البارت ١٠

عند الصديقتين (ماتي) و(سارو)
انفرجت شفاه (ماركوس) بابتسامة بلهاء؛ فبالرغم من تعدد علاقاته إلا أنه لا امرأة من بينهن أقدمت على خطوة كتلك، وهو يعني هنا أنه لم يجد بينهن مَن تخطت كل الخطوط الحمراء واختارت له اسم تدلله به.

دوماً ما كنت العاهرات تتغنجن للفت انتباهه ولكن لم تفعلها غيرها وهكذا دون رسم أو تخطيط أنثوي ماكر ومبتذل.

كلهن شريكات فراش لليلة واحدة ومن كثرتهن لا يتذكر أسماء ولا عدد، وربما يقابل منهن مَن مارس علاقة معها ولكن لا يذكرها؛ فعندما يفرط بالمشروب لا يفرق معه ملامح ولا صفات فالتركيب الجسدي واحد لبنات حواء، فما الفارق بينهن إذاً؟!

(ماركوس) محركاً شفاهه يتلذذ بترديد ما قالت باستمتاع : - (مارك) !!

وكان الصمت من نصيبه هذه المرة إذ أقدم هو على تكميم بوق السماعة يتحدث إلى حاله، قائلاً بانتقادٍ لاذع :

- ماذا هناك؟! هل أُصبت برأسك (ماركوس)؟! هل بعد كل مر عليك من أصناف النساء لا زلت مراهق تلتمس بعض الدلال ؟!

- تحكم بحالك يا رجل! أتريدها أن تعتقد أنك محروم بائس !!

(ماتي) بدهشة، وهي تضع يدها على البوق، تلتفت برأسها إلى (سارو) التي تكمم فمها براحة يدها تحاول منع حالها من الضحك فكلا المتحدثان بهما من خفة الظل والعقل أيضاً ما يجعل المستمع إليهما غير قادر على التحكم بنفسه.

كل ما يضجر (سارو) في هذا الحوار أنه لا يوجد لديهما بعض من المقرمشات، وفي حال أن وُجِدت لكان الإنصات إلى هذه الفقرة أكثر متعة.

(ماتي) بعبوس :

- لا صوت! يبدو أنه قد أغلق الخط !

التقطت (سارو) السماعة من يد (ماتي) تردد:

- ألو...سيد (ماركوس) !!

انتبه (ماركوس) بعد هذا النداء ولكنه اندهش كونه ميز اختلاف الأصوات أو ربما الطريقة أيضاً، ليقول بحدة بعد أن قطعت عليه (سارو) شروده :

- مَن أنتِ؟! وأين (مارتينا) ؟!

: - ما به ؟!

هذا ما قالته (سارو) ل (ماتي)، وهي تلقي إليها السماعة بانتفاصة فزع عقب التغير المفاجئ بنبرة صوته من المرح إلى الغضب وبلحظة، ولا تعي سبباً لذلك فهي لم تخطئ بشيء.

التقطت (ماتي) السماعة تجيبه على الفور، وبرغم توترها بسبب ردة فعل (سارو)، إلا أنها جاهدت لتبدو طبيعية، فأردفت تقول :

- على رسلك يا برو!! لِم النزق ؟! ها أنا معك !

تمتم بصوت غير مسموع، يقول :

- اللعنة !! أين (مارك) اللقب خاصتي ؟!

تحمحم يجلي صوته وهو يقول بنبرةٍ سلسة وتلك المترقبة تلوي ثغرها باستنكار، فعلى ما يبدو أن صوتها لا يعجبه :

- حسناً (ماتي)، ما المعلومات التي تريدين معرفتها ؟!

(ماتي) بعملية :

- كل شيء سيد (مارك).

سبة نابية خرجت من بين شفاهه ولم يتمكن من منعها، ولكنه رفع يده تلقائياً إلى بوق السماعة، وهو يضيق عينيه بتوجس لا إلا تكون قد استمعت إلى هذه اللفظة البذيئة، ولكن على ما يبدو أنه فعلها بالوقت المناسب إذ لم تعقب (ماتي) على ما قال.

بينما تبدلت معالم وجه هذا ال (مارك) من التسلية والمرح إلى الخيبة، فها قد عاد طربوش التحفظات ليتدلى مُعلقاً بطرف لسانها ولكنه أخذ يواسي حاله ب (مارك) مقرراً بأنه سيفكر في تعميم هذا اللقب ما بين المعارف والأصدقاء ولكن (چاكوب) قطعاً لن يعجبه ذلك، إذ منع كل الرفقة والمقربين من تدليله هو شخصياً.

(ماركوس) بإيضاح :

- لا تقلقي (ماتي)، الحفل سيقام بمكان مفتوح بفضاء إحدى الفنادق المعروفة وسيحضره العديد من المشاهير.

التمعت عينا الفتاتين بفرحة عارمة وأخذتهما الحماسة، فإذا كان الأمر هكذا فإلى جانب الأجر الذي سيتقاضوه، ستكون هذه فرصة لن تعوَّض فربما يحالفهما الحظ، ويكتشف أحد موهبتهما، أو تتعرفان هناك على مَن يمكنه مساعدتهما للوصول إلى عالم الشهرة والاحتراف، مَن يعلم ؟!

إذ أن (سارو) تمتلك صوتاً كروانياً صداح، ذو بحة برغم قوتها إلا أنه صوت ناعم ومؤثر، تبرع في تأدية كافة الألوان الطربية، بينما (ماتي) عازفة بيانو ماهرة وتجيد العزف أيضاً على الآلات الوترية.

أمأت (سارو) إلى (ماتي) برأسها كعلامة قبول وهي تشير لها بالاستمرار، فتأهبت الأخيرة تستجمع شتاتها، مستكملة باقي استفساراتها :

- يا الله (مارك)!! لِم الغموض يا رفيق ؟! هل اسم الفندق سر من الأسرار الحربية !!

(مارك) بانتشاء، فها قد عادت إلى سجيتها مجدداً :

- لا سر ولا شيء يا أخ (ماتي)، إنه فندق.......عند سفح جبال (واساتش) على حدود (يوتا).

- آه، نسيت أن أخبرك إنها الليلة.

(ماتي) بخيبة فكيف لإحداهما أن تستعد لحفلة كهذه في ظرف ساعات قليلة ؟!

والأهم كيف لأي منهما السفر إلى هناك، وكلاهما مهمشتان بلا أوراق سوى بطاقتي هويتهما وشهادتي التخرج، و(سارو) حظها أسوء فحتى اسم والدها المدون ببطاقتها الشخصية اسم وهمي لا وجود له؟! لذا أجابته باعتذار:

- لن نتمكن من مساعدتك في هذا، فإجراءات السفر وحجز التذاكر سيستغرق وقتاً طويلاً.

- وكذلك ما مِن أحد يعمل هنا يحمل جواز سفر.

قهقه (ماركوس) على ما عقبت به (ماتي) ولكنه يعذرها عن أي أوراق تتحدث؟!
فمن ستأتي ضيفة إلى الحفل ستكون برفقة آل (ألبرتينو)، أي لا مطارات ولا جوازات سَتُحُول دون انتقالها، لذا أردف يقول مِن بين ضحكاته :

- لا تشغل بالك بأوراق ولا غيره وحتى السفرة لا تعول همها يا صاح.

- جل ما أريده أن تكون الفتاة جاهزة وعلى المستوى المطلوب خلال ثلاث ساعاتٍ ونصف لا أكثر.

- وستخرج من مكانكم بالسيارة وتسافر بمعرفتنا وسنوصلها إليكم حتى الباب.

ابتسمت كلا من (ماتي) و(سارو) وقد انبلجت أساريرهما، وذلك بالرغم من تخوفهما بشأن الفكرة برمتها؛ فكيف ستقدم لهما الحياة فرصة كهذه على طبق من ذهب ودون عوائق ؟!

الفتاتان مردفتان بانتصار :
. Yes-

ومن ثم استعادت (ماتي) وقارها تعاود خفض يدها عن البوق، قائلة :

- ما دامت مُيَسَّرة على هذا النحو، لِمَ تعقد الأمور (مارك) ؟!

(ماركوس) بتسلية :

- مَن منا الذي قال أنها معسرة ؟!

(ماتي) باندفاع : - أنا.

(ماركوس) بمشاكسة :

- إذاً تستحقين العقاب على طريقة عزيزك (مارك).

أحمرت وجنتي (ماتي) خجلاً، فبالتأكيد لا يعني ما خمنته لذا تطرقت إلى استفسار آخر :

- ماذا تريد أن ترتدي مرافقتك؟! وهنا أعني الألوان، لكن ما سترتديه الفتاة لن يكون سافراً مهما بالغت في العطاء.

(ماركوس) بتفسير :

- أولاً، لن تكون مرافقتي أنا.

- ثانياً نحن لا نتحدث هنا عن راقصة ولا فتاة ليل، المرافقة ستُقدَّم للضيوف على أنها سيدة مجتمع لا غانية في ملهى ليلي، لذا يجب أن تتصرف الفتاة مع الحضور على هذا الأساس.

- سيدة مجتمع لا تنسَ ذلك.

ابتسمت (ماتي) لرفيقتها (سارو) التي تجدد لديها النشاط، إذ حضرت كليهما إلى المنزل أمس في وقتٍ متأخر من الليل وقد أنهكهما التعب.

فقد ظلتا طوال فترة ما بعد الظهيرة حتى منتصف الليل تتناوبان عرض الفقرات في حفلة عيد ميلاد لأطفال في السابعة من عمرهم ما بين عروض المهرج والساحر ولعبة الألغاز وكذلك فقرات غنائية تولَّت فيها (سارو) المهمة كاملة.

وبالأخير قد حضر والد الطفل الذي قال أنه قد تأخر بسبب ظروف عمله، وفور ما إن وقعت عيناه على (سارو) التي كانت ترتدي زي أميرة مع لمحة رقيقة من مساحيق التجميل حتى هام بسحرها وظل يلاحقها بنظراته طوال المدة المتبقية من الحفل.

أما عن زوجته الخرقاء فبدلاً من أن تفقأ عين هذا الزوج المتبجح، ألقت اللوم على مَن لا ذنب لها وافتعلت المشاكل معها ومع (ماتي)، كما أنها وجدتها حاجة لتبخس لهما أجرهما، فتعبا وكدا وضاع مجهودهما هباءً بسبب وقاحة الرجل وغيرة تلك الحمقاء زوجته.

(ماتي) بثقة :

- لا تقلق سنكون عند حسن ظنك (مارك).

(ماركوس) بمرح، يقول :

- أكثر ما يقلقني هو الثقة الزائدة بالنفس.

- على العموم سنرى.

- بالأول أريد معرفة بعض الأمور عن الفتاة هل....

قاطعته (ماتي) تسأله بفضول أو ربما شيء آخر لم تتمكن من تحديده بعد :

- لقد قلت إن الفتاة التي تريدها لن تذهب برفقتك، ستذهب برفقة من إذاً؟!

(ماركوس) : - برفقة أخي الدون (چاكوب).

الفتاتان في كورال بنغمة واحدة كالسابق، معقبتان :

- مَن ؟!

(ماركوس) مقاطعاً ليستكمل عنهما : - اللعنة !

- ماذا هناك ؟! ألن ينتهِ عرض الصدمات المفاجئة هذا ؟!

- ما الاختلاف إذا ذهبت تتأبط ذراعي أو ذراع رجل آخر ما دامت مدعوة إلى حفل محترم وعلى الملأ ودون أية تجاوزات! وستذهب صحيحة وتعود دون أن ينقص منها إصبع واحد ؟!

(ماتي) بداعبة لتُجلِ بها توتر الأجواء، مضيفةً :

- كلامك لا غبار عليه (ماك)، أصبحت كثير التذمر يا مان.

- هدأ من روعك الأمر لا يستحق أن تصاب بذبحة أو جلطة.

(ماركوس) بأعين جاحظة :

- اللعنة !!

(ماتي) بتراجع :

- ماذا هناك ؟! أنت من عدت إلى فقرة الصدمات المفاجئة، ومنذ قليل كنت تنتقدني بسبب هذا !!

(ماركوس) بشفاهٍ مزمومة :

- (ماتي) ! عزيزي !

(ماتي) بمجاراة :

- نعم حبي !!

لِم كل شيء من تلك البلهاء له رونق آخر، (مارك) ! (ماك) ! حبي !

نفض (ماركوس) عن رأسه أفكاره الأكثر بلاهة تلك، وهو يقول بحزم :

- اغلق فمك (ماتي) حتى أستطيع قول جملة مفيدة.
❈-❈-❈
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي