البارت الخامس عشر

مواجهة صادمة.

تتضارب مشاعر الخوف والحب، فتصنع مزيجا غريب ربما يجعلك تخطىء في رؤيتك للامور، على الشخص أن يفكر جيدا ويتمالك نفسه حتى يرى الامور بوضوح اكثر.

تدخل على والدتها وشقيقتها وهي ترفع هاتف والدها تبتسم بغل وضيق، دخل والدها وجلس جوار والدتها وقال كأنه لم يحدث شيئاً:
-اعطني الهاتف يا سهيلة تحدثتم إلى زينب؟

امسكت الهاتف سهيلة وهي تحرك يدها به وتقول بضيق:
-استمع يا والدي إلى هذه المكالمة.

قامت بتشغيل المكالمة بينه وبين زوج رهف، وقالت بحزن:
-ما هذا الذي فعلته؟! الم تفكر بإبنتك ولو للحظة واحدة، كيف سيكون شكلي أمام اهل آثر عندما يعلمون بفعلتك هذه؟!

قال والدها بغضب:
-انتبهي لحديثك، لقد تحملنا الكثير من أفعالك منذ أن عرفتي هذا الوقح، لا نريد هذه العلاقة.

باعين دامعة تتحدث سهيلة:
-اتعني أن ما فعله زوج رهف اعجبك يا ابي، أنت توافقه على أفعاله الرخيصة هذه؟

-اجل اوافقه وراض كل الرضا عما فعل.
-حسنا يا ابي ليكن بديلا لك عني، ساترك لك المنزل الآن واعط زوجها مكاني وتهنأ به وبافعاله.
بصوت غاضب ومرتفع قال والدها:
-اذهبي بلا رجعة هيا بلا رجعة.

رنت تلك الكلمات رنات ارتجف لها قلب سهيلة، ادارات ظهرها وخرجت إلى غرفتها وهي تسمع تردد تلك الكلمات في اذنها كآلة عازفة لا تتوقف عن العزف على اوتار قلبها الحزينة، التي تصدر موجات الالم والوجع بلا توقف.


دخلت إلى خزانتها تخرج ملابسها وتضعها في حقيبة سفر، رن هاتفها بمكالمة من آثر، اجابت باكية وهي تقول:
-اجل يا آثر، اسمعني جيداً زوج رهف هو المسؤول عن كل ذلك.
-ماذا تقولين زوج رهف؟!
-نعم زوجها، لم يكن ابي يعلم بذلك.

دخلت والدتها واخذت منها الهاتف واغلقت الخط عندما سمعتها وهي تقول آخر كلمتين "ابي يعلم ذلك" وقالت:
-هل جننتي؟ كيف تخبريه بأن والدكِ يعلم؟

نظرت إليها سهيلة بكسرة وقالت:
-وهل مافعله كان صواباً يا امي؟ لم يفكر بي ولا بمظهره أمام الناس، والان تخشي أن يعرفون بفعلته، لا تقلقي لم اخبره، لقد اخبرتك أنه لا يعلم بما فعله زوج ابنتك، والتي اشتركت معه في فعلته هذه.

ادارات ظهرها إليها وهي تخرج ملابسها من خزانتها، امسكت والدتها بحقيبتها ودفعها بعيداً على الارض وهي تقول:
-اتركي هذه الحقيبة، إلى أين ستذهبين؟ هل هناك فتاة تترك منزل والدها ومنزلها لأجل شخص غريب؟!

صرخت سهيلة وهي تقول:
-ليس منزلي ولم يعد كذلك، لقد اختار ابي بديلا عني، ليس لأجل شخص غريب بل اكتفيت من أفعالكم، اتركوني وشأني.

ذهبت إلى الحقيبة وهي تبكي بقهر، رفعتها على سريرها وهي تضع بها الملابس ودخلت شقيقتها وقالت بكل برود:
-ماذا تفعل هذه؟! هل ستترك المنزل لأجل آثر؟!

ذادت سهيلة تلك الكلمات الباردة ضيقاً، اردفت تنظر إليها بغضب وقالت:
-لا تقولي لأجل آثر بل قولي بسبب زوجي الوقح، الذي اشتركتِ معه في خطته الدنيئة، يا لكم من حمقى لا تخجلون.

كادت أن تتشابك معها ووقفت بينهما والدتهن، فقالت رهف من خلف ظهرها:
-نحن لسنا حمقى يا سهيلة، فعلنا ذلك لأجلك، لأجل مصلحتك، لا نريدك أن تتأذي، هذا الشخص لا يناسبك ايتها الغبية، كفاكِ غباء واستيقظي من غفلتكِ، هو لا يريدكِ بل يريد نسبة وما لديك ولدى عائلتك ايتها الرخيصة.

غضبت سهيلة كثيراً وقالت لها بتهديد:
-الرخيصة هي انتِ وزوجك يا رهف، الرخيصة من اخذت رقم هاتف والد آثر من هاتفي دون علمي واعطته لزوجها، الرخيصة من تبيع اختها لأجل رغبة زوجها الرخيص في الحصول على عمل من صديقه وكيل النائب العام، تعلمين ما اقصد اليس كذلك؟! ما رأيك في أن اخبر والدتكِ ووالدكِ الآن بما كنتم تخططون لفعله أنت وزوجكِ؟ ها ما رأيك؟ عندما طلبتي مني أن اذهب معك بحجة شراء ملابس لاطفالك.

وقفت والدتها بينهما بغضب وقالت منفعله:
-توقفن، كفاكن شجارا، ما هذا الذي اسمعه؟ ماذا تقولين يا سهيلة؟

عادت سهيلة خطوتان إلى الخلف وقالت وهي تشير الى رهف بتهكم، تبتلع ريقها بصعوبة من شدة البكاء وتحاول التقاط انفاسها، تتسارع ضربات قلبها من الانفعال والغضب:

-ساخبركِ يا أمي، في يوم ما طلبت مني رهف أن اذهب معها وزوجها لشراء ملابس لاطفالها من المدينة، ولحسن حظي في هذا اليوم كان لدي عمل وعدت إلى المنزل في وقت متأخر قليلاً، وكنت متعبة ولم استطع الخروج، في هذا اليوم لم تكن تريد شراء الملابس بل كانت حجة لتضعني أمام الامر الواقع، تجعلني اقابل محمد بك في موعد غرامي، تلتقط لي بعض الصور وانا برفقته ويرسلونها إلى آثر وعائلته.

بصوت غاضب ومنفعل تصرخ سهيلة وتقول:
-لقد وصلت بهم الوقاحة إلى هذا الحد، لم يفكروا بسمعتي ولا مظهري أمام الناس، فقط يفكرون بمصالحهم الخاصة، لقد وعدهم محمد بك أن يجلب له واسطة لتوظيفه ككاتب في النيابة العامة، لم اخبر والدي حينها؛ حتى لا يتشاجر معهم او يغضب عليهم، خفت عليهم وهم لم يفكروا بي ولو للحظة واحدة، وفي نهاية المطاف اختارهم والدي وتركني وحيدة.

عندما سمعت والدتها القصة التي سردتها لها سهيلة، لم تتوقع ان هذا يحدث من ابنتها الكبرى وزوجها ضد اختها، كأنها عدوة لهم، بدأت الام تضرب خديها بشدة، تندب حظها التعيس لما حدث بين بناتها، لقد اوقع الرجال بينهن، احداهن تمشي وراء زوجها والاخرى تدافع عن خطيبها، في نهاية الامر تشابكت الاختان أمام والدتهن، وقامت الام بصفع كلاهما بقوة، قامت بطرد رهف من المنزل واغلقت الباب على سهيلة؛ لتمنعها من الخروج.


اتى الليل وجلب الظلام الدامس معه، ليس فقط في السماء والاماكن وانما في قلوبهن، كل واحدة منهن ترقد على وسادتها وقلبها يعمه الظلام مما فعلته الاخرى، الام ترقد على وسادتها تفكر في بناتها وكيف وصل بهم الامر الى هذا الحد، وماذا ستفعل لتصليح تلك الشقوق بينهن، أما رهف فحزنت لحزن والدتها والذي ادى بها إلى حالة نفسية تسببت في تشنج بقدميها وتوقف عن الحركة.

أما سهيلة فترقد على وسيادتها تنظر إلى السقف وعيناها تتساقط منها الدموع كقطرات المطر، تتوالى واحدة تلو الاخرى دون توقف، قلب منفطر ومنكسر ووحيد ومتألم، لقد اكتفى قلبها من كل الوان الوجع والتألم، انعكس الامر على جسدها من شدة وجعها مما تعرضت له من مواقف صادمة وصعبة، لم تعد تحتمل حتى الشكة في يدها، ماذا تفعل الآن فهي رغم كل ما تشعر به من وجع الا انها تتملكها الحيرة.


من سترضي ممن تحب؟! والدها أم والدتها أم عائلتها ومن لهم مصالح خاصة على حساب سعادتها، أم ترضي نفسها؟! أم ترضي آثر وتتخلى عن الجميع؟!

بالرغم من حلاوة الحب وحلاوة مشاعره التي تغمر القلب بالسعادة، إلا أنه ليس بالامر السهل فالآمه اشد إيلاماً من غيرها، ونيرانه اشد حرقة من غيرها، فعندما يتألم القلب يتألم جميع الجسد، وآلام القلب لا يضاهيها آلام.


بينما كانت سهيلة وحيدة في غرفتها تعانق آلامها، رن جرس الباب، كانت الساعة تخطت الواحدة صباحا، سمعت سهيلة صوت الباب لكنها لم تتحرك خطوة واحدة، علمت أن زوج شقيقتها بالخارج عندما سمعت صوته، لكنها لم تعلم أن شقيقتها برفقته بالخارج لا تستطيع التحرك من آلام قدميها، غادر زوجها بعد حوالي ربع ساعة من الزمن عندما لم يفتح له احد باب المنزل.


علمت والدتها في الصباح بما حدث عندما تحدثت إليها عبر الهاتف، قالت بصوت مرتفع:
-الم يسمع أحدكم باب المنزل بالامس؟ لقد كانت اختكم تتألم وجلبها زوجها إلى هنا، كيف لكم الا تسمعوا جرس الباب الذي رن عدة مرات؟

خرجت سهيلة من غرفتها بهذا الوجه الباهت وقالت:
-بلى سمعت، ولم أفتح لاحد.

قالت والدتها باستغراب:
-لقد كانت أختكِ مريضة تتألم من قدميها أمام الباب، لقد جلبها زوجها بالامس خوفاً عليها من شدة الالم، لقد غضبت لما حدث بينكما بالامس، وانت سمعت الباب يدق ولم تفتحين! علمت أنها هي؟!

جلست سهيلة على الاريكة ورفعت قدميها تطويرها إلى صدرها بكل هدوء وقالت وهي تمسك هاتفها تتصفحه:
-لم أكن اعلم أنها برفقته، خلته أتى منفردا عندما اخبرته بما حدث، ولا تقولي أختكِ ثانية، لم يعد لدي اخت كبرى بعد الآن، لقد ماتت بالنسبة إلي.

حزنت والدتها مما سمعته منها، لكن كيف ستدافع عنها فالاخرى لم تترك مجالاً للدفاع، خوفها على شقيقتها جعلها تخطىء في حقها دون وعي، خباثت زوجها اللامتناهية جعلتها تفعل ما يقول دون تفكير بحجة خوفها على شقيقتها.

وقعت الام بين بناتها مغلوبة على أمرها لا تعلم مع من تصف، فكلاهما قطعة من روحها، وكان الاب لا يبالي يتركها كما ترسي، فأينما رست سيعلم مرساها.

ومن هنا انقطعت علاقة سهيلة بشقيقتها الكبرى وزوجها بعدما فعلوه بها، كان آثر يعمل ليلاً نهاراً حتى يأخذ سهيلة إلى منزله كزوجة، بالرغم من التحديات التي واجهوها والعقبات القاسية التي اعترضت طريقهم، إلا أن النصيب كان غالباً والقدر حتما سينفذ، وعلى الرغم من المحاولات التي لا تعد ولا تحصى للتفريق بينهم وتخريب علاقتهم، إلا انهم وصلو إلى نهاية الطريق معاً، وها هو اليوم الموعود قد أتى يوم عقد قران سهيلة على آثر، وكالعادة لن يمرر والدها الامر بسهولة ولن يترك ابنته تغادر منزله بهذه البساطة.


وكالعادة فاجأ الجميع، وصدم آثر من فعلته.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي