البارت٩

*داخل مبنى مجموعة شركات "ألفريدو".
لدى الدون (چاكوب) بعد أن بلغت الحيرة مبلغها من (ماركوس) الذي يجلس أمامه مزبهلاً، وحديث أخيه غير مفسر بالنسبة إليه على الإطلاق.

وتشتت أصابه فكيف سيبقيا على نشاطهما في تجارة السلاح وبالوقت ذاته سيكون ما يفعلاه مشروعاً وقانونياً؟!

(ماركوس) بعدم فهم :

- طالما سنورد سلاحاً لشرق آسيا والحكومات المتنازعة، لِم أطلعت هذا الوزير على الأمر، كان من الممكن أن نفعلها في الخفاء ولن يقاسمنا وزيرك ذاك في أرباحنا!!

رفع (چاكوب) كلا راحتيه يمسح بهما على وجهه بنزقٍ، وهو يجز على أنيابه بغيظٍ من غلاظة رأس أخيه، معقباً :

- افهم يا رأس الخنزير أنت!! نحن سنفعلها رسمياً، أي سنأخذ مناقصات محلية ودولية بإذن من حكومتنا ومجلس الأمن الدولي الذي يتم عن طريقه إتمام هذا النوع من الصفقات.

-وبدلاً من أن نكن مجرد تجار سلاح وإرهابيين سنكون بذلك متعهدي توريد أسلحة وزخائر.

-وليس هذا فحسب، ولكننا سنأسس مصنعاً لإنتاج أحدث أنواع الأسلحة الآلية بل و الأسلحة الثقيلة أيضاً كالدبابات و المدرعات.

- أفهمت؟ أم أطلق رصاصة من هذا المسدس ما بين حاجبيك لتخترق تلك الهوة التي لا عقل بها؟

قالها وهو يلتقط طبنجته التي وضعها أمامه على سطح المكتب، لذا عاد الذعر يتملك من (ماركوس) فهيئة أخيه لا تبشر بالخير، ولم تهدأ نواجزه إلا بعد أن تفوه (چاكوب) بالآتي، فعلم هذا الذي يرتجف روعة بأن محدثه لا يعني ما يهدد به، بل يشاكسه ليس إلا.

الدون (چاكوب) مستكملاً :

- جمجمتك فارغة (ماركوس)، يعصف بها الرياح يا رجل.
- كفاك معاقرة للخمر أخي، إدمانك على الكحول أذهب عقلك على الأخير، توقف حبا في الله.

(ماركوس) بامتعاضٍ :

- انظروا مَن يتحدث!!

(چاكوب)، قائلا اعتراض :

- أنا أشربه باعتدال، وفي مناسبات معينة، لا ليل نهار كما تفعل أنت، وينتهي بك الأمر كل ليلة محمولاً على أعناق اثنان من حرسك الخاص.

- لو هُجِمت وأنت على هذه الحالة ستكون بخبر كان.

- الاعتدال مطلوب في كل شيء.

- أتعلم؟!

(ماركوس) بدعابة :

- لا لم يأتّ أحد على ذكر الأمر، اعلمني!!

لم يلتقط (چاكوب) المغذى من مزحة أخيه، فهو بطبعه وقور ولا بال له بالمهاترات ولغو الحديث ذاك، لذا تسائل استغراب :

- أي أمر تقصد؟!

(ماركوس) بسماجة :

- أقصد ما تهم بقوله يا حضرة الواعظ.

وعلى إثر تلك السماجة التي يتحدث بها (ماركوس) هَمَّ الذي خفض يده بالسلاح يرفعها مرةً أخرى مصوباً على رأس أخيه الذي كاد أن يبول على حاله، فإذا كان الدون (ماسيمو) قد هدده المرة الأولى ولكنه بالثانية سيفعلها لا محالة.

لذا أخذت عينا (ماركوس) تضيق وهو يرقُب حركة سبابة (چاكوب) على زناد السلاح، وعندما رأى الغيظ مطلاً من عيني الآخر وثبات يده القابضة على المسدس، أغمض عينيه يستعد لرحلته إلى العالم الآخر.

تندى جبين (ماركوس) بالعرق وإذا كانت الطلقة التي ستصيب رأسه قاتلة، ولكن انتظارها موت في كل ثانية تمر، وها قد استمع إلى صوت انطلاق الرصاصة المكتوم وتلتها أخرى ولكنه لم يشعر بألم، فأفرج عن جفنيه بتوجسٍ؛ ليتحرَ ما في الأمر، فوجد يد (چاكوب) قد علت عن رأسه ملي متر واحد، يحيد عن بؤرة التصويب بعمدٍ، وكانت الرصاصتان تفريغاً لشحنة غضبه المستعر.

التفت (ماركوس) برأسه ناحية الحائط خلفه، وجد أن الرصاصتين قد أطلقهما هذا القناص بنفس الموضع، حتى أن الفارغ الذي سقط ارتد بنفس المكان أرضاً، وقد صنع العياران ثقباً غائراً بالجدار، فخرجت من بين شفاه (ماركوس) سبة نابية تمتم بها بهمسٍ لا يسمع، وهو يوزع نظراته بثلاث اتجاهات: الثقب، وفارغ الطلقات، وهذا الذي لازال ممسكاً بالسلاح ولم يخفض يده بعد.

زفر (چاكوب) بنزقٍ، وهو يضغط على قفل الخزينة يقصيها عن المسدس، فاتحاً موضع اندفاع الزخيرة يخرج الرصاصة التي استقرت بعمود الإطلاق، فقد كان يستعد لضرب عيار ثالث.

ومن ثَمَّ وضع الثلاث أجزاء الخاصة بالسلاح المفكك مرةً أخرى بدرج مكتبه، وهذا حتى ما إذا أثار (ماركوس) غضبه لاحقاً يتثنى له الفرصة للهرب من أمامه فإعادة تركيب الأجزاء في موضعها سيستغرق دقيقة على الأقل.

(ماركوس) بمهادنة :

- أمرك نافذ دون (چاكوب) لن أضع قطرة من الخمر بجوفي بعد الآن، فقط اهدأ، أقسم لن أعاود الكرة.

(ماسيمو) بتهكم :

- أنت وغد كاذب (ماركوس)، قلل من جرعاتك اليومية حتى تسلاه بالتدريج لا إلا ألقي بك في مصحة لعلاج الإدمان.

أومأ (ماركوس) عدة مرات بالإيجاب، وهو يبتلع بخوف، فأردف (ماسيمو) يقول بنبرة أقل حدة :

- تعلم أن تأخذ أحلى ما في الشيء.

- أنت تشرب لتذهب عقلك، ولكنني أشربه على فترات متقطعة لأستمتع بمذاقه وأنا أترقب تأثير أول كأس فالثاني.

- وعند الثالث وأتوقف لأتابع ما فعل الخمر بكيميائي.

- وبعدها يأتي صوب عيني تأثيره المدمر لخلايا المخ والكبد فأمقته وأتجنبه لفترة فلا هو أكسير الحياة ولا أنا عبد للإدمان.

(ماركوس) بامتعاضٍ :

- خلصنا يا صاح، قلت سأكف عن عادتي السيئة تلك، ولكن لا تغضب.

يعلم (چاكوب) أن (ماركوس) يهادنه ولكنه لن ييأس من إثناء أخيه عن هذا الدرب الذي يسلكه ففي عملهما لا مجال للمغيبين.

(چاكوب) باتجاهٍ مخالف لمجرى حديثهما السابق، يقول :

- أريد تركيزاً أعلى.

لوى (ماركوس) ثغره بهزئ، يقول بجبين مقطب :

- تنهاني عن تناوله وتريد تركيز أعلى، ما هذا التناقض يا دون؟!

(چاكوب) هادراً فيه بحدة :

- تباً لغباءك يا رمز الحماقة وأيقونة البلاهة أنت!! أريد تركيز أعلى لما نحن بصدده.

تمهل يحاول كبح جماح ثورته ومن ثم سأله مستفسراً :

- (ماركوس) هل أنت ثمل؟!

(ماركوس) بتلبكٍ :

- لا أخي، كل ما في الأمر أنني تجرعت كأسين ليس إلا.

(چاكوب) بتشكيكٍ :

- كأسين فقط؟!

(ماركوس) بتعقيبٍ أحمق، يقول :

- أقسم كأسين فقط، ولكنهما مخلوطان ببعض الكوك.

ثبت رأس (ماسيمو) الذي كان يومئ به باستحسان عقب تأكيد أخيه بأنه لم يفرط في تناول المشروب، ولكن عند مخلوطين بمادة الكوكايين وأوشك (چاكوب) على الإصابة بصدمة عصبية، فزجره يقول بصوتٍ عالٍ اهتزت له جدران المكتب بل المنشأة بأكملها، وهو يهب مستقيماً عن مقعده، ممسكاً بتلابيب أخيه، وقد أشتعلت عينيه بغضبٍ جهنمي :

- سأقتلك (ماركوس)، منذ متى وأنت تدخل هذه السموم إلى جسدك؟!

حاول (ماركوس) إيجاد رد مقنع، وها قد وجده حتى وإن ضعفت حجته :

- لا (چاكوب) لقد فهمت الأمر على نحو خاطئ، تلك كانت ذرة لا تذكر كاختبار عينة للشحنة التي وردتنا منذ يومين وأودعناها بمخازننا.

كور (چاكوب) قبضة يمينه يحط بها بقوة على الجانب الأيسر لوجه (ماركوس) الذي تأوه بشدة يرفع يده اليسرى محركاً مفصل فكه السفلي ليتأكد من سلامته.

ولكن على ما يعتقد أن تلك المطرقة التي أعادت هيكلة معالم وجهه تضرر على إثرها ناب إذ بصق على الفور قطعة من فتات مينا أسنانه استشعرها داخل فمه فخرج لعابه ملوناً ببعض آثار الدماء.

(چاكوب) بتهديد يعنيه، بعد أن كف يده عنه، إذ أردف قائلاً :

- الشحنة تُوزع اليوم، ومن لا قِبَل له باستلام حصته، احرقها ولا مال له في ذمتنا.

- وأنت، سآخذك بنفسي بعد عشرة أيام من اليوم لإجراء اختبار إدمان وإذا وجدت نفس نسبة المخدر بدمائك لن يشفع لك عندي لا رابطة دم ولا غيره
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي