الفصل الحادى عشر، الدساسة

الفصل العاشر، الدساسة.

يهرول ادهم عندما يشاهد ان الشخص الذي صدمه هو اخته أمل، يضمها الي صدره يعانقها ويحتضنها ويقبل يدها ورأسها وملء عينه الدمع وهي غارقة في دمائها من اثر اصطدامها بالسيارة، تركض اليه نيّرة التي تقف في ذهول حزينة تضع يدها علي فمها من هول ماشاهدته، واسجمت العين الدمع، ومع ذلك تشاهد لامعة في عيناها تشعرك بانها سعيدة لما تراه حتي وهي تبكي على ما أمل.

يضع ادهم يده علي عنق اخته يتحسس نبضها، يطمنئن بانها مازالت تحيا، أكمد الهم قلبه، مسح جبينها من الدماء يحاول ان يحملها بايدي مرتعشآ، لكن لأول مرة يشعر بإنه عاجز لايقدر علي

رفعها من علي الأرض، والركض بها لإنقاذها، وذلك لانه ليس ضعيف البنيه انما خاوي القوي والأعصاب هدر الخوف قواه ونخر الحزن قلبه، يصرخ من الألم والقهر عليها، فهو يشعر بوخز ألف إبرة رشقت داخل صدره، قاوم ذلك الشعور بانه مشلول البدن،
سالت الدماء منها فتلطخت زيداه ، أغمض عينيه لعله يستيقظ من ذاك الكابوس، ليفتح عينه وينظر اليها، ليتهز المكان من صرخة ألآمه.

يحملها ويهرول بها الي السيارة ومعه نيّرة، انطلق مسرعاً يتجه الي المستشفى، وهو لا يصدق ماحدث.
*****
في منتصف النهار في في فصل الخريف نام قرص الشمس علي صدر الأفق متدثراً بزرقة السماء مازالت الغيوم عالق رائحة برودة الهواء تجعل جسدك يقشعر من لحظات البرد الخفيفة.

يسير دسوقي في وسط المدينة بين المتاجر يوزع ابتسامته بينهم، ويلقي السلام والتحيه علي التجار والبائعين فهو شخص محبوب ومعلوم لديهم، لانه قبل ان يصبح صاحب تاجره بينهم، كان في احد الايام بائع مثلهم، الي ان اصبح يوزع البضائع عليهم، دسوقي شاب مجتهد نشيط

محب للحياة يمشي في الأرض مرحً، لديه طموح وهدف يسعي اليه بكل طاقته لا يشاهد غيره، يجاهد طوال الوقت في السعي وراء هدفه بكل الوسائل والسبل، الي ان شاهد تلك الفتاة

تدعي (درة) قلبت حياته رأساً علي عقب وغيرت أهدافه، اول مرة شاهدها كانت تبحث عن عمل في وسط المدينة قام بمساعدتها في العمل بإحد المتاجر، كان كل يوم يمر من امام المتجر الذي تعمل به درة، يقف امامها يتأمل وجهها الملائكٍ البريء وابتسامتها التي كانت تنير الدنيا له

وتملئها سعادة فقد تعلق قلبه بها، وأُقدِّم علي الزواج منها، هي كانت ترفضه في بادئ الامر وترفض الحديث معه، الي انه ظل يتطاردها ويلحقها بحبه لها حتي وافقت في النهايه، استغل دسوقي حب سها له، لكي تساعده في ان يدخر اكبر قدر من المال، يتزوج بها درة التي عشقها و يحلمُ بالزواج منها، كان يريد من سها طوال الوقت العمل وإحضار له المال بكل السبل والوسائل
        *****


إسدل الليل عباءته ودثرت الغيوم السماء معلنه بسقوط امطار، تسير سها في طريق مظلم عادة الي منزلها، تسير بلا هدف وهي شاردة الذهن تفكر في تغير حياتها تسير في طريق بجانب المقابر يدعي طريق (الدساسة) معروف عنه انه طريق لا احد يسير به ليلاً بمفرده لانه غير أمان تحيطه مقابر القتله والسفاحين ومجهولين الهويه، هناك حكاية شائعة منتشرة جدا وسط الناس عن الطريق يقال ان هذا الطريق به مقبرة لعشيرة من الجن تسكن في منتصف المقابر تخرج مرة واحدة كل عام في ليلة منتصف الشهر مع اكتمال القمر لإحضار فتاة تكون صغيرة وجميلة تطعم بها صغار الجن، وغيرها من الحكايات هناك قصص كثيرة شائعة حول هذا الطريق، لكن عندما تدخل ذلك الطريق هناك إحساس يتملك تشعر بقبضة في الصدر لا تعرف سببها.

تسير سها بخطوات بطيئة وهي تتكلم في الهاتف النقال مع دسوقي، وتسلك الطريق داخل المقابر دون ان تشعر، منفعله في حديثها مع دسوقي الذي يحدثها طوال الوقت عن احتياجه الي النقود وأنها يجب ان تجتهد في العمل اكثر من ذلك ولديه فكرة جديده تجمع بها المال له، تقاطع حديثه وهي منزعجه وغاضبة منه، قائله.

:انت أصبحت انسان لا تطاق، عندما أحدثك اشكو لك بئثي وحزني أريدك ان تشاطرني أحزاني ،تهون علي ما امر به، تحدثني عن التجارة وأحتياجك للمال، شهوتك العارمة تجاه النقود، تزداد وتزدهر يوماً بعد يوماً، اريد ان اخبرك بإنني سبأبحث عن عمل جديد بعيداً عن الاحتيال لانني سئمت المغامرة، اريد ان احيا في هدوء، وأريدك ان تقف بجانبي في تلك الخطوة، او لا تتحدث معي ثانية.

تغلق الهاتف في وجه وهي تشعر بتسارع ضربات قلبها وانها لا تستطيع ان تتنفس، تضع الهاتف في حقيبتها، وتضغط بيدها علي صدرها تحاول ان تلتقط أنفاسها تنهمر دموعها كالمطر لانها بدات تشعر بإنه اصبح مثل التجار يتحدث طوال الوقت عن النقود، تفكر فيما حدث لها وتشعر ان هناك نار مشتعلة داخلها لو أخرجتها احرقت الأخضر واليابس، تجلد ذاتها بعبرات قاسية، قائله.

:لماذا ابكي واحزن؟ انا لا استحق سوي انسان مثل دسوقي يريد من تشاركه المسؤلية، بل هي من تتحمل عنه أعباء الحياة، فأنا بعد الحادثة التي أصابتني في وجهي، اصبحت قبيحة، دميمة، لا احد يقترب مني، لكن يجب ان اقدم الاعتذر الي نفسي أولاً، علي كل موقف وضعت له مبرراً وكان تفسيره واضح امامي عيني، يجب ان أغير حياتي....

فجاة يقطع حديثها، عندما تسمع صوت سيدة تستغيث بها، وتأن تهمس، قائله.
:سها، سها، سها.

سارت عدة خطوات بتؤدة الي مصدر الصوت، لتشاهد مبني قديم متهالك بابه مفتوح علي مصرعيه مصنوع من الحديد يملئه الصدأ، تفوح منه رائحه غريبة، تضع إصبعها علي أرنبة انفها، لا تستطيع ان تستنشق هذه الرائحة الغريبة، دلفت الي الداخل بخطوات بطيئة مع استمرار صوت الاستغاثة بها يقترب كلما سارت الي الداخل، فجأة يظهر في وجهها شعاع قوي يكاد يلمس البصر خارج من اسفل الارض، تضع يدها علي عينها من قوة إضاءته، بصوت متهدج، تقول.

:نعم، ماذا تريدين؟ انتي أمل؟، اين انتي؟، انتي لا اركٍ.

تشاهد باب خشبي قديم امامها تضع يدها علي الباب وهي تنادي علي من تستغيث، دلفت الي الداخل الي مصدر الصوت فجأة ظهر رجل طويل القامة يرتدي جلباب فضفاض طويل، امسك يدها يجذبها بعنف وقوة الي منتصف الغرفة وبدأ يغوص الي باطن الأرض ويجذبها معه، تألمت سها بشدة وهي تصرخ وتصيح بأعلي صوتها وتستغيث.

تسمعها والدتها التي كانت تبحث عنها وشعرت انها سلكت ذلك الطريق، تدخل ورائها الغرفة المهجورة، لترها تترنح وتصرخ وتكاد تغوص الي باطن الأرض، تجذبها والدتها بقوة وتنقذها قبل ان تسقط داخل مقبرة موجوده في باطن الارض، وتحتضنها وتركض بعيداً عن هذه المبني الملعون.
*****
يجلس ادهم في رواق المستشفى امام غرفة (الرعاية المركزة) ومعه نيّرة التي تقف تحملق علي أمل من خلال الزجاج الخارجي المطل علي الغرفة، لتشاهدها فاقدة الوعي نائمه وتحيطها الأجهزة الطبية، وأدهم يجلس علي مقعد بجانب الغرفة لايستطيع الوقوف والنظر الي اخته، تنظر اليه نيّرة تحدثه لكنه لا يسمعها شارد الذهن فاقد الزمن، فقد رأته فاغر العينين، أكمد الهم قلبه، يستمع الي حديث الطبيب عن حالة أمل، قائلا.

:ادعو لها، فهي بين يد الله، يوجد كسر ونزيف في جمجمة الرأس.

تقاطعه نيّرة وهي تبكي، بصوت ممزوج باليأس، قائله.
-هل من الممكن ان تغادر خارج البلاد، او نقوم نحن باستعداء اكبر الأطباء الي هنا، فأننا نستطيع ان نقدم يد العون و المساعدة، امل يجب ان تحيا.

تنزل هذا العبارة علي قلب ادهم كالسيف، وكانه كان نائم واستيقظ علي عبارة بإن امل يجب ان تحيا، ليحملق في وجهها، منتظر طوق النجاة، يخبره به الطبيب.

لكن الطبيب يأكد، بإنه لا يوجد طبيب اخر او دواء تحتاجه يستطيع ان يساعدها الان، فهي تحت الملاحظة الي ان تحدث معجزة لها او تستجيب للعلاج، ويتركهم ويغادر.

ينهض ادهم ويسير بخطوات بطيئة مبتعداً عن غرفة أمل، تستوقفه نيّرة متسائلا.

-ادهم، ادهم، الي اين انت ذهاب الان؟
ازدرد ريقه بصعوبه، وقد تحجرت الدموع في عيناه، بصوت يخنقه صوت البكاء، قائلا.

: سأذهب الي السند والضهر، الذي احتاج اليه بشدة الان، في هذه اللحظات احتاج ان اعانقه، وأجهش في البكاء داخله، لكي استيقظ من كابوسٍ المزعج الذي يراودني حتي في وضح النهار.

يتركها ويتجه الي غرفة جاسر الموجودة في نفس المستشفى، وأول ما يدخل يشاهد جاسر يجلس علي سريرة وقد استعاد وعيه، ركض عليه، وألقي بنفسه بين احضانه كالطفل التائه الجريح الذي كان يبحث عن الأمان، وانفجر ينشيج باكياً في حرارة، يربت جاسر علي كتفيها يحاول ان يهدئه، قائلا.

:أهدء، يا ادهم ماذا اصابك يا أخي؟ ارجوك أهدء، لا أتحمل ان اراك هكذا، اشعر بانقباض في صدري لا أتحمله، انا طوال عمري لم اراك في مثل هذه الحاله، اخبرني مابك؟ فإنا معك بجوارك لا تقلق نحن نستطيع ان نهزم عفاريت الانس والجن معاً.

يبتسم ادهم وهو يمسح وجهه، ويحتضن جاسر مرة اخري، قائلا.
-اخبرني أولاً ، كيف اصبحتُ اليوم؟
:انا بخير طلما اني اراك بخير.
-من اصابك في رأسك؟ وأين؟
يتنفس الصعداء، يحاول ان يتذكر وهو يروي له ما حدث، قائلا.

:لا أتذكر غير انني كنت اقف امام السيارة اتحدث في الهاتف وقبل ان ادخل السيارة، فجاة شعرت بإن هناك شيء يسقط علي رأسي بقوة، ولا أتذكر بعدها ماذا حدث؟!

:انا وجدتك في رواق القصر فاقد الوعي، غارق في دمائك احضرتك الي هنا، وأبلغت الشرطة ولكن لم يجدوا دليل علي اقتحام احداً القصر.
يمسك يده وهو يطمئنه، قائلا.
:انا بخير الان، انت ماذا أصابك؟
يتنهد وكأن هناك جبل يحمله علي كتفيه وبدا يقص ويروي له ما حدث الليلة الماضية.
*****
تدخل والدة سحر الي الشيخ زرقا زوجها تخبره بما حدث ل سها، وأنها احضرتها من مقابر الدساسة يفزع الشيخ علي ابنته ويهرول للاطمئنان عليها وهي مستلقيا علي سريرها تحملق في سقف الغرفة، يقترب منها والدها، قائلا.

:سها، هل رايتٍ الدساسة؟
وقفت زوجته امامه عندما سمعت سؤاله هذا، ف تيبست كالصنم، وهو يردد السؤال علي ابنته يريد ان يعرف هل شاهدتها بالفعل، وهي لا تنطق ببنت شفة تحملق في السقف، وتأن، ولا تشعر بوجودهم وكأنها في عالم اخر، يتركها والدها ويغادر، دلفت سحر الي الغرفة شاهدت اختها وهي في هذه الحالة، اقتربت سحر من والدتها، قائله.

-أمي ما الذي أصاب سها؟
تخبرها بصوت متهدج، قائله.
:لقد دخلت مقابر الدساسة ليلاً.
تفزع وتضع يدها علي راس سها، تُمسح شعرها بعطف وحب وهي حزينه عليها.

-امي، سها ستموت حرقاً!، يجب علي أبي ان يفعل شيئاً، ارجوكي، وهي كيف تسير الي هناك بمفردها ليلاً، نحن نعلم مدي خطورة هذا الطريق بالنسبة للفتيات.

تتساقط دموع الام حزناً علي ابنتها.
:اكيد والدك سيوقف هذا.
تقترب منها وتحدثها بخفوت، قائله.

لكن ما اخشاه ان تكون الدساسة تريد ان تنتقم من والدك في بناته، مثلما فعل من قبل مع بناتها.

تفزع سحر و تهرول خارج الغرفة، دلفت الي والدها الذي يعكف علي قراءة كتاب، تدفع الباب بقوة وهي ترتعش، بصوت متهدج، قائله.

-ابي هل ما أخبرتني به امي صحيح؟!، الدساسة، ستنتقم منك وتحرقنا انا وسها؟!
وماذا فعلت مع بناتها؟

يحدجها بنظرة ثاقبة، قائلا.
-لا تخافي يا ابنتي، ولا تقلقي علي سها، لم تعرفين الي الان من انا؟.
انا الشيخ زرقا أستطيع ان احرق الف من الدساسة، وقد قمت بذلك من قبل، فهي التي تخشني الان.

يهتز المكان عندما ذكر انه احرقها من قبل، وكأن هناك زلزال، ينقلب الوعاء الذي امامه، تركض سحر وهي تصيح خائفه، لكن يبتسم الشيخ زرقا بثقة، ويكمل القراءة في الكتاب الذي في يده ولا يهتم بما يحدث في الغرفة.

تهرول سحر الي غرفتها وتحضر حقيبة كبيرة من فوق الخزانة، وتملئها ب ثيابها تريد ان تترك البيت خائفة علي عمرها من الدساسة، لكن والدتها تمنعها وتحاول ان تطمئنها.

-لا تخافي والدك سيتصرف، ضع ثيابك في الخزانة مرة اخري، وانتٍ معنا نستطيع ان نقوم بحمايتك من شرها، انما لو ذهبتٍ من هنا من سيحميكٍ منها اذا أحدثت بكٍ مكروه.
تنفعل سحر وهي تحدثها، قائله.

:أبي، الغرور يتملكه ولا يقبل ان يعترف بإن هناك من يستطيع ان يتغلب عليه او يهزمه، انتي تعلمين جيداً انها الان تراقبنا اقسم لك انني اشعر بها الان، عيونها ترقبنا الي ان تنال منا، انني أتذكر عندما كنّا صغار وكانت جدتي تقص علينا كيف كانت تقوم باصتياد الفتيات الجميلات،

وأتذكر جيداً عندما سألتها سمر لماذا سمُيت بهذا ألأسم (الدساسة) وأجابتها جدتي، قائله، لانها كالحية الصماء تندس تحت التراب، تعيش وتتكاثر وعندما تريد ان تطعم أبنائها تأتي اليهم بفتاة عذراء شرطاً ان تكون النار أذابة جلدها، كنّا نخشي ان نسلك ذلك الطريق، لكن سها، اين ذهب عقلها، لماذا سارت في ذلك الطريق؟

ترتجف سحر وهي تشاهد سها التي مازالت تحملق في السقف ولا تنطق ولا تتحرك تسمع صوت انين فقط صادر منها، قائله.

:لا اريد ان انتظر مصيري، سأغادر البيت واعود عندما يجد الشيخ زرقا، حل لهذا الموضوع فأنا أخاف ان احرق يا امي، دعيني، اهرب.

تحتضنها والدتها وتربت علي كتفيها تهدئها، تشاهدهم سها تنتفض من مكانها وتنهض مرة واحدة تنظر الي سحر بمكر وتبتسم لها ابتسامه صفراء دون ان تحدثها، تقترب منها والدتها، قائله.

-سها انتي بخير يا حبيبتي، بماذا تشعرين الان؟
تحني راسها بالإيجاب وتتركهم وتخرج من الغرفة، تراقبها سحر تشاهدها وهي تذهب الي دورة

المياة، ترتعش سحر وتتكلم بصوت متهدج، قائله.
:أمي، سها ليست بخير، اخبري السيد زرقا لكي يتصرف.
ووثبت خارج البيت كله.
*****
يقف جاسر مع ادهم امام الزجاج المطل علي غرفة الرعاية المركزة التي بها أمل، يربت جاسر علي كتف ادهم يطمئنه، قائلا.
-ادهم لا تقلق انها ستتعافي باْذن الله، لكن يجب ان نذهب الي الشيخ زرقا فهو اكيد السبب في حادثة امل، أتتذكر عندما قال لك اذهب الي البيت وستجدها شرطاً ان تحضر ما وجدته وخبئته.

ينصت اليه ادهم باهتمام، قائلا.
:لكنني لم اجد شيء، ولم اعود اليه، والشمعدان اعتقد عتمان هو من قام بإرجاعه مرة اخري خوفاً من اتهامنا له بسرقته انا شاهدته علي الطريق قبل ان أصدم أمل.

يشعر جاسر بالتعب ويجلس علي مقعد في رواق المستشفى وأدهم يجلس بجانبه، قائلا.

-ادهم، لو كان هو فعلا الذي شاهدته علي الطريق، إذاً فكر معي يجب ان نربط الأحداث مع بعضها البعض لكي نصل الي الحقيقة يا اخي، هذا الرجل ورائه سر لا نعلمه، لكن

لو فكرت قليلاً ستجد، أولاً، اننا قمنا بالبحث في مخزن والداك الذي لا يعلم احداً مكانه غيرك لانه داخل الغرفة السرية حتي أمل انت لم تخبرها به، عندما فتحنا ذلك المخزن امل ظهرت مرة

اخري، بطريقة غريبة، تشاهده علي الطريق يمسك ذلك الشمعدان الملعون تشرد بنظرك تجاة تصدم امل، انا الان اجزم بانها كانت معه وهو من دفعها علي السيارة لكي تصدمها لانها تعرف شيء لا يريدها ان تخبرنا به.

يقاطعه ادهم، قائلا.
:اذا كان يريد ان يتخلص من امل لماذا يحضرها بنفسه؟ لو كان تركها ما عادت إلينا انت تعلم حالتها العصبية جيداً.
يقاطعه جاسر، قائلا.

-اظنُ انه هو السبب في حالتها، اشعر بانه قام بعمل سحر عليها بمساعدة السيد عتمان طبعا، أتتذكر تلك النعّاب والغربان التي كانت تطردنا ونحن نغادر ذلك البيت الخبيث، وأخذت منا الشمعدان، والآن ظهر ثانيا في القصر ذلك الشمعدان الملعون.

يفكر ادهم معه، قائلا.

:وكيف علم بأنني سوف أسير بالسيارة في ذلك الوقت بالتحديد؟ انا رجعت الي القصر فجاة اتفحصه بعد ان قمت بربط الأحداث مع بعضها البعض، وأيقنت، ان هناك من قام بضربك لكي يقوم بسرقة القصر وانا خارجه، ركضت الي هناك، فهو لايستطيع ان يدخل الي راسي ويعرف بما أفكر، لا، لا، استبعد تلك الفكرة، لكن يحب ان ابحث مرة ثانيه في المخزن والصندوق الذي وجدناه يجب ان نعرف ما بداخله، اشعر بإن داخله حل هذا اللغز.

يقف جاسر يتطلع الي أمل من خلال الزجاج غرفة الرعاية، قائلا.
-لما ذهبت نيٌرة قبل ان أراها كم اشتقت اليها تلك الفتاة، واحمد الله انها عادت مرة اخري.
بأنفاس متقاطعه وازدرد ريقه بصعوبه، يتذكر ادهم ما حدث، قائلا.

:لقد تركتها وذهبت إليك، واعتقد أنها لم تريد ان تراني وانا في حالة ضعف، لقد كنت اشعر بأنني أرتدي ثياب الحداد، وانحدر واسقط داخل مستنقع من اليأس والحزن، ابحث عن طوَّق نجاة، ملجأ أمين أحتمي بداخله من انياب ضعفي التي تنهش جسدي في ذلك الوقت.

يبتسم في وجه ويهون عليه، قائلا.

-ما اصابك يا رجل؟ نحن من نصنع أرادتنا القوية لكي نتخطي مصاعب الدنيا، والقوي قوي بذاته، فما بالك انني معك فالقوة اضعاف واكبر، لاتقلق معاً سنهزم ونسحق خفافيش الظلام.

يشعر ادهم بالاطمئنان ويستعيد مرة ثانية ثقته في نفسه.
*****
دلفت سها الي غرفة ابيها وهو كان مازال يعكف علي قراءة كتاب امامه، وكان الصندوق النحاسي الذي وجده ادهم مع جاسر وعثر عليه داخل المخزن، امامه علي المنضدة، يقراء الشيخ زرقا في الكتاب وينظر الي الصندوق يحاول ان يحل الطلاسم الموجودة علي الصندوق من

خلال الكتاب الذي امامه، وهو منهمك لايشعر بدخول سها اليه، تقترب من الوعاء البيضاوي الذي يوجد امامه وتشعل النار داخله، وتلتقط من علي المنضدة سيخ حديد طويلة مدبب مسنون

تضع طرفه في النار المشتعلة وتتركها لكي تتوهج، وتتجه الي اخر الغرفة، وتقترب من وعاء كبير عميق موجود في ركنها بها (قراميط) تسبح داخله، تمد يدها لتمسك بأحدهما ويحاول ان

يهرب من بين يدها ولكنها تمسكه بعنف واحكام من رقبته، تقترب من والدها الذي يندهش من تصرفها، وقد اطبق علي فمه وأخذ يراقبها، ران صمت رهيب داخل الغرفة، لتمسك السيخ التي

توهج وتضعه في راس القراميط، تصدر صوت صرخه غريبة قوية تصُم الاذان، الدم ينهمر منها كالمطر تضعه علي الصندوق النحاسي، تتحرك النقوش المرسومة علي الصندوق وكانها تتراقص علي أنغام الموسيقي فرحا، وتختلف شكل النقوش لتشكل اسم يظهر بوضوح علي ذلك الصندوق، تكتب النقوش اسم (الكاهن الأعظم ).
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي