البارت الخامس والعشرون

تختلف النهايات بكل تفاصيلها؛ وذلك لأن كل حكاية تختلف عن الاخرى، وليس كل الابطال يشبهون بعضهم البعض، فحياتنا عبارة عن حكاية طويلة لكنها بمدة محدودة، تنتهي عندما تنتهي مدتها، ربما تتشابه تفاصيلها مع حياة الآخرين، لكن بالتأكيد لكل منا نهايته الخاصة والمختلفة.


تشبه الحياة البذرة في بداية رحلتها، اولا تلقى في الأرض بدقة وعناية شدية، ثم تروى لتنمو بطرق معينه ومواعيد محددة، ثم تنمو وتنمو حتى تكون على اتم استعداد لتنتج ثمارها، وعندما تظهر ثمارها وتكون في كامل هيئتها تقطف؛ لتباع إلى من يقدرها بثمن تستحقه، ثم يأخذها ويبيعها إلى من يرغب في تذوقها ويدفع الثمن الذي يريده البائع، واخيرا توكل ثمرة كاملة ويرمى ما تبقى منها في الأرض، وتعاد الكرة، لكن الشجرة التي تنبت الثمار تظل مكانها تنبت في ثمارها حتى يقتلعها أحدهم من جذورها وتنتهي رحلة إنتاجها.


هكذا هي الدنيا عجلة دائرة، تعاد بداياتها ونهايتها على مر الزمن، مهما اختلفت الابطال فيها فكل شخص سيأخذ منها ما يستحقه فقط وما كتب له.

لقد اخذت سهيلة نصيبها من الدنيا بزواجها من آثر، كان خيارها وان كان السبب في عذابها وتعاستها، لكنها اختارت أن تكمل الحياة وتتاقلم بها حتى يشاء الله بغير ذلك.

ذهبت سهيلة مع شهد الى المشفى ودخلت شهد الى غرفة العمليات، لكنها ظلت في المشفى إلى اليوم التالي، ذهبت سهيلة وآثر لجلبها من المشفى، كان ينتظرهم اكرم هناك، عندما رأى آثر الطفلة بين يدي شهد، تحركت في داخله مشاعر الأبوة.


حملت سهيلة الطفلة بكل سعادة كانت فرحة جداً، عندما رأى آثر فرحتها بها طرأ في خاطره انها ستكون أكثر سعادة من ذلك عندما تحمل طفلتها، وقرر آثر في هذه اللحظة أن يتحدث مع سهيلة بهذا الأمر.

صعدت سهيلة إلى السيارة وهي تحمل الطفلة وصعد آثر جوارها وبجانبه اكرم في الكرسي الخلفي، أما شهد جلست في الامام؛ لأنها كانت تتألم من ولادتها القيصرية.

قال لها آثر بصوت منخفض وهي تحمل الطفلة:
-اتمنى أن نحمل كلفنا قريبا يا سهيلة.

ابتسمت سهيلة وقالت:
-أين يا آثر لكن بالطبع ليس الآن، مازال لدي جامعة.
انفعل آثر وتحدث بضيق بصوت منخفض:
-ماذا يعني الجامعة، لا يهم أكثر من ذلك، هل تعلم الجامعة أكثر من انجابك طفل مني؟

قالت سهيلة ما جعله يحرج ويصمت بزوق:
-ليس هناك ما هو اهم من انجابي طفل منك يا آثر، تعلم كم أتمنى أن تحظى به، لكن مازال الوقت مبكراً الان، دعنا نتحدث لاحقاً.

سكت آثر حتى وصلوا إلى المنزل، بقيت شهد وطفلتها واكرم عند سهيلة في شقتها لمدة اسبوع، تعتني بها سهيلة كشقيقة لها، تعتني بطفلتها تبدل لها ملابسها وتهتم بها حتى غادرت شهد وزوجها منزلها.

لقد فعلت سهيلة معهم ما لا ولن يفعله أقاربهم في هذه الظروف، لقد تعاملت معهم كاهل لها، لكنهم قابلوها بالعكس.


بدأت السيارات بين آثر وسهيلة بسبب موضوع الإنجاب، سهيلة تصر على أنها تكمل جامعتها وتعمل بعد ذلك، وآثر يضع جامعتها أمام إنجابها وقال في شجار حاد صار بينهما:
-لن تكملي جامعتك حتى تفعلين ما اريد، أليس هي السبب في رفضك؟
-ماذا تقول انت وما دخل جامعتي بهذا، أخبرتك أن الوقت ليس مناسباً، مازلنا نتعرف على بعضنا واحاول التأقلم في هذه البلد، لم تنجب طفلا وأحمل ذنبه فيما بعد.


كانت سهيلة تتحدث بعقلانية ولديها حق بينما آثر قلب الامر عليها وقال:
-ماذا تقصدين؟! اتريدين الطلاق مني، ام انك ستتركيني لاحقاً، هذا ما تخفيه عني اذا؟ تريدين تركي؛ لذلك لا تريدين الانجاب مني، انا اريد طفلا منك لاني احبكِ، وانتي لا تريدين الانجاب مني؛ لانك تفكرين بتركي.


-آثر انا لا اقصد ذلك رجاءا اسمعني.

بتر حديثها قائلاً:
-لن اسمع شيئاً ولن أتحدث بشيء لقد بأن كل شيء الآن، إن كنتِ تريدين الطلاق مني هيا اذهبي عودي الى عائلتك واكملي جامعتك كما تريدين، وانا ساكمل حياتي بدونك، هذا هو حظي دائما، اردت الانجاب منك اطفال كثر، تعلمين اني وحيد، لا ارتبط بعائلتي لأجلك، لقد تخليت عن كل شيء لأجل وهذا هو المقابل الآن.

-آثر؟
-لا تنطقي باسمي ثانية، ابقي بعيدة عني.

خرج آثر من المنزل منفعلا هو يعلم ماذا يفعل وكيف يجعلها تفعل ما يريد دون مناقشة، لقد قلب الامر عليها وجعلها توافق على الإنجاب في مثل هذه الوقت دون تردد، حتى أنها لم تفكر في جامعتها وفكرت فقط في ارضائه.

وبالفعل بعد زواجها بأربعة أشهر حملت سهيلة لطفلتها الاولى، كان آثر يقفز فرحا، في كل مرة تختبر فيها سهيلة حملها وتكون النتيجة سلبية يضع اللوم عليها، لقد دمر نفسيتها حتى اتى هذا اليوم، قامت سهيلة في الصباح الباكر تجرب اختبار الحمل مرة اخرى، فظهر لها إيجابي، خرجت من الحمام فوجدت آثر أمامها ينتظر:
-اخبريني ما النتيجة؟
رفعت سهيلة جهاز الاختبار إليه وقالت فرحة:
-انا إيجابي انا حامل.

قفز آثر فرحا يكبر ويهلل وبحمد الله، قام بحملها وهو يطوقها بزراعيه، وهو يقول لها:
-حبيبتي يا سهيلة الحمد لله، الحمد لله، احبك كثيراً.

ضحكت سهيلة وفرحت كثيراً، حتى أنها لامت نفسها على رفضها عندما رأت فرحته العارمة بهذا الشيء، تختبر سهيلة مشاعر الأمومة والحمل للمرة الأولى في حياتها لكنها تحملت كل ما عانته وقاسته دون اهل او اخت او ام تساندها في تعبها، حتى آثر كان ليس بالاهتمام الذي يجعلها تحب الأمر وتقبل عليه مرة أخرى.


كانت حياتهم سعيدة الى حد ما بعد حملها، سرعان ما انقلب عليها الأمر عندما علم انها تحمل بفتاة وليس صبيا، لقد تغيرت ملامح وجهه، وظهرت علامات الغضب عليه، بدأ يتحدث بصعوبة، بالرغم من أنه للمرة الأولى يختبر شعور الاب، ولكن هذا بسبب النشأ السيء الذي نشأ به آثر.

لقد فعلت والده ذلك من قبل، عندما علم أن زوجته الأولى تحمل بفتاة قام بتطليقها وتزوج بأخرى وهي والدة آثر، انجبت فتاة واحدة وخمسة صبية، وهذا ما نشأ عليه آثر أن الولد يحمل اسم والده ويكون ظهرا له وسندا أما الفتاة فهي تبقى جانب والدتها حتى الزواج.

بدأت الخلافات والصراعات تتزايد بينهم حتى وصل بهم الامر الى طلبها الطلاق، لكنه رفض وطلب منها أن كانت تريد الطلاق تتنازل عن كل حقوقها منه تنازلا كاملاً وتبرئه من النفقة وكل مستحقاتها، رفضت سهيلة بشدة ومن هنا قررت انها ستأخذ حقها وحق ابنتها مهما كلفها الأمر، ولن تتنازل عن حقوقها، فقالت لنفسها:
-ليس بعد الآن يا سهيلة، ليس بعد كل ما عانيته تتناولين عن حقوقك بهذه السهولة.


لقد عاشت سهيلة الحياة وتأقلمت وتحملت لأجل ابنتها، لكنها لم تكن أضف بل العكس كانت اقوى واقوى من قبل، لم تعد تصمت ولم تعد تطأطأ رأسها، بل ترفعها عاليا وتطالب بكل حقوقها بثقة، جعلتها ابنتها تتقبل مالم تكن ستتقبله في حياتها مرات، ومرات أخرى تحارب لأجلها؛ حتى عندما تأتي تجد حياة أفضل من قبل.


بظأت تكتب لها مذكراتها وتحكي لها وتشكوا إليها مما يزعجها وهي في بطنها، أصبحت هي أملها الوحيد في تحسن الحياة بينهما وجعلها افضل، كانت دائماً تردد:
-سيتغير عندما يصبح أبا ويكون هناك طفل بيننا.

هذا ما جعلها الناس تقتنع به، لكن الطبع يغلب التطبع، وهذا ما تلاقيه الفتاة عند التطلع إلى زواج ليس مدروسا ولا أسس له تبني عليها حياتها، الزواج اكبر من كونه علاقة حميمة ورومانسية، الزواج كيان كبير تبني عليه عائلة بأكملها في ما بعد فإن فسدت العلاقة الأساسية والرابط الاساسي، فسد جميع من يلحق به؛ لذلك لابد وأن لا تنخدع بالمظاهر ولا الكلمات المعسولة؛ لأن حتما حلاوة مذاقها ستجعلنا نقد اعز ما تملك.

لنتطلع إلى زواج قويم ذو روابط أسرية صحيحة وقوية، نبحث عن النشأة الجيدة والخلق القويم زواج بمعنى الكلمة وليس ما يقال عنه زواج السوشيال ميديا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي