البارت١٥

في قلعة صياد الوحوش.
التفتت (كيتي) تتراجع عن الباب ولأول مرة تخدمها الصدفة؛ فما إن استدارت توالي ظهرها للباب بعد أن سقطت حاوية الإسعافات أرضاً وتناثرت محتوياتها، حتى وجدت من استفاق من غفوته التي كانت هي ضيفة شرفها يقتحم عليها المرحاض كما توقعت فلو لم تتنحَ لكان جسدها يفترش الأرض.

أخذت (كيتي) تدور حول نفسها بشتات، وما بداخل الخزانة ملقى أرضاً، حتى تمتم هذا النازق، يقول بتهكمٍ :

- هل فتشت واطلعت على ما يكفي أم تحتاجين إلى جولة مع مَن يدلك عن أماكن بحث مجدية؟

انتفخت أوداجها بكيد، فما يقوله هذا القميء غير منطقي على الإطلاق؛ فحتى لو كانت تنقب عن شيء، ستبحث عنه في خزانة المرحاض؟!

إلى هنا وقد اكتفت من إساءته لها وسخريته منها، فالتفتت إليه بتشنج، ولكنها ندمت على ما فعلت؛ فقد أحست وكأن الأرض تتمايل بها وتغشلقت الرؤية.

استندت إلى الجدار المصنوع من الطوب الحراري العتيق الذي يزين الحوائط، تتحرك بتعثرٍ بشكل جانبي إلى أن وقع نظرها على انعكاس صورتها في المرآة المعلقة أعلى حوض الاغتسال.

جحظت عيناها باستدارة وهي ترى الزرقة المائلة إلى اللون الوردي التي تحتل جبهتها، وتلك الهيئة أعادت إلى ذهنها ذكرى الهلع الذي أحسته عندما سحبها من أعلى الجرف بحدة وعنف لتستقر بين أحضانه على قمة التلة إلى بر أمانها.

ومن ثم واجهته، تقول بلا مبالاة :

- علام سأفتش هنا؟! لقد وقعت الخزانة بخطأ غير متعمد.

لوى (أرون) ثغره يقول بعدم تصديق، بنبرة صوت ساخرة :

- أصدقكِ بالطبع.

اقترب يمسك بذراعها ليقودها إلى الخارج، فنفضته من بين يده، تقول باعتراض :

- دعني أنا لست قع.......

بترت عبارتها وهي تشهق بفزع إثر اختلال توازنها، فها هي تكابر ولكن حالتها الصحية السيئة لا تحتمل مجازفات ولا مهاترات هي بالفعل تحتاج للمساعدة.

كان يتوجب عليها أن تحتفظ بأقل قدر من الطاقة لديها كي تصل إلى أقرب مكان يصلح للجلوس بدلاً من أن يؤل بها الحال محمولة بين ذراعيه للمرة الثانية، إذ التقطها بلمح البصر قبل أن يرتطم رأسها بحافة المغطس ينقذ إياها تارة أخرى وبنفس اليوم.

خطى (أرون) يحملها إلى خارج المرحاض ولم يعطها أي حقٍ في الاعتراض، وبرغم ما يراودها من انتفاضة غاشمة لأحاسيس مخزية تحركت نحوه إلا أنه بدا عكسها تماماً، يسير بثبات، وظهر مشدود وأعين لم تلتفت إليها ولو بالخطأ.

بينما هي تحاول التحكم في قرع نابضها وما إن فشلت أخذت تنظم وتيرة تنفسها ولكن كلما استرقت النظر إليه تتبعثر بداخلها أي إرادة، فحبست أنفاسها حتى لا يفتضح أمرها.

مال (أرون) بجذعه يُجْلِسُها على طرف الفراش، يسألها بانزعاجٍ ومقلتيه تنضح بتشفٍ :

- ماذا لو كنت قد تركتكِ كما طلبتِ بالداخل.. دعني!!

قال الأخيرة وهو يقلدها بابتذال من وجهة نظرها، فأجابته باستياء تقول:

- احضر لي ثيابي؛ لأبدل تلك الملابس، ولن أكون مصدر إزعاج بالنسبة إليك.

انكمشت معالم وجهه وهو يقول باستهجان :

- ألم يعلمك أحد بضعة كلمات عن الشكر والعرفان؟!

- كل ما تتفوه به شفاهكِ أشبه برشق الحصى!

تمتمت مطرقة رأسها، تقول بامتعاض مغيظ؛ ثأراً لكبرياء أنوثتها المجروحة، فها هو ودون أدنى مجهود يبذل من قِبَله يجذبها إليه مرات فتتمنى قربه، ومن سماجة ما يقول يجعلها تضرب بكل إحساس يتولد له بداخلها عرض الحائط :

- أنت عاوز دبشتين في دماغك.

تسائل بانتقاد :

- ماذا تقولين؟! لقد نبهتكِ أكثر من مرة ألا تتحدثي بأحجياتكِ تلك، ولكن على ما يبدو أن ليس لديكِ الشجاعة لتقولي ما تريدين بلغة أفهمها.
- جبانة.

شهقت (كيتي) تقول بحدة :

- وحياة أمك!!

عقد ذراعيه أمام صدره يناظرها بتحد، فأضافت بلغته:

- اعطني ثيابي، أود الرحيل وعلى الفور.

رمقها (أرون) ببرود يقترح بأن تلحق طلبها بالآتي :

- إذا سمحت؟

أجابته (كيتي) باندفاعٍ :

- وهل يجب أن أتوسلك كي أحصل على ملابسي؟!

لم يُجِب بل قَلَب عينيه يشيح بوجهه عنها رافعاً ذقنه بشموخ وثقة في أنها ستفعل.

تلاحقت أنفاسها تكظم غيظها قبل أن ترد عليه بلفظٍ قد تندم عليه، فتمهلت للحظات كي تلملم شتات حالها، وهي تدرك أن إثارة متعجرف مثله لن يُفِدها ولن تصل بتحديها له إلى شيء، لذا قالت بهدوء وبالغت في تهذيب عبارتها :

- استمحيك عذراً أن تأتني بثيابي إذا سمحت، فهناك طائرة لابد وأن ألحق بها.

أجابها يقول بتسلية :

- أخشى أنكِ لن تتمكني من اللحاق بها.
-❈-❈
*في مقر شركة ألفريدو.
هذا ما كان يخشاه، ماذا سيفعلون إذا علموا إنه ينتوي تسليم الشحنة إلى الشرطة؟!
حتماً ستعم الفوضى، وتذهب كل مجهوداته سدى.
واتته الفكرة على الفور، لذا قال (چاكوب) ما جعل (ماركوس) يناظره بدهشة :

- ما علاقة هذا بذاك، كل مَن له حصة في الشحنة سيستلمها بعد انتهاء الاجتماع وعلى الفور؟

تمهل ومن ثم استكمل، يخاطب الكابو (ماتيو) :

- استئذنك يا زعيم لحظة، ساستخدم المرحاض الخاص.
قالها مؤشراً باتجاه بابٍ متواجد على بعد خطوات داخل قاعة الاجتماعات، ويده الأخرى تربت على جيب سترته يتأكد من وجود هاتفه بداخله، في حين أن آته إذن بالسماح على هيئة إيماءة إيجاب من رأس الكابو (ماتيو).

استقام الدون عقِبها ذاهباً صوب الجهة المقصودة بثباتٍ، وما إن ولج إلى المرحاض وأوصد بابه عليه، بدأ الإيقاع السريع وهو يخرج هاتفه بتعجلٍ يُفعِّل أيقونة الاتصال بقاعدة البيانات متجنباً استخدام شبكة (الواي فاي) التي يُبَث عن طريقها الاجتماع الآن لا إلا يكن قد اخترقها أحد من أطراف المنضمين تأميناً لموكله، ففي عملهم الكل لا يأمن للبعض وحتماً هناك من ينقب لمعرفة ما إذا كانت الجلسة مسجلة أو هناك تتبع من قِبَل مباحث القرصنة الإلكترونية.

وعلى الفور أرسل (چاكوب) إحداثيات الموقع الخاصة بمخازن شحنة المخدرات إلى وزيره ذاك ومعها رسالة موجزة تنص على :

- إذا لم تفعلها الآن سأضطر إلى تسليمها إلى الموزعين، تصرف، ولكن مهما حدث لا تتصل بي قبل أن أهاتفك.

وما إن تأكد الدون من وصول المحتوى المرسل، قام بحذف هذه الرسالة الموجهة إلى الرقم السري الغير مسجل للوزير على هاتفه لا لديه ولا أحداً يعرفه إلا قلة قليلة ممَن يثق بهم الوزير حتى أفراد أسرته لا علم لهم بهذا الرقم، وزيادة في الحيطة لم يقم (چاكوب) هو الآخر بإضافته إلى جهات اتصاله وإنما خلده بذاكرته، تحسباً لأي طارئ.

لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً فقط دقيقة أو اثنتين على الأكثر وبعدها خرج إليهم، وهو يجفف يديه التي بللها بالماء قبل مغادرته للمرحاض بإحدى المناشف الورقية التي كورها براحتيه، يقذفها بتصويب ومهارة لاعب سلة محترف داخل صندوق القمامة، يستكمل طريقه نحو مقعده بخطى وقورة، يعاود الجلوس عليه مرة أخرى بكل إباءٍ وعظمة.
-❈-❈
*داخل قاعة المؤتمرات بصرح آل (ألفريدو)
مال (چاكوب) بجذعه إلى الطاولة التي أسند عليها ساعديه أمامه يعقد أصابعه معاً، يقول :

- عذراً على المقاطعة يمكننا الاستكمال من حيث توقفنا.

الكابو (ماتيو) بِحثٍ :

-٠هيا (چاكوب) لقد مللنا يا رجل.

(چاكوب) بحماسٍ وأريحية :

- على رسلك يا زعيم.

- لقد فكرت في إنشاء تلك المدينة الصناعية كي تكن أكبر صرح صناعي لتصنيع كافة أنواع الأسلحة بما في ذلك المدرعات، بل والطائرات والسفن الحربية.

همهم الحضور، منهم المستهجن بغيرة، ومنهم من أعجبته الفكرة، وانتقل حماس الدون إليهم يحثونه على موافاتهم بالتفاصيل، بينما صفق الكابو (ماتيو) يقول بفخر :

- هذا هو صغيري المبتكر، حقاً دوماً ما تكون أفكارك خارج الصندوق، ولكن أستسمح لك حكومتك بإقامة مشروع ضخم كهذا؟!

ابتسم (چاكوب) بثقة، وهو يقول بامتنان :

- أشكرك على تشجيعك هذا يا زعيم، فبالأخير لقد اكتسبت ما تشيد به من مهارة على يديك، وبما أنني تلميذك النجيب، فبالتأكيد لم أكن لأعقد جلسة كهذه دون أن يكون لدي موافقة على الأمر لا رجعة فيها.

- كن مطمئناً يا زعيم، الدون (چاكوب) لا ينسج أحلاماً في العراء، حتى أنني أفكر في البحث عن خبراء ذرة لإقامة معمل لتخصيب اليورانيوم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي