12،الزائر الغامض

"عودة الى تيا"

قبل ساعات، وصلت الى الفيلا سيراً على الأقدام بسبب فطور قلبها على يد سند، بعدما أرادت أن تسلمه جسدها الليلة ليمتلكه.

‏ لكنه أعادها إلى أرض الواقع بكل قسوة، فتحت تيا باب الفيلا الخارجي.

‏ سارت بضعة خطوات نحو الفيلا، وفجاءة، مسكها من كتفها نصر.

‏ انتفضت وهي تستدير مذعوره، صدمت برؤية نصر في وجهها، قالت له:
_الزعيم، أنت هنا! لكن لماذا؟

قال لها بغضب:
_لماذا لا تجيب على اتصالاتي ايها الوغد؟ هل مكوثك في الفيلل جعلك تتكبر علي ايها الحقير؟

_ماذا؟ لا يا زعيم كيف تقول هذا؟ انا فقط مشغول طوال الوقت مع هذا الرجل الحقير.

_حقاً، حسناً، ماذا عرفت عن الكنز حتى الآن؟ انت لم ترد لي خبر، لهذا جئت الى هنا بنفسي، ماذا عرفت حتى الان؟

ارتبكت تيا بشدة، لم تعرف ما تقوله له، هل تخبره انها نست مهمتها الرئيسية؟ وأصبحت تعمل بجدية مع سند؛ كي تنقذه من الإفلاس والفضيحة.

لكنها فكرت سريعاً وقالت له:
_لم اتوصل لشيء حتى الآن، هذا الرجل يقول انه متورط في ديون جمه، وطلب مني إصلاح سيارات ورثها من جده؛ كي يحل به أزمة ديونه ولم يفعل أي شيء في الفيلا حتى الآن.

ماذا يعني هذا ايها الاحمق؟ وانت ما دورك في هذا الهراء؟

_ماذا؟ وما ذنبي انا ايها الزعيم؟ لقد جعلتني أترك عملي واتي لمراقبة ذاك الوغد، وبدلا من هذا وجدت نفسي متورط في العمل معه، ماذا أنا بفاعل؟

قال لها نصر بنفاذ صبر:
_حسناً تيتو، أمامك أسبوع واحد فقط لتعرف فيه مكان الكنز في القصر،

وان لم تعرف عد إلينا، لقد توقفت كل أعمالنا بسبب غيابك الأيام الماضية، خسرنا بضعة عمليات مغريه، الرجال لا يستطيعون العمل بدونك ايها الاخرق، ولا تتجاهل اتصالاتي، اجب على الهاتف اللعين حين اتصل بك.

_حسناً ايها الزعيم، سأبحث، لكنه فقط لم يترك لي المجال لأكون وحدي في الفيلا.

نظرة نصر حوله وهو يقول لها بتهكم:
_حقا ايها المراوغ واين هو الان انا لا أرى ظلا له في اي مكان حولي.

قالت وهي تشير للخارج:
_انه في زفاف عائلي تركته مع عائلته وعدت انا كي ارتاح قليلا فأنت تعرفني جيدا انا لا احب الصخب مطلقا ايضا مهمتي هي مراقبه الوغد هنا في الفيلا وليس بالخارج من المؤكد انه سيحاول استخراج الكنز هذا الاسبوع لان القرض الذي أخذه من البنك اقترب المال على النفاذ ولن يتمكن من الاقتراض مرة أخرى فمن المؤكد أنه يقوم بنبش الأرض كي لا يخسر كل شيء.

قوم لها نصر وهو غير مقتنع بكلامها ربت على كتفها وقال وهو يتأهب للرحيل:
_افعل ما تراه مناسب أمامك سبعه ايام فقط وان لم تعد بعد الاسبوع اما بالخبر اليقين أو تعود لعملك معنا سوف ارسل لك بعض الهدايا الخاصه وانت تعرفني عندما اهاجر الخائنين لا تنسى اجب على هاتفك حين اتصل بك.

رمقها بنظرات باردة، غاضبة وتركها، خرج من البوابة التي تركها مفتوحة.

زفرت تيا براحه بمجرد اختفائه من أمامها، استدارت تتوجه للفيلا وهي تقول باختناق وضيق:
_لم يكن ينقصني إلا انت ايها اللعين القذر، حسناً علي ان ابدأ في البحث عن هذا الكنز اللعين، سوف آخذه لنفسي وليذهب الزعيم والسيد الأنيق للجحيم.

وقفت فجاة وهي ترى باب الفيلا مفتوح بعض الشيء، تعجبت بشدة من هذا الأمر! قالت في نفسها:
_هل يعقل هذا؟ هل عاد المغرور إلى المنزل بكل هذه السرعة؟

هزت رأسها بلا اكتراث، لكنها لمحت شيء مر بسرعة من غرفة المعيشة المجاورة لبوابة الفيلا.

أمالت برأسها جهة اليسار لتنظر بشكل أفضل، كانت الإضاءة تعمل، رفعت تيا رأسها للطابق الثاني وجدت أضواء الغرف كلها تعمل.

صدمت بشدة! وهي تسأل نفسها:
_هذا أمر غريب! السيد الأنيق لا يحب أن يجلس في الضوء، دائما يضيء المصباح الصغير بجوار الأريكة، أيضاً لما اشعل أضواء الغرف في الاعلى ان كان في غرفة المعيشة؟

اللعنة، السيد الأنيق لا يفعل هذا، من المؤكد انه ليس هو، اللعنة على هذا، ماذا إذا ترك الزعيم رجاله هنا ليسرقوا أي شيء من هنا؟ تباً لهم، سوف اركلهم حتى يعودوا زاحفين إلى الزعيم الحقير.

نفضت تيا جسدها لتستعد للشجار والعراك مع اللصوص رفاقها.

لكن فجأة، مر من غرفة الجلوس شخص ما لكن بسرعة جنونية، تجمدت تيا مكانها؛ فمن المستحيل أن يمر أحدهم بمثل هذه السرعة.

‏ لكن تيا لم تتساءل كثيراً، ركضت للداخل لترى ما هذا الشيء، لكن لصدمتها!

‏ وجدت الڤيلا تغرق في ظلام دامس، صدمت بشدة وهي تنظر للظلام حولها.

‏ رأت أمامها شيء طويل يشبه الظلال، لم يظهر سوى عينيه الصفراء المضيئة، لكن جسده الضخم أشد ظلمة من ظلام الڤيلا.

‏ لهذا ميزت تيا حجمه بسهولة، الغريب في الأمر هو تيا التي تحدق في هذا الشيء بتركيز تتبين ملامح وجهه وجسده.

‏لم تشعر بالخوف منه أو حتى الارتباك.

‏ابتسم هذا الكيان بانتصار، فظهرت أسنان بيضاء بها أنياب ضخمة، أيضاً لم تتأثر تيا بأي خوف.

‏ قال هذا الشيء بصوت غليظ لكن نبرته هادئه:
_مرحبا تيا، كيف حالك؟

شعرت تيا ان هذا الشيء مألوف، ليس بغريب عليها كأنها رأته سابقاً، لكنها فقط لا تذكره قالت له بارتياب:
_من انت؟ كيف تعرفني؟ ولما انت هنا؟

_انا جئت لك انت.

_انا، لماذا؟ ماذا تريد مني؟

صمت لبرهة وقال بغموض:
_ألم تتسائلي يوماً لماذا لم تمرضين وانت طفله بالرغم انك كنت عارية ملقاة في الشارع وانت مجرد طفلة رضيعة؟

ألم تسألي نفسك لماذا لم تصابي بالبرد، الحرارة، الحمى، وباء، نزلات شعبية ومعاوية، أي مرض من أمراض الطبيعة التي تصيب الصغار؟

‏ ألم تسألي نفسك لماذا لم تصابي بأي أذى طوال عمرك، لم تتعرضي للجرح يوماً، لم تنزفي، لم تتعرضي لأي أذى،

حتى عندما سقطت بك الأرجوحة وانت في السابعة من عمرك لم تصابي بكوفيد 19 وأنت كنت تقتنين في منزل به 30 شخص أصيب 25 منهم بالوباء توفي سبعة منهم وهرب الناجين،

‏ أنت الوحيدة التي لم تصاب بالمرض؛ رغم انك كنت تستخدمين نفس أدواتهم في الطعام، على الفراش، اغراض المرحاض،

‏ ألم يكن هذا غريب بالنسبة لك؟ ألم تسألي نفسك ما سبب قوتك الكبيرة،

‏هناك أسئلة كثيرة عليك البحث عن اجاباتها قبل ان اخبرك من انا؟ ومن اكون بالنسبة لك؟ اسألي رفاقك القدامى ماذا رأوا عندما كنت معهم؟

اسألي نفسك كيف لفتاة جميلة مثلك ان تعيش وسط رجال ولم يجرؤ أحدهم على الاقتراب منها،

ابحثي عن ماضيكي تيا لكي تبني مستقبلك، علي أن أرحل الأن، وجودك مع العابث الاخير يمنعني من الوصول إليك، لكن لا تقلقي ساعود مرة أخرى، سأعود قريباً.

اختفى هذا الشيء ومع اختفائه ظهر صوت سند من خلفها وهو يقول بحدة قليلا:
_ماذا تفعل بحق السماء؟ لما تقف في الظلام هكذا وتحدق في الفراغ؟

انتفضت تيا مذعورة على صوته نظرت له وسألته بكل شرود:
_ماذا؟ ماذا قلت؟

وضع سند يده على مكبس الضوء اشعله، أقترب منها وقال لها بحدة أكثر:
_لقد سألتك عن سبب وقوفك وتحديقك في الظلام أيها الأحمق، لقد جئت من 10 دقائق تقريباً، شربت سيجارة بعدها أخرى وأنا أنظر لك لافهم سبب وقوفك كالتمثال هكذا في منتصف الردهة وانت صامت متيبس، لماذا فعلت هذا ما الخطب؟

نظرت تيا حولها بشرود، عادت تنظر إلى سند، سألته بجديه:
_هل تؤمن بوجود الأشباح؟

زم سند شفتيه بضيق وسألها بتهكم:
_ماذا؟ ماذا قلت لتوك؟

_الاشباح، والجن، والشياطين وكل تلك الأمور، هل تصدق بوجودها؟

ذهل سند من سؤالها لكنه قال لها بفتور:
_بالطبع أؤمن بوجودها، انا كنت ساحر سابقاً، أم نسيت هذا ايها الاحمق؟

حكت تيا رأسها بضيق، أردفت قائلة له باستحياء:
_لا، لم أنسى، أنا فقط أظن أنني رأيت شيئاً ما هنا وسألني اشياء غامضه لم افهمها.

اهتم سند بكلماتها سألها بفضول:
_وماذا كانت تلك الأسئلة تحديدا؟

قالت له هي تنظر حولها بضيق كأنها لا تريد أن تصدق ولا تريده ان يؤيد ما رأت وسمعت قالت له:
_سألني ان كنت اعرف الماضي خاصتي، سألني لما لم أصاب بأي مرض أو أذى وانا طفله؟

سألني لما لم يتحرش بي رفاقي في الميتم أو في المستودع الذي ترعرعت فيه؟

أخبرني ان ابحث عن ماضي واعرف وهو لن يخبرني من هو إلا بعدما اسأل واعرف، قال انه سيعود لي مجدداً، لا افهم ما جرى هنا وكيف عرف هذا الكائن كل حكايتي؟ ولماذا قال لي كل هذا الكلام؟ هل يبدو الأمر منطقي بالنسبة لك؟

سند حك ذقنه بتهكم وقال لها:
_اذا سنسأل عن ماضيك، لكن اولاً ننهي عملنا قبل أن يطالبنا البنك بسداد القسط الأول، لدينا الكثير لنفعله ليس هناك وقت لهذه الترهات الخاصة بك.

رمقها بنظرات جافة باردة، تركها وصعد للطابق الثاني.

حزنت تيا بشدة، لدرجة أن دموعها هطلت على خدها دون وعي منها، لم تصدق أنه تحول بكل هذه السرعة، هذا ليس الرجل الذي تعرفت عليه وتناديه بالسيد الأنيق.

‏ وهذا ليس لأن ثيابه انيقه؛ بل لأنه مهذب في معاملته وطريقة حديثه.

‏ لكن هذا الرجل أمامها ليس هو بالمرة، ترى هل تغير هو أيضاً؟ أم تلبسه شيء كالكيان الذي صادفها أو أتى مخصوص لها كما قال؟

‏ شعرت تيا بالارتباك يحيط بها لدرجة أنها بدأت تتعرق وهم في عز الشتاء، صعدت لغرفتها وهي لا تعرف حقيقة شعورها الأن.

‏ لكن كل ما تعرفه هو انها عليها ان تتخلص من سند في القريب العاجل قبل أن تسقط في بئر الهاوية ولا تجد مخرجا منه.

يتبع في الفصل التالي
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي