البارت٨

عند الرفيقتين (ماتي) و(سارو)
كل ما تتذكره (سارو) من ماضيها، هو لقب تدليلها، واسم أبيها الذي لا تعرف غيره بلا لقب ولا اسم عائلة.

حتى والدتها كانت هي وأختها التي تقاربها في العمر تناديها (ديدا) ولم تسعفها الذاكرة حينها باسترجاع اسم أختها الحقيقي إذ كان المشاع هو (كيتي)، ولا تعرف لها اسماً آخر.

وبدلاً من أن تحمد أمها بالتبني الله الذي عوضها بحملها بعد طول حرمان لأعوامٍ عجاف، على عكس المتوقع بدأت تنفر (سارو) الذي تعلق بها زوج هذه السيدة وكان يعملها كابنة حقيقية له.

ولكن منذ متى والدنيا تضحك للبؤساء، إذ قررت الأم المنتظرة إيداعها بدار رعاية حتى يحظى مولودها بالاهتمام الكامل لأبيه، والله وحده أعلم ما الذي قالته الزوجة إلى زوجها بعد إختفاء (سارو).

فحتماً لو أخبرته بفعلتها كان هذا الأب الحنون سيعيد ابنته البكر إلى كنفه، وطالما انتظرت (سارو) قدومه ولكنه أبداً لم يأتِ.

نشأت الصغيرتان في تلك الدار عانتا ما عانتاه، فرحتا سويًا وحزنتا معاً حتى أتمت كلاً منهما سن الرشد منذ بضعة شهور.

وقد خرجت (ماتي) قبل مغادرة (سارو) للدار بشهر ونصف، ولكنها طوال هذه المدة التي سبقتها بها كانت تزورها وتحكي لها عما آل إليه حالها، ولولا حفنة النقود التي كانتا تدخرها الفتاتين من أعمالهما اليدوية بالدار التي كانت تعرضها لهما الإدارة في المعارض الخاصة بهذا النشاط الإنساني ما استطاعت (ماتي) إيجاد مآوى لها.

ولم تنسَ (ماتي) أن صديقتها (سارو) قد أعطتها حصتها في المال المدخر، فعلى أية حال قد ارتأت (سارو) أنها طالما لا زالت بين أربعة جدران تحميانها، فالأَوْلَى بالمال مَن خرجت لتجابه متاعب الحياة وحدها.

وللحقيقة قد عاونتها هذه القلة من النقود على استئجار الشقة التي تمكثان بها الآن وما إن خرجت (سارو) وجدت رفيقتها تنتظرها لتكملا معاً قصة كفاح من نوع آخر.

فكرتا ملياً، وبعدها قررتا العمل في مجال يحبونه فقد تخرجت الفتاتان أثناء دراستهما بالدار من معهد الفنون الموسيقية، فبحثت كل واحدة منهما عن عمل كمدرسة موسيقي أو عازفة آلات موسيقية بإحدى الفرق، ولكنهما تعبا من مشقة البحث غير المجدي هذا، ولم يكن أمامهما خيار سوى العمل مع فرقة بإحدى النوادي الليلية.

لم يعجبهما الحال ومضايقات السكارى من رواد المكان، ولكنهما قررا حينها أن يذهبا إلى مكان آخر، ولكن سيكون تقديمهما لصاحبه كرجلين يبحثان عن فرصة توظيف.

وكانت خطتهما أن يتنكرا لثلاثة أشهر حتى تستطيعا تجميع حصة من المال تمكنهما من بدأ عمل مستقل حتى ولو كان في نطاق يتوافق مع إمكانياتهما المتاحة.

وها لهما شهرين يعلنان عن نشاطهما على المواقع المختصة بالفنون والمجموعات الأهلية ولكن بشكل فردي دون تمويل وكل فترة يأتيهما اتصالاً لحفلات أعياد ميلاد يبحث مقيموا تلك الحفلات عمَن يحييها لهم بأجور رمزية.

ولكنهما قانعتان لا تتذمران وكلاً منهما تبث رفيقتها الأمل بأن أمورهما لابد وأن يأتي اليوم وتتحسن.
فالخالق أبداً لا ينسى عباده مهما شتوا، فما بالنا بمَن لا ترغبان من الحياة سوى كسب لقمة العيش بطرق مشروعة!!

(سارو) بهمسٍ :

- ما بكِ متصنمة هكذا؟!

- أليس هذا اتصال عمل؟!

غطت ماتي بوق سماعة الهاتف براحة يدها تقول :

- يبدو أنه شخص مخبول.

- لقد اتصل يطلب ممثلة لتقم بإداء دور في حفلة ؟!

(سارو) بجبين مقطب :

- وما الخبل في هذا ؟! ألسنا ندلل كل يوم على كافة التطبيقات لنحصل على عروض حفلات ؟!

وكزتها (ماتي) بخفة، تقول بلوية ثغر:

- هذا المتحاذق يرغب بأن تقوم الفتاة المطلوبة بتقمص دور حبيبة أحدهم، ولكن ما يثير شكوكي هو المبلغ المعروض !!

رفعت (سارو) إحدى حاجبيها بدهشةٍ، معقبة :

- هذا حتماً مخبول كما ذكرتِ، كم سيكون ليطلب شيئاً غريباً كهذا؟! ارفض..........

توقفت الكلمات بحلقها عندما أجابتها (سارو) بما جعل بؤبؤيها يتسعان بصدمة.

(ماتي) بابتسامة تهكمية :

- خمسة آلاف دولار للساعة الواحدة، قطعاً عرضٌ مشكوكٌ به.

- على أية حال كنت سأهم بإغلاق الهاتف في وجهه.

قالتها وهي ترفع يدها عن البوق لتضع السماعة بمكانها كي تنه المكالمة فاعترضت يد (سارو) طريق خاصتها تَحُول دون ذلك وهي تقول باستنكار :

- ماذا ستقطعين؟! أنا التي سأقطع رقبتي يا مخبولة.

- اجيبي على طاقة القدر يا صاحبة الرأس الخاوي أنتِ!!

بينما (ماركوس) النافذ الصبر وهذا في المعتاد، إلا أنه الآن لا يرغب بغلق الخط، وذلك بالرغم من نداءاته المتكررة التي لم تُقابَل بالرد، وآخر ما صدر بين هاتين المعتوهتين قد وصله بالحرف ومع هذا ينتظر اكتمال حالته الاستثنائية.

(ماتي) بارتباك :

- ألو..

(ماركوس) بتذمرٍ مصطنع :

- ما كل هذا يا أخ (ماتي) ؟! هل هكذا تتعاملون مع زبائنكم ال(V. I. P) ؟!

تمتمت (سارو) التي مالت بجذعها إلى (ماتي) تلصق أذنها بسماعة الهاتف، تسترق السمع لما يدور بفضول، تقول بعجبٍ :

- أخ (ماتي) !!

رمقتها (ماتي) بنظرة جانبية من زاوية عينيها، تقول بعد أن عاودت كتم بوق السماعة :

- ألم أقل لكِ أنه معتوه !!

حثتها (سارو) تقول لها بهمسٍ :

- اسأليها عن موعد الحفلة ومكانها وسوف نفكر ملياً في الأمر ولكن لا تقطعي عليه الطريق.

عادت (ماتي) تستكمل حديثها في مكالمة العجائب تلك، قائلة :

- عذراً سيد.........

(ماركوس) بتعريف عن نفسه :

- معكِ (ماركوس ألبرتينو)، يا برو.

(ماتي) و(سارو) بأعين جاحظة، ترددان بنفس واحد :

- مَن!!

(ماركوس) مكرراً : - (ماركوس البرتينو) !!

الفتاتان مكررتان : - اللعنة !!

(ماركوس) بانزعاج : - عفواً !!

وكزت (سارو) رفيقتها بخفة، تعاود الهمس :

- اضبطي حالكِ (ماتي) ستودرينا، إذا كان حقاً هو (ماركوس ألبرتينو) فلا مفر.

(ماتي) بارتباك :

- استمحيك عذراً سيد (ماركوس)، كنت أتحدث إلى شريكتي بالعمل، لست أنت المقصود على الإطلاق.

- أتمنى ألا أكون قد أزعجت سيادتك.

(ماركوس) بتسلية :

- ماذا حل بك يا برو ؟! وما كل هذه الأعذار يا مان ؟!

أجابته (ماتي) بأريحية، فعلى ما يبدو أنه شخص سهل المراس على عكس ما تتداوله الأخبار عن هذه العائلة، ولكن بالأخير هم رجال مافيا، على أية حال لا مجال للتراجع كما قالت (سارو) فإذا كانتا هما المقصودتان فسيأتي بهما ولكانتا في رَبْع الأُسُود :

- حبيبي يا رفيق، لاسمك وقع مُربك يا رجل، دعني استوعب الأمر.

قهقه (ماركوس) على تلقائيتها فهو لم يقابل هكذا نوع من النساء من قبل، ومن ثم أردف يقول :

- حسناً! لا عليك يا صاح، تعامل بطبيعتك.

(ماتي) وقد أعجبتها اللعبة، ولكنها لا زالت متوجسة :

- قل لي (مارك) !! أين ستكون حفلتكم؟ وما موعدها ؟

انفرجت شفاه (ماركوس) بابتسامة بلهاء؛ فبالرغم من تعدد علاقاته إلا أنه لا امرأة من بينهن أقدمت على خطوة كتلك، وهو يعني هنا أنه لم يجد بينهن مَن تخطت كل الخطوط الحمراء واختارت له اسم تدلله به.

دوماً ما كنت العاهرات تتغنجن للفت انتباهه ولكن لم تفعلها غيرها وهكذا دون رسم أو تخطيط أنثوي ماكر ومبتذل.

كلهن شريكات فراش لليلة واحدة ومن كثرتهن لا يتذكر أسماء ولا عدد، وربما يقابل منهن مَن مارس علاقة معها، ولكن لا يذكرها فعندما يفرط بالمشروب لا يفرق معه ملامح ولا صفات، فالتركيب الجسدي واحد لبنات حواء، فما الفارق بينهن إذاً؟!

(ماركوس) محركاً شفاهه يتلذذ بترديد ما قالته باستمتاع : - (مارك) !!
        ❈-❈-❈
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي