البارت١٢

دنت إلى فراشه تجلس على حافته، وعيناها تلمع بإعجابها الشديد بهيئته وهو نائم، إذ بدا أكثر وسامة وجاذبية أثناء غفوته وسكونه هذا أثارها حد اللعنة.

بسطت يدها تتلمس خصلات شعره الأشعث، وهي تستمع إلى صوت قرع نابضها إثر اقترابها منه، فقط النظر إليه يبعث بداخلها مشاعر عاصفة.

آنت إليه أكثر فأكثر حتى باتت إلى جواره على الفراش، متسطحة إلى جانبه، وقد غيب عقلها هيئته الساحرة تلك، إذ كان نائماً وهو لازال مرتدياٌ ذلك السروال القصير الذي رأته به بعد أن أنقذها من السقوط.

وكما توقعت فهو مسطح على ظهره عار الصدر وعضلات ذراعيه بارزة عروقها بوضوح وهو يرفعهما متوسداً راحتيه.

ابتسمت تتعجب على حالها، إذ يبدو أنها باتت تعشق التسلل، أم أنه صار بالنسبة إليها كالمغناطيس يجذبها إليه دون إرادة منها، ولا تعلم ما الذي جعلها تقتحم غرفته وهو غافٍ ولكنها أرادت ذلك ففعلت دون التفكير بعواقب ما شرعت به.

مدت يديها تحتضن جسده إليها تعدل من وضعيته حتى أصبح رأسه قابعاً على صدرها وذراعيها تضمانه إليها بقوة وشغف، وصوت بداخلها يحثها بالعودة من حيث أتت.

ولكن هل حقاً ستفعل؟
لقد فات الأوان وتجاوزت كل الخطوط الحمراء وخطت وبإرادتها إلى عرين الأسد، وبالرغم من صوت العقل الذي يناشدها بالعدو بأقصى جهد لديها مبتعدة عمن ضاع رشدها في حضرته.

ولكن منذ متى وهي تستمع إلى نداء العقل؟!

فكل تصرفاتها رعناء هوجاء، وها هي تتصرف كفتاة مراهقة لا أنثى ناضجة بعامها الحادي والعشرين، فقد احتفلت بعيد مولدها وحيدة منذ ثلاث ليال في غرفة الفندق الذي تقطنه.

وبالرغم من جمالها الفاتن وحسنها الملفت وخفة ظلها إلا أن ثقتها بحالها شبه منعدمة وكذلك ثقتها بالآخرين، لذا تتجنب تكوين العلاقات أي كان نوعها فلا حبيب يؤنس وحدتها، ولا رفيقة تشكوها همها.

وكما حال صياد الوحوش خاصتها فإذا ابتعد عن زيف الجميع بمكوثه في هذا البرج النائي، فوضعها لا يختلف عنه كثيراً، إذ صنعت لنفسها حصار مشابه حتى و إن كانت تخالط هؤلاء المنافقين إلا أنها لا تتخذ أخدان ولا تحب الرفقة.

ضربات قلبها في تصاعد هادر، وحرارتها توازيها ارتفاعها، ودفء جسده بين يديها، يشعل بخاصتها رغبة مدمرة، إنه مرهق حد اللعنة.

وجهها مقابل لوجهه، تستشعر أنفاسه المنتظمة وهي تداعب جانب صدغها وعنقها، وما إن أحس في غفوته بهذا الاحتواء لف ذراعه حول خصرها، وهو يدفن وجهه بعنقها يتمسح بها بافتتان وكأنه واع لوجودها معه.

بفعلته تلك زاد ما بها من نشوى ولوعة، فأطبقت عليه بين أحضانها.

وعندما استمع الغافي لذلك الإيقاع بالقرب من أذنه، والآهات الحارقة الصادرة عنها، وتلك الحرارة التي تحاوطه، وجسدها الغض اللين المكبل بين يديه، بدأت حواسه في العمل.

بينما الأحاسيس المدمرة التي تشعرها تجاهه الآن، جعلتها تشك بالأمر أو ليست في غيبوبة؟! وتساءلت هل هي إلى جواره حقاً؟!!!
لقد تمنت أن تلج إلى محرابه ولكنها منذ دقائق قد أفرجت عن جفنيها، ووجدت نفسها في غرفة مجهولة، وظنت أنها بمشفى أو ما شابه!!

هل هي على فراشه، تحتضنه إليها بكل هذا الشغف كما لو كان ما تفعله عادياً ووارد الحدوث؟!

عبث!! ما يدور بخلدها الآن عبث إنه حلم ليس إلا!!

تمتمت بشخوص تقول:

-هل أصبحت حالتي ميؤوس منها، لدرجة أنني  استشعر قربه، وگأنه حقيقة ملموسة؟!

ألهذه الدرجة هيمن على حواسي، أنني أشم عبقه الرجولي وهو يداعب رئتاي!!

نعم هذا الأريج الفواح وكأنه يُفرز بفعل مسامات جلده كعطر فرنسي لأشهر الماركات العالمية،   تلك الرائحة التي حفظتها عن ظهر قلب ويمكنها تميزها ولو كانت على بعد منه، ولكن تلك الحمقاء لن يرنو إلى عقلها أن هذه الرائحة يفرزها قرينه (شيزار) ليجذبها إليه.

شردت بما حدث سابقاً وهي مغمضة العينين فمنذ أن ضمها اليه عند الربوة وهي تحبس أنفاسها حتى لا يخرج هواء زفيرها المحمل برائحة جسده.

استسلمت لفكرة كون ما يحدث الآن لهو أضغاث أحلام فأغمضت عينيها، لا تريد أنا تطلق صراح مقلتيها، فهذا الحلم الجميل لا تود أن تستفق منه، فيتبخر هذا الشعور اللذيذ الذي يتملكها الآن.

غفت إلى جواره باستكانة وقلبها يتنهد بشوق عارم تتمنى أن ينقضِ ما تبقى لها من عمر وهي على تلك الحالة، ولكن ما أثار دهشتها أنها تهابه في صحوته والآن تشعر بالأمان إلى جواره، ما هذا التناقض الغريب؟!

لا لن تدع هذا الحلم يغادرها ستتمسك به حتى يستحيل عالم الأحلام إلى واقع، ستستسلم إلى تلك الغفوة، وقلبها يبتهل إلى الله في دوامه أبد الآبدين.

ارتفعت يده المحاوطة لخصرها، يحط بكفه الغليظ على وجنتها يتلمسها برقة، وهو لا زال ما بين الغفوة واليقظة.

رجفة هزت أوصالها عندما استكانت راحته على بشرتها وبدأت أنامله تتحرك على وجهها بنعومة ورقة، حتى خلل أصابعه بين خصلات شعرها يعزف لحناً منمقاً أطاح بما تبقى لديها من تعقل وثبات هذا إن وجد من الأساس!!
وأي ثبات هنا وهي بين أحضانه يضمها إليه!!

عندما كانت بقربه في المرة السابقة منعت نفسها من الوقوع بفخ رجولته الطاغية، قاطعة جسور تواصلهما، أما الآن فلا منع ولا إحالة فما الجرم إذا ما كانت تحلم؟!

وبالمثل رفعت يدها تتحسس معالم وجهه.
وهو أيحلم هو الآخر!!
تباً فقد بدأ يشعر بأناملها التي ارتفعت، تتلمس وجهه باستكشاف، ثم عنقه ولكنها توقفت فجأة تستند بكفها الرقيق إلى عظمة طرقوته دون استكمال لجولتها.

لا، لا تتوقفي، فقلبي أسير لمساتك، أنفاسك، رائحتك.

ضم جسدها إليه، فبات يستشعر ملمس خدها الناعم الوردي على بشرته، أغمض عينيه يستلذ بتلك المشاعر القوية التي اجتاحته تعصف بقلبه المشتاق لها وگأنه كان ينتظرها كل هذا الوقت وها هي بين يديه تضم جسدها إليه جاعلة كل خلية به في حالة تحفز.

تثاقلت أنفاسه وبدأ يزفرها ببطأ، وذراعيه المحاوطان لجسدها، شددا من حصاره لها، جاذباً إياها إلى أحضانه الدافئة، مد كف يده الأخرى يثقل كفها يحط بيدهما المتشابكتين على صدره العاري.

زمجر برفض وهي تحاول الإبتعاد عنه، خاصة بعد تماديه وتجرؤ لمساته فما يحدث بينهما الآن يجب أن يتوقف عند هذا الحد، حتى ولو كان حلم ولكنها خجلت من أفكارها الوقحة عنه. 

ردد (أرون) بنبرة ناعسة وأعين مغمضة :
- لا تبتعدي (كيتي)، أريدك وأنتِ كذلك.

ماذا سيفعل الآن؟!

لم يتسائل ما الذي أتى بها إلى فراشه، جل ما يهمه الآن أنها فعلت، وكم أسعده ذلك، راوده شيطانه بإمتلاكها، يرغبها، يريدها حد الجنون، حتى عندما أحب (إميلي) لم يشعر تجاهها بهذا الشوق العارم وتلك اللهفة المخيفة، وجسده الذي يطالب بها بات يئن لوعة، وعاوده هذا الصوت يقول بامتعاض :
- ماذا تنتظر (أرون)؟! أوشمها والآن.. إنها سبب جمعنا... لم أكن موجود لولاها.. رفيقتنا يا أحمق... إنها مصدر قوتنا.

أما عنها فما بها لا يمت للتعقل بذرة، آنسها صوته، رجاءه لها بالبقاء دك كل الثوابت ودمر كل حواجز الأصول.
هي بالأساس لا ترغب في تركه، هي بالأساس لا تعلم كيف يسيطر عليها هكذا ولا تقوى على الإبتعاد.

وهو فقد أعلن قلبه التمرد، ورفع جسده راية العصيان، فاستلقى إلى جوارها على جانبه بعد أن كان متسطح على ظهره، تتوسد صدره، ولازالت ذراعيه تحاوطها.

ومن ثم عاد إلى وضعيته الأولى ولكن ليس وحده وإنما رفع جسدها إليه، فأصبحت هي من تعتليه.

يحكم حصار خصرها يضمها إليه بتملك، وهي دفنت وجهها بعنقه تئن براحة، تشعر بالإنتماء.

يالله، حبيبتي رفقاً بقلبي، أنينك يخرج مع أنفاسك العطرة يجذبني لدوامة اللارجوع، ولا أعلم كيف سأجعلك ملكي، عن أي رفيقة يتحدث (شيزر)؟! ما أنا به درب من دروب الجنون!!

إذا استمر وضعهما هكذا سيخرج الأمر عن السيطرة، ناداها بصوت تحشرجت نبراته، برجاء :
- (كيتي)!!

- أمممم.

رفع كفه يزيح خصلات شعرها، الذي حجبه رؤياها، وهو يعاود النداء بنبرة أقوى نسبياً :
-(كيتي)!!

وكان الرد أنها عدلت من وضعية رأسها مسندة إياها إلى كتفه، فأصبحت شفاهها تلامس خده، أبعد رأسه قليلاً فما هو به يكفيه ويفيض.

التفت بوجهه إليها، وليته لم يفعل.
كم هي بريئة ورقيقة، عذبة وناعمة، بدأت أهدابها ترمش بتثاقل، رافعة كفها تفرك عينيها الناعستين، وهو يتأملها بوله، حتى وقع نظرها على وجهه القريب، فتجمد كفها بموضعه، وتصلب جسدها بين يديه، وبعد ثوان أو دقائق لا تعلم ولكن ما تعلمه أن هذا لا يمت للواقع بصلة.

(كيتي) بنعاس، فقد غفت فعلياً إلى جواره ورقة لمسات أنامله التي داعبت فروة رأسها ساعدتها على الاسترخاء :

- أحيه!!

(أرون) بنبرة متحشرجة، متسائلاً بعدم فهم :
- ماذا تعني هذه الكلمة، وما الذي أتى بك إلى هنا؟

(كيتي) وأناملها امتدت ترسم ملامح وجهه، وقد فصلها قربه عما سواه، وهي موقنة أنها لا زالت غافية :

- معناها إني بقيت مجنونة بيك، لدرجة إني حاسة بجد إني في حضنك، حساك حقيقة مش حلم.

ارتفع كفه يقبض على راحتها الملامسة لوجهه وهو يلثم باطنه، قائلا بهمس خشن :

- بالرغم من أنني لا أفهم كلمة مما قلته ولكن لا أعلم لم يخفق قلبي لوقع كلماتك؟!

عضت أسنانها على شفاهها السفلية في حرج، قائلة بارتباك، وهي ترفرف بأهدابها في براءة :
- أنا لم أقل شيئاً؟! لم أتفوه بحرف حتى.

حركتها تلك زادت حالته سوءاً، فرفع كفه يخلل أصابعه بين خصلات شعرها، يقرب وجهها إليه، قائلاً بلوعة :

- أتنكرين لأنني لا أفهم لغتك تلك؟ حتى إذا.. لكن هذا لا يمنع أنني من  الممكن أن استنتج مغذى ما قلته.

(كيتي) بإبتسامة مشاكسة، وهي تغمز له بعينها :

- حسناً، اخبرني ما استنتجته؟

عضت الشفاه كانت من نصيبه تلك المرة، وهو يقول بصوت أجش من فرط إحساسه الشغوف بها:

- قلت إنكِ تشعرين بي وترغبين في قربي وبجنون كما حالي أنا أيضاً، صحيح؟

أومأت (كيتي) في إيجاب دون تفكير بردة فعله حيال تصريحها هذا.

وما كان منه إلا إنه قد دفع جسدها بخفة، فاستكانت على الفراش إلى جواره وأشرف هو بجسده عليها، وقد غامت عينيه برغبة موحشة، وهو يكبل يديها أعلى رأسها، ثم....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي