البارت٧

(كيتي) بتساؤلٍ ساخر : - لمن إذاُ؟!

(أرون) بإقرار :

- بالطبع سنتبع إرشادات الطبيب.

التمعت عيناها ببارقة أمل عند سماعها لما عقب به وهي تكرر بشرود : - الطبيب ؟

رمقها (أرون) بنظراتٍ من أعين خبير، بعد أن أفصحت عينيها الآملتين عما تخطط له، فعلى ما يبدو أنها تفكر بطلب المساعدة من الطبيب، ولكن إذا كان عقلها يقودها إلى ذلك فهي مسكينة !

(أرون) بتحذير :

- أجل الطبيب، فهو على وشك القدوم في أي لحظة هذا إذا لم يُعقه شيئاً بالوقت الحالي، ولكنه حتماً سيأتي.

- ولمعلوماتك فهو صديقي الصدوق، لذا لا تتتعبي حالك في استمالته.

شهقت باستنكار، تقول بنفي :

- أنا لم استمل أحداً بحياتي، ولن أفعلها الآن.

فرك (أرون) راحتيه بتسلية ويبدو أنها حركة يعتادها عند شن هجوم، ومن ثم جلس إلى جوارها على الفراش وهو يزيح حامل الطعام عند نهايته، يقول معقباً :

- حقاً ؟! يبدو أنه قد اختلط علي الأمر عندما أتيت إلى هنا بصباح أمس تطرقين باب قلعتي وأنت تسبلين أهدابكِ بإغواء، وتطلبين صورة لي كمعجبة.

- لا أعلم لِمَ تكوَّن لدي انطباع حينها بأنكِ تحاولين استمالتي وبطريقة مبتزلة!!

(كيتي) باستشاطة :

- ليس ذنبي أنه لديك مشكلة في الاستيعاب، هذا غير صحيح، أنا لم أفعلها.

صمتت لتقييم ما على وشك قوله، ولا تعلم لم تشوشت لديها مراكز الإدراك وجسدها يرتجف وقد سرت بأوصالها قشعريرة لذيذة إثر استجابتها الحسية لقربه المهلك هذا، ازدردت لعابها، وهي تسب وتلعن إذ لاحظ (أرون) تأثرها بهيئته وذلك عندما قابلته لأول مرة، ولكن ماذا عساها أن تفعل فهو وسيم برجولة طاغية!! وما مِن أنثى طبيعية لن يجذبها سحره الخاص.

أدركت لِم آلمها رفضه بالأمس ؟! إذ ظن أنها تعرض عليه حالها مقابل صورة، فرفض التعاون معها، هي لم تعني هذا بالطبع، ومع ذلك لا تنكر إعجابها به، وهذا الاعتراف يؤلمها أكثر، فهو لا يُكن لها سوى البغض والعداء.

مد (أرون) يده إلى كوب الحليب يناولها إياه، وهو يطبق أصابعها المرتعشة بلين حوله، ولم يتنحى بل ظل يدعم يدها الممسكة به، وها قد بدأت اللهفة تسري بأوصالها، أجل! لهفة قربه فهو قادر على إضرام النيران بكل خلية في جسدها من مجرد تلامس خفيف.

لا (أرون)!! هذا ليس عدل !!
وذلك كان احتجاج قلبها على ما يفعله بها، ومن ثم غامت عينيها بدموع القهر على أنوثتها المحطمة إثر جفاءه معها، وفي المقابل تشعر بلوعة تسري في شرايينها كلما هفت روحها إليه، تستغرب حالها فقد رأته بالأمس فقط.
وتسائلت كيف أمكنه أن يبدل حالتها ما بين ليلة وضحاها ؟!
والأكثر عجباً أن حتى هذه الليلة غابت فيها عن الوعي.

تمتم (أرون) يجذبها من بين طيات أفكارها إلى أرض الواقع، يقول بحث عندما توقفت يدها القابض عليها في منتصف طريقها إلى ثغرها :

- اشربي الحليب (كيتي)، هذا سيفيدك كثيراً.

ردت بأسى على حالها، تقول بسخرية :

- لا أعتقد أن هناك شيء سيفيد في حالتي هذه.

أجل ما عقبت به صحيح، كوب حليب لن يرمم خدوش أنوثتها، ولن يطيب كسرة قلبها بسبب دونية تعامله معها، جل ما يفيد في حالة كهذه أنه.......

نهرت حالها، فقد خيم على مخيلتها لحظة عناق يضمها فيها إلى صدره بحنان، أن....

زفرت بإحباط وهي تجاهد لصب كامل اهتمامها على الكوب الذي بين راحتيها، في محاولة منها بالثبات ومنع ارتجافة يدها اللعينة وهي تشجع حالها مُرجِعة ما بها إلى كونه رغبة مشوشة أو انجراف لحظي تجاه شخص غريب عنها وحتى ما تعرفه عنه لا يثيرها بل أتت إلى هنا مرغمة.

صوت بالداخل ينازعها قائلاً :

- حتى لو كانت رغبة غاشمة وستنسيه بمجرد خروجكِ من هنا، ولكن بالرغم من بساطة تلك الرغبة إلا أنها حقاً مخيفة.

أجل! ما يحدث بداخلها مرعب، كل ما يجب عليها فعله الآن أن تخرج في الهواء الطلق لا أن تضجع على سرير دافئ وهو إلى جوارها بهذا القرب، ويحتضن يديها بكلا راحتيه، كلها أمور ستؤدي إلى تدهور حالتها وحتماً سيلحظ تأثيره عليها، هذا إذا لم يكن شعر بذلك فعلاً.

تجرعت كوب الحليب دفعة واحدة لتنهِ هذا العذاب عله يترك يدها، فأفكارها الجامحة عنه ومعه بدأت تعرض صوراً أكثر قرباً لهما معاً.

(أرون) بتساؤل :

- هل يمكنكِ أن تأكلي ؟

حرصت على أن يكون الحوار بينهما لاذعاً، فسألته بعدوانية :

- أتقصد الخبز والعدس ؟

لامت (كيتي) حالها سريعا بعد ما تفوهت به من حماقات، إذ أجابها بحدة يقول :

- لا تتعجلي بشأنهما يمكنهما الانتظار حتى تتعافي، فلتجربي الآن التوست والبيض.

ومن ثم نهض من جلسته إلى جوار ها، يقول بجفاء وهو يخرج قنينة صغيرة من جيبه يناولها إياها :

- بعد أن تتناولي طعامك، خذي قرص واحد وحاولي أن تنامي قليلاً.

التقطت من يده عبوة الدواء، تنظر إليها بريبة، تتسائل :

- فيم تستخدم هذه ؟!

(أرون) بعدم استدراك :

- إنها أقراص مسكنة تركها لك الطبيب.

رفعت (كيتي) إحدى حاجبيها ترمقه باتهام ضمني، تسأله بابتسامة ساخرة :

- صديقك الذي كنت تتحدث عنه ويعرف بأمور الطب أم طبيب حقيقي ؟

(أرون) بنبرة صوت محتدة :

- هل أنتِ مخبولة أم إصابة رأسكِ قد أثرت على عقلك ؟!

- هل تعتقدين أنني أسعى لتخديركِ مثلاً؟!

- لا! وصديقي متواطئ معي في ذلك أيضاً !!

- إنه شخص محترم هذا إذا كنت لا تثقين بي مع إنكِ حاولتِ إغوائي وأنا مَن رفضكِ!

- إنها أقراص لعلاج ألم الرأس، ورأسكِ يؤلمكِ؟ كما أتمنى ؟!

شعرت بالخزي لما تفوهت به، لذا حاولت إثبات حسن نيتها السيئة بالفعل، إذ فتحت غطاء الزجاجة تلتقط منها أحد الأقراص، تدسه بفمها وهي تمسك بكوب المياه الموضوع على حامل الطعام، تبتلع منه القليل، ولكنه لم ينتظر استكمال هذه الفقرة وخرج على الفور يغلق الباب خلفه بحدة مماثلة للمرة التي سبقتها.

بينما تمتمت تقول بحنق :

- خربتيها وارتاحتي؟! نامي بقى يا فالحة.

زفرت تخرج أنفاسها ببطئ تحاول الاسترخاء فها قد سنحت لها الفرصة للشعور ببعض الراحة بعد أن تخلت عن أي مجهود كانت تبذله في حضرته لتبدو متماسكة وتجابهه بتحدٍ.

استلقت على ظهرها بأريحية تحاول الحصول على قسط من النوم وهي تسب ذلك ال (إبرام) بأبشع الصفات فها قد أوقعها بكارثة كبرى جراء الخدمة التي طلبها منها مقابل ما لديه من معلومات.

منذ البداية ولم تعجبها تلك المهمة لذا ظلت ترجئها إلى آخر وقت، وأتت إلى هنا وهي تدعو الله ألا تجده بالقلعة، فجل ما كانت ستفعله هو التقاط صورة للبوابة الخارجية لتعرضها على إبرام كإثبات أنها فعلت ما طلبه منها ولكن المقصود لم يكن موجود بالمكان، وحينها لن يكن بمقدور هذا اللعين (إبرام) أن يلومها.

ولكن لحظها العسر، ها قد قابلته وذلك بعد أن استقلت سيارتها تقودها على حسب إرشادات الموقع الذي أرسله إليها (إبرام).

وعندما وصلت إلى هنا بدت القلعة من الخارج ضخمة تحتل مساحة مربعة كبيرة من الشاطئ، حالها كحال قلاع عديدة مقامة بنفس المكان بغرض كشف المياه الإقليمية وكانت تستخدم قديمًا لرصد حركة سفن القراصنة.

صُدمت للوهلة الأولى من شكل هذه القلعة المهيب وفكَّرت في التراجع، ولا تعلم لِمَ لم تطاوعها أطرافها، فلا ساقيها استجابة لأمرها بالرحيل، ولا يدها لبت النداء بالامتناع عن قرع بابها، وها هي الآن سجينة (صياد الوحوش)

انتظرونا في لقاء قريب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي