البارت الرابع عشر

عقبات لا تنتهي.

هناك دائماً نقطة فاصلة في حياة كل شخص، اما أن تكون بداية لحياة جديدة أو نهاية لحياة ماضية، وأما إن تكون بداية للأفضل أو ربما تكون العكس ويليها الاسوأ، لكن دائما يكون لدينا فرصة للاختيار، فاختر مايمليه عليك عقلك ولا يجبر عليه قلبك، واحسن دائما الإختيار وتذكر أنه لا خاب من استشار.

احكمت شقيقة سهيلة وزوجها الخطة بطريقة بارعة، لكن صفاء نية سهيلة ونقائها، خاصة بعدما صلح حال آثر وحسنت نيته، جعل خطتهم تنقلب عليهم، قالت رهف تكمل حديثها بإقناع سهيلة بكذباتهم:

-هذا ما قاله والده لوالدك، وأخبريني ايضاً في كل مرة يأتي آثر الى هنا يخبر والدكِ، لمّ لم يخبره هذه المرة بقدومه؟! لقد اخبر والدك زوجي أن يتعامل مع الامر.

باستغراب شديد قالت سهيلة، وقلبها يتخبط بين جدران ضلوعها حيرة وحزنا وتألمنا:
-ماذا تقولين، آثر لن يأتِ إلى هنا، لقد ذهب إلى اول يوم في عمله الجديد اليوم بعيداً عن والده، ربما فعل والده ذلك؛ لأنه ترك العمل معه.

قالت والدتها بضيق:
-لا نعلم ماذا حدث سيأتي والدكِ الآن ونسأله أمامكِ حتى تتأكدين مما حدث.

رفعت سهيلة يداها اعلى رأسها تندب حظها التعيس، تدعي من قلبها بوجع أن تكون هذه آخر مخاوفها وعقباتها الصعبة، تتأمل أن تمضي على خير، لكن التوبة للشيطان ليست بالامر السهل، لابد وأن يكون هناك اختبارات يجتازها بجدارة؛ حتى يثبت حسن توبته ونيته.


دخل والدها وهاتفها يرن باستمرار لمكالمات من آثر، انخفضت صوت الهاتف وقالت لوالدها:
-ما الامر يا والدي؟ من الذي تحدث إليك وبما اخبرك؟

قال والدها بضيق:
-لقد قلت سابقاً تحدث والد آثر وقال إن ابنه ليس رجل زواج والتزام، انهي هذا الامر لقد اكتفينا، هؤلاء الناس ليسو منا ولا يشبهوننا، احسن اختيار معارفك لمرة واحدة، في كل مرة يتصل بي آثر قبل قدومه ويستأذن مني لمجيئه، لم لم يفعل هذه المرة؟

-من قال أن آثر قادم؟! لقد تحدث الي الآن وهو في اول يوم بعمله الجديد.

-لقد قال والده أنه في طريقه الينا بعدما تحدث إليه.
-لا يا ابي، لن يأتِ آثر إلى هنا، هناك خطأ ما في الامر، يقول آثر انك أخبرت ابن عمي أن يتحدث إليهم ويخبرهم بأنك لا تريد هذا الزواج، ربما هناك لبس في الامر.

-لقد اخبرت زوج اختك أن يتحدث إليه بعدما اخبرني هذا الكلام، قلت أنه رجل كبير السن ولا اريد احراجه، لكنه اخبرني بما لديه بكل وقاحة.

-حسنا سأخبر آثر بما حدث وهو يفهم من والده لم فعل هذا؟

حزنت سهيلة من طريقة حديث والدها إليها، التي وجه لها فيها الإهانة والازلال دفعة واحدة، تزفر بضيق وتقول في خاطرها:
-لا فائدة

اخذت سهيلة بهاتفها ترفعه على اذنها الهاتف آثر:

-اجل يا آثر، استمع إليّ لقد تحدثت إلى والدي الآن، اخبرني أن والدك قام بالاتصال به واخبره انك ليس رجل زواج ولا التزام، إنه يخلي مسؤوليته كما فعل سابقاً، وقال إنه يفعل ذلك؛ حتى لا يلومه ابي إن اشتكيت منك لاحقاً، إنه اخبر ابي براتبك الذي تتقاضاه منه ايضاً، هل تتقاضى خمسون جنيهاً في اليوم؟!


-اجل عندما كنت اعمل معه.
-حسنا إذا فابي معه حق ليس ابي من اتصل به بل هو من فعل ويريد أن يلقي اللوم على والدي.

-ومن هذا ابن عمك الذي تحدث إلى والدي؟!
-انه ليس إبن عمي بل هو زوج رهف، اخبره والدي أن يتحدث إلى والدك بعدما احرجه والدك بحديثه، لم يرد إحراجه كما فعل هو، لم يفعل والدك كل ذلك، إنه بالفعل غير مسؤول عن شيء في هذا الزواج، لم لا يدع الامور تمشي كما هي ولا يتدخل فيما لا يعنيه.


هذا ما ارادوه إن ينشب شجار حاد بين سهيلة وآثر، فكلاهما لن يقبل أن يهان والده من الآخر، وبالفعل لم يقبل آثر حديثها عن والده بالرغم من أن لديها الحق فيه، ولم تقبل هي ايضا حديثه عن والدها فهي ترى أن لاحق له فيه.

قال آثر بغضب:

-ماذا تقولين ولم يفعل والدي هذا؟ لقد اخبروني أن المتصل الاول كان من طرفكم، لقد اخبرني ذلك محمد اخي؛ لانه كان جالسا مع والدي وقت تلقيه المكالمة.

تزفر سهيلة بضيق وتدرك أن هناك حلقة مفقودة وتقول:

-لحظة يا آثر، ابي يقول أن والدك اتصل به، وانت تقول أن والدي اتصل بوالدك وهذا ما اخبروك به، هناك أمر ما، إن ابي لا يحمل رقم هاتف والدك، ولا والدك يحمل رقم هاتف ابي أليس كذلك؟!

يفرك جبينه بتفكير ثم قال بحماس لحديثها:
-اجل هو كذلك.
-حسنا هناك من قام بالاتصال بالطرفين والدي ووالدك؛ حتى يوقع بينهما وتسوء علاقتهما اكثر مما هي عليه، وربما غرضه من هذا في الاصل أن ينهي علاقتنا.

-اجل يا سهيلة، حقا كيف لي ألا افكر بهذا الأمر، إنه منطقي للغاية، لكن من الذي يفعل ذلك؟

-ألا تعلم يا آثر من الذي يصدر منه تلك الأفعال؟!
-ماذا تقصدين من هذا؟!
-انت تعلم جيدا أن والدي ليس له في الكذب والمراوغة بالاحاديث، ولا يمكنه الإقدام على مثل هذه الافعال، من فعل هذا الشيء من عندك، ربما والدك اخبر احدا بأن يفعل ذلك؛ لانك تركت العمل معه، فهو لا يريد هذا الزواج وانت تعلم ذلك.

زفر بضيق وغضب ثم قال:
-اغلقي الخط الآن.


اغلق آثر الخط وذهب إلى والده في العمل، دخل وهو يمسك سيجاره في يده ينفخ بها ويزفر منها بحرقة، نشب شجار بينها وبين والده، فهو يلقي اللوم عليه، سبه والده وقام بطرده وتدخل بينهما إخوته لحل الامر، كان لديهم من الخبث ما لا يحتمل، اتصل بسهبلة احد اخواته اراد أن يعرف منها ماحدث ليخبر والده ويحل الامر، لكن أكرم شقيقه التوأم زاد الامر سوءاً، قام محمد بالاتصال بها:
-مرحبا يا سهيلة انا محمد شقيق آثر الاكبر.
-اجل يا محمد مرحبا بك.
-هل يصح هذا التصرف من آثر يا سهيلة؟ يدخل على والده دون احترام وبيده سيجاره ويتشاجر معه لاجلك؟

-لحظة فقط يا محمد سيجار ماذا، هل مازال آثر يدخن ولم يقلع بعد؟!
-اجل لكن ليس هذا موضوعنا.
-اعلم ذلك لقد اخبرت آثر بما حدث، اقسم لك اني لا اعلم بما فعله مع والده، أخبرته أن يتحدث بهدوء حتى نعلم من المخطئ، وما الأمر.

-هو لم يفعل ذلك، إلى الآن لا نعلم ماذا حدث اخبرينا من فضلك؟

-هناك شخص مجهول هو من اتصل بوالدك واتصل بوالدي ايضاً في آن واحد، الوضع سيء لدي كما هو سيء لديكم يا محمد، هناك من اراد الإيقاع بنا سويا، اخبر والدك هذا الامر.
-انت لا تعلمين كيف هي حالة والدي الآن، ابقي معي على الخط سأخذره بما قلتي، ولتري رد فعله كيف يكون.
-حسنا.

دخل محمد إلى والده وترك الخط مفتوحاً، ليس بغرض أن تعرف سهيلة كم كان الوضع سيء لكنه كان يعلم كيف يتحدث والده رارادها أن تسمع باذنها، او ربما تخليص حق منها لما فعله آثر مع والده، فهم ايضا لايريدون زواجها من آثر؛ لانها جعلته يتغير عليهم وحاولت أن تصلح منه بقدر الإمكان.

قال محمد لوالده: انتظر يا ابي ليس الامر كما تعتقد، إن الوضع لديهم كما هو لدينا، تقول سهيلة هناك من اتصل بوالدها ايضاً.

فقال أكرم بضيق وصوت مرتفع حتي يزيد الامر سوءا:
-سهيلة هي من اخبرت آثر وهو برفقتي أن والدك هو المتسبب في كل شيء.
قال محمد باستغراب:
-كيف ذلك يا أكرم لقد تحدثت إليها واخبرتني أن من فعل هذا شخص اراد الإيقاع بالطرفين معا، فكما والدك منفعل وغاضب هنا بالمثل والدها وعائلتها هناك، هم لا يعلمون حتى الآن من فعل هذا.

تحدث والدهم بضيق وغضب يسب سهيلة بوالدتها بالفاظ خارجة، صدمت سهيلة مما سمعته ولكن هذا ما ارادوه إخوته ايضاً، ومن هنا اصبحت العائلتين لا يطيقون بعضهم البعض، خرج محمد من جانب والده ورفع هاتفه يستكمل حديثه مع سهيلة قائلاً بلئم:
-اعتذر يا سهيلة عما قاله والدي، لا تغضبي إنه منفعل مما حدث.

-لا عليك يا محمد لا يهم، حسنا اعتني به وسنتحدث لاحقاً عندما تهدأ الامور.
-حسنا لقد سمعتِ باذنيك كيف كان الوضع، اهدأي انتِ ايضاً، لعله خيراً إن شاء الله.
-شكرا لك وداعاً.
-وداعاً.


ذهبت سهيلة إلى غرفتها تفكر وتفكر حتى كاد أن ينفجر رأسها من التفكير، طرأت لها خاطرة ربما تلك التي ستظهر الحقائق وتبين لها من المسؤول عن هذه الحالة.

اخبرت احد إخوتها الصغار أن يذهب إلى والدها ويجلب هاتفه، ويقول له أن والدتها تريد التحدث الى زينب شقيقتها، انها فكرة زكية لن يشك والدها في الامر؛ لانه منشغل مع ضيوفه، وهي لم تظهر انفعالها وما يدور برأسها أمام اختها ووالدتها، حتى تستطيع اكتشاف الحقيقة ولا يجرى احدا على إخفائها.

امسكت سهيلة هاتف والدها من اخيها الصغير والذي اعطاه بعضا من الحلوى مكافأة له على جلبه الهاتف؛ حتى لا يخبر احدا:
-شكرا لك ايها البطل الصغير، خذ هذه الحلوى لاجلك لا تخبر احدا اتفقنا.
-اجل اتفقنا.
-هيا اذهب وتناولها منفرداً.

خرج الصغير من الغرفة وجلست منفردة بينما كان الجميع داخل المنزل وخارجه، كل منهم منشغل بأمر ما، قالت في خاطرها:
-سنعلم حقيقة الأمر الآن يا سهيلة، لدى ابي تسجيل تلقائي لكل مكالماته، ربما اجد اتصالاً من والد آثر وتنهي الامر، سيكون هناك دليلاً واضحاً على ما حدث.

تقلب في الهاتف من اسفل الى اعلى في سجل المكالمات المسجلة، تفتح كل مكالمة مسجلة في اليوم حتى وصلت لمكالمات متقاربة في الوقت، تفصل بين كل واحدة منهم دقيقتان او ثلاث، فتحت المكالمة فوجدت صوت والدها وزوج شقيقتها رهف، يتحدثان بغرابة، لكن هذه ليست المكالمة الاولى، خرجت وفتحت الاخرى حتى وجدت بداية المكالمة بينهما.


يقول زوج شقيقتها:
-مرحبا يا عمي كيقأف حالك؟
-انا بخير يا إبني، وانت؟ لم لم تأتِ مع رهف؟
-اردت أن اتحدث إليك بأمر ما، لا يمكنني المجيء حتى لا نعلق أنا وسهيلة.
-ما الامر اخبرني؟
-اعلم أن هذا الولد آثر لا يناسب سهيلة ولا يناسبنا، ونريدها أن تتركه وتنهي الامر.
-وماذا افعل معها؟ هي من اختارت، لتتحمل نتيجة اختيارها، لقد مللنا من محاولاتنا معها بلا جدوى.

-لقد فعلت اليوم شيئاً سينهي الامر إن شاء الله، لكني اخبرك حتى تقول لها أنك من أمرني بفعل ذلك؛ كي لا تغضب مني.
-حسنا اخبرني ماذا فعلت؟
-لقد اتصلت بوالده واخبرته اني إبن عمها وانك لا تريد هذا الزواج واخبرتني أن اخبرهم بذلك؛ حتى لا يكون هناك خجلا بين الطرفين، والده اخبرني أن إبنه ليس رجل زواج ولا التزام ويتقاضى خمسون جنيهاً في اليوم، كيف سيلبي طلباتك ابنتكم بها، وإنه ايضا لايريد هذا الزواج، اخبر سهيلة انك من طلب مني ان اتحدث إليهم لمعرفة موعد الزفاف وهكذا، وهو من قال هذا الكلام، بل قال ايضاً إن اتى ابني اليكم ثانية افعلوا به ما تشاءون.

-لقد احسنت عملا يا بني، انا لا ارغب بهذا الزواج.
-فعلت ذلك عندما علمت أنه قادم الى هنا في زيارة، هل يصح أن يأتي ويقيم باليومين والثلاثة وهو رجل غريب؟
-ولم سيأتي؟ فلم يخبرني بقدومه، يفعل ذلك في كل مرة يأتي فيها الى هنا.

-يقال أنه قادم لقضاء عيد الحب معها، هل نحن وجها لهذه المهزلة يا عمي؟
-بالطبع لا احسنت صنعا، سأخبرها أني المسؤول عن ذلك.


اغلقت سهيلة المكالمة بصدمة لا توصف، كادت أن تفقد عقلها مما سمعت،تقول في خاطرها بحزن شديد:
-انا اعلم زوج شقيقتي واعلم افعاله الدنيئة، لكن انت يا والدي تتفق معه على حساب ابنتك؟! لم يا والدي لم؟!

تضرب سهيلة كفا على كف وتخرج منفعلة، لا ترى أمامها، تشبه البركان الغاضب الذي قرر الإنفجار، لا يعنيه إن كان سيدمر نفسه او من حوله، فقط يريد الانتقام ويخرج الميت بداخله، تلك الحمم البركانية التي يغلي منها قلبها، ستخرج حتما في كل من تسبب بها، يكفي الى هنا، لقد ضاق بها زرعا وتحملت الكثير من الجميع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي