الفصل الثالث ٣

[ما الذي تفكرين به ؟]

جعلتها هذه الجملة تنظر بالعرض البطيئ إلى يمينها لتلتقي بتلك العيون الصفراء کَ مزيج بين عيون القط و الأفعى، و ليرتجف جسدها و كأن روحها انفصلت عن جسدها لثوان، مما جعلها تصطدم بشكل عنيف مع نافذة سيارتها الزجاجية و هي في طريقها للهرب، متسببة في ألم فضيع لمختلف أجزاء وجهها.

[لا تخافي، إنه أنا، راتاتوسكر.]

راميل - لا رد، فقط تتحسس مكان الضربة، اسمه مألوف لها، لقد أصبح كل شيء مألوفا لها هذه الليلة [راتاتوسكر؟].

راتاتوسكر - أظهر جسده بالكامل، سنجاب بجناحين، مع لحية بيضاء.

راميل - بابتسامة ساذجة، بين الفرحة و الخوف، و مشاعر أخرى جعلتها تشعر و كأن كتلة ما تضغط على صدرها و تُرغمها على البكاء، كان حجمه بحجم كفي يديها، لقد كان دمية طفولتها [ هل ستُخبرني أنك أيضاً لم تكن دمية و بأنه يتوجب عليّ إيجاد عمي بين الملايير من البشر ؟].

راتاتوسكر - [الجزء الأول من كلامك بخصوص أني لم أكن دمية، كله صحيح، لكن الجزء الثاني لا ] رفع يده للأعلى و كأنها قبضة الانتصار [لأني أعرف مكانه.]

راميل - سرح بالها في شيء بعيد، جعلها تشعر باختلال توازنها.

راتاتوسكر - أخرج من العدم قطعة ممزقة من أحد المجلات [ هذا عمك ]

راميل - أمسكت الورقة بين يديها، تتفحص الورقة التي كانت مشوهة، و فيها نصف وجه رجل [ أين بقية هذه الصورة ؟]

راتاتوسكر - [بقية ماذا ؟]

راميل - تدقق النظر، لعلها تلتقط شيئا مميزا يعرفها عليه [هل تفهم حديث البشر ؟]

راتاتوسكر - [نعم، الصورة تقصدين تلك !]

راميل - استدارت نحو المكان الذي أشار له لتجده عمود الكهرباء، ترغب حقاً في البكاء، ناظرته بتعابير غير واضحة [ حسنا، حسنا، حسنا !] قالت جملتها الآخيرة بنبرة محقونة [ هل أراك أنا وحدي ! أم يستطيع الآخرون رؤيتك أيضاً ؟]

راتاتوسكر - [يمكنك رؤيتي أنت و الجميع !]

راميل - هل تعرف مكان ماثيو ؟

راتاتوسكر - و كأنه يفكر [لا يا عزيزتي!]

بنفاد صبر، شغلت سيارتها و تحركت مبتعدة عن منزل جدها، مبتعدة عن شايناج بأكملها، تشعر بأن حلقات عديدة مفقودة من القصة و يتوجب عليها إيجاد الإجابة بنفسها.

لقد أصبحت كالذي يقف على قارب مليئ بالثقوب، يشعر أن الأرض أسفله غير ثابثة، و يتوجب عليها الآن ترميم ذلك القارب قبل أن يهوي بها في أعماق الجنون.

-------- على بوابات مدينتها الأم، مسقط رأسها، مدينة جيناشي، مدينتها الهادئة، التي كان ثلثها بحر و ثلثها الثاني غابة و الآخير مُعمر بالبشر.

توقفت أمام شجرة الصفصاف الكبيرة، شجرة خضراء ذات شكل رمحي، أوراقها مزهرة، عادة ما تكون الأوراق ممدودة، ولكن الخاصة بهذه مستديرة إلى بيضاوية ، مع حواف مسننة حادة، أخرجت من سيارتها لباسا مطاطيا، ارتدته و أمرت راتاتوسكر الثرثار أن يدخل إلى حقيبتها و يصمت، ثم تسلقت الشجرة بحذر، لأنه من الممكن أن تُخدش بسبب الأشواك التي غرزوها هي صديقاتها في شجرة لكي لا يسمحوا لأي أحد بالتسلق، بعد أن وصلت لمنتصف الشجرة،  رأت أن أحدهم نائم في مكانها الخاص و لدرجة أن قوائمه الطويلة مرمية من جانبي مناشف البحر المتتبثة جيداً مع اغصان الشجرة، تسللت بهدوء مستمرة في صعودها، تنوي الكشف عن وجه هذا المجهول الغير مرحب به، كيف استطاع الوصول إلى هنا، ألم يُجرح أو يُخدش بسبب الأشواك ؟

واصلت صعودها، حتى تقابل وجهها مع وجهه في شكل متوازي، لتندهش من أنه سيربيروس، هذا الآخير فتح عيناه مُعتمتان، ليظهر لها و كأنه جسد بدون مقلتين، ينظر لها مباشرة، هي التي نَسِيت أمر راتاتوسكر الذي خرج غاضبا من حقيبتها يصرخ، مما أفزعها و جعلها تسقط في عرض بطيء نحو سيربيروس، و هذا ليس ما أخافها بل تلك المنشفة التي لن تتحمل وزنيهما معا، و فعلاً ذلك ما حدث، ما إن ارتطم رأسها برأس سيربيروس، حتى هوت بِهما، جاعلة منها تتمسك به جيدا و كأنه حبل نجاة، و هو الآخر لم يخن ثقتها فيه بل احتظنها بين يديه، مانعا إياها من أن تتأذى أو أن يخدش جزء منها، حط جسدهما بسلام فوق سطح الأرض هي التي تضع يديها فوق وجهها ترتجف.

راميل - لا تعلم هل حدث معها خطب ما ؟ هل عليها أن تشعر بشيء ما ؟ لا ألم و لا ارتطام ! فتحت مقلتيها تتفحص أين هي ؟ هي بين أحضانه، قدماها لا تكاد تلامس الأرض، رفعت عينيها إليه، تنظر مباشرة في مُقلتيه، ف بالرغم من سوادهما لكن إن دققت النظر، ستجد أن بؤبؤه الذي بلون القهوة، ينافس سواد عينيه.

راتاتوسكر - [بالرغم من أني لا أريد أو أنه من المؤسف أن أقاطع خيط نظراتكما الجميل، لكن لدينا روح هاربة يجب علينا أن نجدها].

راميل - ابتسمت ل سيربيروس، تُربت على ذراعيه و بحركة مفاجئة انقضت على راتاتوسكر [أنت السبب في كل هذا !]

راتاتوسكر - [ماذا فعلت أنا ؟ قلت لك مسبقا، يا آنسة ايفيرسون لا تضعيني داخل حقيبتك الكريهة !]

راميل - غير مصدقة [ ه هه، كريهة، لم تكن كذلك إلا بعد دخولك لها !]

راتاتوسكر - [ اتقولين الآن، أني ... ]

سيربيروس - أبعدهما عن بعضهما البعض، و أغلق فم كلاهما [مرحباً يا سنجاب.]

راتاتوسكر - ظهر الغضب على محياه، بالرغم من أن جسده مثبت في الهواء و فمه مغلق، إلا أنهم استنتجوا أنه يشتم.

سيربيروس - ألقى بنظرات مخيفة، جعل من راتاتوسكر يعيد التفكير في ماضيه [ إنه هو من ساعد عمك على الهروب].

لم يكن لا الوقت و لا المكان مناسبان، لكن كان المشهد مضحكا بينهما، كانا ك ممثلين صامتين، يستعملان الإشارة و النظرات للتكلم، و سيربيروس لم يمتنع عن مشاهدة مسرحيتهما البرجوازية، و بعد أن استدار كل منهما إلى جهة الأخرى، علم أن نهاية نقاشهم قد حلت.

سيربيروس - أبطل ثأثيره فيهما [لا تُلقي عليه اللوم، فهو خادم عائلتك السحري، ...]

قبل أن يتكلم أي أحد فيهم مرة أخرى، توالت الإشعارات لهاتف راميل بشكل جنوني، مما جعل الفضول يتنابهم جميعاً!

راميل - فتحت هاتفها تنظر للأخبار العاجلة، مما جعل الصدمة تعتلي ملامحها، أخرجت الصورة الممزقة من حقيبتها [يا إلهي !]
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي