البارت ١١

رفعت (سارو) يدها تكمم فم رفيقتها التي كانت تستعد لإطلاق قذيفة انتقاد من العيار الثقيل، فاستكمل (ماركوس)، يقول :

-صحيح أنني طلبت سيدة مجتمع حشمة بعض الشيء ولكن ليست متذمتة، وعلى نحو آخر أريدها جميلة جداً، بل فاتنة.

-لها شعر أشقر طويل يطوف حول كتفيها.

-لا شعر مستعار ولا مصبوغ أيضاً، أريدها طبيعية.

(ماتي) رامقة (سارو) التي انطبق عليها مطلبه الأول فها بات الاختيار منصب عليها، فأزاحت كف (سارو) عن ثغرها، تجيبه بتأكيد فبالأخير فكرة قبول عرض كهذا كانت فكرة (سارو) من البداية:

-لا تقلق شعر طبيعي غير مستعار أصفر لامع كسلاسل الذهب.

(ماركوس) باستحسان:

-جميل، بلا رائع، وماذا عن ابتسامتها، أريد أن تكون لها ابتسامة صافية دافئة، ذات أسنان ناصعة البياض.

(ماتي) بمرح:

-ابتسامتها حقاً مذهلة، بل تصلح كواجهة لدعاية أشهر أطباء الأسنان لتناسق أسنانها وعظام الفك، أما بياض ميناها يضيئ ظلام الليل.

(ماركوس) :

-حسناً جداً لقد اقتنعت يا صاح، والآن ماذا عن طولها، فأنا لا أبحث عن فتاة قصيرة القامة، نحن لا نتحدث عن طفلة صغيرة، صحيح؟!

(ماتي) باعتراض:

-طفلة!! بالطبع لا (مارك)، فتاتي امرأة شابة يافعة وجميلة، أطول قليلًا عن النسب العادية، ولكنها ليست بطول عارضات الأزياء.

كل ما قاله وصف واقعي ودقيق، ولكنه لا ينطبق على (ماتي)، إنها (سارو) لا غيرها!

(ماركوس) بحماسة:

-هذا أكثر من جيد، ماذا عن عينيها؟

(ماتي) بمللٍ، هل يريد ممثلة لعدد محدد من الساعات أم يبحث لأخيه عن عروس العمر، زفرت بضيق وهي تقول:

-عيونها رمادية كالهررة وأهدابها كثيفة.

(ماركوس) : - لا جحوظ، صحيح؟!

أجابت (ماتي) بنزق: - لا.

استشعر (ماركوس) تغير رتم صوتها من المرح إلى الضجر فقال:

-سؤال أخير بعد؟

(ماتي) بلوية ثغر ممتعضة: - تفضل؟

(ماركوس) بتلهفٍ جعلها تشك بأمره:

-ماذا عن جسدها؟!

تبدلت ملامح الفتاتين يناظران بعضهما بضيق وريبة ومن ثم أردفت (ماتي) تقول باستهجان مبطن:

-عفواً!! أنا لا أفهمك!

(ماركوس) وقد تملكه الحرج، ولا يعلم لم تلجلج في الحديث معها فلو كان المتحدث إليه شخص آخر لاستفاض في شرحه بوقاحة ودون خجل، فتسائل بتلبكٍ:

-أعني... شكلها الخارجي، أنت تعلمين... تعرفين كيف...

-حسناً سأصوب على مغزى سؤالي ولكن أرجو منكِ أن تتفهمي؟

(ماتي) باقتضاب:

-سأحاول.

(ماركوس) متغلباً على توتره، يحاول إيصال مقصده دون أن تسيء فهمه:

-أعني الانحناءات المناسبة في مكانها الصحيح.

همهمت (ماتي) ولم تجيب، بل تمهلت لتعرف إلى أين يود أن يصل بسؤاله المريب هذا، فاستكمل (ماركوس) مؤكداً:

-أتعلمين بالطبع أن الفتاة المقصودة لن تنفع إذا كانت نحيفة، المقصود هنا امرأة كاملة الأنوثة ذات انحناءات جسد مثيرة.

(ماتي) بامتعاض: - اممممم..

طلباته وإن كانت منذ البداية غريبة ولكن عند كلمة مثيرة وكفى، إذ بدأ ناقوس الخطر يدق أجراسه برأس كلًا من (ماتي) وتلك المتلصصة (سارو)، ولكن لا مجال هنا للمخاطرة فإن راوغ في ردوده، سوف تقطع المكالمة وتنهي هذا العبث وليكن ما يكون، لذا أردفت (ماتي) تقول بتساؤلٍ:

-أمتأكد سيد (ماركوس) أنه حفل علني؟!

(ماركوس) بجدية : - أجل، بالطبع.

(ماتي) بجفاء، وهي تفكر جدياً برفض العرض:

-أفهم من ذلك أنها ليست لليلة حمراء للرجال، صحيح؟!

(ماركوس) باستنكار:

-لا (ماتي) لقد أسأتي الظن بي، أنه حفل ضخم مقام على شرف السيد (سيمانز)، وسيذاع بثه على إحدى القنوات الفضائية.

(ماتي) باستجوابٍ، وكأنها تبحث عن سبب للرفض:

-أتعني أن الحفل سيحضره عدد كبير من النساء والرجال؟

(ماركوس) وقد ضاق ذرعاً، هل إذا كان يريدها بفراشه، ستتمكن هي أو غيرها من منعه؟! لذا جز على أنيابه يقول:

-حفل مقام كحدث ترصده عدسات كاميرات السوشيال ميديا، ومدعو إليه كبار رجال الأعمال والفنانين، وستدون عنه الصحافة مقالات.

-ولا شيء سري بشأن الحفلة، ما المريب في ذلك وما الداعي لكل هذه التحفظات حباً في الله؟!

(ماتي) بترضية:

-أعتذر (ماك)، لقد فهمت!

أومأت إليها (سارو) باستحسان، فإذا كان الأمر هكذا فيجب عليهما ألا يفوتا فرصة ذهبية كهذه، وبقى أن تأخذ (ماتي) تصريحاً لها أيضاً بالذهاب، لذا أردفت تقول:

-هناك طلب واحد، ولا تعتبره شرط.

(ماركوس) وقد ملَّ بالفعل، وذلك بعد أن كان قد مال إليها بالبداية ولكن من كثرة تساؤلاتها الملحة بدأت تطفق بمخيلته صورة عنها يتخيلها كأنثى طاعنة في السن شمطاء وناقمة.

لذا زفر بضيق، وهو يمسح بنزق على وجهه براحة يده حتى تسكن ثورته، ومَن كان يبادر لإيضاح حسن النية وفتح مجال للحديث، بدأ يفكر في العدول عن الأمر، ولكن فضوله قاده ليسأل:

-ما هو؟

(ماتي) بحماسٍ منطفئ بعد أن استشعرت تبدل مزاجه، وإن كان هو لا يعرف شكلها ولا شيء عنها، إنما هي قد رأت له صور عدة على تطبيقات التواصل الاجتماعي.

فتمتمت وهي تتخيل عبوس وجهه الوسيم بريأكشن قد رأته في إحدى هذه الصور ذات مرة، حينها لم تشغل بالاً للأمر، ولكنها الآن تستحضر هيئته تلك وكأنه يجلس أمامها:

-هل يمكنني أن أرافق الفتاة حتى أطمئن أنها ستكون مرتاحة هناك ولن يضايقها أحد أوتكون عرضة لأي.... إساءة؟!

بالبداية كان سيطلب منها أن ترافقه ولكنه فقد الشغف في هذا، فعلى أية حال بات الأمر سواء بالنسبة إليه، تحضر أم لا تلك شاغلة الدون وهو من سيقرر إذا كان سيصطحب إحداهما أو واحدة فقط أو لا أحد.

فهو سيسافر على متن طائرة الحرس الشخصي، حيث أنه يشعر (ماركوس) بينهم بالرفقة والألفة، كما أنه يريد أن يشرب القليل من الفودكا وحتماً الدون سيمانع في ذلك، فليفعلها مع رفقاءه وبنفس الوقت لن يفرط به حد الثمالة كما وعد أخيه، فهو عازم على الإقلاع عنها نهائياً، ولكن كما قال (چاكوب) سيقلل جرعاته منها حتى يزهدها.

(ماركوس) بلا مبالاة:

-لا مشكلة، يمكنك الانضمام إلى الحفل، ولكن أفهم من حرصك على الفتاة كل هذا القدر أنها مثيرة بالفعل، أم تشبهك يا أخ (ماتي)؟!

قال الأخيرة بسخرية لاذعة اصطكت لها أسنان (ماتي)، أما عن (سارو) أخذت تبتسم بمرح على هذا الثنائي الفكاهي، وهي تطرق في خفة براحة يدها على سطح المكتب الذي باتت تعتليه الآن تجلس فوقه بوضعية القرفصاء في حركة تنم عن مدى تسليتها.

ولكن عندما رأت انعقاد جبين رفيقتها، أخذت تؤشر ل (ماتي) بأن تتريث؛ فسفيه كهذا سيكون الرد عليه فعل لا قول.

فقط لو قعت عينا الأخ (ماركوس) على أخيه (ماتي) الذي يسخر منه الآن ما طاوعه لسانه على قول هذا، ولكن صبراً جميلاً!

أجابته (ماتي) بجفاءٍ:

-لا سيد (ماركوس) كن مطمئنا تماماً من هذه الناحية، فالفتاة تختلف عني كلياً.

-وبالحديث عنها فهي فعلاً ذات شكل مثير بكل تأكيد، ولكن هذا لا يعني أن يناظرها البعض بشكل وقح ويتفرس بها بشكل مبتزل أو يأخذ عنها فكرة سيئة، هل ستضمن لها ذلك؟!

ها قد اتضحت الرؤيا فكل ما يهم تلك القبيحة هي فتاتها، قطعاً تلك ال (ماتي) لا تمت للأنوثة بِصلة؛ إذ لم تضف ضمائر تثنية لمطلبها الأخير فلو كانت مثيرة مثل مَن تتحدث عنها لطلبت شملها بالحماية كرفيقتها، لذا أردف يقول بتهكمٍ:

-لم القلق وأنت معها (ماتي)؟! ألست رجلاً بما يكفي لتطلب حماية لمن هم بكنفك؟!

لا إلى هنا ولا مزيد من التحكم بالذات إذ صدرت عن (سارو) ضحكة أنثوية رنانة، وهي ترى دخان الغيظ يتصاعد من أذني وأنف (ماتي).

بينما من استمع إلى الصوت بدأ يتفائل فأنثى كتلك وبهذه المواصفات والرقة حتماً ستسلب عقل الدون وتنسه تلك الملعونة التي خانته ومن أنجباه، لذا أردف يضيف:

-على العموم معك حق ففتاة بهكذا، مواصفات وضحكة عذبة كتلك التي استمعت إليها، تحتاج إلى كتيبة لحمايتها، هذا إذا كانت برفقة أحد آخر غير الدون (چاكوب).

-لكن ما دامت بصحبته لن يجرؤ أياً مَن كان على أن يرفع عينه بها قاصداً تفرس أو تجاوز.

-دوِّن لديك هذا الرقم أخ (ماتي).

ناولتها (سارو) تلك الأچندة الموضوعة إلى جوارها على سطح المكتب، تلتقط أحد الأقلام من العلبة الحمراء الموجودة على طاولة بيضاوية صغيرة في ركن قريب دون الحاجة إلى أن تبرح مكانها؛ فالغرفة حقاً صغيرة بل متناهية الصغر.

فهي بالكاد تتسع إلى المكتب وتلك الطاولة، وأريكة صغيرة مستعملة ولكنها بحالة جيدة، بالإضافة إلى الخزانة التي تحوي أدوات العمل أما عن مساحة الحركة فهي لا تذكر.

انتزعت (ماتي) ما بين يدي (سارو) بحدة وكأنها تراه فيها، ولكن ما دخل هذه المسكينة!!

لم تتذمر (سارو) ولم تبدِ أي استياء فهي تعلم رفيقتها، ما بها ليس غيرة، ولِم الغيرة فكلاهما تتمتعان بقدرٍ عالٍ من الجمال، وهذه هي مأساتهما، إذ لم تسلما من مضايقات الرجال لا في عمل ولا تعامل ولا حتى بالسكن لذا لجأتا إلى التنكر، وحتى في هذه الحالة لم تتجنبا المعاكسات بشكل كلي.

فتيات كانت تتودد إليهن على أساس أنهما شابان وسيمان حتى عندما أشاعا أنهما من ذوي القدرات الخاصة أحدهما أصم لا يسمع، والآخر أبكم لا يستطيع الكلام.

والأغرب أن هناك بعض من الشباب لهم ميول غريبة كانوا يتقربون إليهما أيضاً، ولكن هذا لا شيء مقارنة بظهورهما كفتاتين بهذا الإبداع الخلقي من المولى عز وجل، وفي أماكن كهذه يكثر بها الثمالى والمغيبين.

ترى لمَن يعود الرقم؟! وهل سيمر الأمر على ما يرام؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي