البارت ١٢

في قلعة صياد الوحوش
قاطعها (أرون) قائلاً بنبرة حادة:

-لا آنسة، المخطئ الوحيد هنا هو أنتِ، أنا لم آتي إليكِ وأطرق بابكِ لأتودد بهذا الشكل...

لم يستكمل نعته المشين، ولكنها ليست على استعداد للرحيل الآن قبل أن تغير له الصورة البشعة التي أخذها عنها، لذا أردفت تقول باحتجاجٍ:

-من فضلك لا تسئ الظن بي، أنا لم أتصرف أي تصرف يجعلك تقول هذا، كل ما في الأمر هو فقط صورة أردت الاحتفاظ بها.

لم يعقب بكلمة ولم يبدو عليه أي تأثر ولو حتى برمشة عين ظل يحتفظ بثباته وهو يرتكز بنظرات عينيه الثاقبتين عليها، هدوئه أربكها وفي الوقت الذي كانت كل خلية في جسدها ترتجف، بدا هو كالصنم ولم تهتز عضلة واحدة فيه، زاغت نظراتها تحاول إيجاد سبيل لتصرف به انتباهه عنها، فها قد هالت قواها ولم تعد قادرة على إدعاء الصلابة والثبات، وبالطبع هو لاحظ ذلك.

مررت طرف لسانها على شفتيها تحاول ترطيبهما، بينما خفضت بصرها إلى حقيبة يدها تعبث بمحتوياتها لتحاول إيجاد البطاقة التعريفية الخاصة بها، ولكن إذا ظنت أنها ستتمكن من الهروب من عمق نظراته الحادة فهي مخطئة.

إذ بسط يده يلتقط البطاقة من خاصتها ولكن عينيه لم تَحِد عنها ولو بطرفة عين، قالت تحثه على النظر لما بيده:

-انظر؟ هل تأكدت الآن أنني لم آتي إلى هنا بغرض إساءة الأدب إنني مصورة محترفة، لقد أخطأت بحقي سيد (أرون).

بلهاء عندما ظنت أنها بهذا ستتمكن من تغيير الصورة التي كوَّنها عنها وتحسن من سوء التفاهم الذي حدث، فهو لم يكلف نفسه بالنظر إلى البطاقة بل خفض بصره يشيح بوجهه إلى اليمين حيث سلة القمامة المعلقة بالجدار الملاصق للبوابة يلقي البطاقة بها بإهمال، وهو يقول:

-لقد انتهت الزيارة.

تعتمت عيناها بغيوم الاستياء وهو يعاملها بهذه الطريقة المهينة ولكنها لن تستسلم لتحظى بما جائت من أجله، فأضافت سريعاً:

-سيد (أرون) إنها مسألة مهمة بالنسبة لي، فهناك صديق صحفي شاب يود كتابة مقالة عنك وطلب مني هذه الخدمة بأن التقط صورة واحدة لك.

-لن آخذ من وقتك كثيراً فقط بضعة ثوان لأكثر، ولست بحاجة إلى تبديل ملابسك، هيئتك تلك أكثر من رائعة.

إنها تقول الحقيقة فطلته البوهيمية هذه حقاً رائعة وجذابة، وقميصه الزيتي الباهت يتناسب كثيراً مع بشرته البرونزية، وأكمامه القصيرة تبرز بوضوح عضلات ذراعيه القويتين، وقد ترك أول زرارين منه مفتوحين ليبدو كأحد زعماء المافيا بطلته الرجولية الخشنة تلك.

ظنته سيتأثر بما قلت وسيسمح بعد منع، ولكنه لم يتحرك أيضاً، وأخذ يرمقها بنظرات وكأنه ينتظر منها إضافة المزيد أو ربما أطربه إبداءها الإعجاب بهيئته، وإذا كان ينتظر أن تستكمل فها هي ستفعل وذلك بعد أن ابتلعت تقول:

-يمكنني أن أدفع لك مقابل هذا.

سألها بإبهام : - حقاً؟!

أجابته على الفور بغباء وهي تبتسم إذ ظنت أنها وصلت أخيراً إلى هدفها:

-أجل بالطبع، ما دام أجراً معقولاً.

رد الابتسامة بأخرى رجولية عذبة، وهو يقول متسائلاً بتلميح:

-وإذا لم التزم بحدود؟!

اللعنة!! لِمَ يضعها منذ أن تقابلت أعينهما في خانة فتيات الليل أو بائعات الهوى.

صدمها رده، مما جعلها تتجمد بمكانها عاجزة عن الحراك، ليس لكونها لازالت مصرة على الحصول على الصورة ولكنها ببساطة فقدت التحكم بساقيها.

والأكثر خزي أنه ظن ثباتها هذا قبول لِما دار بينهما دون تصريح، فدنى إليها ينهي تلك المسافة الصغيرة بينهما، مجبراً إياها على التقهقر خطوة إلى الخلف وهي ترفع رأسها إليه تناظره بأعين زائغة بتشتت، إذ لم تتوقع أنه سيقترب منها إلى هذا الحد مخترقاً مساحتها الشخصية.

وأثناء حالة التيه التي تملكتها رفع يده يتحسس عنقها بأطراف أنامله ببطئ مهلك، وهو يأسر نظراتها بخاصتها، وحاجبيه يرتفعان قليلاً مع انكماش بشرتها التي سرت بها قشعريرة لذيذة وكأنه بهذا يقول: - أشعر بلهفتك.

تمتم عن قرب وأنفاسه تداعب ملامح وجها برقة وعينيه تجذبها إليه بسحر غريب، يقول بهمسٍ مغوي:

-(كيتي) أنت حقاً جذابة ودافئة أيضاً.

قالها وأنامله تعرف طريقها بتمرس خبير، فتسارعت وتيرة تنفسها بعد ما ألقاه على مسامعها من غزل وباتت مغيبة عن أرض الواقع.

وبينما هي على تلك الحالة، تبدلت نظراته من الشغف إلى النفور وهو يقول بغلاظة:

-كان يتوجب على رفيقك هذا أن يخبركِ، بأنني لا أحب التعامل مع جرائدكم الصفراء مهما كانت المغريات، عرضك الرخيص مرفوض آنسة (كيتي).

قالها وهو يرفع يده عن فتحة قميصها، فاستغرق الأمر ثوان لتستوعب ما الذي يعنيه وتستفيق من نشوة إحساسها به.

وكان رد فعلها التلقائية هو أن رفعت يدها تود صفعه على وجهه ولكنها ما إن همت لتفعل، وجدت قبضة كالكماشة تقبض على معصم يدها، يعتصرها بين أصابعه بخشونة، وهو يميل إلى وجهها يفحها حديثه الغاضب من بين شفاهه المزمومة، هادراً فيها بحدة وهو يقول:

-أتعلمين لولا أنك امرأة لعلمتكِ آداب التعامل، ولكن من الواضح أنكِ خرقاء ومتبجحة.

-انصتي جيداً لما سأقول.

لم ينتظر منها رداً، بل استكمل يضغط بتحذيراً على كل كلمة تخرج من بين شفتيه:

-إياكِ! أسمعتِ؟! إياكِ وأن أراكِ مرة أخرى بالقرب من هنا، فإن فعلتِ سألقي بكِ في زنزانة القلعة لحين أن أقرر ما إذا كنت سأسمح لكِ بالرحيل أم سأدعكِ تتعفنين بها حتى الموت.

قالها وهو ينفض يدها من بين خاصته بحدة، يستدير موالياً ظهره إليها، متوجهاً إلى الداخل، صافقاً الباب خلفه، ويبدو أنه يحبذ تلك العادة ولا تعلم ما ذنب هذه الأبواب في قلة صبره.

كادت أن تقع وهي تنتفض من على السرير بعد أن أحست بنفس إجفالها عندما استمعت إلى صوت صك الباب، وكأنها لا زالت محشورة بهذا المشهد.
ليتها التزمت بما قال وركضت بعزم ما أوتيت من قوة لتبتعد عن هنا قدر استطاعتها.

حمقاء وتقر بذلك، ولكنها ستفعلها وفي أقرب فرصة.

وبينما هي على تلك الحالة من الشرود داهمها النعاس، وتثاقلت أجفانها واستسلمت إلى سلطان النوم وهي تعزم على الهروب منه مهما كلفها الأمر، وستفعلها حتماً ولكن بعد أن تستيقظ!!!!!!!

ترى ستتمكن (كيتي) من الهرب؟! وهل هي حقا ترغب بهذا؟!
  ❈-❈-❈
لازلنا عند الآملتين (سارو) و(ماتي)

أقرت (ماتي) بعد جدية ما يقوله (ماركوس) أنه على أي حال ما مضى كان فترة وانتهت، ويبدو أن هناك عهداٌ جديداً سيبدأ، هذا إذا ما وفقت إحداهما ووجدت لنفسها فرصة كمطربة في حالة (سارو)، أو عازفة كما تبدع (ماتي) أو لفتت واحدة مِن بينهما نظر منتج أو مخرج ليعطها دوراً ولو صغيراً في أحد أعماله، وإن كانتا كعارضتي أزياء فهذا أقصى طموحهما

جل ما يهم فرصة!! أي فرصة! ومَن ستصل منهما إليها ستكون دعماً للأخرى، لذا عليهما بذل كل ما بوسعهما من جهدٍ لتسلط عليهما الأبصار في حفل كهذا.

(ماتي) بنزق:

-ها قد استعديت لأسجل. 

عبث إبهام (ماركوس) بشاشة هاتفه المحمول يفتح قفل الشاشة، ناقراً على جهات اتصاله يبحث عن رقم معين، ومن ثم أملى عليها الرقم، مضيفاً:

-هذا رقم أحد أتيليهات الملابس النسائية الخاصة بالمناسبات والسهرات.

-اتصلي بهم واعطيهم القياسات والمواصفات الخاصة بالألبسة التي تريدانها وستصلكما على الفور.

-وسأوصيهم بإرسال واحدة من قسم التجميل لتساعدكما في الاستعداد، ولكن يجب أن يتم هذا سريعاً.

سحقاً!! من المخجل أن تخبره بأن مصلحة الهواتف قد قطعة عنهما الحرارة منذ يومين بعد أن تعثرا في دفع الفاتورة وصار بإمكانهما تلقي المكالمات فقط وحتى هذا لن يستمر طويلاً فسيقطعون الخدمة عليهما نهائياً بعد أسبوع من الآن.

وكذلك قد انتهت باقة الهاتف المحمول الوحيد لديهما والذي يستخدمانه هما الاثنتان هذا إذا ما غادرت واحدة دون الأخرى فتأخذه معها وذلك نادراً ما يحدث، ولكنها أجابته بحجة مقنعة تقول:

-هاتف العمل على خدمة الاستقبال فقط، ورقم هاتفي لا أعطيه لأحد ولا اتصل من خلاله پأرقام الغرباء.

-فقط جهات اتصالي، وكذلك تفعل الفتاة التي اتصلت بشأنها.

(ماركوس) بتفهم:

-ساعطيهم هذا الرقم وأبلغهم ليتواصلوا معكما.

بدأت (ماتي) في تسجيل ملاحظاته بشأن الثياب والتبرج، وكيفية التعامل وبعض الآداب التي يجب مراعاتها، ولم تنس (ماتي) مناقشته بخصوص الأجر ولم تحتاج إلى توصية.

فها قد فاصلته لتضاعف المبلغ لها ول (سارو) استناداً على أنهما فريق عمل، وكذلك كون الحفلة ستتطلب منهما العمل بعد الساعات المعتادة وهذا بالرغم من عدم وجود مدة محددة يلتزمون بها، وأقرب يوم الأمس فقد عادت كلاهما قرب الواحدة بعد منتصف الليل.

ولم تنسَ (ماتي) أن تأتي على ذكر بند التعويض عن المخاطر و الخسائر، حتى وهي تعلم أنه لا وجود لأي مخاطر فعلية قد تحدث، ولكن لا بأس فقد وضعته وحسب ضمن التكلفة.

جحظت عينا (سارو) بذهول إثر المبلغ الجزافي الذي اتفقت عليه (ماتي) مقابل حضورهما لحفل لو قال لهما أحدهم أنهما ستذهبان إليه بشكل مجاني لسعتا خلفه إلى آخر العالم.

فمنذ أن خلقهما الله وبدأت كل واحدة منهما تعرف لتلك الأوراق النقدية قيمة لم تتحصلا على واحدٍ بالمائة من نسبة هذا المبلغ، حتى بعد عملهما لسنوات بالأشغال اليدوية بالدار وتلك الفترة التي قضياها في العمل كشابين بالملاهي والأندية الليلية، كل ذلك مقارنة بحفل الليلة لم يكن ذا مردود.

تأكدت (سارو) بعد نظرات الغيظ التي أطلت من زرقاويتي (ماتي) ومن خلال ما تفوه به (ماركوس ألبرتينو) من حماقات، أن رفيقتها أخذت كل تجاوز قاله في حقها على كرامتها وقررت الانتقام، و(سارو) تقسم أن (ماتي) وضعت فكرة تخليص حقها منه هدفاً صوب عينيها وها قد بدأت عندما حملته كل تلك التكلفة.

ولكن هذا لا يذكر مقارنة بما تخطط له (ماتي)، بالفعل إنها شخصية مرحة حقاً ولكنها قلوقة لذا أخذت تحقق وتدقق بشأن الحفل وذلك ما إن انطبقت المواصفات المطلوبة على رفيقتها وليس قبل هذا، فقد كانت شديدة الحرص في تحري جدية العرض كون (سارو) شخصية رقيقة وهشة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي