الفصل الثاني ٢

تشعر بِ نسيمٍ بارد يلسع وجنتيها، يتنافس
مع حرارة جسدها على من سيفوز بها.

استيقظـت بنوع من المشاعر المزعجة،
كالغثيان و الدوار، هذه ليست غرفتها، أين
هي ؟ هي في بيت جدها، توجهت نحو
المطبخ تبحث عن شيء ما يَصلحُ للأكل،
و ايضاً بعض المياة المعدنية الباردة.

كان المنزل هادئا ک عادته، لكن ما لم يكن
عاديا، ذلك الرجل الذي يقف أمام الثلاجة،
و ايضاً عيناه الفارغتان، بل سوداويتان، لا
بياض، جعلها تنظر إليه بحدة و كأنها تتأكد
من وجوده، يبدو حقيقيا، ثم لتصرخ بأعلى ما
لديها، مرة و اثنان و ثلاثة و طول الطريق إلى غرفة جدها، تبحث عن شيء ما لتدافع به
عنهما، هي و جدها، لكنه ليس موجودا في
غرفته، تبحث عنه في الشرفة لكن ما من أحد، عادت مرة أخرى لوسط الغرفة، لتجد ذو
العينين القاتمتين يقف أمامها مباشرة،
يتفحصها بأعينه، رفعت كرسيا في وجهه،
تصرخ طلبا للنجدة، فظهر على ملامحه بعض الانزعاج، مما جعله بأحد أصابعه، يغلق باب
الشرفة كما فعل مع شفتيها، لكن لم يسلم من رميها للأشياء عليه، فتحرك نحوها
بخطوات سريعة مما جعلها تجلس أرضا،
مُغمضة العينين، تضع يديها فوق أذنيها، مع جسد يرتجف خوفاً، اقترب منها ببطئ ثم
انحنى لمستواها، أمسك برأسها و أماله قليلاً يتفحص الوشم الذي كان يُمثل سيربيروس،
موشوم بشكل دقيق، و تحته ثلاثة أحرف،
منقوشة برقة.

ابتعد عنها و هو ينقر باصبعه على رأسها،
لِـيطوف بعد ذلك جسدها في الغرفة و
صاحبته مُخدرة لا تشعر بما يدور حولها، ثم
خرج يبحث عن جدها في الأركان البيت، لكن
بدون جدوى.

لفت انتباهه ختمٌ، كان فوق أحد طاولات
المنزل، و بجانبه ورقة، لم يكن مهتما بِقراءة محتواها لأنه يعلم مسبقا ما فيها، فَ لقد
كان بينه و بين جَدَيّ راميل اتفاق، مفاده بأن سيلاس سيُخلى سبيله بعد موت والديه،
سيكون هو حرا في مملكة الأموات، بينما
سيُسجن ماثيو و شارلوت في بئر برهوت، لكن مع وفاة الجدة، فُتحت فجوة بين العالمين
استطاع من خلالها سيلاس الفرار، هذا ما
سيسمح له بالعودة إلى عالم الأحياء، و
يُمَكِنه أيضاً من اختيار الجسد الذي يريده هو، و العيش فيه.

عاد للغرفة حيث كان جسد راميل يطفو و
يصطدم مع الحائط، سحبها من أحد خصلات شعرها الطويلة و أخدها يتجول بها في شوارع شايناج الفارغة، هو لا يستطيع رؤية الأحياء، يوم وُلد، وُلد لمصير محتوم، حارس مملكة
الأموات، لذلك هو يرى الأموات فقط، أما
راميل فقد كانت استثناء، لأنها بذلك الوشم
الذي على رقبتها أصبحت مرئية له و ينطبق عليها الأمر أيضاً، فهي تستطيع رؤية الأحياء فقط.

بعد أن نَعِمَ بقسط من الهدوء و السكينة و
التي افتقدها كثيرا، عاد بِ راميل إلى منزلها و أجلسها فوق أحد الكراسي ثم فك تأثيره
عنها.

راميل - وقفت مفزوعة و بيدها الكرسي
تحاول حماية نفسها [ من أنت ؟ و أين جدي ؟]

سيربيوس - سحب المِرآة من على الحائط نحوها هي التي تشبتت بالجدار خلفها [أ ترين
ذلك الوشم، في عنقك ؟]

راميل - تفحصت مكان الوشم، فانتعشت
ذاكرتها، تسترجع آخر دقائقها مع جدها،
رفعت نظرها نحو سيربيروس ثم أعادته نحو
المرآة تتفحص الوشم و خاصة تلك الحروف
الثلاثة، هي تعرف ما تعنيه جيدا، فحركت
رأسها يمينا و يسارا غير مصدقة [ لا يمكن، لا
يمكن لجدي أن يفعل بي هذا دون سبب]
تجاوزت المرآة، و استقرت بخطواتها أمام سيربيروس [ من أنت ! ولماذا هذا الوشم على
عنقي ؟ هل جدي حقا كانت له علاقة ب
سيربيروس!!]

سيربيوس - لا رد !

راميل - [لماذا أصبحت مرتبطة به ؟ هل هو
حقيقي ؟]

سيربيروس - عَلِمَ بأنها الآن موضوعة أمام
الأمر الواقع، و يبدو أنه لا يناسبها، لذلك و
بفرقعة أصابعه، أجلسها على كرسيها مجددا و أغلق فمها [ أظنك لا تحتاجين لشرح كثير،
لذلك سأخبرك بالمطلوب، أنا و ماثيو و
شارلوت، أبرمنا اتفاقا بأنه بعد وفاتهما
سيُطلق سراح سيلاس، و سيُسجنان هما
عوضا عنه في بئر بَرهوت، لكن مع وفاة جدتك و بقاء جدك حيا، فُتحت فجوة في مملكة
الأموات مما سمح لعمك بالهروب، و هو الآن حي يُرزق في جسد أحدهم، مهمتي أن أقبض عليه و أعيده لمملكة الأموات و مهمتك أن
تجديه لي.]

راميل - [ عذرا ! ما الذي تقصده بأنا و أنت ؟
من أنت ؟]

سيربيروس - [ أنا سيربيروس، جدك طلب من
آل هولدز، مخلوقات مكلفة بنقل التعويذات
بشكل مؤقت من شخص لآخر، بأن ينقلوا لك
القدرة على أن نرى بعضنا البعض بالرغم من
أنك حية ! و أتمنى أن تعتني بنفسك، لأنه
ليس عليك الموت قبل أن نقبض على عمك !]

راميل - [و ماذا سيحدث إن لم أفعل ذلك !]

سيربيروس - [ لا أظنك سترغبين بمعرفة ما
سيحدث الآن، لكن يُمكنني إخبارك حينما
تعتادين !]

عاد الصمت مرة أخرى للغرفة، أغمضت راميل عينيها و ضغطت على رأسها بكلتا يديها،
تحاول الخروج باستنتاج.

بالرغم من أن كل هذا ليس من السهل
تصديقه، لكن، لقد علمت الآن فقط لماذا
جعلوها تقرأ كل هاته الكتب التي تتحدث عن الأساطير و خاصة تلك التي تتحدث عن
الأموات، فتحت عينيها مجدداً لتجد نفسها وحيدة في الغرفة، تفحصت بعد ذلك المنزل
كله، غادر.

هي الأخرى لم تمكث في المنزل كثيراً، أعادت كل شيء لمكانه و غادرت المنزل، استقرت بسيارتها و ظلت تُحدق بالطريق، فهي لم
تصدق بعد ما حدث، لكن أخرجها من حبل
تفكيرها صوت خشن غير صوت سيربيروس
قال لها [ما الذي تفكرين فيه ؟].
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي