8 الفصل الثامن

مر الزمن......
أحداث كثيرة عاشها آل السيد
عشرة سنوات مرت على موت زهيرة، وما زال عادل يعيش على ذكراها رافضًا إلحاح الكل بالزواج، لم يكتب الله لراضي الانجاب ولم ترض مليحة بأن تتركه أبدًا إنه حبيبها،
نبيل أصبح طبيبًا مشهورًا وكان عازفًا عن الزواج، شاهين كان ضعيفًا في الرياضيات فطلب ربيع من شيماء أن تعطيه دروسًا خاصة.
شيماء كانت منصبة على تعليمها وتحصيلها الدراسي لتصل لمبتغاها، كان حلمها أن تكون معلمة وقد أصبحت، رفضت الزواج من الكثيرين لأنها لم تقابل بعد من ترتاح له، والآن انشغلت بالتدريس.
وافقت على طلب ربيع بالطبع وجاءت للقصر.
شيماء في الثلاثينات الآن، ذات قامه متوسطة وملامح مريحة للعين لن تجد ما يميز شيماء سوى ذلك الشعر الأسود الحريري الطويل الذي دائمًا ما ترفعه على شكل كعكة تحت حجابها، وذلك الشعر كثيرًا ما يعلن تمرده على كل ما يمسكه وينطلق باحثًا عن حريته من تحت الحجاب.
جاءت شيماء للقصرملقية السلام على ربيع: السلام عليكم يا حاج ربيع.
ابتسم مرحبًا: وعليكم السلام يا غالية يا ابنة الغالي، لماذا لم يأت معك وحيد؟
- إنه مصاب بالبرد.
- إذن سأرافقك حين مغادرتك لأطمئن عليه.
- نزداد شرفًا ونورًا يا كبير.
نادى على الأولاد قائلًا:
- الأستاذة شيماء ستساعدكم في درسكم، إياكم ثم إياكم وإغضابها، أو ممارسة ألاعيبكم ومقالبكم معها.
أجابوه بصوت موحد ولكأنهم كتيبة في الجيش:
- أوامرك يا جد.
واحتضنته بدور:
- حبيبي يا جدي.
فبادلها الحضن بقوة:
- يا حبيبة قلب جدك.
فاقترب باسل بغيرة:
- وأنا ألست حبيب قلبك، أنا الوحيد فيهم ابن ابنتك.
أمسكه ربيع من أذنه:
- هنا لا يوجد ابن بنتي أو ابن ابني، هنا آل السيد، كلكم أحبابي، ولكنها الفتاة الوحيدة بينكم أيها الخشنون، أنتم جيل آل السيد القادم، لكن إكمال تعليمكم يأتي في المقام الأول.
صفقت بدور بيديها فرحة: إذن سأدخل الجامعة يا جدي.
فأسرع كل من أخويها عزيز وباسل لإمساكها كل منهم من أذن قائلان:
- أي جامعه يا بدور لا يوجد جامعات.
نهرهم ربيع غاضبًا واحتضنها:
- أتضايقونها هكذا في وجودي يا عديمي الحياء، ستكملين تعليمك يا صغيرتي، لا دخل لك بهؤلاء الفتيه، هنا لا كلمة فوق كلمتي.
اعتذرا وقبلا رأس الجد وبدور.
جلست شيماء وجلس الأولاد حولها ونظمت لهم المواعيد، بدور وباسل سيأخذان الدرس سويًا فهما في الصف الأول الثانوي، أما شاهين وفارس فهما في الصف الثاني الثانوي، وعزيز في الصف الثالث، كانت المواعيد تقتضي حضور شيماء للقصر كل يوم.
أنهت إعطاءهم الدرس وكان عادل قد عاد من الخارج، عادل كان على قدر كبير من الوسامة هادئ بطبعه، زاده فقدانه لزهرته هدوءً، لكنه مريح يأسرك فور أن تنظر له، لا شارب له ولا لحية وكذلك شعره وسطي النعومة طويل قليلًا.
كانت شيماء تحادث شاهين وهي واقفة:
-لا تنسى حل الواجب يا شاهين.
وبدأت في السير ثم استدارت لتقول له:
- واطلع مقدمًا على الدرس القادم ليكون لديك فكرة عن الدرس الجديد ولو بسيطة.
وعندما استدارت وجدت نفسها ترتطم بحضن عادل، فزعت ورجعت للخلف، كادت أن تسقط ليضمها للحظة كي يمنع سقوطها ثم يتركها بروية، توقف الزمن بالنسبة لها استجمعت شتات نفسها وخفضت رأسها خجلًا:
- آسفة.
رد ببرود:
- لم يحدث شيء، هل أنتِ الأستاذة شيماء؟
- نعم.
- أتمنى أن لا يتعبك الأولاد.
قالت مبتسمة:
- أعطيت الدرس اليوم لشاهين وهو ممتاز وسريع الاستيعاب.
فابتسم عادل قائلًا:
- مثل المرحومة الغالية، كانت ستفرح به جدًا.
ردت بحزن:
- فليرحمها الله وليعوضك الخير في شاهين، بإذنك.
انصرفت وقلبها ينتفض بين جنباتها، تحاول السيطرة على نفسها لكي لا تنظر له مرة أخرى، فهي حقًا تعشق عادل، لكن ما بيدها حيلة فهو لا يراها، بل لتكن صادقة مع نفسها هو لا يرى أي أنثى على الإطلاق.
ذهبت لربيع في الحديقة لتعلمه بانتهائها ليصحبها كما اتفق معها، وبينما هما خارجان دخلت عليهم مجموعة من الرجال، وفتح ربيع يده ترحيبًا بهم فهذا هو الشيخ النصراوي حبيب ربيع ورجاله، طلب منها أن تجلس في ركن بعيدًا عن الرجال واستأذن منهم، مطالبًا الغفير بمناداة عادل.
جاء عادل وطالبه ربيع بتوصيل شيماء والاطمئنان على وحيد، وطالبه بأخذ بهانة الخادمة الكبيرة معه لكي لا تكون شيماء معه بمفردها في السيارة.
أوصلها عادل واطمئن على وحيد وغادر، جهزت شيماء شاي بالزنجبيل لوالدها وأعطته الدواء ودخلت غرفتها لتفك حجابها وتلقي بنفسها على السرير تلعب في خصلات شعرها
وتشرد في صورة عادل التي تخيلتها على سقف الغرفة
(أيعقل أن هذا هو الحب من أول نظره، أذكر تلك المرة الأولى التي رأيته فيها في الأرض ودق قلبي له، لقد كنت أستهزأ بزميلاتي عندما تحدثنني عن الحب، فلماذا أقع أنا فيه؟ يا الله ويوم أن أسقط أسيرته أحب رجلًا يعيش على ذكريات زوجته الميته، مرحى لحظك يا شيماء)
وقامت لتصلي ودعت الله
(يا رب لو كان خيرًا لي قربه مني وقربني منه ولو كان شرًا لي ابعده عني وابعدني عنه)
........
في غرفة ربيع ورجاء جلس ربيع يحدثها عن شيماء وكيف أنه يرى أن شيماء ستكون نعم الزوجة لعادل وهي ستجعله يخرج نفسه من بوتقة زهراء، فهو له نظرة ثاقبة في أمور القلب بما أنه عاشق كبير.
تمنت رجاء أن يكون كلامه صحيحًا.
........
في جناح رباب وخالد كانت رباب تجلس وحولها الأولاد يتسامرون وهي تطالبهم بالنوم بينما هم يريدون انتظار خالد فربما يأتي، أخبرتهم بحزن أنه لن يأتي اليوم فلقد هاتفها وأعلمها بذلك.
بينما هم يتجادلون إذ بخالد أمامهم، اجتمع الجميع حوله فرحين بهذه المفاجأة، وطالبهم بجمع أعمامهم وأخوالهم ليسهروا سويًا.
استمرت السهرة في ضحك ومرح، ثم ذهب كل منهم لجناحه ورباب تلملم ما خلفته السهرة من أطباق، ففاجأها خالد باحتضانها من ظهرها لتقول:
- ماذا تفعل؟ الأولاد مستيقظون.
ضحك قائلًا:
- مشتاق لك.
وحملها بين ذراعيه وهي تبتسم ودخلا غرفتهما ليبثها شوقه لها الذي لا ينضب أبدًا.
عند راضي ومليحة...
تستمر المساجلات بينهما، راضي يريد أن يعطيها حريتها لتنجب من غيره وهي تأبى ذلك
وتتمسك به وتنتهي ليلتهما باحتضانه والتنبيه عليه بعدم فتح ذلك الموضوع مرة أخرى وإلا حرمته من اللعب بالبلاي استيشن وينفجران ضحكًا.
رضوان ورقية....
يتشاجران بعد أن ضبطته رقيه بالجرم المشهود بتحديقه في الراقصة أثناء عرض الفيديو كليب، وبينما رقية تستشيط غيضًا منه كان هو فرحًا بغيرتها عليه حتى بعد كل تلك السنوات، وانتهت الليلة باقتناصه القبلات منها حتى استسلمت له وقضت ليلتها بين ذراعيه.
في غرفة جابر وورد...
قام من تمدده وجلس على السرير فهو يشعر بأرق، التفت ليجد ورد تغط في نوم عميق فقرر إيقاظها:
- استيقظي.
فردت بنعاس: ماذا هناك هل انبلج الصباح؟
قال بتودد: لا، النوم يجافيني، استيقظي لتجلسي معي.
ردت وهي تتثاءب: شاهد التلفاز يا جابر، أريد النوم.
فاقترب منها بحنان قائلًا: يا ورد، استيقظي، أريدكِ.
فتبرمت قائلة: ماذا تريد؟ تأدب ودع عنك فعل الصبية، أحفادك أوشكوا على الزواج.
فقال غاضبًا: أنت لا تطاقين، يبدو أنكِ أصبحتِ عجوزًا، أما أنا ما زلت قويًا.
ضحكت: حسنًا أيها القوي، تصبح على خير.
وسحبت الغطاء على رأسها ونامت، بينما جابر خرج يشاهد التلفاز وهو يحدث
نفسه (يجب أن أتزوج فتاة صغيرة تدللني).
في الصباح
بعد أن تناول الجميع الافطار وأعلن تعانق الآبنوسية بالأرض إذن انصراف الجميع نادى وهيب على ربيع، وأخبره أنه يريد التحضر للسفر للحج، فوافق ربيع على ذلك، وأخبره أن الكل مشغولون في أعمال مهمة وليذهب هو وصفية للحج وحدهما هذه السنة.
مرت أيام جهز وهيب أوراقه وأوراق صفية للسفر وودعا الجميع وسافرا لأداء الفريضة.
......
بعد عدة أيام رن هاتف ربيع حاملًا خبر وفاة وهيب وصفية في تدافع للحجيج.
أقام ربيع السرادق لتلقي عزاء أخيه وزوجته، وكأن الايام تأبي أن تفرح هذه العائلة فمن سرادق لسرادق ومن فقيد لفقيد، خيم الحزن فترة من الزمن على القصر، إلى أن بدأ يتلاشى رويدًا رويدًا، فالحزن هو الشيء الوحيد الذي يولد كبيرًا إلى أن يضمحل ويختفي، إنها رحمه المولى عز وجل بنا بني البشر.
عادت شيماء للقصر تعطي الدروس للأولاد، كانت دائمًا ما تبحث بعينيها عن عادل وما أن تراه حتى يدب الخجل إلى وجنتيها فتصطبغان باللون الأحمر، أما رجاء فكانت تتحين الفرصة لترى رد فعل شيماء على مرأى عادل وتأكدت من أن شيماء عاشقة لعادل.
نجح الأولاد بتقديرات عالية في الترم الأول وأقيمت وليمة كبيرة احتفالًا بهم ولإدخال السرور على النجع وأهله.
توقفت شيماء بالطبع عن المجيء للقصر فترة إجازة للأولاد.
مرت عدة أيام لم يرها فيها عادل، لا يعلم لم يفتقد صوتها العذب وهي تشرح، ولا تلك الضحكات الخجلة التي كانت تصدر منها على ردود أفعال الأولاد، أتراه يحبها؟
(لا بالطبع ويحك يا عادل، أتسمح لذلك العقل أن يفكر بأنثى غير زهرتك تبًا لك،
وأنت أيها القلب خير لك أن تتوقف عن النبض عن أن تنبض لمرأى أي أنثي، سأقتلعك بيدي إن استطعت(
وأخذ يشغل نفسه بمتابعة الأرض بنفسه، بل إنه في بعض الأحيان كان يشمر عن ساعديه ليعمل بنفسه فيها.
.........
ازداد مرض وحيد حتى وافته المنية، لم يقصر ربيع في إقامة عزاء لوحيد وكأنه فرد من أفراد عائلة السيد، بعد انتهاء مراسم العزاء ذهب ربيع لشيماء، وأمرها بجمع ما تحتاجه والمجيء للإقامة في القصر في ملحق بالحديقة لتكون بجواره وتحت عينيه يراعيها.
لم تكن لترفض لربيع طلبًا، وذهبت معم، رآها عادل وهي تدخل من باب القصر حزينة مكسورة، فتقدم قائلًا: البقاء لله يا أستاذة، البقية في حياتك.
ردت بخفوت: حياتك الباقية.
ودخلت للملحق الذي ستقيم فيه ولم يتركوها وحدها بالطبع ظلت رباب ورقية وكذلك بدور معها، تصنعت النوم فنمن بدورهن وبقيت هي.
وحيدة، يتيمة، لم تعرف شيماء طعمًا لحضن أمها فلقد ماتت وهي تلدها، رباها وحيد بعيدًا عن تأثير والدته وسلوكها الملتوي الذي لم يكن يعجبه أبدًا، الآن فقط علمت شيماء ما هو طعم اليتم، الآن فقط أحست بمعنى كسرة الظهر، ما أصعب أن ينهار جبلك الذي كنت تختبئ خلفه وتجد نفسك في العراء تنتظر القادم المجهول، يا الله ماذا تحمل لي الأيام القادمة؟ يا الله فيك ثقتي ورجائي، يا الله كن بجواري، فلتنعم عليّ بعطفك إلهي.
ظلت تدعو الله ودموعها تتساقط بدون وعي حتى غلبها النوم.
...........
شهران قد مرا على وفاة والدها
لم تر فيهما عادل إلا قليلًا فلقد كان يسافر في عدة مهمات لإنهاء أعمال عالقة خاصة بالأرض وبيع المحاصيل وتجهيز الأخرى للتصدير.
يوم أن عاد أقام ربيع وليمة لأهل النجع، الكل كان متأكدًا أن ثمة خبرًا مهمًا يلوح في الأفق فلا يوجد مناسبة للوليمة، إذن ثمة إعلان هام لآل السيد، الكل كان يتساءل وخاصة سكان القصر.
وحدها رجاء والشيخ حبيب كانا يعلمان.
بعد تناول العشاء دقت الآبنوسية ثلاثًا فعم الصمت ليقف ربيع مبتسمًا ويقول: بعد التحية للجمع الكريم والصلاة على رسولنا الأكرم، أعلن أن جمعتنا اليوم لم تكن بلا سبب، لقد كان الكبير يحكم بيد من حديد حتى في أمور القلب، واليوم أتفق معه في ذلك، فهناك قرارات لو انتظرنا من أصحابها أن يتخذوها فسيكون الوقت قد ولى، لذا أعلنكم أن اليوم جمعتنا لعقد قران ولدنا نبيل وولدنا عادل، سيتزوج نبيل ابنة الشيخ النصراوي وعادل سيتزوج ابنة حبيبي وحيد المصراوي، هيا يا شيخ حبيب جهز الأوراق.
أعلنت دقات الآبنوسية الثلاث الإذن بانطلاق الزغاريد وإطلاق الاعيرة النارية للاحتفال،
شيماء ما أن سمعت اسمها مقترنًا بعادل حتى كاد أن يغشى عليها لكن رباب أمسكتها والكل يبارك ويهنئ، جلست شيماء وهي لا تدري أتحلم هي أم حقًا تعيش الواقع.
أما سمر فكانت تجلس متبرمة، ولكن ما كانت تستطيع الاعتراض فلا اعتراض على حكم آل السيد مهما كان، أنه قانون لا مجال لمخالفته فكلمه كبير السيد لا ترد،
وفي ردها حد وحق عرب وأشياء لا قبل لها أو لوالدها النصراوي بها، وهو أبدًا لن يخالف الكبير.
عادل ونبيل لم يختلف حالهما عن سمر، فعادل لم يكن أبدًا ليرتبط بعد زهرته، يحدث نفسه
(لماذا الآن يا عمي لماذا بعد كل تلك السنوات، تجعلني أفعلها دون إرادة مني، لكن لا أستطيع الاعتراض.)
ونبيل كان يتساءل في نفسه عن تلك السمر التي سيقترن اسمه باسمها، تم العقد وأطلقت الزغاريد.
دقت الآبنوسية ثلاثًا ليقول ربيع:
مبارك عليكم يا أحبابي، واجتماعنا سيكون بعد شهر بإذن الله لنتم الاقتران بحفل الزفاف.
انفرد ربيع بعادل: أنت غاضب أليس كذلك؟
- لا أستطيع مخالفتك يا كبير، لكن لماذا؟
- يا عادل، شيماء لا أهل لها سوانا، ولن أتركها هكذا، لقد طلبها مني الكثيرون، لكني أريدها لرجل يصونها ولا يظن أنها بيتمها قد تكون فريسة له، ولن أطمئن عليها سوى معك، أتق الله فيها يا عادل، شيماء ابنتي، هل تفهم هذا؟
قال مستسلما لواقعه: لا تخش شيئًا يا كبير.
ابتسم ربيع واضعًا يده على كتف عادل: إذن اذهب للغرفة حيث تنتظرك لتتناول معها عشاءكما الأول، وأرسل لي نبيل.
جاء نبيل متبرمًا فقال ربيع: هل أنت غاضب يا نبيل؟
- نعم يا أبي، أنت تعلم أني لا أريد الزواج، وأريد السفر للخارج لإنهاء رسالة الدكتوراه.
قال ربيع بثقة: وابنتنا سمر ستعاونك.
- سمر ستعاونني! وماذا تفقه تلك السمر؟
ضحك ربيع: هل تظن أني زوجت ابني الطبيب إلى انسانة ليست متعلمه؟ آه يا نبيل منك سمر خريجة كلية ألسن قسم إيطالي، ومتفوقه جدًا، لم أخترها لك عبثًا، هيا رافق الشيخ نصراوي بسيارتك لمنزلهم لتتناول عشاءك الأول مع زوجتك.
****
دخل عادل الغرفة حيث شيماء
مر بخاطره ليلة عقد قرانه على زهرته وأول عشاء له معها، ولكنه نفض هذا الخاطر من رأسه.
وجلس أمام شيماء قائلًا: مبروك يا شيماء، هيا تناولي الطعام.
وبدأ في تناول الطعام.
فردت: ليبارك بك الله.
وحبست حسرتها في قلبها، حاولت أن تأكل لكنها كانت تبتلع الطعام بصعوبة كأنه غصة في حلقها فتساءل: لم لا تأكلين؟
ردت: لا أشعر بالجوع.
فقال: ولا أنا، ألف مبروك مرة تانية.
قالت وهي تجاهد لتكون متماسكة: مبارك علينا، هل تأذن لي بالمغادرة؟ أنا مرهقة.
قال وكأنها فتحت له باب الفرج: تفضلي.
غادرت الغرفة تحاول منع دموعها من الانفلات، دخلت الملحق حيث تقيم وأطلقت العنان لدموعها وهي تكلم نفسها بصوت مسموع
(ماذا كان يدور بعقلك يا ابنة وحيد، أنه سيأخذك بين ذراعيه ويقبل رأسك مثلًا، افيقي، أنت تعلمين أنه مجبر على هذه الزيجة)
ليأتي صوت رباب من ورائها: مخطئه أنت بتفكيرك هذا.
فارتمت شيماء في حضن رباب تبكي بحرقة: أنتِ لم تريه يا رباب، لقد قال لي كلمة مبروك بشق الأنفس.
فقالت رباب وهي تربت على ظهرها: يا شيماء أنتِ تحبينه، بمهارتك ستجعلينه يقع في غرامك.
أجابتها وقد تسرب الأمل لنفسها: أتظنين هذا يا رباب؟
أجابتها رباب بثقة: طبعا صدقيني عادل طيب لكنه كان متعلق بزهيرة، و لم يسمح لنفسه أن يفكر في غيرها، وأبي يعلم أنك تستطيعين ملأ الفراغ الذي تركته زهيرة في قلبه.
لتأتِ رجاء قائلة: اسمعي يا شيماء، أنت تحبينه، وأنا أرى أنه يميل لك لكنه يكابر نفسه، سيقع في غرامك صدقيني.
واستغرقن في حضن جماعي وأمضين الوقت يسامرنها.
.......
استقل نبيل سيارته وراء الشيخ النصراوي ووصل منزلهم ، أوقف نبيل السيارة وراء سيارة الشيخ نصراوي ونزل منها، لم يكلف نفسه لينظر إلى سمر التي كانت في سيارة والدها فهو ما زال يُقلب الموضوع في رأسه غير مستوعب لما حدث.
لينتشله صوت النصراوي: تفضل يا بني، أنت واحد منا الآن، لا تخجل.
ابتسم نبيل ابتسامة اغتصبها اغتصابًا لترتسم على شفتيه، ودخل مع الشيخ، جاءت والدة سمر وسلمت عليه: يا مرحبًا بولدنا الغالي، الجيد ابن الاجاويد، فليبارك الله لكما وعليكما، يا بني ضع سمر في عينيك واصبر عليها، إنها كالفرسة الجامحة وأنا أعرف أنك خيال.
قال مبتسمًا بلباقة: اطمئني يا حماتي، سأضعها في عيناي.
فأشار النصراوي لغرفة: ادخل لتلك الغرفة بني، لتتناول العشاء مع عروسك، ستلحقك بعد قليل، إنها تبدل ملابسها لملابس أكثر راحة، تعلم أننا عندكم منذ الصباح.
دخل نبيل الغرفة، وتابعت الخادمة وضع الطعام على الطاولة، بينما هو جالس، لتطرق سمر على باب الغرفة وتدخل، قام نبيل ليسلم على تلك المدعوة زوجته، لم يكن لديه في عقله تصور معين لها لكن ما رآه لم يكن في تصوره.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي