البارت العشرون

لا يظهر المعدن الحقيقي للأشخاص الا بعشرتهم، فدائما ما تخفي المظاهر ورائها الكثير، عندما تكثر الصدمات صدمة تلو الاخرى، تتبدل مشاعرنا ونصبح نعامل الأشخاص بمعاملتهم لنا، فكثرة الصدمات تبدل الشخص وتحوله الى شخص آخر، ليس بإرادته وانما رغما عنه مما عاناه من هولاء الأشخاص.

هذا ما حدث بالفعل مع سهيلة، كانت تعتقد أنها ستحظى بعائلة أخرى بدلا من عائلتها، لن تشعر بغربتها ولا بعدها عن اهلها، ربما هذا الطبيعي في كل حالات الزواج، تترك الفتاة عائلتها ليعوضها الله عنها بعائلة زوجها، لكن حددث العكس مع سهيلة، تركت عائلتها لتصبح وحيدة بين عائلة أفرادها مشتتون، لا تربطهم اي من روابط الحب والاخوة، فقط ما يجعلها مترابطون هو المال.

ترابط المصلحة، فعندما يحصل أحدهم على مصلحته من أخيه يكون محبا له، أما عند رفضه يكون عدوا بالنسبة إليه، اكتشفت سهيلة الكثير في يومها الأول بينهم، ماجعلها تتعجب مما تراه حولها وتتأمل أن لا تكون هذه هي طبيعة أحوالهم فيما بعد، ربما لانها لم تعرفهم بعد تستغرب طباعهم، هذا ما كانت تصبر به نفسها.

بانفعال أعطت سهيلة الهاتف الى آثر، بضيق تترك الهاتف من يدها إلى يده وقالت:
-خذ الهاتف.
امسك آثر بالهاتف وقال:
-حسنا سأرى ماذا سأفعل، وداعاً.

بعدما اغلق آثر الهاتف جلس وقالت سهيلة وهي تقف عاقدة زراعيها:
-ماذا ستفعل الان يا آثر؟ بدلا من أن تقف اختك بجانبك تتطلب منك المال وهي تعلم ظروفك، اخبرني ماذا ستفعل؟

رفع رأسه ينظر إليها وقال:
-ليس هناك سوى حل واحد يا سهيلة.

نظر إلى يدها وقال:
-ان ابيع دبلتكِ.

امسكت سهيلة بدبلتها بقلق، تلك هي القطعة الذهبية الوحيدة التي بقيت لها، لقد اخذ منها خاتم الخطبة من قبل بحجة أنه سيكمل على ثمنه ويشتري باقي الاغراض اللازمة للزفاف، ومازال هناك نواقص، كيف يطلب منها ذلك؟! من المفترض أن يجلب لها المزيد ولا يأخذ منها.

نظرت إليه باستغراب تقول منفعله:
-أهذا ما أخبرتك به اختك، أن تبيع دبلتي لتعطيها المال؟! لا لن افعل ذلك يا آثر جميع نواقص هذا المنزل من مسؤوليتك، إن لم تكن قادرة على إكمالها لنقم بتأجيل الزفاف إذا وسأعود إلى بيت عائلتي حتى تنتهي.

امسك آثر بزراعتها وقال بأعين دامعة:
-هل تريدين تركي يا سهيلة؛ لاني لا املك المال الآن؟ تعلمين كم عانيت لأجلك ولأجل الحصول عليكِ، ماذا افعل إن كنت فردا من عائلة مثل هذه؟ هذا ليس ذنبي يا سهيلة ليس ذنبي، ابقي جانبي رجاءا، ساعوضك بدلا منها وافضل منها اقسم لكِ، ستجلب لك الكثير فيما بعد، هل ستتخلين عني كما يفعلون؟!

تزفر بضيق وتقف عاقدة وراعيها تفكر فيما يقوله، اردفت تنظر إليه وقالت:
-كم سيكون ثمنها يا آثر؟ هل سيكفيك ثمنها لجلب كل شيء؟! بالطبع لا، مازال ينقصنا الكثير الا ترى؟

اقترب منها يمسك بكتفيها بلطف وقال:
-اعلم يا حبيبتي لكن على الأقل ستكفي لبعض الأساسيات التي نحتاجها الآن، كمبلغ قاعة الزفاف المتبقي التي سيقام فيها عرسنا، والمراتب التي قلتِ عليها.

وقالت هي بغضب:
-والمال الذي تريده منال أليس كذلك؟!

ترك وراعيها بحزن وقال بهدوء:
-حسنا يا سهيلة لا اريد شيئاً انا ساتصرف، احتفظي بها أنها من حقكِ.

يعلم ماذا يفعل ويعلم مدى طيبة قلبها، لم يعن عليها أن تترك بهذا الوضع كما فعل والده وإخوته، وكأنه شجرة وسط أناس جوعا، عندما أسقطت ثمارها تهافت عليها الناس، وتسارعوا من منهم يحصل عليها اولا.

قالت سهيلة وهي تنزع دبلتها من يدها بحزن:
-خذ يا آثر، افعل ما تشاء لكن أجلب لى بديلا عنها الآن من المشغولات الصينية؛ حتى لا تلاحظ امي او احد عائلتي غيابها.

فرح آثر كثيراً وأخذها دون تردد ثم أقبل على سهيلة يقبل يدها وهو يقول:
-حبيبتي يا سهيلة انت من تبقي لي في هذه الدنيا بعد امي، ادامك الله لي سندا، اعدك باني ساعوضك عن كل شيء سيء حدث معك سابقاً.

ابتسمت سهيلة ببرود ولم تجبه، ذهب آثر برفقة شقيقته؛ لبيع الدبلة، حصلت شقيقته على المبلغ الذي ارادته، و جلب آثر المراتب في اليوم التالي، كان يوم زفاف سهيلة، اتصلت بها والدتها في الصباح بعد قدومها هي والعائلة إلى القاهرة في شقة يمتلكها أحد أصدقاء ابن خال سهيلة:
-مرحبا يا أمي، اين أنتم الآن؟
-صباح الخير يا سهيلة كيف حالك يا عزيزتي؟ نحن في شقة ربيع صديق ابن خالك.
-حسنا.
-هل انهيت كل شيء في شقتك؟ ام ارسل لكي زينب تساعدكم؟
-لا يا امي لقد انتهيت من كل شيء تبقى فقط التشطيبات الأخيرة.
-هل وضعت الستائر وجميع الفرش والسجاد.
-اجل اجل يا امي لا تقلقي كل شيء بخير.

حاولت سهيلة قدر الإمكان أن تخفي حالتها عن والدتها؛ حتى لا تسمع منها كلمات " هذا هو اختيارك"
لكن لن تستطيع أن تخفي الأمر كثيراً؛ لأنها لن تكون هذه الصدمة الوحيدة في يومها مازال ينتظرها الكثير.

قالت والدتها عبر الهاتف:
-حسنا سارسل لك بعض اللحوم والدواجن، جلبتها معي لأجلك، ضعيها في المجمد؛ حتى لا تفسد، اعذريني يا ابنتي لا يمكنني الطهو هنا، هل يمكنك تحضير طعام الليلة؟

زفرت بضيق ثم قالت:
-حسنا يا امي لا عليكِ، سافعل أنا.
-حسنا يا سهيلة أين هو آثر؟
-انه بالاسفل يجلب بعض الأشياء.
-اعطيه رقم هاتف محمود زوج زينب ليتواصل معه ويدله على الطريق، سيجلب لكِ الاشياء.
-حسنا ساخبره الآن.
-وداعاً.
-وداعاً.

انهت سهيلة المكالمة ودخلت إلى رباب وأسماء لترى ماذا فعلوا، رن هاتف رباب وهو على الشاحن، امسكت به سهيلة وقالت:
-انه زوجكِ يا رباب.
-اعطني إياه.

امسكت رباب الهاتف تتحدث بطريقة طبيعية وفجأة على صوتها بالصراخ وهي تقول:
-كيف هذا ومتى يا خراب بيتك يا رباب، يا ويلتي.
ركضت إليها سهيلة:
-ما الامر يا رباب؟

رن جرس الباب وذهبت سهيلة تفتح الباب فوجدت شهد وآثر، تركت الباب مفتوح لدخولها، وذهبت إلى رباب مرة أخرى:
-ماذا حدث اخبريني؟
قالت رباب وهي تندب وتصرخ حزناً:
-لقد مات والد زوجي يا سهيلة لقد مات.
-كيف حدث ذلك؟! لا اصدق هناك امر خاطئ، رباب ربما يمزح معك زوجك حتى تعودين إليه، تعلمين لم يكن يريدك أن تأتي.

تضرب رباب قدميها باكية وهي تقول:
-لا يا سهيلة لا ليس مزاح، أنه يتحدث وهو يبكي يا سهيلة وبجانبه اصوات صرخات كثيرة.

علت صوت صرخاتها في عش الزوجية الجديد، وضعت سهيلة يدها على فمها لتمنع صراخها وقالت:
-رجاءا اهدأي ولا تصرخي هنا يا رباب، سيلتم الناس علينا.

امسكت رباب بيدها وقالت:
-ساغادر يا سهيلة، اخبري آثر أن يوصلني إلى موقف السيارات من فضلك.
قال آثر وهو يقف على باب الغرفة:
-حسنا حسنا تحضري وسآخذك إلى هناك يا رباب تحلي بالصبر.

غادرت رباب العرس ولم تحضره مع سهيلة، لقد كانت تهون عليها فهي صديقتها المقربة، كانت الصدمة قوية على سهيلة حتى جعلتها تردد في نفسها:
-ما هذا الحظ التعيس ياربي؟ لم يحدث معي كل هذا لقد اكتفيت من الصدمات، استغفر الله العظيم، لا ادري ماذا سيحدث ثانية.

بقيت شهد مع سهيلة تواسيها، حتى آتي موعد مغادرة المنزل إلى صالون التجميل للاستعداد للزفاف، اتى آثر وقال لسهيلة:
-حبيبتي لا تحزني يا سهيلة لعله خيرا.
-ومن اين سيأتي الخير يا آثر؟ منذ أن اتيت الى هنا وانا اتوالى الصدمات والمتاعب، لا اعلم ماذا يختبئ لي غير ذلك.

وضع يده حول كتفيها يضمها ال. صدره وهي تجلس جواره:
-لن يكون هناك شيئا اخر أن شاء الله، هيا قومي واستعدي للنزول، سانتظركم بالاسفل حتى تنتهون.
-وماذا عنك يا شهد؟ هل ستأتين معنا؟

قالت شهد وهي تقف على باب الغرفة:
-لا انا سأذهب إلى منال؛ لأن ملابسي هناك.
-حسنا.

قام آثر وقال:
-هيا يا شهد ساوصلك إلى اسفل، سهيلة اتصلي بي حالما تنتهين.
-حسنا يا آثر.

اغلقت سهيلة الباب خلفهم ودخلت تتجول نظراتها في الشقة تندب حظها وما وضعت نفسها به وتقول في خاطرها:
-كيف سيرون اهلي مظهر شقتي بهذا الشكل؟ ماذا ساخبرهم؟!

تنهدت بحزن وقالت:
-لا فائدة هيا يا اسماء استعدي لنذهب إلى صالون التجميل.

قالت اسماء:
-اختي؟ ماذا عن الشقة، هل سنتركها هكذا؟!
-لا سيكمل آثر باقي الفرش هو وشقيقته حتى ننتهي من الصالون، سيجلب هو المراتب وباقي الاغراض لا تقلقي، هيا استعدي.
-حسنا.

دخلت سهيلة تستحم وتبدل ملابسها، غادرت شهد برفقة آثر إلى المنزل، أثناء طريقهم قال آثر:
-تلك الأخرى تندب في شقتي الجديدة، وتصرخ بها، لقد كان وجهها شئما علينا.
قالت شهد باستغراب:
-انا لم تقدر انها في وقت زفاف، لكنها ايضاً معذورة يا آثر، لقد توفي والد زوجها.
-انت لا تعلمين شيئاً عنها يا شهد اصمتي، انها خبيثة، هيا اصعدي انت وانا سارى ما علي فعله.

-حسنا.

صعدت شهد الى اعلى وطرقت الباب فتحت لها منال، تلقتها قبل دخولها بفضولها واسألتها التي لا تتوقف:
-ماذا؟ اخبريني ماذا هناك؟ ماذا كانوا يفعلون؟ هل رأيت ملابسها؟ وكيف هي الشقة الآن؟
تلتقط شهد أنفاسها من صعود الدرج وتقول:
-انتظري يا منال، اريد ان التقط انفاسي اولا، اعطني ماء رجاءا.
-ايتها الحمقاء هل تشترطين علي ماذا افعل؟ خذي الماء وأخبريني.

رمت لها زجاجة الماء شربت منها وقالت:
-لقد غادرت رباب وتركت الزفاف.

بفضول وحماس اجابت منال:
-لم هل تشاجرت مع سهيلة؟ اخبريني؟
-لا افهم لم الفضول يقتلك إلى هذه الدرجة، انتظري ساخبركِ، لقد توفي والد زوجها وظلت تندب وتصرخ داخل الشقة، لقد تضايق آثر منها كثيراً.

-حقا وماذا فعل هل قام بطردها من الشقة؟
-كيف سيطرتها يا منال؟! بالطبع لا لقد اوصلها إلى موقف السيارات وغادرت، لكنه كان منزعج لم فعلته في شقته الجديدة.
-بالطبع انها شقة عروسان، تصرخ بها هل تريد ان تكون الشقة شئما عليهم، من الجيد انها غادرت، لم أكن ابتلعها من حلقي.

-لكن سهيلة خزينة جدا.
-دعكِ من سهيلة وأخبريني ماذا فعلت بالشقة؟
-تبقى على حالها أعتقد أنهما سيتشاجران بسببها، ليس هناك شيئا مكتملا فيها.
-حقا؟ وماذا عن خزانة ملابسها هل رأيتِ ما بها؟
-لا لم ادخل إلى هناك.

-لحظة ساريك شيئاً.

وقفت منال ترفع عبائتها وكانت ترتدي تحتها عبائة سهيلة التي كانت تبحث عنها، والتي أعطتها إياها في منزلها للنوم بها، وعندما سألتها عنها أخبرتها انها تركتها مكانها، فقالت شهد بتعجب:
-اليست هذه هبائة سهيلة التي كانت تبحث عنها، الم تنزعيها هناك؟!

-لا لقد اخذتها دون علمها، لديها حقائب من الملابس.

تعجبت شهد ولكنها شاركتها في جريمتها عند سكوتها عنها، لقد أعطتها سهيلة عبائة من ملابسها الجديدة وهي قابلتها بالسرقة، فعلا يفعل المرأ الخير ليجد محله الشر، لكن ليس دائما يكون الخير يقابله الشر، هذا يعتمد فقط على طبيعة الأشخاص التي نلاقيها بالخير، في حقيقة الأمر انها تحمل الشر بين طياتها، هو طبيعة تسكن داخلهم، فمهما فعلت لهم من الخير لا يخرج منهم سوى الشر.

كانت سهيلة تعتقد أن رباب هي من اخذت ملابسها، وظنت بها رغم صداقتهم العميقة، لكن افعالها الأخرى أيضا جعلتها محلا للشك.

نزلت سهيلة إلى صالون التجميل بعدما أخبرها آثر أن لا تحمل هم الشقة وفرشها، واخبرها أن منال وشهد سيكملون ما تبقى فيها، سهيلة اطمئنت بعض الشئ ظنا منها أنهم سيفعلون كما يفعل بنات عائلتها ويهتمون بالامر، يحملون الاعباء سويا، يا لحسرتها لقد تأملت الكثير ولم تجد منه شيئاً، خاب أملها في كل ما تأملت حدوثه.

لحظات وضع مساحيق التجميل على وجهها وهي في صالون التجميل، كانت تشعر بكل تفاصيلها وكأنها تحفر في قلبها، إنه يوم مميز لكل فتاة، يوم لا ولن يتكرر ثانية، ليس لأنه يو زفاف؛ وانما لانه تتخلى فيه الفتاة عن الكثير مما تملكه لتحظى بحياة أخرى بديلة.

يوم ليس فقط تسلم فيه الفتاة جسدها وانما تسلم فيه روحها وما تبقى من عمرها، لرجل تأتمنه على عرضها ونفسها، ليته يكون جديرا بما حصل عليه من كنوز، أجل فالمرأة كنز لا يعرف قيمته سوى القليل منهم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي