البارت الثالث عشر

عقبات.


قرر آثر بعد غياب سهيلة عنه بضعة أيام أن يعمل بجد ويتغير للأفضل؛ حتى يحصل عليها ويكون رجلاً في أعين والدها، تلك الخطوة الإيجابية الاولى التي خطاها آثر منذ بداية علاقته بسهيلة، أو بالأحرى الخطوة الصادقة التي لا يخفى ورائها نوايا سيئة أو مطالب شخصيه.

علم آثر أن لا فائدة من تحقيق نواياه، وربما سيحصل على ما يريد لاحقاً، لمرة واحدة كان صادقاً في مشاعره ونواياه.

أراد آثر فعلا أن يتزوج بسهيلة؛ لأنه اكتشف أنه مغرم بها، أراد الحصول عليها كزوجة وليس كصفقة مربحة تدوم طوال العمر.

أرادت سهيلة أن تبطل شكوكها واحمد تلك المعركة التي تدور داخلها، هذا الصراع الذي لا ينتهي بين قلبها وعقلها، تحدثت مع آثر حتى تتضح لها جميع الأمور وتقرر ما إذا كانت تكمل رحلتها معه وتستسلم لطباعه السيئة، أم انها تنهي تلك الرحلة وتعود إدراجها إلى الخلف مهما كانت الخسائر، لكنها لن تكون كخسارتها لنفسها.


نزلت سهيلة امتحاناتها الجامعية لعامها الثالث، وفي يومها الأول بالامتحان بعدما انتهت من تأديت امتحانها، اشترت شريحة اتصال جديدة وقامت بالاتصال بآثر، اجاب فوراً وقال:
-الو مرحباً.
-هل انت معتاد أن تجيب على ارقام مجهولة؟

بحماس وفرح:
-سهيلة حبيبتي، يكفي انا غاضب منكِ، هل طاوعك قلبك أن لا تسمعي صوتي كل هذه المدة.
تحدثت إليه ببرود:
-اجل طاوعني، ولم اتصل بك للتحدث كما لم يحدث شيئاً.

سمع اصوات الضجيج حولها وقال:
-لحظة أين انتِ؟ هل أنتِ خارج المنزل؟!
-اجل انا في الجامعة.
-وماذا تفعلين هناك؟

جلست سهيلة على إحدى المقاعد العامة بالجامعة ووضعت حقيبتها جوارها وقال بتنهيد:
-كان لدي امتحان اليوم.
فكر آثر لثوان قليلة فيما حدث سابقا وقال دون تردد:
-حسنا وماذا فعلتِ في امتحانكِ، هل كان سهلاً؟

تعجبت سهيلة من رده، ظنت انه سيتشاجر معها ويسألها لما ذهبت وتكون تلك هي النهاية بينهما، لكن خاب ظنها وهذا ما أعادها إليه مرة أخرى، فقرة سحر غير مقصودة، لكني أعتقد أن هذا ما يسمى بالنصيب والقدر.

قالت سهيلة باستغراب:
-الن تتشاجر معي كعادتك؟
-لا لن اتشاجر معكِ، أكملي جامعتك واكملي امتحاناتك؛لاني سآخذك بعد فترة قصيرة.

-لا افهم ماذا تقصد؟!
-اخبريني اولا اين انتِ الآن؟
-اجلس لارتاح قليلاً، وساذهب لموقف السيارت واعود إلى المنزل.
-حسنا اخبريني عندما تصلين، سنتحدث سويا عن كل شيء.
-حسنا وداعاً.
-اعتني بنفسكِ.
-حسنا.
-وداعاً.

اغلقت سهيلة الخط وظلت تنظر إلى هاتفها بتعجب، تفكر من هذا؟ هل هذا حقا هو آثر؟ ما الذي يحدث؟! لكن الأهم من كل ذلك أنها كانت تقفز فرحا، كم تمنيت أن يتغير للأفضل، وها هي ذا حصلت على أمنيتها.


لم تنتظر حتى تستريح استقلت سيارة الآخرة مسرعة وعادت إلى المنزل، متحمسة لتعرف ما الامر، وما الذي بدأ آثر بهذه الطريقة.


دخلت إلى المنزل وسلمت على الجميع، كانت تجلس والدتها واخواتها الصغار، سألتها والدتها:
-حمدا لله على سلامتك يا سهيلة، كيف كان امتحانك.

جلست على الأريكة تستريح وترتشف بعض رشقات المياه من كوب على طاولة الطعام، ابتلعتها وقالت:
-بخير يا أمي، كان جيداً.
-حسنا لعل الباقي خيراً كهذا إن شاء الله.
-ان شاء الله يا امي، سابدل ملابسي وآتي.
-حسنا سأضع لكِ الطعام.
-لا لا ليس الآن لست جائعة الآن، سارتاح قليلاً، سآكل عندما استيقظ.
-حسنا كما تريدين.

ذهبت سهيلة إلى غرفتها وعندما أدارت ظهرها إلى والدتها قالت والدتها تدعي لها:
-هداكِ الله يا ابتني، لقد أوشكت تعود إلى حالتها الطبيعية.

أجابت إحدى اخواتها الصغار وقالت:
-ربما لأنها تركت آثر.
ضحكت والدتها على ملاحظة هؤلاء الأطفال، وتأملت أن تستقر حالتها وتعود كما كانت وتتخلص من هذا المرض.


بدلت سهيلة ملابسها واتصلت بآثر، أخبرها أنه سيتحدث إليها لاحقا حالما ينتهي، اخذت هاتفها وخرجت لتجلس مع والدتها وأثناء حديثهم دخلت خالتها إلى المنزل في زيارة لهم، قالت والدتها:
-انها خالتك يا سهيلة.
نظرت سهيلة باتجاه الباب وقالت مبتسمة:
-اجل انها هي، لم تأت منذ فترة.

وقفت مرحبة بها وتقول:
-يا مرحبا يا مرحباً، كيف حالك يا خالتي؟ لم نراكِ منذ مدة.

ابتسمت خالتها وقالت وهي تمد يدها:
-كيف حالك يا عروس، لقد اتيت بخبر سار.
تعجبت سهيلة من ندائها بالعروس، ثم اعتقدت أنها تعلم شيئا يخص التغيير الذي حدث مع آثر، طرأت لها خاطرة، هل تحدث مع والدها أو خالها؟ ربما هناك شيئاً جيدا يحدث وهي لم تعلم به بعد.

فقالت والدتها بعد سلامها على اختها:
-حقا نحتاج إلى تلك الأخبار، اخبرينا يا أختاه.

جلست سهيلة ووالدتها في ترقب لما ستقوله خالتها، فقالت:
-لقد أتى إلى منزلي اليوم محمد بك، ومعه شقيقه الأكبر، يريد القدوم لخطبتكِ يا سهيلة.

ضحكت سهيلة باستهزاء وقالت:
-كيف ذلك يا خالتي؟ الا يعلم اني مخطوبة؟
ما زاد الامر سوءاً وزادها تعجبا قول خالتها:
-بلى يعلم انك مخطوبة، لكن جميعنا لا نريد تلك الخطبة، وهو قال إنه يريدك أن تفسخي خطبتكِ، وسيفعل لكِ كل ماتريدين، لديه منزل والده ولديه ارض خاصة به سيبني عليها منزلا لكِ وحدك.

انفعلت سهيلة بعض الشيء وقالت:
-يا الهي يا خالتي أيعقل ما تقولين، هل هذا الرجل مجنون ام ماذا؟! كيف له أن يطلب هذا، ام أنه يقول لنفسه انا وكيلا للنائب العام ومن أجل ذلك ستقبل بي من أريد.

-وماذا به يا سهيلة، إنه يريدك وهو أقرب إلينا من آثر، أنه غريب عنا ولا نعرف عنه شيئاً، أما هذا فهو من عائلتنا نعرف اصله وفصله.

وقفت سهيلة وقالت:
-لا أحد يتحدث معي بهذا الموضوع ثانية، مازلت مخطوبة ولم اترك آثر بعد وربما لا أتركه، كنت احترم هذا الشاب لكن بعدما عرفت طريقة تفكيره سقط من نظري، ساخلد للنوم قليلاً، اراكِ لاحقاً يا خالتي.

دخلت سهيلة غرفتها تزفر بضيق، استلقت على فراشها ووضعت الهاتف جوارها تنتظر مكالمة آثر، جلست خالتها تذم بها وتقول:
-يا لها من فتاة غبية ابنتكِ يا اختاه، كيف لها أن ترفض شاب كهذا؟

قالت والدتها مغلوبة على أمرها:
-كنت اتحدث الآن قبل قدومك واقول يارب، ليتها تعود كما كانت وتتخلص من هذا المرض، لكن لا فائدة، أنه مقدر علينا.

لم يكتفي محمد بك بمحادثة خالتها فقط، عندما علم برفضها له تحدث إلى زوج شقيقتها الكبرى، والذي هو أيضا لا يحب آثر ويرفض زواجها منه، ومن هنا بدأت عقبة أخرى تعترض طريق سهيلة وآثر، كلما قالت سهيلة أن الأمور ستتحسن، تحل من جهة وتعقد من جهة أخرى.

اتفق زوج شقيقتها الكبرى وشقيقتها وهذا الشاب محمد بك، الذي هو في الأصل صديقا لزوج شقيقتها من اصدقاء الدراسة، على أن يخططوا لشيء يجعله يتركها أو يجعلها تتركه.

في الجهة الأخرى يبحث آثر عن عمل
آخر ليجني منه المال، حتى يقوم بتحضير لوازم العرس، لكن لا شيء يمر كما يريد الإنسان، نحن دائما نضع الخطط والبرامج المستقبلية لما نريد فعله، لكن إرادة الله تعالى فوق كل شيء.


في اول يوم عمل بدأه آثر في شركة قطع غيار للسيارات، اتصل بسهولة واخبرها بذلك، فرحت سهيلة كثيراً ودعت له بالتوفيق، قال لها بحماس:
-حمدا لله يا سهيلة لقد حصلت على العمل، لقد نويت خيرا واكرمني الله بنيتي، سنتزوج في المعاد المحدد ولن اخذلكِ أمام والدكِ.

-اجل يا آثر حمدا لله على ذلك، لكن الن تخبرني ما الأمر وماذا حدث، لم نتحدث حتى الآن.

-لا شيء سهيلة كل ما في الأمر اني سئمت العيش وحدي واريدكِ جانبي.

-حقا؟! لن امرى الأمر بهذه السهولة فقط تستقر في عملك الجديد وسنتحدث، لدي الكثير للتحدث معك فيه.

-حسنا حسنا اعلم اني لن افلت من بين يديك، سافرغ نفسي لبعض الوقت ونتحدث حسنا؟
-حسنا.

-هيا سأذهب الآن لدي عمل.
-حسنا موفق.
-شكرا لك يا حبيبتي، وداعاً.
-وداعاً.

تفاجأت سهيلة بقدوم شقيقتها الكبرى رهف في هذا اليوم، تقول في خاطرها:
-لقد كانت هنا بالامس، ترى ما الامر؟ ربما هناك خطب ما انا لا ارتاح لقدومها هي وزوجها دون سبب هكذا، لعله خيرا إن شاء الله.

للاسف لم يكن خيرا لسهيلة لقد كان كارثة وحطت على راسها ورأس آثر، كلما اعتقدت أن الحياة ستستقر بينهما وتحسن علاقة آثر باهلها، كلما ظهر لها عائق جديد.

دخلت سهيلة وبيدها هاتفها إلى استقبال المنزل، وسمعت والدتها تقول لوالدها:
-هل والده بنفسه هو من قال لك ذلك؟ أأنت متاكد من أنه صوت والده؟!
احبها:
-اجل إنه هو والده واخبرني ذلك بنفسه، ماذا نفعل الآن؟
-لا شيء تفعله سنخبرها بما حدث، نحن لسنا صغاراً.
-حسنا اخبريها ومنكِ إليها، لنرى ماذا ستفعل.

خرج والدها إلى غرفة الضيوف حيث كان ينتظره بعض الناس، وخرجت والدتها تجالس شقيقتها الكبرى، استغربت سهيلة من تلك المهامسة بينهم، رن هاتفها بمكالمة من آثر، اجابت بهدوء:
-مرحبا آثر اخبرني كيف حال العمل الجديد؟

بانفعال وغضب تحدث آثر قائلاً:
-ما هذا الذي فعله والدك يا سهيلة؟ كيف له أن يتحدث مع ابي بهذه الطريقة؟!

تعجبت سهيلة وهي في صدمة من حديثه، لكنها بدأت تربط الاحداث ببعضها، يخبرها قلبها أن هناك شيئاً خلف اجتماع والدتها وشقيقتها، والحديث الذي دار بين والديها منذ قليل، باستغراب قائلة:
-والدي؟ ماذا فعل والدي يا آثر؟! انا لا افهم شيئاً، اهدأ واخبرني ما الذي حدث؟

بصوت غاضب يحاول تمالك نفسه، بجواره شقيقه اكرم وشقيقه الاكبر:
-استمعي الي، لقد هاتفني اخي محمد وقال أن والدك تحدث إلى والدي.

سمعت صوت جانبه يقول:
-ليس والدها من تحدث بل إبن عمها.

قالت سهيلة:
-من هذا؟
-انه أكرم، يقول أن إبن عمك تحدث إلى والدي واخبره أن والدك لا يريد هذا الزواج، وهو محرج للتحدث مع والدي لذلك أخبر إبن عمك أن يتحدث إليه منعاً للاحراج بينهما، اخبره ايضا أنه كان يريد إخباره بذلك منذ فترة وتردد في ذلك، قال إنكم ليس لديكم بنات للزواج وإن اتيت الى بلدكم ثانية لن أعود على قدماي.

انها في حالة ذهول مما تسمعه، لكنها تعلم جيدا أن هناك خطب ما، ليس الامر كما يروى لها، هناك حلقة مفقودة، قالت لآثر:
-ولم يفعل والدي هذا؟ هناك خطأ ما يا آثر متأكدة من ذلك، انتظر فقط حتى يأتي والدي، لدينا ضيوف في الخارج يجلس معهم سأفهم الامر.

بصوت غاضب ومنفعل للغاية:
-ماذا ستفعمين انا اخبرك بما حدث، لقد اتيت الان وتركت العمل عندما اتصل بي اخي واخبرني بذلك، ابي غاضب جداً.

تحاول سهيلة أن تهدأ الأوضاع حتى تعلم ماذا حدث:
-من فضلك يا آثر اهدأ حتى نعلم كيف نحل الموضوع، رجاءا ساعرف كل شيء واخبرك به، اغلق الآن، ولا تفعل شيئا قبل أن اتصل بك.

-حسنا يا سهيلة حسنا.

سمعتها والدتها وشقيقتها الكبرى رهف، فقالت رهف:
-ما الامر يا سهيلة؟
-لا اعلم هناك شيء خطأ يحدث، انتظر ابي ليأتي واسأله.

تفاجأت من حديثها عندما قالت:
-عن ماذا ستسألين والدكِ، إنه غاضب جدا ولا يطيق كلمة واحدة بخصوص آثر ووالده.

-ماذا تقولين يا رهف، هل تعلمين ما حدث؟
-اجل لقد أتيت؛ لأن ابي اتصل بي وطلب مني القدوم؛ حتى يشهدنا على ما حدث أمامكِ ونتحدث إليك في الامر، يكفي هذا يا سهيلة لقد طفح الكيل.

اصبحت سهيلة في حيرة من أمرها فهنا يشكوا ممن هناك وهناك يشكوا ممن هنا وهي تقف وسط الإثنين لا تعلم من الصادق ومن الكاذب، لا تعلم حتى ماذا يحدث، رفعت يدها تشير إلى جهلها بالامر:

-انا لا افهم ماذا حدث، اخبروني اولا ما الأمر حتى استطيع أن اجيب على حديثكم، ماذا فعل والدي آثر؟ لقد اخبرني آثر أن والده غاضباً من والدي؛ لانه تحدث إليه ابن عمي نيابة عنه واخبره أنه لا يريد هذا الزواج.

رفعت رهف اصبعها بالرفض وقالت بصوت واضح وضيق:

-لا يا حبيبتي والدكِ لم يفعل شيئاً، ما حدث أن والد آثر اتصل بوالدك واخبره هذا الكلام حرفياً.

"ابني ليس رجلا يتحمل المسؤولية، ولا رجل زواج والتزام، إنه فتى طائش، لا مستقبل لديه ولا عمل، يعمل معي بيومية قدرها خمسون جنيها، كيف له أن يكفي ابنتك بهذا المال، لقد اخبرتك ذلك؛ حتى لا تأتي باللوم عليّ لاحقاً وتشكوا منه ابنتك، انت رجل ذو خلق ومبادئ وانا احترمك واقدرك، ولن اكون جزءا من هذا الزواج، وإن اتى ابني اليكم افعلوا به ما تشاءون"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي