البارت ١٤

عند آل (ألبرتينو)
قضى الدون (چاكوب) ليلته يخطط لمراحله القادمة، وذلك بعد أن جهز (ماركوس) للاجتماع المصيري الذي ضم عدداً كبيراً من الموزعين الذين سنحت لهم الفرصة للقدوم بشخصهم إلى مقر شركة (ألبرتو).

أما من منعتهم ظروفهم من الحضور، كانوا متواجدين عبر غرفة دردشة جماعية على إحدى المنصات الإلكترونية، أرسل رابطها إليهم مديرة أعمال الدون (چاكوب)، وها قد حصر عدداً لا بأس به ممن يعملون معه في كلا المجالين.

وأصبحت الخطوة الأكثر أهمية والتي سيستهدفها في مجلسهم هذا هي كيفية إقناعهم بفكرة تخليهم عن المكاسب الخرافية التي يجنوها من وراء تجارتهم الممنوعة تلك، وهذا سيكون لفترة وجيزة، بل والدخول كشركاء مساهمين في مشروع ضخم كالذي يُنسق له الدون منذ فترة.

تحمحم الدون (چاكوب) يجلي صوته يستهل الجلسة المنعقدة موجهاً حديثه لمَن يلتفون حول مائدة المؤتمرات الممتدة أمامه على مقاعدهم، وأولئك الذين يتابعون المجريات على شاشات الحواسيب الخاصة بهم.

وكل عضو من أعضاء الاجتماع يجلس في كامل انتباهه، يتناوب توزيع النظرات ما بين مضيفهم وضيوف الشرف الظاهرة صورهم على الشاشة العريضة المعلقة على الحائط، يضعون سماعات الأذن اللاسلكية، متأهبون بل ومتلهفون لمعرفة هذا الأمر الجلل الذي على إثره أمر الدون (چاكوب) بجمعهم وعلى الفور.

الدون (چاكوب) بوقارٍ وثبات :

- تشرفت بلقاءكم اليوم، وأتمنى أن يكون اجتماعنا مثمر.
- ويلقى اقتراحي القبول من جميع الحضور.

همهم الجمع يردون التحية كلاً منهم بلغته فهناك أفراد من شتى بقاع الأرض ووظيفة سماعات الرأس هي التواصل والترجمة للغة التي اختارها كل شخص منهم من قائمة منسدلة على شاشة حاسوبه.

تمركزت الأعين باتجاه منظم المجلس الذي يجاوره أخيه وذراعه الأيمن (ماركوس)، وقد زادت مقدمة الدون التشويقية من رغبتهم في الإفصاح عن المزيد من قِبَله.

ليبدأ الكابو (ماتيو) أحد زعماء المافيا الإيطالية وواحد ممَن يتعهدون بتوريد الحصة الربع سنوية من السلاح التي يوزعها الدون (چاكوب) كل ثلاثة أشهر بمعرفته على أتباعه في دول النزاع الذين يقومون بدورهم بتصريفها لمَن يدفع أكثر سواء أكانوا قادة الجماعات الإرهابية أو تلك الطوائف الدينية المتطرفة.

الكابو (ماتيو) له معزة خاصة بقلب مضيفهم، فهو الأب الروحي للدون (چاكوب)، وكذلك هو من سانده بعد فاجعة موت أبيه وإصابته هو شخصياً في ذاك اليوم، وساعده في إبادة عائلة المافيا محل النزاع إنتقاماً من قاتلي رفيق عمره، ولهذا ف(چاكوب) يكن له التقدير والمحبة :

- تحدث، بني ما الأمر ؟!

(چاكول) باحترام :

- أوامرك يا زعيم.

- بالطبع حضرتك على علم بتلك القرية السياحية التي أنتهيت من تأسيسها بضواحي بوسطن ؟

الكابو (ماتيو) بتأكيد :

- أجل، ما بها ؟

الدون (چاكوب) باستفاضة :

- قررت تغيير نشاطها، سأجعلها مدينة صناعية.

الكابو (ماتيو) بتعجب :

- لِم؟! ما دُمت أسستها كواجهة لعملنا، فاجعلها منشأة سياحية وبهذا سيكون الأمر أكثر واقعية، السياحة تدر دخل وفير وستصرف النظر عن مصادر أموالك، ونسبة الخسائر في هذا النشاط تكاد تكون معدومة على عكس الأنشطة الص....

أضاءت صورة أخرى لأحد المتضامنين في هذا الاجتماع إلى جانب صورة الكابو (ماتيو) على شاشة العرض، وإذا كان الكابو لم يتمكن من الحضور لبعد المسافة وكثرة شاغلاته إلا أن الذي قاطعه فاتحاً مكبر الصوت لديه دون إذن أو سبق إنذار، لم يأتِ مخافة من أن يغدر به الدون، فصدح صوته يقول مقاطعاً لكبير الحضور، مردفاً بسأم :

- عذراً، ولكن ما دخلنا نحن فيما إذا كنت ستجعلها مدينة سكنية أم صناعية ؟!

- هذه مضيعة لوقتنا، هل جمعتنا لنشيد بإنجازاتك ؟!

تحامل الدون (چاكوب) على حاله لا إلا يتفوه بما قد يضعه بمأزق مع من أكبر منه سناً وعلاقات، وكذلك نفوذ متشعبة كالكابو (ماتيو) ليس مهابة، فهو وإن فعلها سيكون أهلاً لتحمل كافة العواقب.
ولكن الاحترام شريعة متفق عليها ما دام كبيرهم حاضر فيجب صدور الإذن، ولكنه توعد بداخله لمَن ارتكب هذا الخطأ فهو عندما أعد لائحة بأسماء مَن يود إخطارهم لحضور هذه الجلسة لم يُدرج بها اسم المدعو (سيمانز).

الكابو (ماتيو) مجيباً على الفور :

- (سيماااااانز)، ما بك؟! كيف تجرؤ على مقاطعتي؟!

اهتزت حدقتي هذا القميء الذي اتضحت صورته عبر الشاشة وقد أطرق رأسه بخزي، بينما أعتدل الدون (چاكوب) بجلسته، يسند جذعه إلى ظهر المقعد خلفه، نافخاً صدره بنصر وشماتة.

يستكمل حديثه الموجه إلى الكابو (ماتيو) يقول كمَن يصطاد بالماء العكر بل هو كذلك، وقد جاءته ذلت لسان هذا السفيه على المرام :

- لا تعكر مزاجك يا زعيم، يمكننا الاستغناء عن فرد في جلستنا هذه، وبصفتي مضيفكم لا أسمح بأي تجاوز في حق كبيرنا.

- فأنا أحتاج لمشورتك والاستفادة من خبرتك وعبقريتك الفاذة، ولن يحدث هذا وقد أثار أحد الطائشين غضب عقلنا المدبر.

أومأ الكابو (ماتيو) إلى (چاكوب) باستحسان لكياسته ولباقته في الحديث عكس فاقد الاستيعاب ناتشو، يقول :

- وأنا أؤيدك الرأي، يمكنك إزالته من غرفة الاجتماع.

(سيمانز) باعتراض :

- لكن يا زعيم.......

قاطعه (چاكوب) ينظر إليه بابتسامة ساخرة، يقول بتهكمٍ، تزامناً مع عبث يده بأزرار حاسوبه المتواجد على الطاولة أمامه :

- سلام يا حبي، لا نريد أن نهدر وقتك الثمين.

قالها داعساً على أحد أزرار لوحة مفاتيح الحاسوب بحدة وهو يحل بيده الحرة وثاق سترته، يجلس باسترخاء وعظمة.

الكابو (ماتيو) بتساؤل :

- ها دون (چاكوب)!! اطلعنا على ما يدور برأسك ؟

(چاكوب) بثقة، مُرتباً حديثاً منمقاً وفصيح، يقول باستفاضة :

- لقد تحدثت مع أحد رجال الدولة بشأن إيقاف نشاطي في تجارة السلاح والمخدرات على أن أعمل بالتنسيق مع منظمة الأمن الدولي كمورد أسلحة وذخيرة.

-ولكنني طلبت استضافتكم اليوم لنتناقش في أمر قد يكون فيه خير للجميع.

أحد المتواجدين بذاته، رافعاً كفه كإشارة منه برغته في المداخلة الكلامية بين كبيرهم الكابو (ماتيو)، والدون (چاكوب) الذي يكن له جميع الحاضرين كل ودٍ، حتى الشاعرين تجاهه بالغيرة التنافسية لن يجرؤا على إظهارها :

-قطعاً دون (چاكوب) ما دامت جمعتنا بطلب منك سيكون بها خيراً، ولكن ماذا بشأن حصتنا في آخر شحنة.

- لقد تعاقدنا مع تجار التجزئة ومعظمنا جمع المبلغ الذي وردناه لك من المال الذي جمعناه من التجار.

هذا ما كان يخشاه، ماذا سيفعلون إذا علموا إنه ينتوي تسليم الشحنة إلى الشرطة؟!
حتماً ستعم الفوضى، وتذهب كل مجهوداته سدى.

واتته الفكرة على الفور، لذا قال ما جعل (ماركوس) يناظره بدهشة :

- ما علاقة هذا بذاك، كل مَن له حصة في الشحنة سيستلمها بعد انتهاء الاجتماع وعلى الفور؟

تمهل ومن ثم استكمل، يخاطب الكابو (ماتيو) :

- استئذنك يا زعيم لحظة، ساستخدم المرحاض الخاص.
ترى سيسلمهم (چاكوب) الشحنة أم لديه خطط أخرى؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي