الفصل التاسع، الصندوق الغامض

الفصل التاسع، الصندوق الغامض.

مازال جاسر و ادهم يبحثون في الغرفة السرية الموجودة داخل القصر والتي بداخلها مخزن صغير مليء بالتحف والمقتنيات التي تركها والد ادهم ورثً اجداده، فهي عبارة عن لوح فنيه وصندوق به قطع من المشغولات المصنوعة من النحاس والذهب والأحجار الكريمة، الي ان لمح ادهم صندوق نحاسي منقوش عليه بعض الكلمات المكتوبة بخط النسخ وكانها رساله تحذيرية لمن يفتح ذلك الصندوق، وبعض رسومات لا يدرك كنهها.

يحاول ان يفتحه لكن الصندوق مغلق ب مفتاح، احضر قطعه قماش بدا ينظفه من الأتربة المتراكمة عليه لتظهر العبارات المكتوبة التي حاول ان يقرأها ولم يستطيع غير معرفة كلمه واحده، وهي (إله الشمس)، بينما جاسر وهو يبحث داخل صندوق المشغولات، وجد القلم النحاسي الذي كان مع نيّرة، يرتبك وهو يحملق في ادهم، قائلا.

-من الذي احضر هذا القلم الي هنا مرة ثانية؟
ياخذه منه ادهم يتحفصه وهو مندهش، قائلا.
-لا ادري؟ لكن اعتقد انه ليس هو، انما قلم يشبه، اكيد أبي يمتلك مثله.

حدجه جاسر بنظرة ثاقبه وهو يصر انه نفس القلم الذي عثرت عليه نيّرة في غرفة سلمي، قائلا.
:لا انا متاكد انه ذلك القلم المسنون الذي حرج نيّرة، اكاد اشم نفس الرائحة التي كانت تبعث منه، من اين لك هذا؟ ومتي أخدته منها؟ وأين؟ ولماذا لم تخبرني بانه معك؟

ظل يوجه جاسر اتهامات الي ادهم، بانه يقوم بإخفاء الحقيقة، وهناك مزيد من الأسرار التي لايعرفها ولا يريد اخباره بها، لكن ادهم يقسم انه لايعلم أي شيء، قائلا.

-اقسم لك انني لاأعرف من احضره الي هنا مرة اخري، وأتذكر جيدا انه كان مع نيرة، ولم أأخذه منها، لكن أتذكر انني رايته مع الدكتور شوقي في المعبد، ولم أُعير له أي اهتمام، صدقني، انا لم اكذب عليك قط وانت تعرفيني جيداً.

ينظر جاسر الي ادهم وخلجات القلق أخذت تنقر صدره، وهو ينظر الي الصندوق النحاسي الذي في يده، ويأخذه منه وهو يتفحصه ويحاول ان يقوم بفتحه.

-ما هذا؟ عمي دائماً كان يحب الألغاز وهذا من جزء من ألغازه التي تركها لك، انظر الي تلك العبارات المكتوبة، اعتقد مكتوب (منتوحوتب الثاني)
يتلجلج وهو ينطق، يحاول ان يقرا ادهم الاسم مثلما قراءه جاسر، قائلا.

:لا ادري الخط المنقوش مرسوم بفن ولغه لم أشاهدها من قبل وكأنها لغه كُردية، او يونانية، لا أستطيع ان أحددها ، اجد صعوبة في تفسيرها.

يتجول جاسر بعينه في المكان يبحث عن مفتاح ، او شيء يفتح ذلك الصندوق، قائلا.
-اين مفتاح ذلك اللعين، اعتقد انه مخبأ داخل قطعه من هذه القطع.
يشاور علي أباريق فخار وصيني مرصوصة وراء بعضها بإتقان، يبدأ في البحث داخلها عن ذلك

المفتاح لكنه لم يعثر علي شيء، وأدهم مازال يمسك قطعه من القماش ينظف الصندوق الي ان تعثرت يده في رسم محفور اسفله، علي شكل شمس إشعاتها محفورة بحرفية وكأن من صنعها ليس ببشر، تتسع عينه وهو يتحسس النقش المحفور، نهض من مكانه ، قائلا.

:ان مفتاح هذا الصندوق هو عبارة عن قلادة شمس، وهذا هو مكانها، عندما نضع القلادة هنا تلف في شكل دائري يفتح الصندوق.

يشاهد جاسر النقش وهو منبهر، قائلا.
-انظر الي براعه التصميم والحفر، لكن شاهد هذا يوجد مكان لمفتاح في اعلي الصندوق، بينما هذا مجرد نقش رُسم عليه.

:بلي، مكان هذا المفتاح خدعه ولغز كما اعتادنا من أبي، انما مكان المفتاح الحقيقي هو قلادة الشمس اشعر بإن داخل الصندق ذهب كنز لايقدر بمال.

يسخر جاسر من كلامه، قائلا.
-ولما كل هذه الألغاز، نكسر الصندوق وننهي هذا الجدل حالاً.
:لا، لا، لتصيبنا لعنة او نكسر شيء ذو قيمة موجود داخله، دعنا نبحث عن مفتاح او قلادة.
*****
تتلصص سها علي سحر اختها، من وراء الباب وتشاهدها وهي تخبأ، نقودها والهدية التي احضرها لها محمود اسفل خزانة الثياب، يرن هاتف سحر النقال، تبتسم وهي تجيب علي محمود، ومازالت سها تتجسس عليها من وراء باب الغرفة، تسمعها وهي تتحدث مع محمود، قائله له.

:انني لستُ مستعدة للزواج الان وقد أبلغتك هذا من قبل، اريد فترة لكي اجهز لهذه الخطوة، اعلم جيداً انك تحبيني، لكن ارجوك انتظر حتي نهاية السنة، اذا كنتُ لاتريد الانتظار اتركني فلم أتحمل المزيد من المناقشة في هذا الموضوع.

تنفعل عليه وهي تحدثه تقف امام خزانة الثياب تغلقها بأحكام، وتدخل عليها سها، وقد أنهت سحر المكالمة، الفضول يقتل سها تريد ان تعرف من هذا الشاب، تجلس بجانبها، قائلة.

-كنتي تتحدثين مع من؟
:محمود شاب يعمل في احد شركات الاتصال، ويريد ان يرتبط بي.

تبتسم سها ابتسامه صفراء، تحاول ان تخبأ الحقد، والغيرة التي تملء قلبها، عندما تسمع سحر وهي تتحدث عنه، وتقص عليها بانه يريد ان يحضر يقابل والدها في أسرع وقت ليتمم زواجهما،

وانه يمتلك منزل وسيتحمل جميع نفقات الزواج، ترفض طلبه لانها مازالت تفكر لم تتخذ القرار حتي الان، تشعر بانها لا تحبه وليس هذا هو الرجل الذي طلما حلمت به، تتحدث بغرور، قائله.

- انه مجرد شاب يعشقني مثله مثل غيره، ويركض ورائي في كل مكان، يريد الارتباط بي.
تسخر سها من كلامها، قائله.

-لا اعتقد بانه يحبك كما تقولين يا جميلة الجميلات، فهو كاذب لانه مجرد موظف لا يملك النقود لكي يستطيع الزواج، يريدك ان تقومي بالانفاق عليه ومساعدته مثله كمثل باقي الرجال.
تضحك سحر ساخره، وتصوب نظرها لها.

:صحيح ما تقولين يا اختي الغالية، لذلك استعدي لتحضري عرس اختك في خلال هذا الشهر، انا ذاهبه الي معرض لعرض لوحات فنية تأتي معي.
-لا، انني لا احب تلك النوع من الفنون.

تتركها وتغادر الغرفة، تتلفت حولها سها، لم تجد احداً، تفتح خزانة الثياب وتسرق حقيبة النقود والهدايا التي تخبئها سحر اسفل الخزانة داخل ثيابها، وتغادر الغرفة والبيت أيضاً، دون ان يشاهدها احد.

يجلس الشيخ زرقا منهمك في عمله داخل غرفته، دلفت الفتاة التي طلبت من الشيخ زرقا من قبل، ان يصاب حبيبها بفقدان عقله لكي تنتقم منه لانه تركها وتزوج من غيرها، جلست امام الشيخ مرة ثانية، تبكي حزينة، نظر اليها الشيخ زرقا مندهش، قبل ان تتحدث، قائلا.

-انا قمت بعمل السحر له، وانطلق في الهواء، أطمئنك انه قريباً سينتهي أمره.
تبكي وهي منهاره والدمع يملء عينها، بصوت مخنوق ممزوج بالبكاء والندم، قائلا.

لقد رايت ما أصابه فهو الان يسير في الطريق ثيابه ممزق ومتسخ، حافي القدمين والدماء تنهمر منها، ولايدرك ماذا يفعل؟

عندما أوقفته اتحدث معه ظل يحملق في وجهي وهو لا يتذكرني وينطق كلمات غير مفهومه وتركني وركض في الطرقات، ركضت ورائه كثيراً انادي عليه، لكن فجاة اختفي من امام عيني، ولا اعرف اين اجده؟ وماذا افعل؟
ارجوك ساعدني حتي اعثر عليه.

علمتُ بإن انفصلت عنه زوجته الحنونة التي كانت تتظاهر امام الناس بحبها له، تركته اول ما مرض لم تحتمل ما اصابه، والطفل الذي كانت ستنجبه فارق الحياة وهو داخل أحشائها لم يشاء ان يحضر الي هذه الدنيا وتكون امه سيدة انانية مغرورة منافقه، فرحتُ كثيراً لما أصابها فهي نالت ما كانت تستحق، ارجوك أريده ان يعود له عقله مرة اخري،

انت لا تعلم فحبه هو الحياة التي تمنيت ان أحياها طوال عمري، فأنا عشقته منذُ ان رايته اول مرة وسيظل حبه يتغلغل في قلبي يرافقني حتي نهاية عمري، أريده الان ان يستكمل حياته معي ونتزوج وانا ساعتني به، ارجوك يا سيدي ساعدني، لاسترجاعه، فقد فقد عقله بالفعل.

يرمُقها الشيخ زرقا، وهو لايعرف بماذا سيساعدها، بعد ان وضع السحر داخل فم الحمامه واطلقها في الهواء ولا يعرف ان يحل ما ربطه، حدثها بهدوء، قائلا.

:جلستٍ في نفس المكان منذُ فترة ليست ببعيدة، تطلبين و تتوسلين، اجعله يفقد عقله لانه تركك وتزوج من فتاة اخري، وكان قلبك يحترق من افعاله وكنتٍ تريدين الانتقام من غدره بك، وانا قمت بتنفيذ طلبك، لا أستطيع ان أتراجع لان السحر مربوط داخل فم طائر يحلق الان في الهواء ولا اعرف مكانه ولا أستطيع ان اصطاده.

تنظر اليه وقد أكمد الهم قلبها، وهي تعترف له في لحظة ندم.

-فقد كنتُ لا اعلم بإن قلبي سيتمزق و لايتحمل وانا اشاهده هكذا.

لقد حضرتُ الي هنا في المرة الاولي لانني وصلتُ الي مرحلة السقوط، رغبتُ في التخلص من الحياة، كنت اراه معها يتمني لها السعادة يجعلها تبتسم طوال الوقت مشاعر الحب التي بداخله كانت تظهر في نظرات عينه لها، كانت تذبحني.

كنتُ لا أتحمل ان أحيا، وانا أراه معها يسعدها، هو كان لا يعلم انني كنتُ اعشقه وانتظره حتي يتقدم لي ونتزوج، الغيرة أصبحت كالنار داخلي كانت تلتهم جسدي وعقلي، وانا أشاهدهم

سعداء مع بعضهم، الحقد كان يزداد داخلي يوماً بعد يوم هو الذي دافعني الي تدميره والانتقام منه، عندما كنت في زياره لهم داخل منزلهم أشاهد عينها ترقص فرحاً لانها بالقرب منه، فهو رقيق انسان المشاعر عطوف، حنون، دائماً يظهر لها مشاعر الحب في حركاته، كلماته الرقيقة لها.

كان يخشي عليها من ان ترهق او تتعب لانها تحمل طفلاً منه، طوال الوقت يحنو عليها ويربت علي يدها وكتفيها، كنتُ أشاهدهم والنار تشعل داخلي تنهش قلبي تلتهمه.

هو كان لايعلم بمدي حبي وعشقي له، كنتُ أشفق علي روحي المعذبة، كيف كان بهذه القسوة ولا يشاهد مشاعر الحب التي كانت تظهر في حديثي معه في عينيا، انا أسامحه، ارجوك سيدي

اتوسل اليك ساعدني، انا أندم علي ما طلبت أشد الندم.

ينظر اليها ويخبرها انه بالفعل لايستطيع مساعدتها، حتي لو ظلت تندم وتبكي طوال العمر امامه، فقد فات الاوان تتركه وتغادر وهي منهاره، تشعر بالكارثة التي تسببت بها.

*****
يجلس ادهم في مكتبه امام جهاز الحاسب الآلي، يبحث عن اللغة المكتوبة علي الصندوق الذي يضعه امامه علي المكتب، يدخل عليه جاسر وهو يتحدث في هاتفة، ويبلغه بانه سيغادر الان، لان لدية عمل معطل يجب ان ينجزه، ويتركه ويغادر مسرعاً، من خلال بحث ادهم علي شبكات

التواصل الاجتماعي، يجد ان بعض الرسومات المنقوشة علي الصندوق تدل علي رحلة (إله الشمس السفلية في العالم الاخر) يبدء في البحث عن معرفة هذه الرحلة، وهو يمسك قدحً من

الشاي في يده، فجأة يسمع صوت ضوي قوي، يهتز القدح من بين يده يسقط قدح الشاي علي ملابسه، فوثب من مكانه وضعه علي المكتب وخرج يركض الي مصدر الصوت الذي سمعه،

يبحث في كل مكان، حاول الاتصال ب جاسر لكي يتحدث معه يؤنس به ويخبره بما حدث، لكن هاتف جاسر مغلق، أغمض عينيه وأخذ يتنفس بعمق خالجه شعور بالإرهاق والتعب وغلب عليه

النوم قرر ادهم ان يترك عمليه البحث عن لغز الكلمات المكتوبة علي الصندوق، ويذهب الي غرفته لكي يستريح وياخذ قسط من النوم وهو يتحدث مع نفسه يؤنس بها في تلك الليلة.

:يجب ان استريح، سأغير ثيابي، اريد ان اعانق سريري فقد تعبتُ كثيراً اليوم، وغدا اكمل ما بدات.

تتعثر قدميه وهو متجه الي غرفته، يكاد يسقط علي الأرض لكن يتمالك نفسه، وينظر الي الأرض يشاهد جاسر مستلقي علي الأرض فاقد الوعي غارق في دمائه، ينزف من راْسه، يفزع ادهم، ويداهمه خوف شديد وقشعريرة في جسده كله انعقد لسانه ولم يتمكن من التقاط أنفاسه وارتج قلبه

في صدره وشعر بسقف القصر يهوي فوق راْسه، احس بساقه وكأنهما من عجين ولم يستطيع الوقوف عليها، وسقط ادهم علي الأرض، وكانه غرق في بئر مظلم، مرت لحظات عصيبة

وهو ينظر الي جاسر ولا يصدق يخشي ان يكون قد فارق الحياة فهو لايتحمل تلك الصدمة، الي ان آفاق من صدمته ونهض مرة واحدة واسترد واستجمع قوته، قام بالاتصال النجدة، والطبيب،
اقترب عليه ووضع يده بأنامل مرتعشآ علي عنقه يشعر بنبض الحياة داخله، تنفس الصعداء وجلس

بجانبه اطمئن قلبه انه مازال حيّا، اقترب منه مرة اخري يسمع صوت أنفاسه، يلتف حوله ويركض الي غرفته يحضر سلاحه الناري، ويركض في كل مكان داخل القصر يبحث عن من فعل ذلك لكنه لم يجد احداً، يكاد يفقد عقله، يحضر الطبيب الذي يطمئنه بان جاسر سيُصبِح بخير، ويخبره بان شخصاً ما قام بضربه علي راْسه بأداة حادة أفقده الوعي، اخذ الطبيب جاسر الي المستشفى

لانه يجب ان يوضع تحت الملاحظة لمدة اربع وعشرون ساعة، قرر ادهم الذهاب معهم للاطمئنان عليه، لايريد ان يتركه.

كانت والشرطه قد تفحصت القصر كله مع ادهم، وآله تصوير المراقبة الموجودة داخل القصر وخارجه، ولكن للأسف الاَلات التصوير كلها معطله، ولم تظهر اي شخص داخل او خارج القصر غيرهم، جلس ادهم في المستشفى يفكر، وهو يحاور نفسه، قائلا.

-كيف حدث ذلك؟ جاسر غادر أمام عيني وهو يتحدث في هاتفه كان علي عجله من أمره، اكيد عتمان والشيخ زرقا هم من قاموا بضربه خارج القصر، قم قاموا بإحضاره داخل القصر.

ظل يفكر وهو جالس في المستشفى، انتفض مرة واحدة من مكانه، وركض وهو يغادر من المستشفى مسرعاً، ظن ان من فعل ذلك يريد ان يترك له القصر ويغادر لكي يقوم بسرقه مافيه،

استقل سيارته مسرعاً ورجع الي القصر وأشهر سلاحه الناري، مترقباً ان يري اللص او يشاهد الشيخ زرقا او عتمان، يقف امام باب القصر يراه مفتوحً علي مصراعية، يدخل ادهم القصر

علي أطراف أصابعه، يحاول الاول ان يُنير اضاءة القصر لكنها معطله، يسير ادهم بخطوات ثابتة في هدوء، يتجول بنظره في كل مكان يميناً ويسارً وهو يضئ كشاف الهاتف النقال، يشاهد

الشمعدان الذي كان لدي الشيخ زرقا، واتهمه بسرقته، موجود في ردهة القصر وبه شمع ملون مشتعل والقصر مظلم، يقترب من الشمعدان ويمسكه يتفحصه في دهشه، وفجأة تتسع عيناه وارتجف يداه وسقط منه الشمعدان علي الأرض، يحملق في ذهول وهو متوتر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي