمكن

استعدائهم عن طريق الهاتف النقال، لاتتكلم في هذا الموضوع مرة اخري، لكن اريد منك ان تحضر سيدة تجلس مع أمل ترعاها، الي ان تسافر.

؛اعرف سيدة تدعي"أم رشا" تبحث عن عمل، فهي سيدة طيبة القلب وصالحة، أضمنها لك.
:تمام، إذاً احضرها فوراً.

يتركه عتمان ويذهب، دلف أدهم الي غرفة المكتب، يجلس بجانب جاسر حزين على ما أصاب أخته، ينظر جاسر اليه، قائلا.

:هل جرح رقبتها عميق.
ازدرد ادهم ريقه بصعوبة، قائلا.

-لا الحمدالله، جُرح بسيط، لكنني أخاف عليها، ولا أعرف ماذا افعل؟ كل يوم حالتها تتغير وتسوء، كنت افكر منذُ قليل.
ادار ادهم راْسه وهو يحدثه متردداً.

-أعتقد بإننا نحتاج إن نذهب إلى الشيخ زرقا الذي حدثنا عنه عّم عتمان، احتمال ان تشفي علي يده.
يضحك جاسر، ويسخر من كلامه، قائلا.

:كيف تفكر بهذه الطريقة؟! لقد تعرضت أختك لصدمة عصبية، لايتحملها احد، يا رجل انا إلى الان أخاف ان اخرج ليلاً بمفردي من هول ما رأيتِ.

يقف أدهم وقد أكمد الهم قلبه، يشعل سيجارة، ويشعر باليأس، يحدثه بصوت متهدج، قائلا.

-جاسر، أنصت لي جيداً، أخاف أن تكون أمل أصابتها لعنه أو سحر بسبب ماحدث لها داخل هذا المعبد الملعون، وقد شاهد معي ذلك الوحش، وكيف اختفت سلمي ونيّرة وشوقي؟.

انا حتي الان، لا، ولم أستطيع ان ادرك او اصدق ما حدث لهم، اشعر بأن سلمي مازالت معنا هنا في القصر، اشم رائحتها فإنها تفوح في مكان.

يتلفت جاسر حوله في قلق وتوتر، قائلا.
:ماذا تقول هل رايتها؟ اين؟! هنا!
يقاطعه أده وهو يربت علي كتفيه، قائلا.
-أهدء، أقول لك اشعر بها، لذلك اريد ان اقابل ذلك الشيخ.

قنع اليه، جاسر وهو مازال متوتر ومتردد من فكرة الذهاب الي الشيخ، قائلا.

-لكن أخشي ان نتعامل مع نصاب محتال.

:سأجرب، منذُ عودتنا من الأقصر وهي متعبه لم تعد كما كانت من قبل وتقوم بفعل أشياء

غريبه،أوقات أشاهدها تتحدث مع نفسها مرة تضحك ومرة اخرى تبكي، وكما تعلم حاولت جاهداً التواصل مع الدكتورة سلمى ولم اعرف ان اصل اليها لانها سافرت الى فرنسا بعد زواجها من الدكتور فارس.

يستدعي ادهم عّم عتمان، ويخبره.
:اذهب في إحضار الشيخ زرقا حالا.

-عفواً، يا أستاذ أدهم فهو لايستطيع الحضور إلى هنا لانه رجل كهل، يعجز عن الحركة، يجب ان نذهب نحن إليه، منزله ليس ببعيد.
:اين مكانه؟
-يعيش في مقابر الغفير.

ينزعج جاسر، ويتردد أدهم، لكن يرفض جاسر بشدة، قائلا.

:اسمعت، مقابر، هكذا سوف نلبس كلنا مجموعة من العفاريت المحترفة، لا، لا، مشكور يا سيد عتمان اذهب انت الان، نحن لانريد ان نحضر عفاريت المقابر الي هنا تعيش معنا فالقصر ملئ بهم، أشكرك يا سيد عتمان علي نصائحك الغالية.

-كما تريد يا أستاذ جاسر، اريد ان اخبرك، لقد تحدثت مع أم رشا ووافقت علي العمل هنا، وهي في الطريق الي هنا الان.

يقاطعهم ادهم، يريد ان يعرف من هي ام رشا ليخبره جاسر عنها، ويتركهم عّم عتمان، يحاول أدهم يقنع جاسر الذهاب معه الي الشيخ زرقا.

:أفكر في مقابلته الاول، لكي أوضح له حالتها، ما رايك انت تاتي معي، فأنت لديك حدس قوي تستطيع ان تعرف اذا كان هذا الشيخ دجال ام لا.

بحزم وهو خائف، من مجرد الفكرة، حدجه جاسر بنظرة ثاقبة، وقال بجدية.

-لا، لا، تفكر ابداً في الذهاب إلى هناك وانا معاك، لا ندري ماذا ينتظرنا داخل تلك المقابر، ياإللهي ما هذا الحظ السئ الذي يلاحقيني دائما في هذه الايام، اشعر بإن نهايتي ستكون في احد المقابر او المعابد لا ادري أيهما سيكون أسرع وأفضل بالنسبه لي.

يسمعون صوت طرق علي الباب الخلفي للقصر، يذهب عتمان ويخبرهم انه لايوجد احد وباب القصر الخلفي مفتوح علي مصراعية، وثب أدهم إلى غرفه أمل يبحث عنها، لا يجدها فقد اختفت ينظر الي جاسر، ويركضون مسرعين في البحث عنها في كل مكان.
*****
تستقل أمل قطار الإنفاق الذي يسير تحت الأرض، وهي لا تعلم اين تذهب لكن تطالع في وجوة الناس الموجودة داخل عربة القطار تبحث عن شيء، وأول ما يقف القطار في احد المحطات تهبط وتصعد الي عربة اخري داخل القطار وتظل هكذا، الي ان تستقل عربة السيدات.

تقف في منتصف العربه تشاهد فتاة فاتنة الجمال شعرها طويل مجعد، لونه اسود كثيف يستدل علي ظهرها، عينها جميلتان سوداء مكحولتين بإتقان، وشفتين كالورد، تفوح رائحه عطرها من

مسافة بعيدة تقترب منها أمل وتقف خلفها دون ان تشاهدها تلك الفتاة، كانت مشغوله تتحدث في الهاتف النقال، تزدحم عربة القطار في محطه الشهداء، لتقترب الفتاة من سيدة تحمل حقائب كثيرة

وتقوم بسرقة هاتفها النقال من حقيبتها وحافظة النقود دون ان تشعر السيدة بها، وتتجول في عربة القطار بهدوء، تسرق الفتايات والسيدات دون ان يشعروا بها، وأمل مازالت تراقبها من مسافة ليست ببعيدة.

الي ان تهبط الفتاة في محطة تدعي "السادات" وأمل ورائها كخيال الظل، تلاحظها الفتاة وهي

تهرول خارج المحطة، لكن تشعرها بإنها لاتراها وتستمر الفتاة في طريقها، تستقل حافلة متجة إلى مقابر الغفير وأمل تصعد معها نفس الحافلة، تجلس في المقعد الخلفي من السيارة، تتحدث

الفتاة في هاتفها النقال، وتهبط في احد المحطات القريبة من المقابر، سارت إلى داخل طريق مظلم وسط المقابر واختفت داخله، من امام أعين أمل التي ظلت تبحث عنها وتتلفت حولها تتجول

بنظرها تائه في كل اتجاة، ليس لها أثر وكانها ذابت كالسراب، تقف أمل حائرة عينها ذائغه تشعر بالقلق وسط تلك الظلام الدامس.

لتظهر الفتاة فجأة مرة أخرى امامها تشهر في وجهها سلاح أبيض، تهددها به، تحملق أمل في وجهه الفتاة من خلال اضاءة الهاتف الذي تسلطه عليها الفتاة، فإنها تشاهد سلمي تشابة كبير بينهم، ملامح وجهها، عينها، مع اختلاف بسيط في نبرة صوتها.

:من أنتي؟ ولماذا تراقبينني؟!
-انا أمل ولا أعرف لماذا أراقبك، لكن اشعر بأنني اعرفك جيداً، وأريد ان اتحدث معكٍ.

حدجتها بنظرة ثاقبه، قائله.

:نعم، هل انتي صديقتي دون ان اعرف؟ أم ماذا؟ أنصحك ياشاطرة ان تعودي من حيثُ اتيتٍ، وابلغي من أرسلك بإن "سحر" لا تخاف ولا يستطيع احد ان يهددها، أمل، لا أريد ان اشاهد وجهك الجميل هذا مرة ثانية امامي.

وتتركها سحر وتمضي وورائها أمل مستمرة في ملاحقتها مرة اخري، تقترب سحر من منزلها الموجود وسط المقابر وقبل ان تدخل تشاهدها، تنزعج، تلوح لها تهرول عليها أمل، تحملق سحر في وجهها قائله.

:ماذا بعد؟! هذا بيتي تريدين ان تدخلين معي؟ هيا اذهبٍ الي منزلك.
تستوقفها امل، وتطلب منها دون تردد، بحماس، قائله.

-اتمني ان ادخل معكٍ يا أنسه؟ فأنا متعبه وأريد ان استريح وأنام، ارجوكٍ.

:انتي فاقدة عقلك؟ أم تهربين من أحد؟ ماهي قصتك؟ اشعر بإن لديكٍ قصة كبيرة.

تنظر اليها وهي لا تعرف الإجابة، لكن تخبرها بنبرة حزن ممزوجة بوجع في القلب.

-أنني احاول الهروب من قدري السئ الذي يلاحقيني طول الوقت، ولا أعرف إلى اين اذهب منه، ضائعه لا أعرف طريقي، ولا اعلم اين كنتُ أعيش؟ ومع من؟ ولماذا تركوني أهلي وحيدة في هذه الدنيا؟!

تشفق عليها سحر وتضع يدها على كتفيها بحنان ورفق، تبتسم في وجهها، وتضمئنها.

:أظن انني قدرك الان يا أمل، تفضلي بالدخول معي الي منزلي المتواضع، انا أعيش مع امي وأبي واخواتي هنا.

تدخل معها أمل ولأول مرة وجهها يبتسم فرحاً، تخبرها سحر بإنها ستدخل تخبر والدتها في الاول، تقف تنتظرها سحر في منتصف البيت، تتجول بنظرها في المكان.

بيت سحر متواضع جداً فهو عبارة عن بيت كبير لمقبرة أحد البشاوات في اخره غرفتين ملتصقتين علي بابهما زرع صبار لونه اصفر ناشف متساقطة اوراقه.

يوجد غرفة في الجانب الاخر من البيت صغيرة بابها من الخشب القديم، علي أعلي الباب مقشه من الخوص المحبب ببذور سوداء مغطاة بالأتربة، وكف حديد ملصقا على باب الغرفة الصدأ

يملئه، وخيوط العنكبوت تسكن وتزين الباب من أعلاه الي أسفله، وامام الباب غراب يقف في الظلام يلتقط من الأرض طعام لإيراه غيره، تسمع فقط صوت نقر منقارة في الأرض الذي يدق

ولا يتوقف، كنذير الشؤم، تحملق أمل الي أسفل الباب فيوجد ثقب كبير داخل الخشب نتيجه تأكله مع الزمن، يخرج من هذا الثقب دخان لونه ابيض كثيف، تقف أمل وهي تتفحص باب الغرفة تتجه له لكن تستوقفها سحر.

-لا، لا، تعالي من هنا، لا تقتربي من هذا الغرفة.

دلفت معها الي غرفتها، تشاهد امل والدة سحر نائمه على سرير نحاسي قديم وأمامها التليفزيون، وقبل ان تنطق لتسأل ابنتها عن أمل، تحكي لها سحر، قائله.

:انها شابه فاقدة الذاكرة، خشيت عليها من ذئاب الشوارع، فهي كما ترين، مسكينة، لا تتذكر أي شيء عن حياتها السابقة، فإنها تستحق الشفقة والرحمة يا أمي.

تتردد الام في الاول، لكن تحدثها بقسوة، قائله.

:والدك سيطردها، انتي تعرفينه جيداً، بخيل، وحاد الطباع، ولا يقبل بمثل هذا، دعيها ترحل لانريد مشاكل مع والدك.
تصمم سحر علي قرارها.

-لا لن اتركها ترحل، ستظل معي فإنا احتاج من يساعدني في عملي، وهي وجة جديد لا احد يشك فيها.

تحملق الام الي امل، تتفحصها من أعلي الى أسفل، فإن هيئتها تدل على إنها لاتستطيع ان تسرق شيء وتساعدها، وتسخر الام من سحر.

-احسنتي يا بُنيتي الاختيار، هذه الفتاة سوف تدخلك السجن قريباً يا جميلتي، الأهم من العمل اذا كانت ستعيش معنا عليكي دفع ثمن جلوسها هنا.

توافق سحر، وتخرج من حقيبتها نقود تأخذها منها، وتطلب أمل من سحر الذهاب الي دورة المياة لكي تغير ثيابها، تغادر أمل من الغرفة متجهة الى دورة المياة الموجودة بجانب الغرفة الصغيرة في الجانب الاخر من البيت.

تلتفت أمل حوالها تخشي ان ترها سحر، تقترب من باب الحجرة المغلق تفتحه بهدوء شديد وتقف تراقب من بعيد، خلف الباب توجد ستارة سميكة كبيرة سوداء، تقف خلفها امل تتلصص عليهم من خلالها دون ان يشعر بها احد، تشاهد رجل كهل في اخر الغرفه، في أواخر الستين من عمره

او اكثر، ممتلء الجسم، يجلس على مقعد مصبوب من الاسمنت مرتفع عن الأرض وامامه قفص به طير، وبجانبه طبق كبير مليء بالبخور تفوح رائحته تعبق المكان.

تجلس امامه شابه في منتصف العشرينات تبكي بحرقه، تطلب منه ان يصنع لها معروف تتوسل اليه، قائلة.

:أريده ان يفقد عقله، يجري في الشوارع العاصمة، يصرخ بإسمي في كل مكان، يتوسل إلي امام الناس ويقبل قدمي ويدى، يطلب مني ان أسامحه وهو يبكي، اريد ان يصيبه المرض والقهر
والذل والعجز، ثم بعد ذلك يموت اسوء موته.
-لما كل هذا يا سيدتي؟! ماذا فعل بك ذلك الوقح؟

:جرحني، قام باذائي، أشد إيذاء جعلني أحبه وانتظره سنوات وبعدها تركني وتزوج من اخري، وزوجته تحمل في أحشائها طفل، اتمني ان يولد يتماً.
بسحنة متوعدة، قائلا لها.
-عديم الضمير، يرتبط بكِ ويترك.

تقاطعه، قائله.

:لا، هو لم يكن مرتبط بي، ولكنه كان يعلم انني احبه وانتظره، الكل يعلم انني احبه، لكنه هو لم يشعر بي وتركني وتزوج، انتظرت حتي تنتهي هذه النزوة التي كان يمر بها، ويعلم من كانت تحبه وتنتظره، لان زوجته سيدة بغيضة سليطة اللسان قبيحة، لكنه استمر في زواجه، وعندما

علمت بإنه سوف يصبح أباً، احترق قلبي وعلمت جيداً أنه لا ولن يكون لي في يوم من الايام، لذا اريد أن يجن ويتعذب، قلبه يحترق كما احترق قلبي من قبل.

يرمُقها بخبث وفي عينه نظرة إعجاب، قائلا.
-سيكلفك هذا كثيراً.

تخرج من حقيبتها نقود كثيرة، وتضعها امامه علي المنضدة.
:هذا كل ما املك بعد ان قمت ببيع كل مصوغاتي.
يشعر بالسعادة وهو يأخذ منها النقود.
:هل أحضرتي معكي أي شيء يخصه؟

تخرج جورب من حقيبتها، يأخذه الرجل منها، وهي مازالت تتحدث معه، تخرج أمل من الغرفة.
قبل ان تشاهدها الفتاة، لتلتقي مع سحر التي كانت تبحث عنها.

:أين كنتي بحثت عنكٍ في كل مكان؟
-أبدا، كنت استنشق الهواء.

تضحك سحر، وهي تشاهد السيدة تخرج من عند ابيها.

:تستنشقين هواء المقابر ! انتي حقاً مسكينة، تعالي معي لكي اعرفك على أبي.
تدخل معها أمل وأول ماتشاهده ملامح وجهها تتغير وتظهر البهجة على وجهها، وكانها تعرفه.
وتحدث نفسها وهي سعيدة بلقائه.
:اخيراً التقيت بك مجدداً، فقد كنت ابحث عنك كثيراً.

تتحدث سحر مع والدها، بينما مازالت أمل شاردة الذهن وهي تنظر اليه، تخبره سحر، قائله.
:أبي هذه صديقتي أمل ستظل معنا هنا فترة.

يهز راْسه وهو مشغول يمسك في يده مقص والجورب، يبدأ في تقطيعه الى قطع صغيرة، تنظر اليه أمل باهتمام، وسحر تكمل حديثها، وهي مندهشه من رد فعل والدها.

:أبي انت بخير؟! أحببت ان اخبرك ان أمي تعلم كل شيء، وأخذت النقود التي كانت معايا لأجل أمل.
لايرد عليها ولا ينظر اليها، ترتبك سحر وتمسك يد امل.
هيا بِنا يا أمل، فهو مشغول الان، تعالي لكي ننام لدينا اعمال كثيرة غداً.
تاخذها ويغادرون الغرفة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي