البارت الثاني عشر

حقيقة صادمة.

المواقف الصعبة تظهر معدن الاشخاص إن كان نقيا او ملوثا بالشوائب التي تشوه مظهره الخارجي والداخلي ايضاً، فلا تنظر إلى الشكل الخارجي؛ لانه يمكن إخفائه ببعض المساحيق، ابحث عن النقاء الداخلي؛ لانه لا شيء يمكن اخفاء العيوب التي به.

مر شهر والثاني والثالث والرابع على هذه الحالة ولم يحدث شيئاً مما طلبه والدها، حتى صار شجارا بين آثر وسهيلة وقالت سهيلة بصوت مرتفع وغضب عبر الهاتف:

-الى متى ستظل على هذه الحالة، لن يرأف بك والدي هذه المرة.

بكل وقاحة أجابها:
-ومن هذا والدك حتى لا يرأف بي، انتبهي لحديثكِ ايتها الحمقاء، هل نسيت نفسكِ؟

لم تتردد سهيلة في أن تجيبه بطريقته واسلوبه، فبالرغم من قسوة والدها الا انها لم تقبل أحدا أن يتفوه بكلمة واحدة تهنه او تجرح به:

-ليس هناك احمق سواك يا آثر، وانت من نسيت نفسك ليس انا، ألم تعلم من تكون ومن اكون؟ قبلت بك لاني احببتك حقا، وفعلت لأجلك الكثير وتحملت منك ما لا يتحمله بشر، وفي كل مرة تخطىء اقول ربما يتحسن لاحقاً ربما يكون افضل لاحقا، ربما ربما، لكني كنت مخطئة، فامثالك لا يتغيرون؛ لأن اصلهم هكذا تملأه القذارة.

سمعت صوت تصفيقات بيديه، يقول بكل برود:
-برافوووو يا سهيلة احسنتِ يا فتاة، لقد أصبحت القطة تجرح الآن ولديها مخالب حادة، يا الهي ماهذه الجرأة التي أراها، حقا تحتاجين إلى تصفيق حااار.

بغضب و انفعال من سخريته منها وحديثه إليها قالت:
-لن استطيع أن أكمل معك بهذه الطريقة يا آثر، ابتعد عني ودعني وشأني، ما بيننا قد انتهى الآن، انا حقا نادمة؛ لاني كنت أوهم نفسي كل هذا الوقت واداري حقيقتك، سارسل لك كل اغراضك، وخاتم خطبتك ايضاً.

بنبرة تهديد واضحة لا خجل فيها ولا حياء:
-انظري اليّ أيتها الفتاة، إن دخول الحمام ليس كالخروج منه ايتها الأميرة، ودخول حياتي ليس كالخروج منها، تريدين تركي؟! حسنا افعلي، لكن قبل ذلك سأخبر والدتك ووالدكِ بتلك الصور العارية التي ارسلتها لي، وساريهم كيف تبدوا ابنتهم وكم هي جميلة وهي دون ملابس.

تلك هي الصدمة الكبرى التي حصلت عليها سهيلة من علاقتها، فهذا هو الطبيعي فتاة تعرفت على شاب عبر السوشيال ميديا، ووثقت به لهذه الدرجة حتى وإن كان خطيبها وتُقدم على الزواج منه، فلا شيء يجعلها تثق به كل هذه الثقة وان كان زوجها، دائما لا تعطوا الرجال الثقة الكاملة؛ لان ليس هناك رجلا يعطي انثى الثقة الكاملة، فلتكن المعاملة بالمثل تكن الحياة افضل.


لم تشعر فقط بالإهانة من حديثه إليها وانما شعرت بانها سلعة رخيصة الثمن بل تكاد تكون لا تسوى شيئاً، تباع وتشترى بما ترتضيه رغبته، لم تتوقع سهيلة أن هذا سيكون جوابه، فهي علو عهدها معه انها زوجته، وما صار بينهما على اعتقاد منها بذلك وإيمانها بهذا الزواج، فكلمة أمام الله تعني لها الكثير.

بصوت مصدوم وبحالة استغراب كبيرة:
-ماذا؟! انت تقول هذا الكلام لي؟! انا سهيلة، انا لا اصدق انك انت الشخص نفسه الذي احببته، ليتني لم اعرفك يوماً، تبا لهذا اليوم الذي عرفتك فيه، يا الهي كم كنت غبية حقا، لقد كنت افعل كل شيء لارضائك، كنت كالالة تحركها كيفما تشاء، هذه هي نهاية كل هذ؟! حسنا إذا افعل ما تريد، انا من اخطأت وهذا عقابي وساتحمله، هيا افعل ماتريد، بل كل ما تستطيع فعله بي افعله يا آثر.

بكت بصوت منهار وارتفع صوت بكائها وهي تقول من شدة الالم الذي تشعر به، في كل مرة ينكسر بها القلب تكون مختلفة عن التي قبلها او بعدها، فتكون المرة الثانية اكثر الماً من الاولى وهكذا في كل مرة توالي الاخرى، حتى يتهشم القلب ويخشي الالم فلا يحتمل حتى قرصة يتألم لها الجسد.

قالت سهيلة وهي منهارة:
-هذا انا سهيلة، لقد كنت افعل الكثير لاجلك، لقد اقدمت على بيع قرطي الذهبي الذي جلبه لي والدي ولم يهمني لاجلك، لقد فعلت كل ما فعلته فقط لاجلك، تركت دراستي واصدقائي حتى عائلتي انعزلت منها لاجلك انت، وهذا ما استحقه منك في النهاية؟! ليتني مت قبل أن اسمع منك هذا الكلام ليتني مت حقا، لكني ساصلح خطأي والكفر عنه الآن.

مسحت دموعها براحتها واستعادة بعض من قوتها وهي تقول:
-سأصلح خطأي بالتأكيد، انا حقا استحق الموت الآن.

رق قلب آثر قليلا عندما سمع صوتها بهذه الحالة، عندما تحدثت عن الموت ارتجف قلبه خوفاً، هل يمكن للشيطان أن يعشق ويتحول لأجل العشق؟! ربما فليس هناك شيء مستحيل.

قالت سهيلة وكانت هذه آخر كلماتها التي قالتها لآثر قبل أن تغلق الخط وتكسر شريحة الاتصال خاصتها؛ حتى لا تتواصل معه مرة اخرى:
-انا حقا استحق الموت، لم استمع لاهلي ولم اصدق ما قالوه عنك، لقد كان لديهم كل الحق في ذلك، كيف لي ألا ارى حقيقتك كل هذا الوقت؟ حقا غبية وحمقاء، لا فائدة من الكلام، لكن ما سيحدث الآن سيكون ذنبا برقبتك حتى الممات، وساخبر الجميع أنك السبب في موتي.

صدم آثر من كلامها، هل حقاً ستقتل نفسها أم انها تهدده حتى لا يفعل ما قاله لها؟ عندما أيقن انها بالفعل تصعد الدرج للذهاب الي اعلى سطح المنزل، قال بخوف ورهبة:.-ماذا تفعلين؟ سهيلة أين تذهبين؟ انا اسمع صوت قدميكِ، اخبريني ماذا ستفعلين؟! ايتها الغبية لم اكن اقصد ذلك رجاءا لاتفعلي ذلك، هيا انزلي من اعلى ولنتحدث.


تصرخ عبر الهاتف قائلة:
-ليس هناك حديث بيننا ايها الندل الجبان، لقد سلمتك نفسي وانت اقل من ذلك، لا تستحق، فلتنس سهيلة من الآن، وداعاً آثر.

بصوت مرتفع وبسرعة يريد أن يلحق بها قبل أن تؤذي نفسها:
-سهيلة أقسم لك اني لم اقصد، ليس هناك صورا ولا شيء، اقسم لك اني حذفت كل ذلك من على هاتفي، سآتي إليكِ بعد يومين لتري بنفسك هاتفي، لا تفعلي ذلك ارجوكِ، تعلمين كم احبكِ، اقسم لك اني احبك حقا وانتي زوجتي أمام الله حقاً، ايتها الغبية هل تصدقين أن يصدر مني شيئا كهذا، الم تعرفيني مطلقاً؟! تعلمين اني اتفوه بكلمات لا اقصدها وقت الغضب، لم اتحمل إن تبتعدي عني، رجاءا دعينا نتحدث، لقد حصلت على عمل وسأبدأ بتجهيزات العرس، سنكون سويا.


اعتقد آثر انها كالعادة ستتلقى فقرات السحر خاصته وتقتنع وتعود كما كانت من قبل، في كل مرة يخطئ بحقها يعيدها إليه ببعض الكلمات المعسولة التي تذهب عقلها من حلاوتها، لكن خاب ظنه هذه المرة، واغلقت الخط دون كلمة واحدة.

وقفت سهيلة على اعلى درجه سطح المنزل في الدور الثالث، نظرت الى اسفل فوجدت اخشاب ملقاه خلف المنزل واشياء قديمة وقطع من الحديد، بدأت تتخيل نفيها بعد سقوطها بين هذه الاشياء، تفكر في انها هل ستنجو من هذا وتكون فرصة لبداية جديدة، أم انها ستخسر نفسها وينفطر قلب امها وابيها عليها بسبب شخص لا يسوى؟ هل ماتفعله الآن هو الصواب؟

هل هذه هي الطريقة الوحيدة لتصحيح الخطأ الذي ارتكبته؟ لبرهة كانت ستقفذ سهيلة من اعلى سطح المنزل وتقدم على الانتحار، وعندما وضعت قدمها على الحائط وقبل أن ترفع الاخرى، تنهدت وهي تتنفس نسمات هواء نقي اتت إليها وكأنها محملة بالامل، تخبرها أن هناك رباً لم تفكر في عقابه، وانها على حافة عصيانه والوقوع في الكفر.

فتحت عينها وتراجعت على الفور عندما سمعت صوت والدتها تنادي:
-سهيلة؟ اين انت؟ لقد حضرت العشاء.


بكت بشدة، وبدأ يستيقظ ضميرها وتقول في خاطرها:
-انها امي تناديني من أجل تناول الطعام، ماذا لو كنت بالاسفل الآن ولم اجيبها؟! كيف ستكون حالتها؟ اعلم كم تتعلق بي امي وتحبني، كيف لها أن تتحمل خسارتي، كيف لي أن اعصي الله عز وجل؟ انه رجل لا يستحق.


نزلت سهيلة إلى غرفتها واستلقت على فراشها وهي تستعيذ بالله من الشيطان واستغفر لما اقدمت على فعله، وتقرأ القرآن الكريم.

أما آثر فكاد أن يصاب بالجنون عندما وجد هاتفها مغلقا، لا يعلم بمن يتصل، اتصل بهاتف والدتها واخبرته والدتها أنها نائمة، اطمئن قلبه وقال في خاطره:
-ماذا تفعل يا آثر؟ ماذا تفعل؟

ضرب راسه براحته من صدمته وهو يقول:
-ماذا لو كانت بالفعل قتلت نفسها؟! يا الهي يا آثر ايها الغبي لقد خرج الامر عن سيطرتك الآن، عليك ان تعيد حساباتك، لقد كنت ستخسرها وتخسر نفسك ايضا وتخسر كل شيء.

جلس آثر على سريره وهو في حالة ذهول وصدمة، دخل عليه اكرم شقيقه التؤأم فعلم من ملامح وجهه القلقة، أن هناك شيئاً ما، جلس أمامه وقال:
-ماذا هناك يا رجل، مابك؟ لم يبدوا وجهك شاحبا هكذا؟

نظر إليه بحزن وقال:
-لا اعلم ماذا فعلت مع سهيلة، انها لا تستحق ذلك يا اكرم، لقد احبتني بجنون.
باستغراب قال اكرم:
-ماذا تقصد بماذا فعلت، لقد خطبتها أمام الجميع، لا اعلم بما تفكر؟

-لأ اقصد ذلك اقصد معاملتي السيئة لها واستغلالها بهذه الطريقة، لقد سمعت كلامك وكلام اسعد، لكني كنت مخطىء.

بسخرية قال اكرم وهو متفاجأ من حالته:
-حقا؟ الآن نحن السبب ونحن المخطئين، لم تكن تعلم ماذا تفعل حينها وعندما حصلت عليها اصبحنا نحن المخطئين؟ إذا تصرف بنفسك فيما سيأتي ولا تسأل عن شيء بعد الآن.

-لم اقصد ذلك.
بتر حديثه قائلاً بانفعال:
-وان كنت تقصد لا يهم، لقد حصلت عليها من نصائحنا، اصبحنا نحن المذنبين الآن؟ ماذا كنت ستفعل لو لم تحصل منها على شيء يجعلها تحت يديك في اي وقت؟ لقد كانت ستتركك عند صدور اي خطأ منك.

وقف آثر منفعلا يضرب جانبيه براحتيه ثم رفع يديه يمررها على شعره بتوتر قائلاً:
-انت لا تعلم ماذا حدث، لقد اقدمت على الانتحار، كادت ان تقتل نفسها من افعالي يا اكرم، لقد ذاد الامر عن الحد، لم اعتقد أن الامر سيصل بنا إلى هنا، هي لم تفعل شيئاً سيئا لكل هذا، لقد حصلت عليها وكل شيء سيأتي بعد ذلك، ساحاول تصليح الامور من الآن فصاعدا، هذا وإن عادت الي مرة اخرى.

نظر إليه بلا مبالاة وقال:
-افعل ما تشاء، لم يعد يعنيني الامر.

أمسك آثر بزراعه حينما كان يهم بالخروج من الغرفة وقال:
-اكرم لا تنزعج مني انا حقا متوتر بعض الشيء.
دفع يده برفق وقال:
-لا عليك، انا ذاهب الى العمل هل ستأتي؟
زفر بضيق قائلاً:
-لا لن اذهب اليوم سارتاح قليلاً، وربما لن اعمل مع والدي مرة اخرى، سابحث عن عمل آخر، حتى اجني المال اللازم التحضيرات الزفاف، بقي شهران ليس إلا.

-حسنا كما تشاء انا ذاهب.
-لا تخبر ابي حتى اجد عملا مناسبا واخبره بذلك.

نظر إليه وتركه دون جواب واضح، ظل آثر عدة أيام لم يستطيع التواصل مع سهيلة، كانت سهيلة في تلك الفترة تستجمع قوتها وتحاول لملمة ما تبقى من مشاعرها وكرامتها، طرأت لها خاطرة:

-كيف ساتعرف إلى رجل آخر؟ وكيف سأغرم برجل آخر؟ بعدما حدث كل ذلك بيني وبين آثر، هل استطيع فعل كل ذلك مع رجل غيره؟ ساعتاد الامر، لالالا لن استطيع، إنه الشخص الوحيد الذي دخل بيتي طالبا يدي، لقد احببت سابقاً ولك يتجرأ على فعلها بالرغم من أن ظروفه المادية افضل بكثير من آثر، لكنه تردد في المجيء وتركني وحيدة.


تجيب على نفسها قائلة:
-لا فهو ليس مثل آثر لقد اتى آثر رغبة في مالي وارثي وتملكي وليس لانه يحبني.

-لكن ما الذي يجبره على أن يتزوج فتاة لا يحبها، فقط من اجل المال؟ أيعقل أن يكون هناك بشراً من هذا النوع لا تعنيه مشاعره ورغبته في الحياة؟! لا لا اعتقد ذلك.

انقسمت إلى نصفين، نصف يتسآئل وآخر يجيب، نصف يحكمه العقل والنصف الآخر تتملكه المشاعر، نصف ضد ونصف مع، وهذا هو العشق، دائما ما يجعل الشخص بين نارين نار القلب ونار العقل، فنار القلب لا يمكن اخمادها عندما تشتعل، اما نار العقل فتخمد دائما بمشاعر القلب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي