البارت10

داخل مقر شركة "ألفريدو"
"چاكوب" وهو يرفع سماعة هاتف مكتبه يصدر أمر إلى (روز) السكرتيرة الخاصة به، وكان الأمر كالآتي :

- (روز) اتصلي بأقرب معمل تحاليل واجعليهم يرسلوا أحد العاملين لديهم لسحب عينة دماء.

(روز) بتهذيب :

- أوامرك سيدي، سأفعل وعلى الفور، أية أوامر أخرى؟

لم يجب وإنما أعاد سماعة الهاتف إلى موضعها وهو يهدر في (ماركوس) بحدة:

- (ماركوس) حيل التلامذة تلك لا تستخدمها مع الدون.

- لا أحد، أسمعت؟ لا أحد على وجه الأرض يمكنه خداعي، لا أنت ولا موردي الشحنة التي تدعي إنك قمت بتناول تلك اللعنة من أجل اختبار جودتها وأنت تعلم ذلك.

- لم ولن يجرأوا على إرسال بضعة مغشوشة للدون، ولكنك تراوغ!

- إذا قطعت عليك تعاقر هذه السموم سأقتلك بيدي وهذا ليس تحذير، إنه قرار، لذا إذا عاندت واستمريت على ما أقحمت به حالك من متاهة، فعد العدة لآخرتك وجد لنفسك من يتعهد بجمع أشلائك بعد وفاتك.

(ماركوس) بصدقٍ، حتى وإن قاده فضوله لتجربة هذا النوع من مذهبات العقل، إلا أنها تلك كانت مرته الأولى وبينه وبين حاله كان يقر أنه لن يعاود فعلها، وها قد جاءه وعيد صريح من سفير جهنم الذي إذا تعهد لا يخلف :

- أخي، بالله كانت أول وآخر مرة، وستعلم عندما يأتيك تحليل نسبة المخدر في الدم.

(چاكوب) بإيجاز :

- سنرى؟!

ومن ثم استكمل الدون حديثه بشأن العمل يقول بتحفظ فقلقه على أخيه كفيل بتغيير مزاجه.
فما بالنا بما يعانيه الدون من هموم وأفكار تتدافع برأسه عما هما مقبلان عليه من تبديل مسار لكافة نشاطاتهما؟ وما كان ينقصه ما علم به الآن، فأردف قائلاً :

- استمع إلى حديثي جيداً، فلا مجال للأخطاء.

(ماركوس) بخنوع، وهو يتحسس صفحة وجهه ضاغطة على موضع ألمه بأطراف أنامله، مما جعل أخيه يشعر بالضيق كونه تطاول عليه باليد، لذا نهض كي يجلب زجاجة مياه مثلجة من البراد العملي الصغير المتواجد بإحدى أركان غرفة مكتبه الذي يحوي بعضاً من المرطبات مما جعل (ماركوس) يرتجف خوفاً ينكمش على حاله بالمقعد الذي يجلس عليه فقد ظن أن (چاكوب) لم ينتهِ منه بعد، يقول بتوجس:

- ح.. حسناً، حسناً أخي، أقسم أنني منتبه لما تقول جيداً، فقط لا تغضب.

اتسعت عينا (ماركوس) عندما أتى (چاكوب) بتلك الزجاجة يمررها إليه باقتضاب، قائلاً بعبوس :

- ضع هذه على وجهك.

(ماركوس) بامتنان :

- اعلم أن لي مكانة خاصة في قلبك، وأبداً لن أهون.

(ماركوس) محق في هذا الشأن، إذ يعلم أن (چاكوب) قد تجاوز معه لصالحه ولكن الدون وإن كان حازماً مع الآخرين إلا أنه يُكِن ل(ماركوس) محبة خالصة لا تشوبها أية ضغائن.

نعم فحتى الإخوة بالدم تنتاب قلة منهم غيرة تجاه إخوانهم إلا مَن رحم رب العباد، ولكن العلاقة بين (چاكوب) و (ماركوس) يحفها إطار خاص.

فهما سند لبعضهما البعض، إذا شتى أحدهما فيجب أن يقوده الآخر إلى المسار الصحيح ويعيد إليه صوابه، يناصران بعضهما في الخطأ، فماذا لو اهتدى أحدهما إلى الطريق المستقيم؟!

وهنا لا نتحدث عن عقيدة أو ديانة، بل نعني نهج وأسلوب حياة وقيم مجتمع لابد وأن نراعيها.

سنوات من الضياع والأفعال المشينة قضاها كليهما دون رادع، ولكننا بنهاية المطاف بشر نخطئ ونصيب والعبرة بالخواتيم.

وها قد وضع (چاكوب) قدميه على بداية طريق قويم لا اعوجاج فيه، ويريد أن يسير به دون رجعة لسابق عهده وذلك برفقة أقرب وأحب شخص إليه ألا وهو أخيه (ماركوس).

عقب (چاكوب) على تعليق أخيه، يعاتبه بلين:

- كنت (ماركوس)، فلا تعتمد على ذلك.

- ما تفعله بحالك لا يفعله عدو بك، نعم أخطأنا كثيراً، فدعنا ننسى الماضي بأخطائه وهفواته ونبدأ عهد جديد، ولن يحدث هذا وأنت غارق بما اقترفته يدانا، لذا يجب أن نكفر عما جنيناه بحق الآخرين.

- وأول شيء سأفعله، لقد عدلت عن فكرة توزيع الشحنة التي بحيازتنا، وسأسلمها للشرطة.

(ماركوس) بعدم تصديق :

- ماذا؟!

(چاكوب) بإقرار :

- كما سمعت، ولا أريد نقاش.

(ماركوس) بمحاولة، وئدها (چاكوب) :

- ولكن هذا....

قاطعه (چاكوب) آمراً بإيجاز :

- قلت لا تجادل، ما أقوله سينفذ بالحرف.

(ماركوس) باستسلام، وهو يمرر زجاجة المياه على وجهه الذي بدأت الزرقة تزحف إليه ولكن هذا أفضل من الموت برصاصة في لحظة غضب :

- أوامرك دون (چاكوب).

اعتدل (چاكوب) في جلسته يرتكز بمرفق يمينه إلى متكأ المقعد رافعاً راحته إلى وجهه، يفرك جبهته بأطراف أصابعه زافراً بحيرة، ومن ثم واتته فكرة:

- اسمع (ماركوس).

لوى (ماركوس) ثغره، يتمتم بضجر :

- اللعنة على (ماركوس) وسحقاً لليوم الذي أتى فيه إلى الحياة!!

ومن ثم رفع صوته، يقول :

- أسمعك جيداً.

(چاكوب) قائلاً بحماس :

- اجمع كل مَن نتعامل معاهم سواء بتجارة المخدرات والسلاح من موردين وموزعين، أريد عقد اجتماع عاجل.

وضع (ماركوس) الزجاجة التي بيده على سطح المكتب بحدة مما أصدر صوت عال نسبياً، يقول بهزة رأس تنم عن انتقاد أو ربما اعتراض أكثر منه استياء :

- أنا لست مصباح علاء الدين أخي!!

- أن نجمع موزعينا بكلا النشاطين أمر جائز؛ فهم بطوعيتنا ولكن هذا سيلزمه بعض الوقت.

- ولكن أن نأتي بجميع موردينا وبتوقيت واحد، فهذا تعجيز يا دون، هم ليسوا تحت إمارتنا بل على العكس.

- هم أصحاب السلطة العليا دون (چاكوب).

- إذا أردت أن تطاع فأمر بما في المستطاع.

بسط (چاكوب) يده قابضاً على منفضة سجائره المسندة إلى جانبه، يهم بقذفها باتجاهه بعد أن دفع المقعد الخاص به ليرتطم بالحائط أثناء تشنجه وهو يستقيم عنه، تزامناً مع ما انهال به من سباب جرى على لسان الدون بطلاقة يصيغه بألفاظ نابية تستحي الآذان لسماع مقطع واحد منها، يهدر فيه بحدة :

- ما جنسك أنت؟! تجمع مَن يا فاقد الأهلية!!

(ماركوس) بانزعاج، ولكن صوته خرج مذبذباً توجسا من هيئة مَن تصاعد بداخله الكمد كبركان ثار ما بجوفه من حمم :

- ما بك (چاكوب)؟! ألم تقل تواً أنك تريد عقد اجتماع يضم كل من نتعامل معهم في كلا النشاطين من موردين وموزعين؟!

- أم خانني السمع؟!

قذف (چاكوب) منفضة السجائر ضارباً بها عرض الحائط وهو يشد على قبضتيه المتكورتين باستشاطة يحاول السيطرة على نوبة غيظه من هذا السفيه لا إلا يحدث ما لا يحمد عقباه، يقول وهو يقرض على أنيابه بنقم :

- لم يخُنك سمعك يا أحمق! بل غادرك العقل بلا رجعة!

- مَن قال أنني أريد إحضارهم إلى هنا، سأسلمهم مثلاً؟

(ماركوس) بتململٍ :

- بعد عجائبك لهذا اليوم لا استبعد عنك شيئاً؟!

(چاكوب) وهو يحاول تنظيم أنفاسه، يلقي بجسده على المقعد بإهمال، ولكنه تحمل منه ما فيه الكفاية؛ لذا أردف يقول بأنفاس متقطعة :

- أخي (ماركوس)، الجملة التالية أعنيها بصدق أقسم لن أضمن حالي إذا لم تنفذ وعلى الفور.

- اغرب عن وجهي.

ما إن استمع (ماركوس) إلى آخر ما تفوه به أخاه، حتى أطلق العنان لساقيه يسابق الرياح خروجاً من المكتب فما دام الدون أقسم فلا شك في وقوع ما ألقى بشأنه القسم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي