البارت٣

خطى الدون (چاكوب) باتجاه مكتب القاعة يجلس على مقعده، ويده راحت تعبث بمخططات تصاميم المنتجع خاصته، وصور لمنشاءاته بعد أن انتهى المهندسون والعمال من وضع لمساتهم الأخيرة، ومقلتيه تنضح بالحماسة والنشاط.

ومن ثم تبدلت ملامحه من الصفو إلى العبوس، وذلك ما إن شرد بتلك الخائنة (ناتاشا)، إذ عَلِقت كلمات (ماركوس) في تفكيره بل ملاحظات جميع من حوله عنها وكان بكل غباء يتجاهل تحفظاتهم عن شخصيتها، فهي حقاً أنانية ووصولية أيضاً.

سيطر عليه الغيظ وهو يتذكر بعض من مقتطفات لحظاتهما الحميمية معاً، فهي كانت تجيد العزف على أوتار غرائزه الرجولية، فبالرغم من كونه زير نساء وهذا كان في السابق قبل أن يعلق بحبال عشقها الزائف إلا أنها استطعت أن تقود إنسان الكهف الشهواني الذي يسكن بداخله ببراعة وحرفية.

كانت تبالغ في إثارته، تفعل كل ما هو مباح وغير مباح لتسيطر عليه وتعميه عن أي عيوب بها، وبالرغم من أنها كانت متطلبة لأبعد حد، إلا أن هذا لم يكن يثير استياءه، فالمال يُجنى لإنفاقه والتمتع بمباهج الحياة!

لم يبخل عليها يوماً لا بماله ولا بمشاعره، لم يتذمر ولو لمرة واحدة عندما كانت تطالبه باصطحابها إلى أفخر دور الأزياء لتبتاع ما تريد، كما أنها كانت تسأله كل ليلة التنزه وارتياد أفخم الفنادق والمطاعم.

ناهيك عن سفراتها ومناسباتها المتعددة التي لا تنتهي وبكل مناسبة منها لا تنفك تسأله عما سيجلبه لها من هدايا ومصاغ وربما تقترح عليه ما تريد كسيارة أو طاقم من الألماس الحر وما كثرة مناسباتها!! فذاك عيد مولدها، وتلك ذكرى لقائهما الأول، وهذا تاريخ نفس اليوم الذي اسمعته به أول كلمة حب وكأنها تمن عليه بها، و.. و.. و..

كلها افتكاسات كان غرضها استنزافه مادياً، وقتها كان يستغرب ولكنه أبداً لم يعبئ.

طرق بباطن قبضته المتكورة سطح المكتب أمامه باستشاطة من حاله قبل أن يكون منها، فبالأخير هو مَن سلمها مقاليد أموره وأعطاه مفاتيح قلبه وجعلها تهيمن على حواسه، فالملام الوحيد هنا هو ولا أحد غيره.

فحتى مع تنكرها له بالفترة الأخيرة وكثرة تذمرها وابتعادها المفاجئ عنه وعن لقاءاتهما الحميمية وتحججها بأعذار واهية وسعيها إلى الخروج المستمر دون رفقته حتى أنها هجرت فراشهما، وكانت تبيبت معظم الأوقات لدى رفيقتها تلك ولكنه أبداً لم يشك بها.

أيام وليال قضاها في نزاعات وهي تشتكي تقصيره في حقها وتشعره بالذنب كونه انشغل عنها بالعمل، غفوات ظل يشعر فيها بالحرمان في فراش بارد كالثلج بعد أن عوَّدته على دفء إثارتها ولكنه أبداً لم يُرْجِع السبب إلى كونها ركضت لاهثة خلف أبله آخر، بل ظنها تتدلل ليس إلا.

وللحق، بالرغم من مقته الذي يملأ قلبه تجاه القميء (سيمانز) إلا أنه يشعر بالشفقة حياله إذ بعداوته التي يبرزها هذا المغيب الآخر في كل موقف يجمعه به تأكد الدون بأن تلك الحية (ناتاشا) قد أحكمت شركها حوله.

وإذا كان الدون قد استفاق من غشاوة عشقها الغادر لكن هذا السفيه (سيمانز) لن ينجُ من حيلها حتى تمتص آخر قطرة من دماء رجولته وماله أيضاً.

وإن كان الدون يتعاطف مع قرينه في الحماقة إلا أن (سيمانز) لم يدع أمامه خياراً آخراً فلا بد من أن يردعه عنه لا إلا يتجرأ الآخرون، بمعنى آخر لا مجال للتجاهل، بل سيسود مبدئ لا تراجع ولا استسلام.

كل هذا دار بخلد هذا المتجهم، ولكنه بالرغم مما عزم عليه وخطط له بشأن هذا الحفل إلا أنه ارتأى ألا يُقْدِم على أي خطوة قبل أن يبادر (سيمانط) بالغدر، يكفيه ما سيشرع الكابو في تنفيذه بعد هذه الغلطة الشنيعة التي اقترفها بحق كبيرهم أثناء الاجتماع، والفخ الذي أحكمه الوزير في قصة الحريق ذاك الذي نشب بمخازن الشحنة.

هو حقاً ممتن له كونه تصرف على هذا النحو فقد كان يخشى أن يرسل الوزير قوة من شرطة مكافحة المخدرات لضبط الشحنة ولكن على ما يبدو أن سيادة الوزير صادقاً في وعوده ومتحمس أيضاً لفكرة المدينة الصناعية.

ليس فقط لأنه سيكون شريكاً مساهماً من الباطن ولكن كون اتفاقهما هذا سيدحر أكبر قوى لإعاثة الفساد، وبها سيستتب الأمن داخل البلاد وهذا ما يسعى اليه وزير جديد في بداية توليه المنصب.

وذلك بموجب اتفاق مسبق تعهد فيه الدون (چاكوب) باستقطاب أكبر عدد من تجار السلاح والمخدرات لتمويل هذا المشروع والتوقف عن أنشطتهم غير المشروعة.

ولابد وأن يشكره ففي حالة ضبط الشحنة بشكل رسمي وقانوني بأرض تابعة لحيازة الدون كان سيوقعه بمأزق كبير مع الشرطة.

ولكن الوزير تصرف بحكمة، لا هو تركها بعد أن أبلغه (چاكوب) بأنه مضطر لتسليمها، ولا تسبب في مداخلات له مع الجهات المختصة بهذا النوع من القضايا التي حتماً كانت ستعرقل كل المخططات وستقضي على أي أمل في التراجع عن طريق بات الدون يمقته ولا يريد الاستمرارية به.
                   ❈-❈-❈
بعد خروج (ماركوس) من قاعة المؤتمرات توجه على الفور بكل همة ونشاط إلى مكتبه ولكن كل هذه الحماسة ليس من أجل إيجاد هؤلاء الخبراء كمطلب استقرت عليه الآراء بنهاية المجلس.

حتى وإن كان هذا أول شيء شغله وشرع في تنفيذه مرضاة للدون (چاكوب) وذلك فور دخوله من باب مكتبه.

حرصاً على إرضاء الدون فبالتأكيد إثارة حنق أخيه آخر شيء يريده الآن بل على الإطلاق، ولكن اليوم خصيصاً لابد وأن يكون (چاكوب) في أبدع حالاته المزاجية.

أما عن السر الكامن وراء كل هذه العزيمة التي تسيطر على (ماركوس) الآن، هو إيجاد بديلة وعلى الفور.

ظل (ماركوس) يبتهل إلى الله أن يعيق تعليقه الأخير أمام الدون قبل مغادرة القاعة كل مخططات قد تكون تلك ال (ناتاشا) قد نسجتها للإيقاع بأخيه مرة أخرى، فعاهرة كتلك كانت متزوجة برجل وتقيم علاقة مع آخر وجعلت صديقين مثلهما يقعان في عداء ضاري بهذا الشكل الشرس، لا يستعص عليها شيئاً.

جل ما يخشاه (ماركوس) أن تجعلهما يفتعلان المشاكل بسببها اليوم في هذا الحفل الذي بدأ (سيمانز) في الترتيب له منذ يومين، بالشكل الذي جعل كل مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن هذا الحدث الذي سيقام في سرادق أفخم الفنادق أسفل سفح سلسلة جبال (واساتش) على حدود ولايتي (إيداهو) و(يوتا).

وبالطبع لم تنس تلك المتسلطة تسريب الأخبار عن فرقة الجاز الموسيقية الشهيرة التي ستحيي الحفل على المساحة المفتوحة حول حمام السباحة التابع للفندق، وصور عن استعدادات إدارة المكان لهذا الحفل الضخم الذي ستقدم فيه أفضل الفقرات الترفيهية والاستعراضية وكذلك قوائم بأشهى المأكولات والمشروبات.

أما المدعوون فهم صفوة رجال الأعمال ونخبة من الناجحين في كافة المجالات وقطعاً تلك فكرتها التي نفذها المقاد خلفها دون ذرة تفكير واحدة.

فما دامت (ناتاشا) قد ملت العيش مع الدنجوان الأحمق (سيمانز) لن تجهض حالها وتضييع فرصة كتلك، حتماً ستستغلها وتسترق النظر إلى الحضور وتقرر مَن منهم سيكون فريستها القادمة.

وبعدها ستتخلص من الجنين كما فعلت في السابق مع (چاكوب)، ومن ثم تبدأ في واصلة النكد الزوجي كتلك التي اعتمدتها في مسيرة خلاصها من الدون مما ساهم في إثارة شكوكه حولها وساعد في كشفه حقيقتها، وبالأخير نجحت تلك اللعوب في إبعاده عنها وجعلته ينفرها، ولها فترة تحاول استقطابه مرة أخرى، ولهذا يسعى (ماركوس) إلى منع ذلك بأي شكل لاجئاً إلى كافة الوسائل والحيل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي