البارت٥

*في برج المراقبة خاصة (صياد الوحوش).
(أرون) بسخرية :

- أجل وبكل تأكيد، كنت هنا طوال الليل، ولكن عليكِ أن تكوني ممتنة لذلك.

- فمن الممكن أن تتصدر جرائدكِ الصفراء قائمة الأكثر رواجاً، هذا ما إذا أنشئتِ مقالاً، وأرفقتِ به صوري تحت عنوان _ليلتي مع (أرون دانييل) صياد الوحوش_ ما رأيك ؟

- أعتقد أنه عنوان مثير وملفت !

قال ما قاله بشيء من الجدية حتى وإن شابها التهكم اللاذع؛ مما جعل الدماء يتدافع إلى بشرة وجهها حتى صارت ملتهبة كالجمر.

فأردفت تقول بتلبكٍ وذلك بالرغم من تعنتها ومحاولاتها المستميتة لإلا تظهر تأثرها بما يريد الوصول إليه من تعقيبه المستفز هذا :

- لا!! لا تكن متحاذقًا، أنا لم أقضي الليلة معك!

اقترب منها (أرون) وهو يومئ برأسه في إيجاب، يقول بتأكيد :

- أجل عزيزتي، لقد حدث ذلك بشكل أو بآخر، كل ما في الأمر أن الصورة تحتاج إلى إيضاح، كما أن الطبيب هو مَن أمرني بذلك صغيرتي.

قال الأخيرة وهو يتكأ على كل حرف، صغيرتي !!
هل استغل هذا الخسيس غيابها عن الوعي وانتهك عذرية جسدها، وبشكل لا إرادي توجهت أنظارها تتمعن النظر بالشرشف الذي يغطي الفراش.

ولكنها لم تلحظ أي شيء من شأنه ينفي أو يؤكد ما ظنت به كون الغطاء المسدل عليه بإهمال قد حجب الرؤية عن ناظريها، وسيكون من السخيف إذا توجهت إلى السرير تزيح عنه الغطاء؛ لتتحرى ما في الأمر، ولكن عوضاً عن فعل هذا، تسائلت باستفسار :

- وما دخل الطبيب فيما تدعيه الآن ؟!

مد يده يرفع خصلة من شعرها الثائر عن جبهتها يتحسس موضع إصابتها برقة، وهو يقول :

- لقد أُصبتِ إصابة بالغة (كيتي) فاضطررت إلى إحضار صديق لي يفهم بأمور الطب والعلاج ليفحصكِ.

- وهو مَن أقر بضرورة بقاء أحد إلى جوارك ليتابع حالتكِ؛ خوفاً من حدوث انتكاسة او ما إذا ارتفعت حرارتكِ بدرجة كبيرة، فهذا سيشكل خطراً على حياتك.

أقشعر بدنها، وما إن أسدل يده عنها، رفعت خاصتها لتتبين مدى الضرر الذي لحق برأسها ومن وقع ملمس هذا الورم وما لاح أمام عينيها عند رؤية انعكاس صورتها بمرآة الحمام علمت أنه من الواجب عليها أن تشكره، ولا تعلم كم مرة يتوجب عليها فعل ذلك !!

ولكن شغلها شيء آخر عن واجب الشكر الثقيل على قلبها، ألا وهو ارتجافة جسدها استجابة للمسة يده، ولا تعلم إذا كان هذا بسبب الألم أو تأثراً بملمس أصابعه الدافئة على موضع الوجع، ولكنها لم تطل في التفكير لإيجاد أسباب.

وسواء أكان السبب هذا أو ذاك، فما يُحتمه عليها العقل هو أن ترحل من هنا؛ إذ بات البقاء مع (أرون) شيء يستحيل عليها تحمله ولو لساعة إضافية، وبموجب هذا الرأي العقلاني أردفت تقول بكل وقار استطاعت تقمصه فقربه يثير اضطرابها حد اللعنة :

- أرى أنني قد تسببت لك في الكثير من الإزعاج والمتاعب؛ لذا يتوجب علي أن أرحل والآن.

لا تعلم أ ما لاح بعينيه عناد أو خيبة أم رفض لما أقرت وتعنت منه دون أسباب؟!، وإجابته على طلبها كانت محيرة أيضاً، وذلك عندما قال :

- ما تطلبينه مستحيل؛ حتى إذا سمحت لكِ بالرحيل، فحالتكِ لن تسعفكِ للسفر، أرى أنه يجب عليكِ أن تعودي إلى التخت.

- وسأجلب إليكِ أقراص مسكنة للوجع تلك التي قد وصفها لكِ الطبيب.

صاحت (كيتي) تقول بإعتراض :

- لا، لا تقولها، أمعنى هذا أنك تريد احتجازي هنا ضد إراداتي، هذا يعتبر خطف وإكراه.

أضاف (شيزار) بحماسة : - وحبذا لو تبعه اغتصاب.

أشاح (أرون) بوجهه عنها، وهو يسدل أهدابه ليخفِ لمعة الحسرة التي لاحت بمقلتيه، فلم يتخيل أنها ستقذفه بإتهام كهذا خاصة بعد ما فعله من أجلها، وكذلك رد فعل استهجاني لما يضخه (شيزار) برأسه من أفكار، ومن ثم قال بتهكم :

- هذا إتهام خطير ويجب عليكِ مقاومة فاعله، هل ترغبين بأن أوصلكِ برقم النجدة لتبثي إليهم دعواكِ ضدي، أم ماذا؟

أجابته تقول بتحدٍ سافر :

- نعم بالطبع.

أشَّر (أرون) برأسه ناحية الباب، وهو يقاوم ارتجاف عضلات وجهه التي تنم عن انزعاجه الشديد ليبدو طبيعياً، حتى لا تفسر غضبه كونه خائف من تهديدها السخيف هذا، وبسط يده أمامها كإشارة لها بالتقدم، يقول بثبات:

- لكِ ما أردتِ، هيا لنفعلها.

قالها وخطواته سبقتها باتجاه باب الغرفة، وهي تتبعه بخطوات متعثرة، وبدر منها سؤال محير:

- هل ستسمح لي بذلك فعلاً ؟

أجابها (أرون) بحزم وتأكيد :

- قطعًا سأفعل، ويجب عليكِ ألا تتراجعي، فالخطف فعل شنيع لابد وأن يعاقب مَن ينتهجه!

(شيزار) بتذمر : - هل من تحرش على الأقل قبل التواصل مع الشرطة أيها الأحمق!!

أجابته بتحفزٍ :

- سأفعل، و....

تلاشى صوتها بعد أن التفت إليها (أرون) يقابلها بنظرات باردة وملامح وجه صارمة لا تلين، ومن ثم أردف يقول بسخرية:

- دعيني أكمل عنكِ! ستفعلي ولكن ألن يبدو هذا تصرف سخيف ووقح أيضاً؟!

تهربت (كيتي) بنظراتها عنه، وهي تجيب عن سؤاله باستفسارٍ مختصر:

- لماذا إذاً ؟!

أجابها (أرون) بحاجب مرفوع، وأعين مستديرة دهشة بسبب تبجحها، لا! وتسأل أيضاً عن السبب:

- لماذا !!

- لنقل مثلاً إنك ستبدين ناكرة للجميل كونكِ تقدمين شكوى ضد شخص أنتِ مَن تعديتِ على حدود أملاكه لتتلصيين وتلتقطين صوراً له بالرغم من رفضه صراحةً لذلك، ولكنكِ أصريتِ على اختراق خصوصياته.

- وفي المقابل عندما رآكِ تُعرِّضين حياتكِ للخطر، لم يتوانَ عن مساعدتكِ وأنقذ حياتكِ و....

قاطعته (كيتي) تقول بحماقة :

- كان يمكنني الاعتماد على نفسي.

لم يجادلها، وكذلك لم يُعقب على اعتراضها السخيف، بل تابع وگأنها لم تتفوه بحرف، يكمل قائلاً :

- وأحضرتكِ إلى بيتي، وغسلت...

تمهل عن عمد وهو يرسم على شفاهه ابتسامة شامتة عندما رأي الدماء تتفجر من خديها اللتان أمتقعتا بحمرة الخجل، ومن ثم كرر باستفزاز:

- وغسلت جروحكِ بنفسي، وسارعت في إحضار طبيب لمداوتكِ!

- في الحقيقة لا يبدو لي أن هذا يعد اختطاف، ولكن إذا كنتِ ترين شيئاً آخر لا أراه وقد تؤيدكِ فيه الشرطة، فلتفعلي وعلى الفور.

وعندما لم يجد منها رداً رفع كتفيه باستسلام، وهو يقول بتحدٍ :

- لا أعتقد أن الشرطة ستلتفت لسخافة كهذه، ولكن يمكنني استدعائهم على الفور.

رمقها (أرون) بعناد، وتمهل ينتظر ردها بنظرات تهكمية مغيظة، وهو يتأهب لفعل ما قال بكل غطرسة، ولم يلن لنظراتها المتوسلة لأن يرأف بها، بل ظل متجمداً بأرضه على أعتاب باب الغرفة، ولكنها إذا عاندت وأصرت على ما قالت ستبدو بالفعل حمقاء غبية،  وسيجعل من نفسه بطلاً قومياً، أو كان ينقصه ذلك ؟!

فهو بالفعل (أرون دانييل) صياد الوحوش.
وما مِن شهرة تضاهي هذا اللقب !

لذا أطرقت (كيتي) رأسها بخزي، تتمتم بتراجع :

- أنا أعتذر لك عن كل ما صدر مني.

- ولا أريد إبلاغ أحد بشيء، انس أمر الاتصال بالشرطة.

- ولكنني حقاً بخير ولا أريد أن استريح بالتخت، جل ما أريده هو الرحيل، أرجوك !

ترى سيدعها ترحل أم لشيزار رأي آخر ؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي