الفصل السابع، الحمامة الباكية

الفصل السابع، الحمامة الباكية.

دخلت أمل مع سحر غرفة نومها، تستلقي سحر علي السرير تستغرق في نوم عميق، تنسحب أمل بهدوء شديد من الغرفة تسير علي أطراف أصابعها تتجه مرة اخري الي غرفة والد سحر

وهو مازال مستغرق بعمل السحر للفتاة، يمسك في يده إبرة ويضم بعض أجزاء الجوارب مع بعض بالخيط، يضع داخله رماد فحم مخلوط ببعض من بقايا قطع جوارب محروقه، مع ورق مكتوب عليه طلاسم، يبدأ في صنع دمية علي شكل رجل محشوة بالرماد وقطع الجوارب الذي قام بتقطيعها ويردد بصوت منخفض عبارات غير مفهومة.

تقف أمل امامه ولم ينبس ببنت شفة، يوجد بجانبه قفص حديد به حمامتان احدها سوداء اللون، تخرج امل احدهما من القفص، تختار حمامه لونها رمادي غامق تضغط بعنف علي رقبتها تكاد تخنقها، والحمامه مستسلمه لها لا ترفرف او تحاول ان تهرب، وكانها تعلم مصيرها.

هذه المرة يرفع الرجل عينه ببطء ينظر اليها من الاعلي الي الأسفل، يشاهد ملامح وجهها تحولت وأصبحت نيّرة بابتسامتها العريضة المليئة بالثقة، حدجها بنظرة ثاقبة، وكانه يعرفها جيداً ويهز راْسه لها تحيه، يتابعها باهتمام ويتركها تفعل كيفما تشاء يبدو ان ما تفعله قد راق له، تمسك أمل في اليد الاخر سلك متوسط السمك لونه فضي غامق كان موجود

على المنضدة التي امامه، تأخذ منه الدميه التي بداخلها السحر الذي صنعه وتضعها في فم الحمامه وكانها تطعمها، تطبق علي فمها بالسلك تبدأ في لف السلك في اتجاة دائري وتربطه بأحكام عند منقارها،

وهي تقوم بلف السلك والضغط علي منقار الطائر الذي جرح منقاره وسالت منه دماء تتساقط علي المنضدة، تحملق امل في وجه وهي مبتسمه ابتسامه صفراء، تشرح له ببرود لماذا تضع السحر في فم الحمامه، قائله بخفوت.

:هكذا كل ما ارتفعت الحمامه تحلق في السماء، خرج الرجل من منزله تائهاً، يركض في الطرقات يتحدث مع نفسه والمارة، وكلما ارتفع الطائر اكثر يحلق في الهواء، يحلق معه عقل الرجل ويفقد قدرته علي التميز والإدراك، يظل يركض في الطرق دون ان يقف او يستريح حتي تنهمر الدماء من قدميه، يصرخ ويبكي.

عندما يصيب الطائر الهلع، وهو يشعر بالجوع والعطش، يبحث عما يسد رمقه ولا يستطع ان يأكله، تتمزق أحشائه وتنزف دمً، إلى ان يهوي علي الارض ويفقد القدرة على الطيران، يريد الخلاص من الحياة، يستغيث ولا يسمعه أحدا، يتمني ان يذبح لكي يتخلص من عذابه، في ذلك الوقت يسقط الرجل مع الطائر وتتمزق أحشائه.

تأخذ الحمامه وتخرج بها خارج الغرفة ومعها والد سحر الذي يتحرك خلفها على كرسي متحرك لانه مصاب بشلل في قدميه منذُ سنين.

تقف امل في منتصف البيت، وتطلق الحمامه تحلق في الهواء، لكن قبل ان تنطلق وتحلق الي السماء تقف الحمامه امامها تنظر اليها تتساقط دموعها كالمطر، فقد تعملق الحزن في قلبها من إيذاء البشر، وكأنها انسانه تشعر تريد ان تصيح وتصرخ، تستغيث من شياطين الانس، تقول وتصرخ بأعلي صوتها "آي ذنبً فعلت" تطير وتحلق في الهواء عسي ان تجد من يرحمها من عذابها، تقترب أمل من والد سحر بنبرة صوت غير صوتها، بصوت نيّرة.  ، قائله.

:مارأيك في ان تترك هذا الكرسي وتقف مرة اخرى يا شيخ زرقا.!
***
يدخل أدهم مع جاسر القصر وهم مرهقين، يستلقون علي الأريكة وقد أكمد الهم قلبه.
يقترب عليهم عم عتمان ومعه سيدة في منتصف الأربعينات، ترتدي جلباب اسود، ليخبرهم.

:أستاذ ادهم هذه السيدة ام رشا التي أخبرتك عنها.
لايتطلع اليها، ويهز راْسه بالإيجاب، يأخذها عّم عتمان ويغادر الي الداخل، بعد ان يطلب منه ان يعد له فنجان من القهوة.

يجلس أدهم شارد الذهن مهموم، بينما جاسر يحاول الاتصال ب خالد صديقهم ضابط الشرطة، لكن هاتفه مغلق.
فجأة يشعر ادهم بانقباض في صدره يضغط بيده علي قلبه، يقلق عليه جاسر، قائلا.
-أدهم اتشعر بتعب استدعي لك الطبيب؟
ازدرد أدهم ريقه بصعوبه، قائلا.

:لا اريد طبيبً، فهو لا يملك دواء يخفف عني ما اشعر به الان.
يطمئنه جاسر، يهون عليه قائلا.

-لكل داءً دواء لا تقلق يا أخي، سأستدعي الطبيب يحضر حالاً وجهك شاحب، وان شاء الله خيراً.
:لا، تطلبه يا جاسر، فهو لا يستطيع ان يحضر معه، دواء يغير الاقدار.
ينظر اليه متسائلا.

-ماذا تقصد؟
يجاوبه وقد ملء الحزن عينه وصدره.

:اتذوق مرارة قسوة الهزيمة في حلقي، فهي كالسم يجري في عروقي، تضغط علي روحي تخنقها، أشعر الان بروحي وأشاهدها وهي تنسحب من جسدي رويدا رويدا، تلك الهزيمة التي لم أكون اتوقعها في حياتي قط، تلك الهزيمة كانت تختفي في ثياب ورطة أقحمت نفسي بها دون ان ادرك او اشعر بانها ستقضي علي راحة وسعادة ايامٍ، والآن لا املك قوة الحياة لتفاديها فقد انقطعت أنفاسي.
كانت حيلة ماكرة لم أكن أدركها دبرتها الاقدار لكسر سيف المحارب الشجاع.

حدجه جاسر بنظرة ثاقبة، قائلا.

-اذا سقطت منك شجاعتك في مأزق ولم تستطيع ان تنجو منه، تذكر دائماً انك لاتحتاج الا مزيد من هذه الشجاعة التي تمتلكها لكي تحارب من يحاول هزيمتك، فأنت اقوي من أي هزيمة، تشجع يارجل، فنحن رجال لا نقهر أبداً.

كمدا أدهم الهم قلبه، وعيناه مليئة بالحيرة واليأس، لا يعرف مصير اخته، ولا يعلم هل سيراها ثانية؟ أسئلة كثيرة تدور داخله، كاد ان يجن، قائلا.

: الاقدار تجري بحكمها علينا وأمر الغيب سر محجُب علينا، لانعلم ماذا سيحدث لنا غداً.

يربط علي كتفيه، وهو يطمئنه.
-لاتقلق يا أخي "لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً".

يحضر له عّم عتمان القهوة يضعها ويغادر، ويحاول جاسر مرة اخري الاتصال ب خالد صديقهم، بينما يحدثه أدهم عما يدور بداخله من صراع ووجع، لايستطيع ان يوقفه، يكاد ان يمزق قلبه واحشائه من الألم، ران صمت في المكان، ينظر جاسر الي ادهم، يحاول ان يهون عليه يحدثه قائلا.
-ادهم، انت بخير، وأمل سنجدها وستكون بخير أيضاً اشعر بذلك، لكن لا تظل صامتاً هكذا، تحدث معي، اخبرني عما يدور بخاطرك.
ازدرد ريقه بصعوبه،

:يا جاسر، اشعر الان بأنني اسقط في عمق بئر صمتي، بحيث لا أستطيع ان أصيح أو اصرخ ب عمّ يدور بداخلي من وجع وألم، ولايمكنني البكاء او التحدث عن ذلك البركان الثائر الذي يحرق أنفاسي وصدري، حينها تدرك بأنك هرمت، وتستبدل الإفصاح عن الصراع الذي بداخلك بالصمت، وتجيب عن كل سؤال عندما تُسأل عن حالك، بأنك بخير وفي أفضل حال، يا الله، رُحماك من هذا العذاب.

يدق جاسرعلي كتفيه بعطف.
-هون علي نفسك يا اخي، كل مر سيمر، لا تقلق فان الله معنا.
يتواصل جاسر مع الضابط خالد علي الهاتف، بعد ان غلق الهاتف معه، ينظر اليه أدهم متسائل.
-بماذا اخبرك؟

:يقول بإننا يجب ان ننتظر اربعه وعشرون ساعه علي اختفائها، لكي يقوموا بالبحث عنها.
ينهض منزعج، قائلا.

-لا أستطيع الانتظار فالقلق كالوحش الكاسر ينهش قلبي، سوف افقد عقلي لو جلست هنا انتظرهم يبحثون عنها، سأبحث عنها انا.

يستعد للخروج يسمعون صوت موسيقي صاخبة تصدر من الدور الثاني في القصر، ينظرون الي عتمان.

:من اين مصدر هذا الصوت؟

يخبرهم عتمان بانه لايعلم ولكن لايوجد احد في القصر غيره هو وأم رشا، ينزعج جاسر من صوت الموسيقي، قائلا بعصبية.

:اذهب اليها وأخبرها ان تغادر لانريد احداً الان، وقم بإغلاق ذلك المذياع.

وهم يغادرون يبحث أدهم عن هاتفه النقال، ولا يجده يسمعون صوت صياح وصراخ عّم عتمان وهو يستغيث بهم، يركضون الي غرفه أمل، لكن لايوجد بها احد، يتجهون مسرعين الي الغرفة

التي كانت بها سلمي، يفتح ادهم الباب، ليقفوا يشاهدون أثار دماء موجودة في كل مكان، وكأنها سحابه مرت أمطرت في هذه الغرفة دمً.

ورقم مكتوب ثلاث مرات علي الحائط هو رقم (خمس) وايضاً مكتوب علي المرآة بوضوح اكثر ( ثلاث خمسات) واذا " بخنجر اسود يملئه الصدأ ملقاه علي الأرض، مقبضهُ به فص لؤلؤ ناصع

البياض" سار أدهم بخطوات بطيئة نحو السرير، لانه شاهد عليه جسم مغطي بقطعة من القماش الأبيض غارقه بالدماء، يكاد يسمع خفقات قلبه التي بدات تؤلمه في صدره، من تصاعد ضرباتها،

خوفاً ان يشاهد مالم يستطيع ان يتحمله، أزاح الغطاء من عليها، هنا تنفس الصعداء اول ما شاهد ما تحت الغطاء، ليقترب عليه جاسر متسائلاً.

:ما هذه؟!
-لا ادري؟
ينظرون الي عتمان الذي يشاهد ماتحت الغطاء، قائلا.

:انها هرة، كانت تقوم برعايتها الانسة أمل، لكن من فعل هذا بها؟

فهي مذبوحة، بطريقة مخيفة فارغة العينين، تدخل عليهم ام رشا وأول ما تشاهدها، أصدرت صيحة غريبة صمّت أذنيهم، وغادرت المكان وهي تركض الي الخارج، يقاطع صمتهم عّم عتمان.
بإن يعرض عليهم للمرة الثالثة، الذهاب الي الشيخ زرقا، يوافق أدهم هذه المرة، ويأخذه ويغادرون ومعهم جاسر.
****
تستيقظ سحر من نومها تبحث عن امل التي تدخل عليها الغرفة ومعها الإفطار، وجهها مبتسم سعيد، دخلت في نفس اللحظه اخت سحر، تدعي (سها) شابة في منتصف الثلاثينات قصيرة القامة ممتلئة الجسم متوسطه الجمال لديها ندبه كبيرة في وجهها من اثر جرح، واحد أصابعها مبتور، ترمُقها سها بنظرة حادة، فهي فتاة حادة الطباع، قائلة.
:من هذه السيدة؟

ترد عليها سحر، قبل ان تنفث سمومها في وجهها.
-امل صديقتي، ابتعدي عنها، فهي ليست كباقي الفتايات التي تعملين معهم.
حدجتها بنظرة حادة، وزمجرت غضباً في وجهها.

:لن ابتعد عنها، وهي يجب ان تغادر البيت الان، مظهرها يوحي بانها سارقة، هاربه من جريمة، هيا، هيا، دعيها ترحل من هنا، لانريد مزيد من المشاكل، كفانا ما حدث مع اختك سمر، بسبب طيبة قلبها الزائدة.

تحملق سحر في وجهها بسحنة متوعدة.
:سها، أحذرك ان تقتربي منها، فهي ستساعدني في عملي، وتعيش معنا هنا.
تضحك ويعلو صوت ضحكاتها، وهي ترمُقها من الاعلي الي الأسفل، بسخرية، قائله.


:إذاً، انا اضمن لكٍ العيش معها في زنزانه واحده، يا جميلة الجميلات.

يدخل الشيخ زرقا والدهم وهو يسيرعلي قدميه، وهم لأول مرة يشاهده يسير علي عكاز خشبي، ينظرون الي بعضهم البعض في دهشه، تقترب منه سها وهي تتفحصه، بينما رمقته أمل بمكر، وهي تشاهده يسير ويدخل الغرفة، تقترب والدتهما تحمل خبز الإفطار، اول تشاهد زوجها يسقط الخبز منها علي الأرض، تركض عليه، تسأله.

:كيف حدث هذا ومتي؟!. انت تسير علي قدميك، هل حدثت هذه المعجزة وانت نائم؟
يجلس وهو يتكلم بكل ثقه وغرور.
-انه أمر علي هين وبسيط، فأنا من اصنع المعجزات، انا الشيخ زرقا.

يكاد الفضول يقتل سحر وسها وهم يَرَوْن والدهم الذي عاش خمس سنين علي كرسي متحرك بسبب حادث ولم يجدوا له علاج، تقف امامه سحر، قائله.

:أبي نحن بناتك نعرفك جيداً، ولا نصدق ما تقول فقد انتهي زمن المعجزات ومضي.
زمجر وغضب وادار راْسه في اتجاه اخر لايريد ان يرد علي أسئلتهم، بينما سها لاتهتم وتتحدث مع سحر.

:مبارك يا ابي، سحر اتركيه الان وانصتي لي جيداً، أريدك معي اليوم في إنجاز مهمه كُنت أخطط لها منذُ فترة، والربح مناصفةٌ بيننا.

تفكر وهي تنظر الي امل التي تجاوبها، وتهز راسها بالإيجاب، لترد عليها سحر.
-أوافق، لكن امل ستكون معنا.

:نعم، انا أريدها أيضاً لان العمل اليوم مختلف وجديد، ومعنا فتايات اخري، استعدي وغيري ثيابك وساشرح لك طبيعه العمل ونحن في طريقنا، فإن ما سوف نفعله اليوم سيدرس.

تخرج سحر مع أمل من الغرفة لكي يغيروا ثيابهم، وتقف سها امام المرآة تتزين وتضع مساحيق كثيرة لكي تخفي الندبه التي في وجهها، لان من غير تلك المساحيق يظهر الخيط الموجود أسفل عينها بوضوح، تختلس أمل النظر اليها، لكن تلاحظها سها، بعد ان تتزين سها وتضع عدسات

ملونه تتغير ملامحها بعض الشئ لتصبح جميلة، لكن يظل وجهها يظهر عليه ملامح الغضب والكره تتحول فجأة، اول ما شاهدت سحر، التي ظهر جمالها الملائكي من دون تضع مساحيق وتتزين، تحمل سها حقيبة علي ظهرها ويغادرون البيت.
***
مع سماع اذان الظهر، تقف سيارة ادهم امام بيت الشيخ زرقا، هبط منها جاسر وعم عتمان، يشعر جاسر بانه يريد ان يتراجع، يلتف حوله وينظر الي المقابر الموجوده في كل مكان متوتر، ويحدث عتمان، وهو لا ينظر اليه.

:ادخل انت يا عتمان في الاول وسننتظرك هنا، وأخبره بأننا نريد ان نقابله.
يقاطعه أدهم وهو يمسك يده.
-لا، ماذا تقول، سندخل معه، هيا بِنا.

يستوقفه جاسر، يحدثه وهو يلتفت حوله بصوت متهدج.
:اتنظر، لا يصح ان ندخل علي رجل دون استئذان، احتمال ان يكون في اجتماع مع احداً من اتباعه الذين يسكنون المكان، "بِسْم الله الرحمن الرحيم".

-اتباعه!، لا تخاف فأنا معك.
:انني لا أخشي شيئاً وانت تعلم هذا جيداً، ادخل انت معه وانا سأنتظركم هنا.

يتراجع جاسر عدة خطوات الي الوراء ليدفعه ادهم بقوة الي الامام، يقابلون زوجته في مدخل البيت، ترحب بهم وتستئذن زوجها، يدخلون غرفته، جاسر يتلفت حوله وهو يقرا المعوذتين

وجميع الآيات التي يتذكرها، يخشي ان يصيبه مكروه، يجلس ادهم امامه اول ما ينظر اليه الشيخ زرقا، يتذكره ادهم.

:انا اعرفك، انت شوقي انا أتذكرك جيداً.
ينتفض جاسر وهو يتجول بنظره في الغرفه يبحث عن شوقي، مستنكراً كلام ادهم.
-شوقي، اين؟!

:انني اقصد الشيخ زرقا، قد قابلته منذُ خمس سنوات، عرفني بان اسمه شوقي الزرقاني.

يطبق جاسر فمه، ويجلس يراقبهم وهم يتحدثون مع بعضهم البعض، ليقاطعه عّم عتمان.
؛أستاذ أدهم، احتمال اختلط عليك الامر، فهو الشيخ زرقا، انا اعرفه جيداً، منذُ خمس سنوات فهو من شفا ابن اخي.

حدجه بنظرة كهل لئيم لايريد ان يريحهُ ويخبره من هو، لكن أدهم يصر علي انه شوقي الزرقاني وكان يعمل وسيط مع احد الشركات العقارية، وهو من قام بمساعدته عندما كان يبحث عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، عن مكان مساحته كبيره يكون مناسب يعيش فيه مع شقيقته وزوجته

قبل ان ينفصل عنها، تواصل معه شوقي الزرقاني وعرض عليه القصر وساعده في شراءه، فهو يتذكره جيداً.

:انت من قام بعرض القصر الذي اسكن فيه حالياً، انا أتذكرك جيداً مع انني كنت أقابلك ليلاً بسبب ظروف عملك التي أخبرتني بها، فأنا أتذكر ملامحك، هناك تغير بسيط لحيتك أصبحت اكثر كثافه من قبل.

لم ينبس ببنت شفة ويمسك حقيبة بجانبه يضعه يده بها ويأخذ من داخلها بعض من البخور، ويضعها في الطبق البيضاوي الذي امامه علي المنضدة، وشُكلت هاله من الدخان الخفيف حولهم، فأصابة جسد جاسر قشعريرة يريد ان ينهض من مكانه ويغادر لكن يشعر بانه لايستطيع الوقوف، يحملق الشيخ زرقا في عين ادهم قائلا.

:انت تتحدث عن شوقي اخي ليس انا، انت جاءت هنا لانك تبحث عن شقيقتك التي اختفت.

فزع جاسر ونهض من مكانه مرة واحده، يلوح له الشيخ زرقا بالجلوس، فيجلس جاسر دون ان ينطق، بينما ادهم يتابع كلامه باهتمام، ويتحمس عّم عتمان، قائلا.

:لا أشك في قدرتك يا شيخنا، فالعلم لديك.

يكمل حديثه وهو يرمق ادهم، قائلا.
:اذهب الي البيت وهي ستعود غداً، لكن بشرط ان تحضر لي ما تملكه ووجدته وخبئته، وإلا لن تراها ثانية.

لا يفهم مقصده، بينما جاسر يسأله قائلا.
:يتحدث عن أي شيء، ماذا وجدت ومخبئه.

-لااعلم، بماذا تقصد؟!، وضح لي ماذا تريد، اتريد نقود.
يضحك الشيخ زرقا، ينهض من مكانه يتحرك علي عكازه ببطء، الي ركن في اخر الغرفة به صندوق كبير خشبي قديم، له قفل نحاسي كبير، يخرج منه شمعدان فضي، اول ما شاهده ادهم فزع وأخذه من يده بعنف، والغضب يملء عينه، يصيح به.

:انت لص، هذا الشمعدان سرق مني فهو كان ملك ل جدي، أتتذكره يا جاسر.
ياخذه جاسر منه ويتفحصه، وهو محتار لايعرف، قائلا.

-حقاً يوجد تشابه كبير بينهم، لكن لا نعلم هو ام لا، أهدء واجلس، سنعرف الان.

يجلس ادهم وهو مازال يتفحص الشمعدان، ينهض من مكانه وينفعل مرة اخري وهو يضع إصبعه علي اسفل الشمعدان، هناك نقش موجود أسفله (ثلاث خمسات)، قائلا.

:انا تاكدت الان انه هو الشمعدان المسروق مني، فكان عليه هذا النقش، ثلاث خمسات.

ويشاهد جاسر النقش معه ينزعج جاسر ويتحول هدوءه الي غضب جامح لا يستطيع السيطرة عليه، ينفعل ويصيح كالبركان الثائر، علي الشيخ زرقا وعم عتمان.

: إذاً انتم عصابة لصوص، انت يا عتمان تسرق الشمعدان من القصر وتسلمه لذلك المحتال، وتقوم انت يا سيد عتمان بذبح الهرة لكي نخاف ونصدق بان الاشباح تسكن القصر، وتكتب

بدماء الهرة علي الحائط ثلاث خمسات، ذلك الرمز المنقوش اسفل الشمعدان، لكي تحضرنا الي هنا، ويتكلم ذلك الزرقا عن شيء غير معلوم لدي أدهم، نعرض عليه نقود يشتري ذلك

الشيء الخفي، يالها من خطة بارعه في النصب والاحتيال، ذلك الرجل دجال وانا سأضعك في مكانك الحقيقي السجن، وانت معه.

يخرج جاسر هاتفه النقال للاتصال بالشرطة، تهب في الغرفة ريح قوية لايعلمون اين مصدرها وبعض الاشيئاء الموجوده في المكان تتطاير وتحلق في الهواء، تلف حولهم كطواحين الهواء،

يجلس جاسر بجانب أدهم وقد أصابه القلق والتوتر، مما يحدث في المكان، يستجمع ادهم شجاعته، وينتفض من مكانه، يتوعد للشيخ زرقا، قائلا.

:انني لا أخشي ما تفعله هنا، فأنت مثلك مثل أي ساحر يقوم ببعض الألعاب السحرية التي نشاهدها في ملهي، هيا بِنا من هنا، وانا ستصرف معه فيما بعد.

لم ينبس الشيخ زرقا ببنت شفة، ممسك في يده قلادة من الخشب الزان القديمة علي شكل نجمة، ويظل يلامسها مع قطعة من الجرانيت الأحمر علي هيئة طبق مستدير، بينما أدهم يغادر هو وجاسر المكان وعم عتمان ورائهم يتوسل له بإن ينصت لحديثه فهو مظلوم، يحاول ان يشرح له انه لم يسرق الشمعدان من القصر ولم يذبح الهرة، يهرول ورائه وهو يردد انه مظلوم من هذه التهم.

-أستاذ جاسر أستاذ ادهم اقسم لك انني لم ارتكب شيئاً، صدقني.

لا يتطلع له ويغادر ادهم مع جاسر، وهم علي باب البيت قبل ان يقتربون الي السيارة، فجأة يسمعون صوت مزعج انه نعيق الغربان، التي تحلق حواليهم وإعدادهم تتزايد والنعّاب تسير وتحلق امامهم ينقرون في الأرض امام ارجلهم، ليدفعها بيده وقدميه أدهم وجاسر وكأن المكان

تحول لغابه مخيفة، تهب عليهم عاصفه قوية، ليسقط الشمعدان من أدهم يحاول ان يلتقطه لكن الشمعدان يرتفع ويحلق في الهواء، ويأخذه احد الغربان ويختفي، وسط ذهول من أدهم وجاسر الذين يستقلون سيارتهم ويغادرون مسرعين.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي