البارت١١

في قلعة صياد الوحوش.
تمتم (أرون) بغيظ، لتفوهها بالحماقات غير المفسرة، وأرجأ التفكير في قصة (شيزر) حالما ينفرد بنفسه ويستشير صديقه (توماس) مقراً، بأنه سواء أكان هناك هاجس اسمه (شيزر) أم لا، فهو ليس مستعداً لجعلها ترحل في الوقت الحالي ولا يعلم لِم!!
لذا عاود يقول بنبرة آمرة : - قلت ادخلي لتنظيفي هذا؟

اعترضت (كيتي) تقول بصوتٍ مختنق:

-لا أريد، أنا بخير، سأعود إلى النزل الذي حجزت غرفة به، فعلى أية حال سيارتي على مقربة من هنا، لقد تركتها بمرأب في الجوار.

كل ما تتفوه به كذبٌ وإدعاء، إذ أنها قد سوت حسابها بالنزل صباح هذا اليوم  فقد جعلت مهمة هذا المقيت (إبرام) آخر ما ستقوم به في جولة عملها.

وحزمت أمتعتها وحقائبها، ووضعتها في السيارة الصغيرة التي اشترتها بالتقسيط المريح بعد أن اقترت من  مصاريف نفقاتها الشخصية حتى تؤمِن لنفسها وسيلة انتقال، موفرةً ما تهدره من أموالٍ للترحال ما بين هنا وهناك كي تزاول مهنتها الشاقة تلك.

فتفكيرها باقتناء هذه السيارة نوع من المحاولات لضمان أدنى سبل الراحة في مشوار حياتها المرهق هذا؛ إذ توفى والديها منذ فترة بالتتابع وما كان بهما من حسرة وألم توارثته (كيتي) عنهما، وتلك كانت مأساة أسرة بأكملها وذلك بسبب فقدان شقيقتها التوأم التي اختُطِفت في صغرهما وكانت بالكاد في السابعة من عمرها.

تنهدت (كيتي) بأسى وهي تتذكر توأمها، فلابد وأن (سارة) مترسخ بذاكرتها البعيدة مواقف طفولية تجمعهما معاً، ف (كيتي) لا زالت عالقة بذكريات الماضي وألعابهما التي تحتفظ بها حتى الآن في منزل العائلة.

انتبهت عليه عندما عقب يقول بعدم تصديق:

-هل أنتِ تعنين ما تقولين؟! أتظنين أنكِ في حالتكِ هذه يمكنكِ قيادة السيارة؟!

نعم ستفعلها بأي شكل من الأشكال، ستتوجه إلى المرأب ومنه إلى المطار مباشرةً، وهناك يمكنها استخدام أي مرحاض عمومي لتنظف جراحها وتبدل هذه الثياب المغبرة وترتدي الفستان الذي جاءت به إلى هنا في المرة الأولى صباح هذا اليوم.

أجابته بوهن: - هذا لا شيء، يمكنني تدبر أمري.

صمتت لبرهة ومن ثم استكملت تقول بنبرة أبعد ما يكون عن الامتنان:

-يبدو أنني مدينة لك بالشكر لإغاثتي.

أجابها (أرون) بحاجبٍ مرفوع، يقول مردداً بامتعاضٍ:

-يبدو!!
-أجل، يتوجب عليكِ فعل ذلك ولكن لا مجال بيننا لمثل هذه المجاملات المتملقة، لذا لا تزعجي حالكِ.

ثار كبريائها اللعين للهجته المحتقرة تلك وتملكها إحساس بالدونية، لذا أردفت تقول على مضض:

-ومن قال أنني سأفعلها سيد (أرون دانييل) ولك أن تطمئن فأنا لن أضايقك بعد الآن، سأرحل وحسب.

تتحداه، ولابد وأنها تجهل مَن هو (أرون دانييل) صياد الوحوش، لذا أعجبه اللعب معها، فأجابها يقول:

-لا أعمل لِم لا أستطيع تصديقكِ آنسة (كيتي)، ولا أدري لِم لا أستصيغ فكرة رحيلك وحسب تلك؟!

قالها وهو مسلط الأنظار على الحقيبة التي بحوزتها وقد رفعتها على كتفها تقبض عليها بحماية ارتاب لها، فامتدت يده ينتزعها ولم تتمكن من فعل شيء لردعه، ومن ثم أخذ يحركها بين يديه بتقييم وكأنه يزنها وبعد لحظة تفكير، قال بإقرار:

-على ما أعتقد أنه يتوجب علي الاحتفاظ بهذه الحقيبة، فربما تعوضني عن غيابكِ الذي أتمناه منذ أن وقعت عيناي عليكِ عزيزتي، ساعتها فقط سأشعر بالأمان.
وتلك كانت حجة ليبقيها بإرادتها فمن تستميت لأجل هذه الصور لن تتخلى عنها بسهولة.

جحظت رماديتيها بذعر، وهي تدنو إليه ملقية بنفسها عليه تجاهد في التقاط الحقيبة وهي تقول بِعداءٍ بعد أن أقصاها عن مرمى يدها، تجاهد للحصول عليها، صارخة به في استهجان:

-لا، إنها لي ولا يحق لك فعل ذلك!

ابتسم (أرون) بتهكم، يسألها بتشدق:

-لا؟! أنا مَن يتمتع بكافة الحقوق هنا ما دمتِ على أرضي.

-أتيتِ إلى حدود أملاكي تتسحبين كاللصوص وترهقيني باعتراضكِ المستمر.

-قَدِمتِ برغبتكِ، لذا أنا مَن سيفرض قوانين اللعبة لا أنتِ آنسة!!

توسلته تطالب بما في يده، قائلة:

-أرجوك، إنها تحوي آلة التصوير، ولا يمكنني العمل بدونها.

رد بتسلية، وهو يرى الخيبة ترتسم على ملامح وجهها، ولن ينكر أنها تبدو فاتنة:

-وهل تتوقعين أن أتأثر بما قلتِه؟

-في الحقيقة رؤيتكِ على هذه الحالة لَهُوَ أكثر الأمور متعة، لقد سرني ما أنتِ عليه الآن، و كثيراً.. بل لأبعد حد.. فأنا بقمة نشوتي حتى أكون صادقاً معكِ.

رمقته (كيتي) بعدائية، تقول بنقدٍ لاذع يستحقه:

-وماذا سأنتظر من شخص قاسٍ عديم القلب والإحساس مثلك؟!

ومن ثم تمتمت تقول بلكنتها:

-يخرب بيت غلاستك، البعيد تلاجة!!

أجابها (أرون) بعنجهية:

-ها قد أظهرتِ بعض من التعقل عكس ما فعلتِه لأجل صورة.

قالها وهو يرمق الحقيبة بشك:

-تملكين آلة تصوير، وتكبدتي كل هذا العناء لتلتقطين فيلماً واحداً!!

-إذا قايسنا المدة التي بقيتِ فيها تختبئين عند الصخور وبين ما تحتاجينه من وقت لالتقاط أفلامكِ الرخيصة تلك سيتأكد حدسي الذي ينبئني بأنكِ لم تحصلي على فيلم واحد فقط؟!

تمهل يضيف مضيقاً عينيه بتحدي:
-منذ متى وأنتِ تتلصصين؟!

فأجابت (كيتي) بصدق:

-منذ ساعات، ولكنك كنت بالداخل ولم تظهر إلا لحظات قليلة.

قطب (أرون) جبينه يناظرها وكأنه يُقَيَّم ما تقول، ومن ثم تسائل:

-معكِ حق أنا لم أخرج إلا لبضع دقائق، فلنقل ربع ساعة، ولكن اخبريني آنسة (كيتي)، كم يلزمك من الوقت لتلتقطين فيلماً كاملاً بآلتك الحديثة تلك؟!

أمال رأسه على جانب واحد رافعاً حاجبه، يتحداها بأن تكذب، فاعترفت تقول:

-من دقيقتين لثلاث لا أكثر.

-ولكنني لم أفعل، فقط واحد يكفي.

زفرت بضيقٍ ومن ثم أضافت عله يقتنع، فما إن يُفرِغ محتويات الحقيبة سيكتشف كذبها، حتى وإن لم تكن جميع الأفلام الموجودة بها تعود إليه، فما يخصه منه إلا القليل:

-في الحقيقة، أنا بحوزتي داخل تلك الحقيبة ما يتعدى المائة من الأفلام المستعملة، وهذه حصيلة عملي لمدة عشرة أيام.

-فكما أخبرتك إنني كنت بالجوار في رحلة عمل.

ابتسم (أرون) بتهكم:

-وهل بعد جرأتكِ الغاشمة تلك وتبجحكِ هذا تنتظرين مني أن أقتنع بما تقولينه الآن؟!

ارتجفت أوصالها وأحست بصقيع يجتاح أوردتها، وهي تقول بنبرة مهزوزة:

-إنها الحقيقة، وكما قلت أنت فصورة لا تستحق أن أكذب بشأنها.

وبسبب الضغط العصبي والجسدي الذي وُضِعت تحت واطئته الآن، أحست بدوار وانتابها الغثيان وودت لو أنه يرأف بحالها ويتركها كي تجلس للحظات فقط ولكنه قاسٍ لا يلين، إذ استكمل استجوابه مردفاً:

-يبدو عليكِ التهور بالفعل، ولكنني لا أعتقد إنكِ قد تجازفين بحصيلة عملكِ طوال هذه المدة وتحملينها معكِ إلى هنا؟!

تمتمت بضعف تتسائل، وهي تزدرد لعابها وقد شعرت بتيبس حلقها من شدة العطش:

-فيم المجازفة، لقد... ك.. كنت متيقظة؟!

قالتها بتلبكٍ كالثمالى، وهي ترفع يدها تتلمس رأسها الذي يَضج بألم رهيب، وما عاد لكلمة مجازفة معنى، فها قد خاطرت واقتحمت أسواره، ستدع كل شيء خلفها الحقيبة، والأفلام وكذلك آلة التصوير.

والته ظهرها وخطت خطوة فالثانية، ولكنها شعرت بالأرض تميد تحت أقدامها وكأنها تقف على شيء مطاطي، لذا مدت يدها بعبث تحاول إيجاد ما تستند إليه.

فوجدت جدار تشبثت به في محاولة واهية لتُثَبت خطاها، وهي تسير بتباطئ وأقدام تلتف حول بعضها، فاقترب يلتقطها بين ذراعيه قبل أن يهوي جسدها أرضاً، وذلك بعد أن خفضت يدها التي تتلمس جبينها ورأت راحتها ملطخة بدماءها التي تجري على أصابعها، فتسائل (أرون):

-ما الأمر؟!

نطقت بتلعثم وهي تستمع إلى صوتها وكأنه آتٍ من مصدرٍ بعيد:

-أنا.. آسفة، يبدو... أنني سوف.............

ومن ثم حل الظلام ليجذبها إلى دوامته فتعتمت الرؤية، وجاءها صوته من بين الضباب وأبصرت بتشوش شفاهه التي تتحرك بالقرب من وجهها ولم تستمع إلا لكلمة واحدة بادر بها يقول بحدة:

-Damn
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي