البارت الحادي عشر

حقيقة صادمة.


انعزال الشخص عن الجميع يعني الضعف المفرط، وتجمعه معهم يعني أقصى درجات القوة، الانعزال ضعف والتجمع قوة، فدائماً ما تصدر روح القوة من الجماعة، أما الشخص المنعزل فيكن هشاً ضعيفاً سهل الإنكسار.


هذا ما فعله آثر بسهيلة، عزلها عن الجميع وجعلها وحيدة؛ حتى يسهل عليه كسرها واستغلالها كيفما يشاء، أصبحت ترى الجميع شياطين وهو الملاك الوحيد الذي يقف جانبها، أصبح الملجأ الوحيد بالنسبة إليها.


خرج الشيخ سعيد برفقة وائل زوج اختها، ثم عاد وائل للتحدث مع سهيلة واقناعها بترك آثر:
-سهيلة انتِ اكبر من ذلك، هذا الشخص لا يستحق ماتفعلينه لأجله.

نظرت إليه سهيلة بتلك الاعين الحمراء من شدة البكاء تشبه حبات الكرز، وقالت بهدوء:
-أأنت من تقول هذا يا وائل؟!، ماذا فعلت انت لتدافع عن حبكِ لامل، لم لا يتفهمني أحد، جميعكم اخترتم ما تريدون عيشه، لم تجبروني على الاختيار؟!

-حسنا انا اعلم كل ما تقولين، لكن ليس بهذه الطريقة، هناك الكثير يتمنى أن تكوني زوجته، وانتِ فتاة يتمنى أي رجل أن يحصل عليها، لم تضعين نفسك بهذه المكانة التي لا تناسبكِ مطلقاً؟ هيا تخلصي من هذا المرض الذي أذى الجميع قبل اذيتك، اتركي آثر ودعيه يذهب بعيدا عنكِ.

دخلت والدتها اثناء حديثهم وقالت بحزن:
-وهل هذه هي سهيلة التي كانت تملأ ضحكاتها المكان، حسبي الله ونعم الوكيل بك يا آثر.

رمقتها سهيلة بنظرات غضب وعتاب وقالت:
-لأ تتحدثي مطلقا يا امي، انت السبب في كل هذا، لقد وقفتي مع الجميع ووقفتي ضدي انا، كنتِ داعمة لكل من اختارت شخصا من بناتك ولم تدعميني يوما، لن أنسى هذا ابدا.

بكت والدتها حزنا من حديثها وخرجت من الغرفة، حتى أقنعها وائل بأن تترك آثر، واستسلمت للأمر، واخبرتهم انها ستفعل.


قال وائل بغضب على حالة سهيلة:
-لا تفعلي هذا يا سهيلة، ستندمين لاحقاً على كل ذلك صدقيني، هيا استعيذي بالله من الشيطان الرجيم وقومي اغسلي وجهك بالماء، والدتكِ حزينة لأجلك.

بتنهيدات استسلام قالت:
-حسنا يا وائل حسنا.

قامت سهيلة ودخلت غرفتها بعدما غسلت وجهها، جلست على فراشها ورفعت الغطاء عليها وظلت تفكر، كانت تجلس في الغرفة شقيقتها رهف، وغادرت زينب وامل مع أزواجهن، دخلت والدتها تطمئن عليها، فقالت سهيلة:
-لا اريد أحدا بالغرفة، اتركوني أنام.
اقتربت منها والدتها وجلست جوارها، أدارت سهيلة ظهرها إليها عندما جلست، وضعت الام يدها على كتفها تحدثها بخوف ومحبة، تقترب منها تقبل رأسها بالرغم مما قاسته من أفعالها، تلك هي الام وهذا هو قلبها، ابنائها قطعة من روحها، لا يمكنها الانفصال عنها مهما حدث:

-عزيزتي سهيلة، انتِ فتاة ناضجة كنت دائما افتخر بكِ أمام الجميع، ماذا دهاك يا عزيزتي، هذ الرجل ليس آخر الرجال، وليس نهاية الدنيا، ستجدين من يستحقكِ ويقدر مكانتكِ.

بكت سهيلة ورفعت الغطاء على وجهها ولم تتحدث بكلمة، اشارت والدتها إلى شقيقتها وقالت:

-هيا يا رهف اتركيها ترتاح، لقد تعبت منكن جميعاً، جميعكم اخترتم من ليس لنا ولا يشبهنا، افوض امري اليك يا الله واستعوضك في بناتي.

خرجت حزينة إلى غرفتها فوجدت والد سهيلة غارقاً في النوم على فراشه، جلست جواره تنظر إليه بقلب منكسر، تقول في خاطرها:

-بالطبع انت نائم، لا عليك مما يحدث، ها أنا ذا أحمل الهم منذ أن تزوجتك، لو كنت أبا حنونا تحتضن بناتك بدلا من أن تتزوج بأخرى لتنجب ولدا، لقد رزقني الله بدلاً من الولد اثنين بعد زواجك، الله كبير ولا يعانده احد، الان انت من تحمل الهم.

بتنهيدات الم ووجع مالت رأسها إلى الخلف ترقد على الوسادة:
-حمدا لله على كل حال، اللهم عوضني بدلا من الحزن فرحا، واحفظ اولادي وبناتي ولا تريني فيهم سوءاً.

خلد الجميع إلى النوم وخلدت سهيلة أيضاً إلى النوم.

في وقت متأخر من الليل فتح باب غرفة سهيلة، شعرت بصوت فتح الباب اردفت تنظر من هناك، وجدت امرأة تدخل غرفتها، لا تظهر من ملامحها شيئا مطلقاً، فقط هيئة امرأة تقترب منها لا ترى شيئا سوى الظلام منها، خافت سهيلة كثيراً، أرادت أن تتحدث وتقول من انتِ، لجم لسانها وكأنه مقيد، لا تستطيع النطق، تحاول مرارا وتكرارا لكن لا يتحرك لسانها ولا تستطيع التحدث بكلمة واحدة.

ارتجف قلبها وبدأت بالبكاء وفي ذات الوقت يقترب منها هذا الظل اكثر فاكثر إلى أن اقترب من مرقدها، وقت جانب رأسها، تحاول سهيلة التحرك أو التحدث لكن لا جدوى من محاولاتها ومقاومتها، ثم مالت تلك المرأة رأسها إليها ووضعت وجهها في وجه سهيلة، عندما تمكنت من روية ملامحها انها تشبهها بعض الشيء لكنها ليست هي، حاولت أن تنطق بكلمة الله اكبر ولم تستطيع سوى بحرف واحد وتتقطع حروفها من شدة الخوف.


وضعت تلك المرأة يديها حول عنقها وبدأت تخنقها بشدة، لا يخرج صوت صراخ سهيلة ولا يسمعها أحد، لكنها حاولت لقد الإمكان أن تستجمع قوتها وقوة إيمانها وحاولت كثيرا أن تردد الله اكبر:
-ال، اللل، الله،. الله، الله اك، اكب، اكبر.
هكذا كانت تحاول التحدث حتى نجحت في الأمر وقالتها مرارا وتكرارا الله اكبر ولسم الله الرحمن الرحيم، عندما أدركت سهيلة أن تلك المرأة ليست بشرا، ولا أحدا من اهلها، لجأت إلى زكر الله وحتى انفكت عقدة لسانها الملجوم، واستطاعت أن تقرأ بعض آيات القرآن الكريم، وبعد قليل تركتها تلك المرأة وغادرت الغرفة.


التقطت سهيلة أنفاسها بصعوبة حتى هدأت قليلاً، ثم أخذت غطائها وخرجت من الغرفة مسرعة إلى غرفة اخواتها الصغار، وضعت الغطاء على الأرض ونامت عليه في الغرفة، عندما استيقظت والدتها صباحا ووجدتها نائمة على الأرض ايقظتها وقالت:
-سهيلة؟ لم تنامين هنا على الأرض بهذه الطريقة؟

فتحت سهيلة عيناها ببطء وقالت:
-يوجد شخص بالخارج يا امي في غرفتي، هناك أحد.

ثم عادت للنوم مرة اخرى، سمع إخوتها الحديث وخافوا، لكن والدها خرج يتفقد المنزل ولم يجد شيئاً فقال:
-ربما تحلم بذلك أو تتوهم وهي نائمة.

قلقت والدتها وقالت:
-سأرى عندما تستيقظ.

عندما استيقظت سهيلة أخبرت والدتها بما حدث معها وهي تبكي خوفاً، أخبرت والدها فقال لها:
-لانكِ نمتِ وأنتِ غاضبة يا سهيلة، ربما تكون قرينتكِ.


قرأ والدها الرقية الشرعية في المنزل بأكمله تحصينا له، وظلت حالة سهيلة على هذا الوضع لعدة أيام، ترى كوابيس واحلام بشعة، أخذ منها والدها هاتفها؛ حتى لا تتمكن من التحدث إلى آثر، ظل آثر عدة أيام لا يعرف عنها شيئا ولا يستطيع الوصول إليها.

حاولت التحدث معه عبر جهازها اللوحي من الرسائل الإلكترونية وعندما علم والدها أخذه منها أيضاً.

حاول آثر التواصل مع أحد اهلها وهو جدها عم والدها، أخبره بما يحدث معهم وماحدث، واتصل جدها بوالدها وحل الأمر معه، فقال:
-ماذا سيقول الناس عندما يتركها، لقد مر أكثر من عام ونصف على خطبتهم، رجاءا اهدأ يا بني، لا تحل المواضيع بهذه الطريقة.

تحدث والدها منفعلا وقال:
-يا عمي أنه شاب وقح لا يناسب ابنتي، لقد قال إنه يريد مهلة عامين عند خطبتها، وها مر عام ونصف، باقي ستة أشهر من الزمن المحدد له، إن لم يكن جاهزا بعد تلك المدة للزواج، فليس لدي بنات للزواج وان كنت ساقطع رأسها.

-حسنا اهدأ وأعطها هاتفها وانا ساتحدث اليهم، دع الامر لي.
-حسنا يا عمي كلامك على رأسي، افعل ماتراه مناسباً.


استعادت سهيلة هاتفها، وليتها لم تساعده فهذه المرة كانت المدمرة والتي جعلت سهيلة تلبس طوق آثر إلى الابد، وليس برضاها بل رغما عنها.

عندما استعادت هاتفها وتحدثت إلى آثر وأخبرته بما حدث معها هذه الفترة وهو بعيدا عنها، بدأت فقرات السحر الخفي التي يلقيها عليها، تختلف هذه المرة عن كل مرة؛ لأن تلك المرة كان سحرها اقوى حيث جعلها تفعل ما لا يتوقع منها حدوثه، بدأ السحر بتمهيدات بسيطة وهي الكلام المعسول الذي يسلب منها عقلها، جرعة الحنان التي تجعلها تطمئن ثم طلباته التي تنفذ دون تردد.

-سهيلة حبيبتي لقد كدت أن أصاب بالجنون، اين كنتِ كل هذه الفترة؟ لقد تحدثت إلى جدكِ وعلمت بما حدث، قال إن والدك اخذ منكِ الهاتف ومنعكِ من التواصل معي.

-اجل يا آثر بالفعل هذا ما حدث، لقد أعطاني الهاتف الآن، لا اعلم ماذا قال له جدي.

-لقد اعطاني مدة محدودة وهي سته اشهر لتكوين نفسي والانتهاء من تجهيزات الزفاف، أو ستنفصلين عني إلى الابد، اخبر جدك بأن يقول لي أنه ليس لديه بنات للزواج.
-حقا؟! وماذا ستفعل اذا، هذه المرة تختلف عن كل مرة يا آثر انا اعلم والدي.

-لأ تقلقي يا سهيلة سافعل كل ما بوسعي لآخذكِ، حتى إن اضطررت للعمل طوال اليوم، فترة صباحية وفترة مسائية.
-لأ اعلم ماذا اقول لك يا آثر لقد ضاع منا الكثير من الوقت، اضعت جامعتي واضعت علم كامل منها وها هو الثاني لا اعلم ماذا سيحل به.
-لأ تقلقي يا سهيلة، لا اريد ان اسمع صوتك حزين هكذا، اذهبي إلى جامعتك واكملي هذا العام.

فرحت سهيلة كثيرا بكلامه وقالت بحماس:
-حقا يا آثر؟ الن تمنعني مرة أخرى من جامعتي؟!
-بالطبع لا يا حبيبتي اعلم كم تحبين دراستكِ، ولكن إن لم تفعلي شيئا يغضبني وتسمعين كلامي.

-بالطبع لن اغضبك، لا تعلم كيف كانت حالتي وأنت بعيداً عني.

-وانتِ لا تعلمين كم اشتقت اليك يا زوجتي العزيزة.

ضحكت سهيلة خجلاً وقالت:
-وانا أيضا يا زوجي العزيز.

وها هي تبدأ الفرو الأخيرة بعد انتهاء التمهيدات والكلام المعسول، أخبرها أن تكمل جامعتها حتى لا تتردد فيما سيطلبه، فهو دائماً ما يقدم خطوة ليجد الأخرى في انتظاره، استغل حبها لدراستها ورغبتها الجامحة في إكمالها لفرض سيطرته:
-زوجك العزيز يشتاق اليك كثيرا يا زوجتي.

-وانا أيضا يا آثر لقد اشتقت اليك كثيراً وللحديث معك.

-سهيلة اريد رؤية صورتك الآن.
-حسنا سابدل ملابسي وأرسل لك بعض الصور.
-لالالا لا اريدك أن تبدلي ملابسك ولا اريد ملابسك، اخبرك باني اشتاق اليكِ، زوجك يشتاق إليك، الم تتفهمى كلامي؟
-ماذا تقصد يا آثر؟!

أخبرها وبكل جرأة دون تردد:
-اريد أن ارى صورتك دون ملابس.

صدمت سهيلة من طلبه، لكن ليس بالصدمة المفجعه،ومأنها تتوقع هذا منه أو أنها كانت تعلم مايدور في رأسه، قالت بتوتر:
-ماذا تقول يا آثر؟! ما هذا الذي تطلبه مني؟
-سهيلة انت زوجتي أمام الله، يكفي ما مررنا به من الم وحزن دعينا نهون على بعضنا ونستمتع لبعض الوقت سويا، هذا لا يوجد به إيذاء لأحد، انتِ في مكان وانا بمكان آخر، هل يكثر علينا أن نفرح لبعض الوقت سويا؟
-آثر من فضلك.

بتر حديثها حتى يكمل وصلة الإقناع بكل مهارة:
-الم تشتاقي اليّ كما اشتاق إليكِ الآن؟
-بلى اشتاق اليك طبعاً.
-حسنا العلى ذلك لأجلي رجاءا، فقط هذه المرة واعدك باني سامسح كل شيء بعد رؤيته اقسم لكي.

نجح في تحقيق رغبته وبالفعل تصورت سهيلة بعض من الصور وهي عارية، كان يخبرها كيف تتصور وتفعل ما يطلبه، يشجعها بالمدح بها وبجسدها وجمالها، وهي تفعل ما يأمر به، حتى طلب منها أن تتصور بوجهها أيضاً، بحجة أنه يريد رويتها كليا وكأنها تقف أمامه بهذه الحالة، وبالفعل تم الأمر وفعلت ما طلبه منها حرفياً.


توالى الحديث بعد رويته الصور الى مالا يقبله دين ولا خلق، وكأنه تزوجها حقا عبر مكالمة هاتفية، وبدأت تكثر تلك المحادثات بينهما منذ هذه اللحظة، جعلها تعتاد الأمر حتى تمكن من كل ما يريد، أصبحت صورها لديه الآن على هاتفه وهي عارية وبرضاها ايضاً، تلك هي الكارثة الكبرى التي وضعت سهيلة نفسها بها دون وعي ولا أدرك، كأنها مخدرة حقا أو مسحورة.

تكثر المحادثات عبر الماسنجر والصور العارية تتبادل بينهما، وكلما يستيقظ ضميرها وتشعر لبرهة أن ما يحدث بينهما خطأ، يقنعها بأنهما زوجان أمام الله وأنه ليس هناك أذى فيما يحدث بينمها، وفي حقيقة الأمر أنه أكبر أذى لهما، لما سيلحق بهما من ضرر جراء تلك الأفعال.

ليس فقط ضررا جسديا وانما نفسياً وخلقيا واجتماعيا، بل ضرر من جميع الاتجاهات، فتأثيرات تلك العلاقات كثيرة وجميعها سلبية، ليس هناك تأثير إيجابي فيها سوى اللذة المؤقتة التي يشعرون بها، حتى هذه يترتب عليها ضرارا صحياً.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي