البارت٢

صب الدون انتباهه، يستكمل مناقشاته مع الحضور فها قد حُلت معضلة الخلاص من الشحنة، يقول:

-ها قد بدأت الخسائر تتوالى وكأنها إشارة بضرورة المبادرة في اتحاد سيكون لنا فيه الغلبة وسنحقق به أموالاً طائلة.

-نشاطنا القديم أصبح مصدر استنزاف لثروتنا، ولكن المشروع الذي نتحدث بشأنه سيغنينا عن مشاكل كثيرة مع الشرطة، فمن جهة بضاعتنا التي نضحي بها بين الحين والآخر لنجنب العين عنا ونتمكن من تمريق أخرى.

-ومن جهة المكائد التي يدبرها البعض للبعض كما حدث الآن بسبب غيرة (سيمانز) .

-إذا عملنا في مجالٍ مشروعٍ ومربح كهذا، سنُأَمِّن على كافة ممتلكاتنا حتى إذا ما وقع أمر كهذا ستتحمل شركة التأمين النسبة الأكبر من الخسائر.

-والآن ما دام الكابو (ماتيو) يوافقني الرأي يمكننا أن نفعلها لحالنا، الكابو وأنا وأخي (ماركوس)، هل مِن منضمين أم نفض اجتماعنا هذا، ويمضي كل واحد فينا لمباشرة أعماله؟

توالت الأصوات المؤيدة فهذا عبر الشاشة:

-أنا معكم.

وآخر: - بالطبع سأنضم.

وهناك عند رأس الطاولة : - أوافقك الرأي دون (چاكوب) ، هذا مشروع الأحلام.

وغيرهم : - لن أفوت عرضاً كهذا.

حتى مَن عارضه بالبداية أقر بصواب رأيه وعرض عليه الشراكة.

ها قد اجتمع عدد لا بأس به من المؤيدين، وعليه قد علق الكابو (ماتيو):

-حسناً، فلنكتفي بهذا العدد دون (چاكوب) يمكن للبقية الانصراف.

همَّ قلة قليلة من الحاضرين بمغادرة مواقعهم استجابة لطلب الكابو، ولكن هناك نداء أخير كان مصدره الدون (چاكوب) الذي قال:

-من بعد إذنك يا زعيم، مَن سيبقى فليعلم أنه لا مجال للعودة إلى النشاط السابق، ومَن اختار التنحي فليجد له مورد آخر؛ فمَن بقى منا لن يكن لديه ما يسعى المغادرين إليه، لا كوك بعد اليوم.

الكابو (ماتيو) بتأكيد:

-بالطبع دون (چاكوب)، فمَن سيُقبِل على خطوة كهذه لن يحتاج لفتات العمليات السابقة.

بعد خروج المعارضين سواء من القاعة أو غرفة الدردشة الإلكترونية، استقام الدون يخطو بانتشاء نحو منتصف الطاولة، فمَن قَبِل منهم بالعرض سيفي بالغرض ويفيض.

الدون (چاكوب) يقول بنبرة صوت مبتهجة، وهو يلتقط إحدى زجاجات (الشامبين) ينزع عنها فتيلها:

-إذاً فلنشرب نخب اتفقنا.

ومن ثم توجه بنظره إلى شاشة العرض، يقول مخاطباً الكابو (ماتيو) بأسفٍ حقيقي:

-كنت أتمنى أن أنل شرف انضمامك إلينا يا زعيم.

الكابو (ماتيو) بودٍ:

-انتظر لحظة، سأُحضر شرابي، لنحتسِ جميعاً نخب شراكتنا.

قالها ومن ثم اختفى عن الشاشة للحظات، وبعدها عاد يحمل بيده زجاجة من ال (براندي) الفاخر فهذا هو مشروبه المفضل وكذلك كأس كريستالي مُطعَّم بماء الذهب، وشرع يسكب بعض من محتوى الزجاجة بقدحه.

في هذا الحين قد ناب (ماركوس) عن الدون (چاكوب) في مهمة ضيافة المتواجدين الذين ساعدوه بدورهم في إتمام عمله كمضيف، فلا زال هناك الكثير ليتحدثوا بشأنه.

رفع الجميع كؤوسهم، يهللون:

-في نخب شراكتنا.

الدون (چاكوب) باعتراض:

-لا، سنشرب اليوم في صحة زعيمنا، الكابو (ماتيو).

أحدهم بِحثٍ:

-وما أجمله من نذر، فليكن ما قاله الدون (چاكوب)، في صحة الكابو (ماتيو).

همَّ (ماركوس) برفع الكأس إلى فمه، فضيق الدون عينيه رامقاً إياه بتحذيرٍ، يقول بأمر:

-اخفض كأسك (ماركوس).

(ماركوس) بامتعاض:

-لِم أنا مِن دون الجميع؟!

الدون (چاكوب) من بين شفاهٍ مزمومة:

-لا تناقش، ونفذ ما قلت.

-واتصل على الفور بتلك السكرتيرة الخرقاء، لكي تتواصل مع إحدى دور الأزياء التي نتعامل معها لترسل في طلب بذلة أخرى عوضاً عن تلك التي ارتديها، فقد تلخط كلياً بالمياه الغازية .

-ودعها تخصم من راتبها أسبوعين وتبلغ المسئول المالي بذلك.

(ماركوس) بتساؤل:

-لِم لا نذهب إلى القصر لتغيير ملابسنا؟! ولماذا ستخصم من راتب هذه المسكينة دون؟!

(چاكوب) بغيظ:

-لن نذهب لأننا سنتوجه إلى حفل عزيزنا (سيمانز)، وتلك الخرقاء كونها لم تلتزم بما قلت وعكرت مزاجي بانضمام غالينا (سيمانز).

(ماركوس) بتضامن:

-ولكن ما فعلَته عاد بالفائدة علينا!!

(چاكوب) باقتناع:

-إذا فلنصرف لها مكافأة شهر.

(ماركوس) برياءٍ محبب:

-يا لا كرمك دون (چاكوب)، سأنفذ وعلى الفور.

غادر (ماركوس) متوجهاً إلى مكتب الدون بنهاية قاعة الاجتماعات لينفذ ما طُلِب منه، بينما خفض الجميع كؤوسهم بما فيهم الكابو و(چاكوب)، ليبادر الكابو (ماتيو) بسؤاله، قائلاً:

-هل انتهى مهندس تصاميمك من الإنشاءات في المنتجع السياحي ذاك؟

الدون (چاكوب) بإيماءة إبجاب:

-أجل يا زعيم ولكن سيلزمه أسبوعاً إضافياً، لتغيير بعض المرافق بحسب ما سيتطلبه مشروعنا.

الكابو (ماتيو) بثناء:

-عظيم بني، وإلى هذا الحين يجب توفير العمالة.

الدون (چاكوب) بتأييد:

-بالطبع يا زعيم، سوف أتحرى وأجد مَن هم كفء لذلك وذوي خبرة في هذا المجال، ولكن هذا سيكلفنا رواتب فلكية، لذا لدي اقتراح.

أحد الحضور بتشجيع:

-إذاً فلتطلعنا عليه دون (چاكوب) من بعد إذن الكبير، نحن نثق في آرائك.

فرك (چاكوب) راحتيه بانتشاءٍ، يقول بعملية:

-أرى أن نَقوم في البداية بتوظيف مجموعة ممن ذاع سيطهم سواء أكان بالطرق المشروعة أو كانوا يعملون في الخفاء لحساب موردي السلاح التابعين للسوق السوداء أو ممن يعملون بتصاريح لدى المصانع الحربية.

-وإلى جانب هذا نستخدم آخرين حديثي العهد من خريجي كليات الهندسة والمعاهد الفنية، بل سنوظف منهم أعداداً كبيرة وبكثرة، خاصةً لهذا العنصر من العمالة تحديداً فأجورهم لا تقارن بمَن هم أكثر خبرة.

-فنكن بذلك جمعنا بين الكفاءة والعلم و الكوادر الشابة ممن لديهم الطاقة والحماس لندربهم، وسواء الخريجين أو الفنيين لن يكلفونا أجور باهظة.

-وسنكتفي بقلة من الخبراء الذين سنشترط في تعاقدنا معهم تنظيم دورات تدريبية عملية للآخرين الذين سنمضي معهم بدورنا عقود احتكار.

-فليس من المنطقي أن نكسبهم الخبرة ليعود نفعهم إلى غيرنا، ومَن يبلي منهم بلاءً حسناً ويصبح إضافة لنا سنجزل عليه من العطاء وهذا ما إن يتوسع نشاطنا لنضمن ولائهم، ما رأيكم؟

تصفيق حار وهمهمات استحسان صدرت عن الجميع بلا استثناء وعلى رأسهم الكابو (ماتيو)، الذي عقب:

-فكرة عبقرية دون (چاكوب) ابدأ في التنفيذ وعلى الفور.

واحد من الجمع بدعابة:

-أرى أنك بدأت تكتسب صفة دخيلة دون (چاكوب).

-ألا تلاحظ أنه يبدو بخيلاً بعض الشيء يا زعيم؟!

قال الأخيرة موجهاً تساؤله الطريف هذا إلى الكابو (ماتيو)، بينما قهقه (چاكوب) يقول بأنفاسٍ متلاحقة جراء نوبة الضحك هذه:

-إطلاقاً عزيزي، وأنت بقرارة نفسك توقن بأن ما اقترحته حل مميز، فالمنطق يقول أن ندربهم على طريقتنا.

سلم الجميع بفكرة هذا العقل المدبر، فقد بدا واثقاً مما يسعى إلى تحقيقه ولن يتخلَ عما يطمح اليه.

في هذه الأثناء اقترب (ماركوس) يقول:

-تم ما أمرت به دون (چاكوب).

الدون (چاكوب) بصوتٍ مسموع:

-ابدأ في تكثيف مجهوداتك في البحث عن أصحاب الخبرة و الكفاءة، ولا تضع سقفاً للرواتب دع الأمر لي، جل ما يهمني هو الاحتراف.

-أريد عشرة فقط ممَن يمتلكون الموهبة في هذا المجال.

(ماركوس) بعملية:

-حسناً، لا تشغل بالك بالأمر، سأجد لك مطلبك.

-غداً سيأتونك مصطفين أمام باب مكتبك، لتنتقِ منهم مَن تريد.

الكابو (ماتيو) بجدية:

-الأمر متروكاً لك دون (چاكوب)، فقط اطلعني على المستجدات.

-يمكنك فض الاجتماع.

لم يكن (چاكوب) بحاجة إلى التعقيب، إذ شرع الجلوس يغادرون مقاعدهم إلى حيث باب القاعة ومنه إلى خارجها، وذلك بعد أن ألقَ كبيرهم إشارة بانتهاء الجلسة قبل أن تعتم الشاشة بصورته التي تلاشت بخروجه من غرفة الدردشة الإلكترونية.

بقى الدون (چاكوب)، و(ماركوس) الذي مد يده يخفض شاشة الحاسب المحمول رافعًا إياه عن الطاولة بعد أن نزع عنه قابس الشاحن وكابل توصيله بالشاشة، يقول بسخرية:

-أراهنك بأن (ناتاشا) ستحضر الحفل بأبهى صورة لها، فهي تحب المظاهر والبذخ المُبالغ به، سترى.

- حتماً ستحاول التلاعب بك فهي امرأة لا تكتفي برجل واحد.

قاطعه الدون (چاكوب)، هادراً فيه بحدة:

-لا أريد مهاترات، اذهب، ولا تنسَ المطلوب منك، فلا قِبَل لي بتوجيهاتك السخيفة تلك.

قلب (ماركوس) عينيه بملل، وهو يقول بحزنٍ مصطنع ونبرة صوت أنثوي:

-هكذا أنتم جميعاً معشر الرجال تضعوننا على رف المتعة ما إن تنتهي حاجتكم إلينا، اللعنة!

لم يستطع الدون (چاكوب) منع حاله من الابتسام على خفة ظل أخيه، الذي غادر بعد هذا التعقيب الساخر.
مخلفاً وراءه قلب مكلوم، تحرقه ذكريات الماضي.
ترى سيجد الدون سلوى فؤاده الجريح أم سيظل عالقاً بقصة غدرها طويلاً؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي