البارت٦

أجابها المتغطرس (أرون) بجفاء، يقول :

- أتعتقدين أن وجودكِ بقلعتي هو شيء مفرح بالنسبة لي ؟!

- إذا كنتِ تظنين هذا، فأنا أشعر بالأسف لأخباركِ بأنكِ تخدعين حالكِ، فأنا أعتز جداً بخصوصيتي.

- وسأسمح لكِ بالمغادرة وهذا في أقرب وقت ممكن، ولكن هناك قواعد وشروط ستلتزمين بها.

(شيزار) بامتعاض : - قل ما شئت ولكن رحيلها حلم بعيد عن شاربك.

(أرون) جازاً على أنيابه، يهمس بضيق :
- سأقتلكما معاً.

(شيزار) بتهكم : - أنا وأنت شخص واحد أيها المعتوه.

(أرون) بسخط : - سأنتحر إذاً.

(شيزار) : - نحن خالدان، ابحث عن تهديد آخر.

قطبت (كيتي) جبينها، تسأله بتوجسٍ :

- شروط!! ما هي ؟!

والقاها (أرون) ظهره يستعد لاستكمال طريقه خروجاً من الغرفة، قبل أن ينفجر رأسه بما يلعي به (شيزار)، وهو يقول :

- لا تتعجلي، سنتحدث بشأنها ولكنني الآن جائع، سنتناول الفطور ولنا حديث سيطول.

التفت برأسه إليها يحدثها من أعلى كتفه:

- أعتقد أنك ستحبذين تناول بيض الأومليت مع كوب حليب، أليس كذلك ؟!

يا لك من متغطرس ؟!
أتختار أيضاً ما يجب علي تناوله ؟!
هذا ما جال برأسها، لينطق لسانها بخفوت :

- وماله ما أنا تحت مزاج الست الوالدة!! هدق على الفطار يعني ؟! بجملة الاضطهاد يا عم الإمبراطور ؟!

ومن ثم رفعت (كيتي) صوتها تقول بسخرية :

- أوه!! بيض أومليت وحليب؟! أعتقدت أنه سيتم إطعامي العدس والخبز كسجينة لديك!!

غامت عينا (أرون) بغضبٍ شديد، وقد تبدلت ملامح وجهه ليظهر عليه السأم جراء كلماتها السامة، لذا تجاهلها عمداً وهو يلقي عليها بضعة كلمات مقتضبة لم تفسر معناها إلا عندما صفق الباب خلفه بقوة، وكان تعقيبه :

- إذا كنتِ مصرة على فكرة الخطف والسجن، فلكِ هذا.....

(كيتي) : - ماذا تق........

اعترضت ولكن مع مَن تتحدث؟! إنها تحادث نفسها، فقد غادر على الفور ولم ينتظر رداً.

وللحظة انتابها هلع شديد، وبدأ جسدها في الإرتجاف من فكرة احتجازها بهذه الغرفة، ركضت باتجاه الباب الذي أغلقه وراءه بحدة اهتزت لها جدران المبنى بأكمله.

ولم تُعِر ألم أصابعها انتباهاً، وهي تطبق يدها بقوة على مقبض الباب حتى كادت أن تنتزعه من موضعه، ولكنه فُتِح بسهولة تعجبت لها؛ إذ ظنت أنه قد أحكم غلقه من الخارج، والغريب أنه لم يفعل كما هددها.

تشتتٌ أصابها لبرهة وهي تقف على مشارف عتبة باب الغرفة تطل برأسها إلى الخارج، فأبصرت ذلك الدرج الحجري المزين بتمثالين من الرخام على رأس دعاماته العلوية، وداخلها يتسائل ماذا إذا ركضت هابطة الدرج ومنه إلى الخارج؟!

ولكن صوت أجابها من عمق عقلها الباطن، يقول بهزئ :

-بصي لنفسك وبطلي الهبل اللي أنتِ فيه ده، هو مش محتاج يقفل عليكي عشان يحبسك هنا !!

-وحتى لو فلقتي من جوه وعرفتي توصلي للبوابة اللي برة، هتروحي فين بلبس الأرجوزات ده ؟!

- لاء!! وكمان حافية وماعكيش ولا نكلة!

زفرت بإحباط وهي تعاود أدراجها إلى الداخل، وببهوت وامتعاض أغلقت الباب خلفها، وهي تتمتم:

- قصة الهروب لازمها تخطيط ودراسة.

ولكنها تسأل وتجيب على حالها، عندما سخرت مما تفوهت به تواً، وهي تقول بلويةِ ثغر :

- تخطيط إيه ودراسة إيه مش لما تعرفي تتحركي بلبس الديناصورات ده الأول، وبعدين تبقي تفكري هتهربي إزاي يا أم مخ بلاستيك ؟!

جلست على حافة التخت بتهدلٍ وهي تميل بجذعها إلى الأمام تمسح على وجهها بكلا راحتيها بضيق، وما إن وقعت أنظارها على تلك الأدوات الطبية الموضوعة على طاولة صغيرة إلى جانب السرير لم تنتبه إليها من قبل.

وجدت لفافة من الشاش الطبي ومقص أيضاً، فلمعت عيناها بحماس وهي تقول قارضة على أنيابها بغيظٍ :

- ماشي يا عم الإمبراطور مش أنت ما بتحبش تفرط في أغراضك، أنا هفشخرها لك على الآخر.

قالتها وهي تمد يدها تلتقط المقص رامقة إياه بعزم، وهي توجه سن المقص المدبب إلى منطاله الذي ترتديه صانعة ثقب به لتمرق إحدى طرفي المقص الحادتين ما بين القماش داعسة على مقبضيه.

وقد ارتسم على وجهها تعبير شرس وهي تكمل مسيرة النصلين تقص من طول هذا المنطال قليلاً، لا بل كثيراً.

إذ بدأت القطع من فوق الركبة بإصبعين، وفعلت المثل برجل المنطال الأخرى، ولكن على ما يبدو أنها عازمة على شيء أخرى، إذ أخذت تحدق في القميص بعدم رضى، ومن ثم قررت نزع أكمامه كاملة فالجو حار وهذا القميص بأكمامه المدلاة إلى ما بعد معصميها يجعلها تبدو، وكأنها فتاة صغيرة تحاول التشبه بالكبار فارتدت عباءة والدتها السمينة.

لم تفكر مرتين بل شرعت تنفذ ما أرادت وهي تشعر بانتشاء، مبتسمة بسعادة لا تقاوم، أخذت تحدث حالها، وهي تقول بعد أن انتهت من تنفيذ جريمتها:

- بااااس تمام أوي كده، الله عليكي يا بت يا كوكو، مقص دار ماحصلتيش.

صمتت قليلاً تنظر بعبوس إلى انحراف خط القص على قماش المنطال والقميص وبالرغم من عدم وضوحه، فإذا رأهما أحد سيعتقد أنه شورت، وقميص تم شرائه على وضعه دون أكمام.

ولكن تلك عادتها فهي وإن كانت لا تحب أن تتنمر على أحد، أما إذا كان الانتقاد هي المعنية به، ففي تلك الحالة ستكون سيدة المتنمرين الأولى وبلا منازع، إذ أردفت تقول بتهكم على حالها:

-مقص دار إيه يا اللي يتقص لسانك من لغلوغه، ده الخط شبه الزجزاج.

- وعملالي فيها مصممة أزياء؟!

- اكتمي ها!! اكتمي أحسن لك.

تمهلت وهي تمد الطرف إلى عنق المنطال المحاوط لخصرها الذي يتسع عن مقاسها بأربع أو خمس درجات إن لم يكن أكثر وهذا ما جعلها تتشبث به أمامه؛ خشية من أن يسقط إلى كاحلها وتقف أمامه شبه عارية.

لذا التقطت لفافة الشاش تجذب طرفها تاركة تكورها ينسدل على الأرض وهي تلف طرفه حول خصرها لتأخذ المقاس بدقة.

ومن ثم قطعت ثلاث مقاطع من اللفة بنفس طول المحيط وصارت تجدل منها ضفيرة لتستخدمها كحزام لهذا اللعين الذي لا ينفك منحصراً عن خصرها لأسفل، وفي أثناء انشغالها بربط ما صنعت بعد أن مررته بالفتحات المخصصة له بعراوي المنطال، تسلل إلى مسامعها أصوات آدمية تقترب من باب الغرفة.
        ❈-❈-❈
لذا هرعت ليحتل جسدها السرير، وهي تسدل عليها الغطاء لتخفي جريمتها، ولكن هيهات فإن خبأت جزئها السفلي، فماذا عن ذراعيها الظاهرين.

أخذت ترقب الباب بأعين لا تحيد عن مقبضه حتى أداره مَن بالخارج، ومَن عساه يكون؟

إنه هو! (أرون) بشحمه ولحمه، وبيده حامل طعام يتقدم به إلى الداخل بعد أن أغلق الباب بقدمه، ومن ثم أسند الحامل إلى جوارها على السرير.

لوى ثغره بتسلية وهو يرى عبثها بملابسه، وبالرغم من ملاحظتها لتعبيره هذا، إلا أنه لم يعقب، بل سألها يقول:

- كيف حالكِ الآن؟ هل تشعرين بتحسنٍ؟

ردت عليه بابتسامة عذبة ووجهٍ مشرق، صارفة النظر عما يتملكها من إعياء، وتبدل أحواله معها فيما لا يقل عن نصف ساعة قد أصابها بخلل دماغي، تقول :

- أجل أنا على خير ما يرام، هل يمكنني الرحيل؟

أجابها بدبلوماسية، مردفاً :

- القرار ليس عائد لكِ، ولا لما أريده أنا.

(كيتي) بتساؤلٍ ساخر : - لمن إذاُ ؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي