6 الفصل السادس

الفصل السادس
أسبوع مر عليهم في القاهرة، حضر عادل ورضوان ليذهبوا إلى دمياط لشراء الأثاث،
اختاروا الأثاث الذي يريدون وعادو للنجع، لكن هذه المرة خالد ورباب وأمها في سيارة،
ورضوان وعادل ورقية وزهيرة وصفية في سيارة عادل.
طوال الطريق كان حديث النظرات بين رباب وخالد لا ينقطع.
وصلوا النجع ودخلوا للسلام على الجد، وقبلته رباب من وجنته فقال: يا ابنة ربيع، يكفيك رباب القاهريين.
- أحبك يا جد.
- وأنا أحبك، بدون قبلات.
مرت الأيام كان ربيع يمضي عند كل زوجة ليلة، وبالنسبة له كانت ليلته عند رجاء هي أسعد ليلة.
والكل منشغل في الإعداد للزواج وبناء المُلحق وتشطيبه على أحسن ما يكون، والكل يعيش في انسجام وتناغم، والعرسان تزداد بينهم المحبة ويقضون الليل في الحديث على الهاتف.
مر الأسبوعان وجاءت بخاطرها ومعها السم المتفق عليه، لتسمع مليحة حديثهما أثناء إدخالها الشاي لهما في غرفة حسنات.
قالت حسنات بلهفة:
- هل مفعول السم مضمون ولن يظهر؟
- بالطبع يا سيدتي، وهل خيبت أملك في شيء؟ هل اكتشف أحد ما فعلناه بحورية وونيسة.
هال مليحة ما سمعته، ونزلت مسرعة بدون أن تراها حسنات.
توجهت مليحة للحديقة باحثة عن الجد؛ فوجدته جالسًا في مكانه الخاص يتناول القهوة فاقتربت قائلة: عفوًا يا جدي، لكن ما لدي لا يحتمل التأجيل.
- تحدثي يا ابنتي.
- وحدنا يا جد، يجب أن نتكلم وحدنا.
صحبها لغرفة مكتبه:
- هاتي ما عندك يا مليحة.
قصت عليه مليحة ما سمعته، فقال بعد صمت طويل:
- هل أنتِ متأكدة مما سمعتيه؟
- طبعًا يا جد، دونها رقبتي لقد سمعتهم بنفسي.
- هذا كلام يوجب العقاب، والعقاب لا يكون إلا بدليل، اسمعيني، ستذهبين لها لتوهميها بمعاونتها على ما تريد وتسجلين لها اعترافًا بم فعلته، وأخبري بخاطرها أني أريدها.
في أثناء صعود مليحة الدرج قابلت بخاطرها وأخبرتها أن الجد يريدها في الحديقة
صعدت مليحة لـحسنات ودخلت بدون أن تطرق الباب، ثم أغلقته خلفها وحسنات تنظر لها بتعجب:
- كيف تدخلين هكذا بدون استئذان؟ هل جننتِ؟
- لم أجن كل شيء أصبح على المكشوف.
- يبدو حقًا أنك فقدتِ عقلك يا فتاة.
- اهدئي خالة، لقد سمعت حديثك كله مع بخاطرها.
ارتعبت حسنات.
فسارعت مليحة للقول:
- لا تخافي خالة، أنا معك، تعرفين أني أحبك، وسأساعدك في كل ما تريدين.
ابتسمت حسنات وهدأت روعها:
- وأنا سأهبك كل ما تتمنين.
قالت بتودد:
- لا أريد سوى رضاكِ، لكني لا أعلم كيف استطعت جعل الخالة ونيسة والخالة حورية لا تنجبان.
ابتسمت حسنات بفخر وأجلست مليحة بجوارها:
- اسمعي وتعلمي، منذ أن فتحت عيناي على الدنيا، ودق الحب بابي، عشقت ربيع، كنت أتمناه زوجًا لي، لكن الجد زوجه حورية، فاشتريت من بخاطرها دواءً خاصًا، وكنت آتي لزيارة حورية وأضع لها الدواء بالشاي، وأعد لنفسي معها الشاي، وعندما كانت تتذمر بأن طعم الشاي متغير كنت أوهمها أنها على وشك الاصابة بالبرد والدليل أني أشرب من نفس الشاي المعد، والذي كان خاليًا من الدواء بالطبع وما فعلته مع حورية فعلته مع ونيسة.
رسمت مليحه ملامح الاعجاب بحسنات:
- يا الله إن مخك يا خالة رهيب، ولكن ماذا سنفعل بالقاهرية وأولادها؟
- اسمعي، بخاطرها أحضرت سمًا زعافًا، قطرتان منه كفيلتان بقتل من توضع له بعد ثلاثة أيام بدون أن يظهر له أي أثر، ستضعين منه للمسمى راضي وبعده نبيل وبعده أمهم كل منهم على فترات لكي لا يلاحظ أحد، أما رباب المتباهية بأنها أخذت جبل العائلة سنجعلها عاقرًا كما فعلت بحورية ووجيده لتموت قهرًا أولًا، وإن لم تمت هي قتلناها نحن، ليذوق ربيع مرارة فقدهم ولا يجد حضنًا يواسيه سوى حضني، ولا سريرًا يضمه سوى سريري.
شجعتها مليحه وأخذت منها زجاجة السم لتنفذ الخطة.
وأعطتها حسنات كردانًا ذهبيًا هدية لها.
نزلت مليحه وأعطت التسجيل للجد وسمعه وقال:
- الجزاء من جنس العمل، تضعين لها السم في الشربات وتقدمينه لها، بشارة انتهاء العمل في ملحق العرسان.
نفذت مليحة ما أمر به الجد، وصعدت به لحسنات، التي تأففت من الجد, وأسرت لمليحة بأنها ستقضي عليه هو الآخر.
مر اليوم وبعد العَشاء جمعهم الجد وقال:
- ما قولكم في من يتربص بنا، و يكيد لنا، وهو متظاهر بالبراءة وبالحب، بينما هو خائن للعيش والملح، بل هو قاتل.
وواجه حسنات بالتسجيل وأسمعه للكل، وسط محاولات من حسنات للإنكار.
ليقول: صدر الحكم يا حسنات، الجزاء من جنس العمل، ولقد تناولت السُم في الشربات.
أخذت تصيح فأمر الغفر بإلقائها بالمخزن البعيد، وأن يحضروا بخاطرها، جاءت بخاطرها تتهادي في مشيتها فناولها كوبًا من الماء لتشربه، وبعد أن شربته، أعلمها بم كان منها
وبأن السم في الماء، وسجنت مع حسنات في المخزن وبعد ثلاثة أيام كانتا قد أسلمتا الروح، دُفنت حسنات كما يليق ببنات آل السيد ولم يخرج خبر ما فعلته خارج جدران القصر.
***
أيام مضت والحب بين رجال آل السيد وبناتها ينمو حتى غلف الروح والقلب.
حان الموعد المحدد للزفاف، مُدت الموائد لمدة أسبوع وتواصل رقص الخيل والانشاد، فهذا ليس أي زفاف إنه زفاف زينة شباب آل السيد على زينة بناتهم.
يوم العرس تزينت الفتيات كأجمل ما يكون وأخذن يشاهدن أزواجهم وهم بين الرجال في رقص الخيل، يمتطون صهوة الجياد ببراعة، وبعدها يتبارزون في التحطيب، وينتصرون على كل منافسيهم ورفضوا التنافس فيما بينهم واحتضن بعضهم بعضًا ثم صعد كل منهم لعروسه وأغلق الباب.
عادل وزهيرة...
تسمر عادل أمام جمال زهيرة الهادئ واقترب منها مقبلًا إياها بكل رومانسية وشوق طال سنوات، وغردت طيور الغرام معلنة تمام اللقاء واتحاد القلوب قبل الأجساد.
رضوان ورقية...
ما أن وقعت عيناه عليها حتى صاح: الله أكبر، عونك يا رب.
واحتضنها حضنًا قويًا وسمى الله ومضى ينهل من رحيق العسل.
أما خالد ورباب...
دخل خالد مقتربًا حتى احتواها بذراعيه ونظر في عينيها، ثم نزلت عيناه تنظر لشفتيها مقبلًا إياهما قبلات متقطعة وازدادت وتيرة القبلات حتى ذابت بين يديه وتحول حلمه لحقيقة فقمر لياليه بين يديه، استحالا كيانًا واحدًا.
***
وبعد ثلاثة شهور سقطت زهيرة مغشيًا عليها فحضرت طبيبة العائلة لتفحصها وكان معها بالغرفة رقية ورباب، كان الكل في حالة قلق عليها لكونها ضعيفة الجسد، وفجأة سمع الجميع صوت الزغاريد وخرجت الطبية تهنئ عادل بحمل زوجته وأوصته أن يعتني بها عناية خاصة لأنها ضعيفة، وحددت لها موعدًا لزيارتها.
فطالبها الجد بالكشف على رباب ورقية أيضًا، فقامت بعمل تحليل حمل منزلي لرقية؛
فظهر حملها وتلقت التهنئة.
فقال الجد: هلا فحصتِ رباب.
فردت رباب: أنا متأكدة بأنني لست حامل.
فصمت والحزن بادٍ على وجهه وغادرت الطبيبة.
وسط تهنئة صادقة صادرة من قلوب مُحبة كانت الجلسة يتخللها الدعوات لرباب بسرعة الحمل لتلحق بزهيرة ورقية، جاء أحد الغفر مسرعًا مناديًا على الجد ومستأذنًا لامرأة تحمل طفلًا تريد مقابلة كبير العائلة وتدعي أنها زوجة لخالد وأن الولد ولده.
هبت رباب ثائرة؛ فأي زوجة وأي ولد؟ أمرها الجد بالجلوس مكانها وألا يسمع لها صوتًا، لا هي ولا أي من الحاضرين وطلب من الغفير ادخال المرأة.
دخلت امرأة تتهادى في مشيتها ترتدي ملابس ملتصقة بجسدها، بنطلون ليكرا أحمر
وبدي أسود وجاكت خفيف وتضع على وجهها علبة من مساحيق التجميل وتحمل بين ذراعيها طفل صغير.
نظر لها الجد باشمئزاز وقال: من أرسلك أيتها المرأة لتلقي اتهامك لابن آل السيد
وتلصقي به من ليس من دمة.
رفعت المرأة أحد حاجبيها وتكلمت بأسلوب سوقي:
- لا، لا تظن لأنك كبيرهم سأسمح لك بإهانتي، أنا لا ألقي الاتهامات ولا ألصق أحدًا بكم، إنه ولدكم من نسلكم وله حقوق لن تعيشوا كالملوك وينشأ هو لا يجد ما يقتات به.
نظر لها الجد نظرة احتقار وقال مستهزئًا: ونعم الأخلاق، وهل لديك ما يثبت ما تدعين؟
فتحت حقيبتها وأخرجت منها ورقة:
- هذه ورقة زواجي العرفي من ابنكم، لقد تزوجني منذ ما يربو على العام وبضعة شهور، نهل مني ما يشبعه وألقاني، وعندما أخبرته بحملي لم يصدقني وطردني وهدد بأن يقتلني لو رأى وجهي مرة أخرى، ولكني ذقت الأمرين ولقد صرفت كل نقودي على الصغير، وعيب عليكم أن يكون أهله من أكابر البلد وأذوق أنا الويل لأصرف عليه، إذا كان ولدكم لا يريدني على ذمته فليطلقني، ويأخذ صغيره، فأي كباريه ذلك الذي سيرضى أن أعمل به وأنا على كتفي هذا الصغير.
هز الجد رأسه:
- حقًا راقصة أنتِ؟ إن مظهرك يوحي بذلك، لكن كنت أحاول تكذيب نفسي.
ثارت ثائرتها: نعم راقصة، وليس أي راقصة أنا زوزو، أشرف راقصة في شارع
الهرم، لا تظن أنني أخرج مع هذا وأدخل مع ذاك، لا، أنا لا أرافق رجلا أبدًا في الحرام،
ومن ارتبطت به كان ارتباطي إما شرعيًا عند المأذون وإما عرفيًا عند المحامي و بشهادة شهود وإعلان لمن أعرفهم.
نظر لها نظرة مطولة ثم زفر زفرة لو تحولت لنيران لأحرقت الأخضر واليابس:
- أعطيني الصغير.
ناولته الصغير وما أن حمله وتفحص ملامحه حتى قال:
- سبحانك يا رب، الولد نسخة من جده جابر وهو في مثل سنه.
وطالب الحاجة رباب بالاقتراب ليعطيها الصغير وبينما يناوله لها انكشفت ساقه ليجد وحمة سوداء على شكل عنقود عنب، نفس الوحمة التي يحملها جده جابر فصاحت الحاجة
رباب: الله أكبر.
كانت رباب الصغيرة تجلس كالصنم لا تدري في أي صدمه تفكر؟ بزواج خالد، الذي أصبح بالنسبة لها الهواء الذي تتنفس، أم بزواجه من راقصه، أم بولده الذي ظهر له.
دخل خالد الذي ما أن رأى زوزو حتى أصبح كالثور الهائج وسارع الخطى ليهجم عليها صائحًا:
- وتتجرئين على القدوم هنا يا فاجرة؟
هربت زوزو لتختبئ خلف الجد الذي أمسك يد خالد وصاح به:
- أنزل يدك هذه التي يبدو أني سأقطعها لك واجلس، إذن هي صادقة و أنت تعرفها.
جلس خالد وهو يغلي وينظر لـرباب التي كان شكلها يوحي بالنار المشتعلة بداخلها
وقال:
- لا تصدقيها يا رباب.
وجهت زوزو نظرة نارية لرباب.
فقال الجد:
- لا تصدقها في ماذا؟ في زواجك العرفي؟ أم في الولد؟
قام من مجلسه معترضًا:
- ليس ولدي، وسيثبت التحليل ذلك.
قال الجد بسخرية تحمل المرارة في فحواها:
- نعم ستحلل، لكني أقول لك أن الولد ولدك، إنه نسخة عن أبيك في مثل سنه، كما أنه يحمل نفس العنبة في قدمه.
جلس خالد من صدمته فلقد أحس أن دلوًا من الماء المثلج قد سُكب على رأسه.
جاء جابر ووهيب فلقد كانا بالخارج
وأردف جابر قائلًا:
- ما بكم؟ لقد جئنا فرحين لنبارك على هذه الأخبار السعيدة، مبارك يا بنات، (لفت نظره زوزو) ومن هذه؟
فناولته الحاجه رباب الصغير ليقول:
- ما شاء الله، من هذا الصغير؟ يبدو أنه من آل السيد لكن لا علم لي بأن في العائلة صغار في مثل عمره.
قالت رباب:
- انظر إلى قدمه يا جابر.
نظر لقدم الصغير وقال متعجبا:
- سبحان الله لديه نفس وحمة العنب، من هذا الصغير؟
قالت الحاجة رباب: إنه حفيدك.
قال متعجبًا وهو يناولها الصغير: حفيد من؟!
ليتحدث السيد:
- اجلسوا لأفهمكم، هذه المرأة راقصه تزوجها ابنك خالد وهذا الصغير هو حفيدك وهي تريد أن يطلقها ابنك ويعطيها حقوقها ويأخذ ولده لتعيش حياتها.
صاح جابر واتجه ناحية خالد قاصدًا ضربه، فصاح السيد:
- ما هذا؟ ألا يوجد احترام لوجودي بينكم.
تأسف جابر:
- آسف يا حاج لقد أعماني القهر.
هز السيد رأسه تحسرًا:
-يبدو أن العمى أصاب آل السيد كلهم.
وصمت مسندًا كفيه على رفيقته السوداء ومسندًا رأسه على كفيه وظل صامتًا هكذا فترة
والكل مشاعره مضطربة لا يعرفون حتى بم يجب أن يشعروا، ورباب حرفيًا تغلي إنها تستشيط غضبًا كالبركان لكنها لا تستطيع مخالفه أوامر الجد، ليقطع الجد غيوم الصمت التي تحملقت فوق رؤوس الجميع، وضرب الأرض بعصاه وانتظر الجميع ما سيحكم به، ليقول بهدوء:
- سنذهب الآن لإجراء التحليل، الذي أنا موقن من نتيجته، وعقابًا لخالد لن يطلق زوزو، وستظل على ذمته.
ونظر لزوزو:
- اسمعيني جيدًا، ستظلين في عصمته، ماضيك ذاك تنسينه تمامًا، هل زوزو هذا اسمك الحقيقي؟
أجابته فرحة: لا، اسمي الحقيقي زبيدة.
فرد: حسنًا يا زبيدة هيا بنا.
ثم نظر لها: لن تخرجي هكذا، فلتعطيها عباءة يا حاجة رباب ولتغطي شعرها، هيا معنا يا صغيرتي رباب.
لم ترد رباب وقامت مع جدها وبعد خطوتين سقطت فاقدة للوعي وسط صراخ الجميع
جاءت الطبيبة وبعد الفحص قالت:
- صدمة عصيبة، أعطيتها عقاقير ستجعلها نائمة، ستظل على هذه الحال عدة أيام.
أمر الكبير بأن تظل رباب الصغيرة في جناح والدتها.
وصحبهم لإجراء التحليل.
عادوا للقصر، أمر الجد بنوم زبيدة في جناح خالد ورباب, وأمره بأن يصحبها لشراء ملابس محتشمة، وحذره من أن يغضبها أو يفكر في ضربها، وإلا كان حسابه عسيرًا،
وحذره بأن لا يصعد ليري رباب إلا عندما يأذن له، فيكفيها ما عانته منه.
كل من بالقصر كان متعجبًا من فعلة خالد ومتحسرًا على رباب وصدمتها فيه.
أُغلق الباب على خالد وزبيدة، والغضب يتملك خالد منها ومن فعلتها، جلس على الأريكة فجلست تحت قدميه:
- أعلم أنك غاضب مني يا نور عيوني، لكن ماذا أفعل أقسم بالله لقد صرفت كل ما كنت أدخر، ولم يقبل أي كباريه بتشغيلي والصغير برفقتي، ألم تشتاق لي
(وغمزت له بعينها).
فأبعد يدها وركلها بقدمه وهو يغلي كبركان ثارت حممه وتناثرت:
- أنت لا تعلمين ما فعلتيه بمقدمك إلى هنا، لقد دمرتِ حياتي، لقد تجاوزت زلة معرفتي بك، وألقيت أيامي معك خلف ظهري، وحمدت الله أن فعلتي لم تنكشف، ورباب أصبحت محور حياتي، إنها شمسي
ولا حياة لي بدونها، وهي الآن مكسورة القلب والروح بسببي، ولا أستطيع حتى أن أراها عقابًا لي، لكأن الموت هو عليّ أهون من بعدي عنها.
اقتربت من قدمه تمسكها:
-ألهذه الدرجة تعشقها، وأنا؟
ركلها بقسوة:
- أنتِ كنتِ نزوة، نقطة سوداء في حياتي، وللأسف ستظلين ملتصقة بي للأبد كالعلقة.
دخل غرفته، يتلمس عطر حبيبته فيها، أمسك قميصها الأسود الحريري الذي كانت ترتديه له هذا الصباح، يتنسم عطرها فيه، يستعيد ذكري تدللها عليه، وبكى!
نعم بكى، ذلك الجبل الذي يقسم الجميع أنه لا مشاعر له بكى، فهو كالحجر الصوان مع الكل إلا معها يستحيل لطفل وديع يبحث عن حضن أمه طوال وجوده معها في جناحهما كان ملتصقًا بها لا يدعها تفعل شيئا بدونه، والآن حبيبته تنام مكسورة بسببه، هو من كسرها ولا يستطيع أن يفعل شيئًا، لم يتحمل أن يكون بالغرفة أكثر من ذلك حمل عباءته
وخرج وصفق الباب خلفه، خرج للحديقة يجلس بها حتى انبلج الصباح عليه.
***
مرت الأيام وحاله يدعو للرثاء، استطالت لحيته وغزت وجهه الهالات السوداء من قلة نومه، إلى أن سمح له الجد برؤيه رباب التي كانت ما تزال على صمتها وترفض الكلام مع أي منهم فصعد مسرعًا لغرفتها، سمعت رباب صوته وهي بداخل الغرفة وهو يحدث أمها ويسألها عنها، فادعت النوم.
لا تريد رؤيته يكفيها ما تعانيه، يكفي ما فعله، حطم روحها وكسر قلبها، بل وأصبح هناك راقصة تشاركها فيه، أسيكون هذا قدرًا عليها كما كتب على أمها؟ تشاركني النساء في زوجي، لا لن أقبل سأدفن قلبي، ولن أرضخ لمشاعري.
كان هذا حديثها مع نفسها إلى أن فتح خالد باب الغرفة وهو يتنفس الصعداء وهرع نحو فراشها يقول في لهفة:
- ربابي، يا روح الجسد، ونبض القلب، حدثيني، أسمعيني صوتك الذي أتحرق له شوقًا، أقسم أني كنت كالميت إلى أن سمح لي الجد بالصعود لرؤيتك، لو كان حكم عليّ بالموت لكان أهون يا حبة القلب، قسما بالذي خلق السموات السبع ما لعيشي طعم بدونك، لا طعام ولا شراب يا حب العمر، حتى غرفتنا لا أستطيع دخولها وأنتِ لست فيها، أقسم لك يا رباب لقد كانت زبيدة غلطة عمري، لقد صمم بعض رجال الأعمال على مرافقتي لهم لذلك الكباريه، وهناك رأيتها، لن أكذب عليك لقد زينها لي الشيطان وأنا لا أقرب الحرام فتزوجتها، وعندما أفقت من نزوتي أبعدتها عن حياتي، لكن يشاء الله أن تأتي هنا، إذا كان عليها أنا لا أريدها في حياتي، لكن الصغير إذا كان ولدي لن أستطيع التخلي عنه أبدًا، يا رباب أتوسل لك حدثيني، الكل يعرف حبي لك، حتى الخادمات سمعتهم يتحسرن على حالي يقولون لقد انهدم جبل آل السيد، انظري لوجهي يا رباب.
فتحت عينيها ببطء فهالها منظره، شحب وجهه ونمت لحيته في غير تهذيب وغزت الهالات السوداء وجهه الذي هزل، لم تتمالك نفسها وترقرقت الدموع في عينيها، وتغلب شوقها على غضب عقلها وتناست كل ما كان من ما نوت عليه، رؤيته هكذا وارت كل تفكير لعقلها،
ولم يعد هناك من حكم سوى للقلب وارتمت في حضنه تبكي.
احتضنها بقوة لكأن روحه رُدت إليه وقال:
- ابكِ حبيبتي، ابكِ يا عمري، عاقبيني كما تريدين، لكن اجعلي عقابك وأنتِ بجواري بين ذراعيّ، لا تبتعدي عني أبدًا فبعدك موت لي.
وحملها بين ذراعيه فقالت: إلي أين تأخذني؟
- إلى بيتك لتنيريه، بعد ظلماته.
دخلت والدتها وأطلقت الزغاريد وسط دعوات أن يصلح الله حالهما ويبعد عنهما العين،
نزل بها لغرفتهما يروي شوقًا طال، ليتعالى صوت رباب بعد قليل بضحكات عالية جعلت زبيدة تغلي وصفقت الباب خلفها خارجة للحديقة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي