الفصل الثاني عشر

حينما يكون الأختيار بيدى المرء ، فدائما سيختار الأنسان الأشياء التى يجد بها راحته ، ولكن هذا المنطق لا ينطبق على شئ فى الدنيا إلا شيئا واحد هو قانون السعادة فأذا اردت أن تربح شيئا لابد وأن تخشر شيئا اخر فى المقابل ، تريد المال ، تخسر الصحة ، تريد العائلة تخسر الراحة، تريد الصداقة تخسر الحب ، لذلك يكون دائما قانون السعادة ظالم ، فهو دائما ما يضع شيئان تحبهما مقابل بعضهما ، هذا ما حدث لسعيد فحينما كسب العمل والنجاح والمال وبعدها قرر ان يكسب الحب ، فخسر كل شئ حتى الصداقة ، والأن يحدث له خسارات أخرى بعدما أحس بالراحة والأسقرار حينما علم بوجود عائلة له وعاد صديقه المقرب له ، وأصبح ينعن بحياة سعيدة ، ولكنه لم يكتب عليه أن يأخذ شيئا من أسمه سوى حروفه فقط ...
توتر سعيد حينما سمع من المتر شريف بأن هناك مصيبة كبيرة فسأل فى صوتا يكاد أن يظهر عن ماهى تلك المصيبة التى أحلت عليه بعد يومان من السعادة المؤقتة .....
_ الوووو ... مين معايا
= انا المتر شريف يا سعيد
_ ازيك يا متر .. خير فى حاجة
= فى مصيبة
توقف قلب سعيد عن النبض منتظرا نبأ المصيبة الجديدة التى ستحل به ، ابتلع ريقه ورد عليه ..
_ مصيبة ايه يا متر
= عمك عمل حادثة وهو فى اسكندرية
_ انت بتقول ايه
= هو دا اللى حصل للأسف
كان هناك بعض الأفكار واللصوات بداخل عقل سعيد ولكنه حاول ان يوقفها لمعرفة باقى الخبر من المتر شريف
_ طب وعمى بخير
= البقية فحياتك يا شريف يابنى
ترك سعيد هاتفه بجواره حين سماع تلك الخبر حاول ان يتمالك اعصابه ولكن هيهات فمن بهذه الدنيا يقدر على تحمل مثل ما يتحمله سعيد ، كان سعيد ينظر امامه فى المرأة ويحاول أن يأمر نفسه بالتماسك ولكن مع وصول أولى قطرات دموعه كان هذا معلنا عن كبت كبير بداخله سيخرج الأن ، رأى سعيد بجواره الة الكمان الخاصة به فمسك بها ثم دفع المرأه به وكأنه لاعب للأسكواش ظل يفعل ذلك وهو يصرخ كثيرا حتى اصبح المراه لا يجود لها أثر سوى بعض القطع الصغير الملقية على الأرض من اثر التهشم وآلة الكمان لم يتبقى منها سوى رأسها فقط الممسك بها بيده ظل سعيد يصرخ عاليا ويدفع بكل شيئا امامه ، كل هذا ليس لحزنه على عمه فهو بالنسبة اليه حديث المولد ، ولكن حزنه على حياته وحظه الذى لم يملك به شيئا يريحه تعب سعيد من تلك المجهو الذى فعله فارتمى بجسده مرة اخرى على السرير ويبكى كثير
أغلق المتر شريف المكالمة فور سماع صرخات سعيد ولكنه عاود الاتصال به مرارا ولكن سعيد لم يجيب
كان سعيد يبكى كثيرا ولا يخرج منه سوى انين يعلن عن حزن كبير بداخله ، حتى سمع جملة بباله
" أوعدنى أنك تخلى بالك من بناتى وتعاملهم زى اخواتك وتحطهم فعينك "
كانت هذه هى جملة عمه التى قالها له حينما كانوا بالمكتب ، وكأنه كان يعلم بما سيحل به فأراد ان يوصيه على بناته
بعدما سمع سعيد تلك الجملة أحس بأن هناك اشخاصا فى مسؤليته ولا يجب عليه الأنهيار فهو الأن السند الوحيد لهم ، جفف سعيد دموعه واجاب مرة أخرى على المتر شريف
_ ايوا يا متر ، البقاء لله وحده
= امسك نفسك يا سعيد انت مينفعش تنهار .. لازم تفوق كدا عشان لسة التقيل مجاش
كان سعيد قد تماسك وحاول أن يرد على المتر بأسلوب يدل على ذلك فلم يعطى ردا لكلامه
_ وبنات عمى عرفو ولا لسة
= ايوا عرفو ومنهارين فى الفيلا بس الدادة بتاعتهم معاهم دلوقتى
_ طيب انا هلبس واروحلهم
= لا تروح فين ، انا عايزك تجهز عشان تروح معايا المستشفى ونخلص الإجراءات
_ حاضر يا متر
= انا ساعة بالكتير وهكون عندك ، الاقيك جاهز
_ تمام يا متر
أغلق سعيد المكالمة مع المتر شريف ثم أتصل بصديقه مصطفى ليخبره بما حدث وابلغه مصطفى بأنه سيأتى على الفور إلي القاهرة ثم أغلق المكالمة وجهز نفسه حتى أتى المتر شريف ، ذهب سعيد والمتر شريف إلى الإسكندرية وأستلما جثة الدكتور سعيد وعادا بعدها إلى القاهرة مرة أخرى وذهبا إلى الڤيلا ، كانت البنات تجلس ومعهم أصدقائهم بكوا كثيرا حينما رأوا اباهم ذهب به سعيد والمتر شريف إلى غرفته ووضعوا على السرير ، نزل سعيد يجلس مع بنات عمه كان يحاول أن يخفف عنهم ما أوتى بهم وفعل كل ما يقدر عليه كانت الساعة فى تلك الوقت قد تخطت الثانية عشر ليلا تركهم سعيد لكى يرتاحوا وينامون وذهب هو إلى غرفة عمه ، سحل كرسي وجلس بجوار السرير وحدث عمه وهو فى حالة بكاء شديد ..
_ ليه كده يا عمى ..... ده انا ملحقتش اشبع منك .... ليه كده الدنيا مصره تاخد منى اى حاجه تحس انها ممكن تسعدنى .... ده انا ماصدقت الاقيك تقوم تروح منى كده .... ياترى انا وشى وحش عليك ولا ايه .... يا ترى ايه اللى هيحصل تانى ..والله خايف من اللى جاى .. وخايف من بناتك لكن اوعدك انى هشيلهم فى عينى وكأنك موجود ، دا وعد انت اخدته عليا قدام ربنا ...
كان سعيد يتحدث ويبكى اضغاف ما يقوله وفى وسط ذلك دخل عليه المتر شريف امسكه من يده واوقفه امامه ثم قام بأحتضانه وحينما أحس سعيد بأنه لابد وان يفيق لنفسه أخذه المتر شريف وجلسوا سويا بالجنية الخاصة ب الفيلا
_ شد حيلك يا سعيد يابنى كدا واصلب طولك
= متخافش عليا يا متر انا متعود من صغرى على شيل المهموم
_ على العموم فى كلام كتير عايز اقولهولك ولكن بكرا هيحصل بعد ما الجنازة تعدى والعزا نبقى نقعد عشان نحط النقط على الحروف
= اللى تشوفه يا متر
_ عمك مكنش موكل عندى عمك كان صاحبى واخويا وسرى وكل حاجة كانت بتحصلى كان بيشاركنى فيها
= الله يرحمه يارب
_ اللهم امين .. يلا بقى ادخل ارتاح ونام عشان بكرا يومك طويل
= انا مينفعش اسيب الفيلا واروح انام قبل ما تعدى الجنازة والعزا واطمن على البنات
_ فيلا ايه اللى تسيبها .. احنا مش اتكلمنا فى الموضوع دا
= سيبنى على راحتى يا متر ارجوك
_ بعد العزاء نتكلم فى الموضوع ده ..... اهم حاجه تدخل ترتاح دلوقتى شويه وهتلاقى بدلتين على مقاسك انا بعت جبتهم واحده علشان الجنازه والتانيه علشان العزاء
= ملهاش لازمة يا متر
_ ل طبعا ا لازم .... العزاء هيكون فيه صحافه وتليفزيون ووزراء واعضاء مجلس شعب ده غير كبار رجال السياسه .... يعنى لازم تبقى واجهه مشرفه بجد
= اللى تشوفه يا متر
ذهب المتر شريف وجلس سعيد بمفرده بالجنينة حتى أتى صديقه مصطفى قام سعيد وضمه مصطفى وطبطب علي كتبفه ليؤازره
_ البقية فى حياتك يا صاحبى شد حيلك
= الشدة على الله
_ ونعم بالله ، امال بنات عمك فين
= دخلوا ناموا من شوية
_ كويس النوم ليهم راحة

= النوم ليهم راحة ربنا يستر من الأيام اللى جاية
_ متقلقش ياصاحبى خير اللى جاى بإذن الله
= خليك معايا يا صاحبى اليومين دول بالذات
_ مختافش ياصاحبى انا معاك وفى ضهرك
= ربنا ما يحرمنى منك يارب وتسلم على وقفتك
_ على فكرا ابويا جه معايا وهو فالشقة دلوقتى بس سيبته يرتاح من السفر
= وايه اللى جابه بس ، المشوار تعب عليه
_ عيب عليك تقولك كدا ، وبعدين مفيش تعب ولا حاجة السفر سهل
= طب تعالى ندخل الاوضة نريح شوية
_ لا ادخل انت انا هروح اخد دش واظبط حالى عشان الجنازة بكرا
ذهب مصطفى إلى منزله بينما سعيد دخل إلى غرفة الاستوديو الخاصة بالدكتور سعيد كان الاستوديو مكون من غرفة نوم وريسيبشن وحمام ومطبخ امريكى كما يسمونه ارتمى سعيد على السرير من كثرة التعب ، وغاص فى النوم بدون اى مقاومة ، كان كل نص ساعة يفيق مفزوعا بسبب كابوسا يراه بأحلامه فكان يرى كل شئ تسبب فى اذاه ولكنه يرى نفسه يرد الأذى ، قرر سعيد عدم النوم مرة اخرى بعدما افيق من نومة ما يتخطى الاربع مرات ، ذهب يتحمم وبعدها ارتدى بذلة من الذان ارسلهم المتر شريف وخرج لينظر وصولهم
كان جالسا بالجنينة وفدخل عليه مصطفى ووالده استقبل والد مصطفى سعيد بالحضن
_ البقية فى حياتك يابنى شد حيلك
= الشدة على الله يا عمى حساتك الباقية
كان هذا اول لقاء لهما بعد اختفاء سعيد فلذلك ام يتنس الحاج على هذا الموقف وعاتب سعيد عليه
_ كدا يابنى تختفى من البلد فجأة ولا حد يعرف عنك حاجة
= معلش يا حاجة بس كنت عايز ابعد شوية واراجع نفسي شوية
_ يابنى انت لسة صغير ومش كل مشكلة او مصيبة تحصلك هتهرب كدا ، لسة ياما هتقابل
= خلاص مبقاش ينفع هروب
_ ايوا كدا وخصوصا دلوقتى انت بقى عليك حمل ومسؤليه كبيره .... بنات عمك على حسب الكلام اللى عرفته مكانش ليهم حد غير عمك يعنى دلوقتى بقوا مسئولين منك
= عارف يا عمى ربنا يستر من الجاى
_ فى حاجة مهمة يابنى لازم تعرفها
= حاجة ايه دى
_ انا دايما فى ضهرك ومش هسيبك واى وقت تحتاجنى فيه هتلاقينى موجود
= عارف الكلام ده كويس انت طول عمرك واقف معايا وبتعاملنى زى مصطفى وريهام
_ طب لما انت عارف الكلام ده كان ايه لازمة انك تسيب البلد بالطريقه دى
= مقدر ومكتوب
_على العموم ده مش وقت الكلام ده .... لكن بعدين لينا كلام تانى مع بعض وحسابك عندى كبير ... فاهمنى يا سعيد
= فاهم يا عمى
من ناحية اخرى كان يجلس الحاج منصور فى منزله الجديد بالقاهرة واتى إليه اسامة فسأله عن سبب مجيئه للقاهرة
_ ايه اللى جابك هنا يا اسامة
= لا مفيش يا عمى بس بخلص شغل تبع ابويا
_وعملت ايه فى موضوع المشروع
= انا اتفقت مع كام واحد اننا هنشترى الاراضى بتاعتهم ومستنيك تنزل البلد عشان ندفعلهم الفلوس
_ وكدا الاراضى دى هتكفى المساحة
= بصراحة لأ
_ وليه مخلصتش
= الناس معصلجة شوية وانا عايز اخدهم بالهدوء عشان محدش يتكلم عننا ، بس فى مشكلة واحدة
_ مشكلة ايه
= فى بيت فى وسط الاراضى عامل زى اللقمه فى الزور ولازم نتصرف باى طريقه وناخده
_ اقعد مع صحاب البيت وحاول معاهم حتى لو هتشتريه بضعف تمنه
= المشكله مش فى الفلوس
_ امال فين المشكله
= المشكله فى صاحب البيت
_ ومين صاحب البيت ده
= سعيد الصفوانى
_ هو الزفت ده ورايا ورايا مش هعرف اخلص منه
= لازم نتصرف وناخد الارض بالبيت اللى عليها
_ طب هنشتريها ازاى والزفت ده مش عارفين مكانه
= اتصرف يا عمى كلم اى حد فى الحكومه يقلب عليه الدنيا لحد ما نعرف مكانه ونخلص معاه
_ انا معايا مشوار مهم دلوقتى بكره هشوف اى حد واحاول الاقيه

= تمام يا عمى
_ انت هترجع البلد امتى
= لسه يومين تلاته كده اخلص شغلى هنا وارجع
_ خلاص بكره عدى عليا ونشوف هنعمل ايه
= حاضر يا عمى اسيبك انا علشان تلحق مشوارك
على الجانب الأخر دفن سعيد عمه واتهو من الدفنة واخذو قسط من الراحة ثم ارتدى الجميع ملابسه وذهبوا ليتلقوا واجب العزاء بإحدى دار المناسبات الكبيرة بالقاهرة ، كان يقف سعيد وبجواره المتر شريف وبجوارهم مصطفى بينما تجلس البنات بمكان النساء ويجلس الحاج على والد مصطفى بالداخل ، كانوا يقفون يأخذون واجب العزاء ، وكان سعيد مصدوم من الأشخاص الذين يأتوا فمجلس الوزراء بأكمله كان يعزى ورجال الاعمال الكبار ومستشارين وصحافة واعلاميين كان المكان يجتظ بكبار الزوار ، حتى أتى ما لا يخطر على بال سعيد كان اتيا اعضاء مجلس الشعب ومعهم بعض المستشارين ولكن ليس هذا هو المشكلة انما وجود الحاج منصور وسطهم الذى أول ما نظر إليه سعيد ورأى وجهه كان يود طرده ولكنه تمالك اعصابه نظرا للموقف مر الجميع من أمام سعيد يسلمون عليه ويقدمون واجب التعازى بينما الحاج منصور وضع نفسه اخرهم لكى لا يلاحظ أحدا نظراته هو وسعيد ، دخل الحاج منصور وسلم على سعيد ..
_ القية فى حياتك يا سعيد شد حيلك
= حياتك الباقية
دخل الجميع إلى العظاء وحينما رأى اعضاء مجلس الشعب عن محافظة الأقصر الحاج على جلسوا بجواره بصفته عمدة البلد ، لاحظ المتر شريف النظرات المتبادلة بين سعيد والحاج منصور ورأى الغيظ الذى يتواجد بداخل عيون سعيد والدهشة بعين الحاج منصور .. فأراد معرفة سبب ذلك ، مال على سعيد ثم اتبع سائلا
_ مالك يا سعيد اتغيرت تماما بعد ما الناس بتاعت مجلس الشعب وصلوا فى ايه
= دا موضوع طويل يا متر بعدين نتكلم فيه
_ تمام باين عليه موضوع مهم ، لانك مولع من جواك
= لا حاسس ، بس ساكت لأنى عجبنى ثباتك وتحكمك فى اعصابك
_ مينفعش اعمل كدا وخصوصاً ان فى ناس تقيلة موجودة
= الله ينور يا سعيد
كان الحاج منصور يجلس بجوار الحاج على وكان يحاول أن يحدثه
_ ازيك يا عمدة
= تمام
_ امال ايه اللى جاب سعيد هنا لأ وكمان بياخد العزا اول واحد وكأنه ابوه
نظر إليه نظرة تمتلئ بالاستحقار والشماتة ثم قال ..
= أنت عارف الأول دا عزا مين ولا جاى تكسب معارف
_ اه طبعا عارف عزا الدكتور سعيد ابراهيم وزير الصحة السابق
= غلط دا يبقى عزا الدكتور سعيد ابراهيم الصفوانى ، عم سعيد محمد ابراهيم الصفوانى
كان وجه الحاج منصور يمتلئ بالدهشة اكثر من زى قبل
_ قصدك انه يبقى عمه لزم
ابتسم الحاج على ابتسامة صفراء يملأوها الضحك
= عليك نور يا سيادة النايب
_ وانت تعرف الموضوع دا من امتى يا عمدة
= من اسبوع واحد بس
_ طب تمام
انتهى العزاء ورجع كل شخصا على بيته ، ودخل يوسف لفيلا اطمئن على بنات عمه ومن ثم ذهب إلى الاستوديو وضع جسده على السرير وذهب فى نومه من التعب والارهاق

عودة من الفلاش باك

كان سعيد جالسا على سريره بداخل بيته بالاقصر يتقلب يمينا ويسارا حتى سمع طرقات على الباب قام ليعرف من بالخارج فتح الباب فوجد صديقه مصطفى امامه تفاجئ من مجيئه فالساعة الأن تخطت الثانية فجرا
_ خير يا مصطفى فى حاجة حصلت
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي