الفصل الثاني

مرت الدقائق والساعات وسمعت دقات الساعة السابعة صباحاً موعد استيقاظه من نومه، أعتاد نبيل على الاستيقاظ بمفرده دون أن أوقظه أنا، ها هو صوت المياه تخرج من الصُنبور، إذن؛ قد أستيقظ نبيل من نومه، ازدادت دقات قلبي، أشعر بقلبي بين ضلوعي يدق سريعا سريعا، أشعر بالدم يهرب من بين عروقي، ما الذي فعلته! كيف أجرؤ على فعل هذا! أتمنى لو أختفى من أمامه في تلك اللحظة، هل سوف أتمالك نفسي أمامه؟ أم أُقر له بكل شئ، لم ينادي عليا حتى الآن، أخذتُ أجول وأجول في الغرفه.

ها هو صوت صياحه ينادي عليا بأعلى صوته، لقد أكتشف ما فعلت، فتحتُ بابي، أسرعت إليه وجدته يسأل عن فنجان الشاي الذي لم اُحضره له اليوم مثلما اعتدتُ أن أفعل، ولكن من شدة ارتباكي قد نسيت أن أُحضره له، أستعدتُ أنفاسي وتوجهت سريعا الى المطبخ وأعدتُ له فنجان الشاي، في نفسي ألومها على ما فعلت! هو يستشيط غضبا وما زال لم يعلم بما فعلت، ما بالك عندما يبحث عن هاتفه ولم يجده أمامه، لابد أن أُهدئ نفسي كي لا أكون محلِ شك بالنسبة له، قدمت فنجان الشاي وكنت عائده الى غرفتي، سمعت صوته يُوقفني وقفت في مكاني استدرتُ إليه سألته ماذا يريد، لقد وقع قلبي في قدمي، إنه يريد هاتفه يبحث عنه ولم يجده، يريد مني ان ابحث عنه وأُعطيه له فوراً.

تظاهرتُ البحث أمامه وكل قطرة من دمي تهرب من جسدي، أنا اليوم لا أخشاه بل يهتز جسدي بأكمله من هول انتظاري لتعذيبي إذا أكتشف ما فعلته، حاولتُ أتمالك نفسي؛ لكني لا استطيع، هو يعلو صوته أكثر وأكثر، صياحه يزيد وعيناه تمتلئان بالغضب، حاولتُ تجنبه بقدر المستطاع، أخبرته أني لم أجده ويمكن أنه لم يحضره ليلة أمس من الأساس ( هذا ما أخبرته به) وتوجهتُ إلى غرفتي، بمجرد أن أنتهيت كلماتي شعُرتُ به من خلفي يٌلاحقني، دخل غرفتي كالثور الهائج، كالمجنون يبحث، يبحث في كل مكان، قد قلبَ الغرفه قلبا عاليها سافلها، كنت ارتجف؛ أخشى أن يكتشف ما فعلت وأن يجد هاتفه، ظل كالمجنون يبحث، نظر في ساعة يده؛ وقت عمله قد اقترب، أخذت أنفاسي كُنتُ أظن أن الوقت قد وقف بجانبي، وانه سوف يتركني ويغادر إلى عمله.

كُنتُ أنظر إلى الأرض وعلى وشك التطلع إلى الأعلى لأُتابعه، لم أرى إلا طرف المقعد وهو في وجهي، لقد أمسك بمقعد خشبي كبير وضخم موجود في غرفتي وألقاه على رأسي، ثم تتوالى الضربات بمختلف الأشياء، أصبحت لا أُميز الآن بماذا يعذبني؟ رأيتُ دماً ينزل من رأسي، أُصيبتُ بحالة من الذهول والهلع الشديد منه، هو لم يهدأ كعادته بعد كل تعذيبٌ لي؛ بل هددني إن عاد إلى المنزل ولم يجده سيكون التعذيب أشد وأقوى مما كان، صاح في وجهي بكلمات مسيئه عني.

خرج، خرجا أخيراً بعد أن سال دمي على وجهي، بعد أن عذبني وأهانني، كُنتُ جالسه على الارض في مكاني أبكي، يومياً أنا أبكي لا أجد يداً تمتد لي بالعطف والحنان، لا أجد أنا أُمأً أُلقي نفسي في أحضانها وأبكي وتهون عليا وتساعدني، لا أجد أباً يكون سند وأمان وحماية من أي شخص تسول له نفسه التجرؤ عليَ، يتيمةٌ أنا في المهد! لا أحد يقف بجانبي، ثم تذكرت نيرة صديقه طفولتي في الملجأ، قُمت من مكاني أسرعتُ بقوة الى الهاتف أخرجته من مكانه، فتحت الهاتف؛ كان يوجد رقم هاتف قديم لنيره على الهاتف؛ أنا أبحث عنه الآن، ها هو ذا وجدت رقم نيره القديم، أتمنى أن لا تكون غيرت رقمها، فنيره هي أملي الوحيد الآن، الهاتف يرن يرن أجابت نيره على هاتفها أخيراً.

فرح:
=السلام عليكم، كيف حالك يا نيرة، هل عرفتي صوتي؟
نيره:
-لا، أنا أسفه، أنا لا أُميز الاصوات جيداً، أنتي تعرفينني؟ هل نحن صديقات؟
=لا يا نيره، لسنا أصدقاء؛ بل نحن أكثر من ذلك.
-من تكونين؟
=أنا فرح، صديقتُك فرح في الملجأ، لم يكن لي غيرك من الأصدقاء.
-فرح حبيبتي، كيف حالك؟ لقد انقطعت أخبارك منذ فترة، كُنتُ أُحاول الأتصال بكِ على رقم هاتفكِ لكنكِ لن تُجيبين.
=لقد تزوجت يا نيره، هاتفي أصبح ليس ملكي الآن، لقد أخذه مني، أنا أتحدث إليكِ الآن لإمرٍ هام.
- لقد بدأت أشعر بالقلق عليكِ يا فرح، ما الأمر؟
=تزوجت نبيل كان حنوناً عطوفاً عليا، بعد زواجنا اتضح أنه شخصٌ مريض، يوميا يُعذبني ويضربني، يحبسني في البيت لا أرى أحد ولا أحد يراني، منع الهاتف مني، يعايرني بيتمي ووحدتي، أستغل يُتمي ليمارس شخصيته ومرضه النفسي عليا، أنا أموت من الخوف كل ليلة، اليوم مختلف عن كل يوم! اليوم سرقتُ هاتفه الذي أُحدثكِ منه الآن، أُريدكِ أن تساعديني، الدمُ يسيل من رأسي، إذا عاد وأكتشف ما فعلت سيقتلني، ليس لي أحدٌ غيرك يا نيره الآن.
-لا تخافي يا فرح، أعطني العنوان بالتفصيل وأنا سوف أتصرف.

أعطيتُ نيره عنوان البيت بالتفصيل، نيره أقفلت الهاتف معي وتحدثت إلى زوجها منير وأخبرته كل شئ عني، أما أنا كُنتُ أخشى أن تتركني نيره او أن تتأخر في مساعدتي، الوقت يداهمني لابد أن أُساعد نفسي بنفسي كما اعتدتُ على ذلك، بدلت ثيابي وأخذتُ أي شئ يمكن أن احتاجه معي في شنطة كبيرة، وضعتُ ثياباً وخُبز وجمعتُ كل الأموال التي وجدتها في البيت، كانت قليلة جداً لكن أفضل من لا شئ، أخذتُ بطاقتي وصورة عقد زواجي من نبيل، كُنتُ لا أريد أي شئ يذكرني به؛ لكن كُنتُ أخشى أن يدعي أني لستُ زوجته ويكون عمري قد ضاع هباءً.

تجهزتُ للرحيل؛ ولكن كيف؟ كيف أرحل وأغادر وهو دائما يغلق الباب خلفه؟ لا يوجد هنا أي نسخة من المفتاح، نظرتُ إلى ساعة يدي، لا وقت لدي لكي أنتظر أن تتصرف نيره كما وعدتني، عقلي كان مشتت الأفكار، الساعهُ الآن السابعة، الوقتُ يداهمني، أصبح الوقت عدوي، لا مجال للتفكير في أي أفكار لابد من اتخاذ القرار، أحضرتُ مطرقة وأخذتُ أدُق على مكان المفتاح، لا فائده! لا أستطيع الهروب من سجنه، العرق يتصبب من جبهتي الخوف يتملكني يداي ترتعشان، كل دقيقه أنظر الى ساعة يدي، لا يمكن أن أستسلم تلك المرة، يمكن أن يقتلني لابد أن أحاول مرة أخرى، أحضرت شئ رفيع ومعدن يمكن أن يمر من فتحة المفتاح، كنتُ اراهم في الأفلام يفتحون الأبواب المغلقة هكذا، لعلها تنجح معي لا أعرف كيف أُنفذها ولكن لا وقت للتفكير، أخذتُ أحاول وأحاول ها قد سمعتُ صوتاً يصدر أيعقل قد نجحت! نعم نجحت نعم فعلتُها، لقد فُتِح الباب أخيراً، باب سجني ها هو أمام عيناي مفتوح، ها هو الهواء في الخارج نظيف أتنفسه.

توقفت عندما فُتِح الباب أمامِ لدقيقة، غفلت عن كون أني أُسابق الزمن، لم تتخيل أن تكون أسير لفترة طويلة من الوقت وفجأه تجد باب سجنك مفتوحً أمام عيناك، كان شعوري من شدة فرحتي لا يوصف لكن يكفي أني ولدتُ من جديد في تلك اللحظة، سُرعان ما تداركتُ الأمر ونظرتُ إلى ساعة يدي الساعة الآن الثامنة إلا ربع، يمكن أن يأتي نبيل في أي لحظة، لا أستطيع أن أُغلق الباب مرة أخرى خلفي، غادرت تركته مفتوح ونفذت أنا بعمري، أتوارى من أعين الناس أرتدي نظارة شمسية كبيرة تخبئ جزء كبير من وجهي، وجهي المليء بالكدمات جسدي المليء بالحروق رأسي يسيل الدمُ منه، لا أريد أن يلاحظ أحد الحالة التي أنا عليها الآن.

إلى أين أذهب؟ لا أعرف أحداً، قدمي لا أشعر بها من كثرة المشي عليها، كفى! هكذا أنا أُعذب نفسي دون أن أشعر، توقفت جلست على أريكة موضوعة في الطريق، التقط انفاسي أخرجت زجاجة المياه من حقيبتي؛ ارتويت حمدتُ الله، هذا أفضل بكثير من حالي مع نبيل، الآن هدأتُ نفسي لابد أن أفكر كيف أتصرف؟ نيرة! نعم نيرة هي الحل، عاودتُ الأتصال بها الهاتف يرن يرن؛ ها هي قد أجابت.
=تقفي أمام بيتي! لا لا عودي فوراً، إياكي أن يراكِ نبيل زوجي، أنا هربت من البيت، الآن أجلس على أريكة في الطريق أمام محل نيو للسجاد والمفروشات في شارع بنك الإسكندرية، برجاء أحضري الى هنا فوراً.

جالسةٌ أنا على أريكتي أنظر الى المارة حولي في الطريق، كلا منهم يشق طريقه في هذه الحياة، كلا منهم منشغل بهموم وحياته، لا يوجد احد خالي من الهموم، لم يكن يُتمي هو سبب ضعفي بل كنتُ أنا من فرطُ في كرامتي، أنتظرتُ نيرة، كُنتُ أُخبئ وجهي بيدي عن عيون الناس، لا أحب أن أرى نظرات شفقه وعطف من عيونهم، أيُعقل! هذه نيره! طريقة ملابسها اختلفت تماماً، نعم هي تُلوح بيدها لي، لكن من هذا الذي معها؟ أنا أشعر أني رأيته من قبل، أيُعقل أن يكون هو! إنه زوجها منير.

وقفتُ في مكاني سلمتُ عليهم، أنا رأيت منير مرتين أو ثلاث مرات قبل زواجي، لكن لم أهتم لأسأل نيرة عن طبيعة عمله، منير اقترح أن نذهب إلى مكان هادئ؛ كي نتحدث بهدوء، لكن نيرة اقترحت أن أُقضي معهم تلك الليلة في بيتهم، أنا كُنتُ متعبة وافقتُ على اقتراح نيرة وذهبتُ معهم الى البيت، أول شئ طلبته منهم أن أنام، أريد غرفة بمفتاح أعطتني نيرة مفتاح غرفة وأشارت عليها، طلبتُ منهم أن نُأجل أي حديث للغد، كُنتُ على وشك الدخول لاستريح أخيراً، استوقفني صوت منير وهو يطلب مني أن أنزل معه بدون حُضور نيرة معنا.

لم أكُن أعلم أن منير محامي إلا تلك اللحظة، حاول إقناعي بضرورة عمل محضر في القسم لزوجي قبل أن يجف جُرح رأسي، ومحضر آخر بعدم التعدي وآخر بطلب الطلاق للضرر منه، أخبرني بعدة محاضر يمكن أن أرفعها على نبيل وأخذ حقي، أو على الاقل لتجنب أذى نبيل لى، ولكن تسألت لعدم حضور نيرة معنا، أجاب منير أنه سيذهب بصفة المحامي الخاص بي، لكن إن ذهبت نيرة وتم تسجيل اسمها في المحضر كشاهده، يمكن لنبيل أن يصل إلى مكانك بسهولة، هو يعرفها ويعرف أنها صديقتك هو الآن يبحث عنكِ في كل مكان.

معه حق منير، صحيح أن العلم نور، لم يخطر على بالي أن أرفع قضية على نبيل، نعم لا يوجد سوى هذه الطريقة لأخذ حقي منه، خرجنا من بيتهم وصلنا الى القسم، لم أدخل قسم شرطة من قبل، أشعر برهبة المكان لكن منير قد اعتاد الدخول الى الأقسام بسبب طبيعة عمله، طلب مني الجلوس وهو سوف يتكفل بكل شئ وسوف يناديني للتوقيع عندما ينتهي، جلستُ على المقعد وهو يقف أمامي ويتحدث مع أمين الشرطة، يقوم بفتح الدفتر حُرر محضر وثانٍ وثالث، أنا كُنتُ سعيدة أشعر بأني أخذ حقى وأُبرد ناري من نبيل، أشار منير إليا وطلب مني الحضور، وقعتُ على ثلاث محاضر بدون حتى أن أسال ما فيهم، كُنتُ أريد أن أوقع على المزيد لكي يتأذى نبيل أكثر وأكثر، طلب مني أمين الشرطة أن أدخل تلك الغرفة ليتم الكشف الطبي عليا وإثبت حالة بالواقعة.

كانت آثار الدهشة والتعجب تظهر على ملامح الطبيب ويتساءل كيف تحملت كل هذا؟ تم ربط رأسي وتكميم الجرح، وكتب ورقة إثبات حالتي الطبية بأكملها، فلقد تفحص جسدي كله وراي ما كُنتُ أُخبئه عن أعين الناس، جروحِ وحروقِ وكدماتِ والدمُ يسيلُ مني، فعل ما بوسعه لمُداواتي، طهر جروحي وربط حروقي وطيبَ كدماتي، خرجتُ وأنا لا أعرف أشكره على ما فعله معي، ام أتوارى من عينه بعدما انكشف كل شيء أمامه، لا أستطيع تحمُل نظرات الشفقة بين أعين الناس، شكرته سريعاً وخرجت إلى منير في الخارج.

خرج الطبيب بعدي وأرسل إلى أمين الشرطة تقرير الطبيب الشرعي وورقة إثبات حالة، لم أكن أعلم ما كتبه الطبيب لكنِ متأكدة أنه كان في صالحِ، كانت عيناه تتحدث وتشفق عليا دون أن يتحدث بفمه، نظرتُ إلى منير وسألته:
-هل قد أنتهينا ويمكن أن نغادر، لقد أشتد تعب جسدي أكثر وأكثر اريد الرحيل والراحة، لا أستطيع تحمُل أكثر من هذا!

منير أخذ أرقام المحاضر لكي يتابع سير الأمور فيما بعد، وغادرنا فوراً، عرض عليا الغداء في مطعم فاخر، لكني رفضت أنا متعبة ومُرهقة وكل جزء في جسدي يشكو ويئن.

عُدتُ إلى بيت منيرة، استقبلتني متلهفة تريد أن تعرف ما حدث، لم أكن لدي أي طاقة للحديث أو الجدال تأسفت منها وطلبت تأجيل أي حديث إلى الغد إن شاء الله، ودخلتُ إلى الغرفة وأغلقتُ الباب بالمفتاح وارتميت على الفراش بملابسي، لم أغير ملابسي حتى!

لم أشعر بنفسي إلا عندما سمعتُ صوت الأطفال يلعبون في الشوارع والطرقات، فتحتُ عيناي؛ أشعر أني نمتُ كثيراً، كم أصبحت الساعةُ الآن، نظرتُ في ساعة يدي الساعة الرابعة عصراً! أيُعقل نمتُ كُل هذا! نظرتُ الى نفسي كُنت بملابس الخروج من تعبي لم أشعر بنفسي، خرجت إليهم نيرة ابتسمت لي.
نيرة:
-لم أُريد أن أوقظكِ، كُل هذا نوم، لابد أنكِ كنتِ متعبه جداً، سوف أُعد لكي فنجان شاي وفطور سريعاً، وبعدها لابد أن نجلس ونتحدث سويا، هناك أمور كثيرة لا أفهمها يا فرح.
فرح بابتسامة ممزوجة بالأسى:
-فرح! منذ فترة طويلة لم أشعر بمعنى أسمي هذا، نادرً ما كان يناديني نبيل بإسمي، كان يسميني نصيبه الاسود!

بينما ذهبت نيرة لتُعد فطور وفنجان شاي، كُنتُ جالسة في الصالون والصور معلقة على الحائط، نظرت الى تلك الصور، صور زفاف نيرة من منير زوجها، بجواري وجدتُ البوم صور كبير آخر لهم، أخذته وتطلعتُ عليه وجدتُ صوراً كثيرة لي معها في يوم زفافها، نظرتُ إلى المرآه التي أمامي عاودت النظر الى نفسي مرة أُخرى في الصور، تارة أنظر إلى نفسي في المرآة وتارة إلى نفسي في الصور، الفرق واضح! فرق سنتين تقريباً لكن يبدو أني كبرت فيهم في السن بمقدار فوق العشر سنوات!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي