البارت٦

حاولت (كيتي) إيجاد أي حجةٍ مقنعة، لذا أجابته بارتباكٍ لم يخفى عليه:

-لا هذا ولا ذاك، أنا أبسط من ذلك.
-أنا كمثل الجميع ممَن لم يصدقوا ما انتشر عنك من أخبار وتداوله الناس عنك، فشدتني تلك الخرافات.

-كما ذكرت أنت أنه فضولٌ ليس إلا.

-وعندما قابلتك في الصباح لا أنكر أنني أعجبت بك كأي شخصٍ مشهور وله معجبين وأردت صورة لك لأحتفظ بها لنفسي هذا كل ما في الموضوع.

لوى (أرون) ثغره رافعاً إحدى حاجبيه، يشدد من حصار جسدها، يضمها إليه أكثر، وظل هواء زفيره يداعب معالم وجهها القريب إليه حد التهلكة وهو يقول بينما تناوبت نظراته الارتكاز إلى عينيها الساحرتين وشفاهها المغوية معقباً بصفاقةٍ:

-لن أنكر أن هذه أول مرة تطرق فيها فاتنة مثلكِ أبواب قلعتي وتطلب صورة كمعجبة، وبهذا الإلحاح الذي تلجئين إليه.

-فكل مَن أتى إلى هنا لِعلة، ولكنني لست أبله لأصدق هراءكِ هذا، ومع ذلك سأمنحكِ ما تسعين إليه ما دام ما تقولينه لا علاقة له بالمصالح، وإذا أتيتِ إلى هنا من أجل صورة فسأكون أكرم شخص قد تقابلينه على الإطلاق وسأمنحكِ الأصل.

شهقت (كيتي) بخجلٍ وقد استدركت ما وراء تلميحاته الأخيرة، فتخضب وجهها بالحمرة، تقول محاولةً فك حصاره حولها ولكنه هز رأسه بنفي وعناد، لذا ترجته مردفةً تحاول إقناعه:

-أقسم أن هذا هو كل ما في الأمر، لقد كان لدي عملٌ في الجوار وقد قرأت ما كتب عن الشكوك التي أثيرت في الفترة الأخيرة عنك، وأخذني الشغف لآتي إلى هنا ما دمتُ على مقربة.

-أرجوك دعني.

ردد (أرون) باستمتاعٍ ولا يعلم مصدر تلك الحرارة التي تضرب أوصاله بقوةٍ وكأن هناك لغمٍ بداخله قد أوشك على الانفجار.
بينما تموت هي من شدة الحرج، ولكنه تجاهل رجائها الأخير يقول بهزئٍ يخفي وراءه الحسرة:

-شغف!! تلك الكلمة افتقدها كثيراً.

تمهل (أرون) ومن ثم أضاف:

-وهل جئتِ إلى هنا لتذكريني بها؟!

-على أي حال لا مانع لدي حتى وأنا لا أظن بأنكِ تقولين الحقيقة، فحدسي ينبؤني بأن هناك غرض وراء شغفكِ هذا.

-فقط صورة لا تستحق أن تخاطري بحياتكِ كل هذه المخاطرة وتتكبدي مشقة تسللكِ إلى هذه المنطقة النائية وتتسلقي المرتفعات نزولًا وصعوداً، ولكن لا بأس ما دمتِ تنكرين، فمع الأيام ستنكشف الحقائق.

استدارت عينها تقول بعدم تصديق:

-الأيام؟!

أومأ برأسه كعلامة تأكيد في إيجابٍ يرفع حاجبه بتشدقٍ يتحداها أن تعترض، ولكنها لم تأهب إذ عقبت باستنكارٍ:

-عن أي أيامٍ تتحدث؟! لابد وأن أرحل الآن؟ كما قلت لك لقد مررت من هنا وأنا في طريقي إلى رحلة عمل، ولابد وأن أعود فقد يبحث عني أحد وستوقع حالك بمشكلةٍ كبرى.

علق (أرون) بكرمٍ زائف:

-وهل يصح أن تتحملي كل هذه المعاناة وتأتين إلى هنا وتتسلقين مرتفعات وتهبطين تلال وكدتِ أن تقعي من ارتفاع خمسين قدم وترحلين هكذا دون أن أكرمكِ ليومين أو أسبوع أو ربما يعجبك كرم الضيافة فتبقين إلى الأبد؟

(كيتي) باحتجاجٍ:

-أشكرك سيد (أرون) أنا منذ البداية لم أكن ضيفاً مرحباً به، لذا لا تكبد حالك مشقة تحملي لساعة إضافية ليس ليومين.

-كما أنني لم أتحمل أية مشقة، لقد كان الأمر سهلاً.

بالطبع أنها تكذب النزول وحده أسفل تلك الصخور كان سهلًا، بينما رحلة صعودها كادت أن تودي بحياتها لولاه، ولكن تعقيبها الأخير على ما يبدو لم يعجبه وإظهارها لهذا القدر من التبجح والمكابرة أغاظه.

تقطب جبينه بعد أن علم أنها تراوغه وتستخف بعقله وإنكارها السابق لفكرة تواطئها مع أحد من أجل مجيئها إلى هنا أثار سخطه، فانقلب وهي بين ذراعيه يعكس الأوضاع مثبتاً إياها على الأرض الصخرية، ساحقاً جسدها بثقل وزنه حتى كادت أن تعجز عن التقاط أنفاسها.

عقب (أرون) بسخريةٍ:

-سهلاً؟! لو كان هكذا، ما كنتِ هنا الآن، بل لركضتِ بعيداً بما حظيتِ من غنائم بطريقة رخيصة!!

-ألن تعترفي؟ مَن هو، وكم المبلغ الذي وعدكِ به؟!

لم يعد لديها طاقة للاعتراض فاستلقت مجبرة، وما بها من ضعف يحُول دون أدنى قدر من المقاومة، هي بحالة مزرية، ورأسها يضج بألم لا يُحتمل إثر الكدمة التي تلقتها على رأسها، ولن تطيق أي رد فعل عدائي منه، فقوته لا تضاهى بأقصى جهد لها على المعافرة هذا ما إذا كان لديها القدرة على تحريك جسدها فهو قد أحكم حصارها كلياً.

أبعد أمانيها الآن لو يترك لها المساحة حتى تتحسس موضع ألمها وتتفحصه لتقدر مدى الضرر الذي تعرضت إليه، لكن ثقل وزنه يمنعها الحراك فرقدت بعجزٍ وهدوء حتى صوتها خانها ولم تتمكن من إخراج كلمة واحدة تحتج بها على دونية تعامله معها.

وعندما لم تجيبه، هدر فيها بحدة:

-هل سنقضي الوقت في الاستجواب؟! عنيدة أنتِ وأنا للأسف لن استسلم.

تمتمت بضجر تقول بلهجتها:

-طب هاقنع الدماغ اللي عاملة زي فردة الجزمة دي إزاي إني مش باعمل كده عشان الفلوس؟

-وهايفهم إني كان عندي استعداد أحط نفسي تحت قطر ولا أشوف السحنة العسل دي.

(أرون) بنزقٍ:

-لا أفهم هذه اللغة! تحدثي بلغةٍ أفهمها.

زفرت بضيق، وهي تقول برجاء:

-هل يمكننا التحدث كإناس متحضرين، ابتعد قليلاً حباً في الله؟

(ڤان) بلا مبالاةٍ:

-مرتاحٌ هكذا، ولكن لا بأس.

قالها وهو يبعد جسده عنها قليلاً، فرفعت كلا راحتيها تضغط بهما على صدره العاري دافعةً إياه بعيداً عنها، وبالرغم من استجماعها لأقصى قدرة لديها كي تفعل ذلك إلا أن كل جهدها راح سدى فهو لم يتحرك إنشاً واحداً وبدا عليه عدم التأثر بل على العكس ثباته المخيف هذا يُحسد عليه، وكفيه المسندين على الأرض إلى جانب وجهها من الجهتين، باتا وكأنهما رواسي من صخر جلمد لن تتزعزع.

(أرون) بأمرٍ:

-لا تحاولي، اجيبي وارحي حالك واريحيني.

حاولت التركيز؛ فضغطة يدها التي حاولت إقصاءه عنها عندما استشعرت دفء بشرته أسفلهما، شعرت وكأن ماس كهربائي عال الجهد تتدفقت إلكتروناته بأوردتها باعثة بداخلها أحاسيس بدائية، ليس من المفترض أن تتولد تجاه شخص فظ كهذا، لذا سحبت يديها على الفور تقول بارتباكٍ:

-سيد (أرون) لي ساعة أحاول إقناعك بأن لا أحد حرضني للمجيء إلى هنا لقد فعلت ذلك من تلقاء نفسي وليتني لم أفعل.

-أنا لست أكثر من مصورة وهذا مجال عملي، لا أعمل لحساب جهة بعينها.

أسبلت رموشها وهي تتذكر رحلاتها الشاقة التي تتجول خلالها بين المنتجعات منذ بزوغ الشمس وغروبها، وكذلك تلك الأماكن النائية كي تلتقط صوراً لها، جاعلة منها أماكن مرغوبة ومميزة لافتة لأنظار السائحين إليها، وكذلك مَن يرغبون في الاستجمام والتنزه، وقياساً على ذلك الترويج للمحال التجارية والمطاعم من أجل أجر زهيد بالكاد يكفيها الحاجة.

ولكن هذا المتعجرف يبدو وكأنه سيتحول بالفعل لإبرازها كل هذه الشجاعة، وقبل أن يصدر عنه أي حركة أو قول استكملت تقول:

-كما أن الأمر حتى وإن كان صعباً ولكنني لم أكن متعجلة للصعود، فقد أعجبني المنظر.

لوى ثغره بتهكمٍ وترك عينيه تتأملانها بوقاحة، تتفحصانها بطريقة مخزية يسلط نظراته المتنقلة ما بين عيونها الرمادية الواسعة، هبوطاً إلى أنفها الصغير مرتكزاً لبرهة إلى شفاهها المكتنزة الوردية حتى استقرت مقلتاه متوقفة عند صدرها الذي يعلو ويهبط بلهاثٍ.

وهو يهمس قائلاً بصفاقة ممراً لسانه على شفتيه، رامقاً إياها بِجوعٍ كرجل كهفٍ لم يرى بحياته امرأة قط، وهو هكذا بالفعل لقد امتنع لقرون عن معاشرة النساء منذ وفاة حبيبته (إميلي) :

-أتعلمين معكِ حق بشيء واحد، لا بأس بالمنظر.

علت خدودها حمرة الخجل وأحست بالدماء تتدفق إلى وجنتيها، تنظر إليه بضعفٍ وهي مثبتة بمكانها، ولا قدرة لديها في بذل أي جهد لقمع هذا المتبجح.

وما كان منها إلا أنها ألقت على مسامعه سؤال ينم عن استيائها، ولكنه من وجهة نظره تجاوز منها فهو مَن يجب عليه الاستنكار لفضولها وتدخلها الغير مرغوب في شئونه بالرغم من تحذيره السابق لها.

(كيتي) باعتراض:

-كف عينيك عني، كيف تجرؤ؟!

قالتها وهي تحاول التململ لتخليص حالها من حصاره ولكنه رفع جذعه عنها قابضاً على معصميها يثبتهما أعلى رأسها بذراعيه القويتين دون أي جهدٍ يُذكر.

يقول رافعاً إحدى حاجبيه بتسلية:

-على مهلكِ يا فتاة، لم تدعين الخجل الآن؟!

-ففي صباح اليوم أي قبل التو ببضعة ساعات كنتِ على استعداد لدفع أي ثمن من أجل صورة!

(كيتي) بحرجٍ:

-لا لم أفعل، ولم يكن هذا مقصدي، دعني أذهب.

لم يعر رجاءها انتباهاً، وإنما رفع يداً عن معصميها يقبض على كليهما بيدٍ واحدة، وراح يتحسس عنقها بطرف سبابته في نعومة ورقة، في حين أن انكمشت لفعلته تلك كل خليةٍ بجسدها، وعينيه تتابع مسار أطراف أصابعه باهتمامٍ.

صرخت به في خوف، فعلى ما يبدو أنه ليس أكثر من وغد متحرش:

-توقف عما تفعل أيها الوقح.

علت نظراته ليأسر عينيها بخاصته، وهو يقول:

-أعلم أنك لا تعنين ما تقولين، فلا داعي لتصنع الحياء، عينيكِ تشع رغبة وجسدكِ يستجيب، و...............
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي